تائه جاهل

26 1 0
                                    

إلى أين أمضي، الجواب هو بكل بساطة لا أعلم، مسافر على متن قطار، لا أعلم إلى أين غايتي كما لا أعلم أين أنا، كل من ركبوا بجانبي نزلوا مسبقا في إحدى المحطات بينما أجد نفسي وحيدا في هذه العربة، لا أعلم متى يحين دوري أيضا، أم أنني سأظل هنا، إلى متى؟ كذلك لا أعلم، ظللت في هذه العربة منذ مدة طويلة، ولازال القطار يسير على قضبانه

يصعد أناس وينزل آخرون، كانت عربتي ممتلئة على آخرها بالمسافرين وكنت واحدا منهم، فنزل الجميع في محطات مختلفة بينما لازلت مكاني لم أتحرك، البعض نزل في إحدى المحطات ليأخذ قطارا آخر في اتجاه مغاير، والبعض نزل في محطات حيث ينتظره شخص ما ليدله عن الطريق الذي يرغب في التوجه إليه

رفعت ستار النافذة لأرى ما يحيط بي لعلي أدرك أين أنا، لكنه ليل أسود وظلام دامس لا تكاد ترى خلاله أي شيء، كما أنني أدركت مؤخرا فقط أن القطار لم يتوقف في أي محطة منذ مدة طويلة، هل نزل كل الركاب وظللت وحيدا على متن قطار لا أعرف آخره

هل أبحث في العربات بجانبي لعلي أجد من أسأل، أم أتقدم للأمام محاولا إيجاد أحد العاملين في هذا القطار ليدلني، أو ربما أقفز من القطار تاركا كل ما مضى وكل ما قد يأتي من محطات بعد هذا فضلا عن محطة الوصول الأخيرة لهذا السفر

كم هو محبط أن تجد في نفسك العديد من التساؤلات، لكنك لا تستطيع أن تجيب عن أي منها، بل حتى أنك لست في حالة ذهنية مستقرة تسمح لك بتحليل كل سؤال لوحده و تفحص ما يحمل في داخله من طيات ثم مراجعة احتمالياتك الممكن تتبعها والموازنة بين إيجابيات وسلبيات كل احتمال حتى تصل للخيار العقلاني و الأمثل لاعتماده وسط هذا التيه النفسي والضجيج الفكري

إحساس غريب جدا، حينما تشعر أنك تريد أن تصرخ، لكن في وجه من بالتحديد، هل على شخص معين؟ أم فقط على نفسك أمام المرآة، ترغب في التحدث والكلام، لكن مع من بالتحديد فلكل شخص همه وشأنه، كما أن كل واحد ممن حولي لن يستطيع أن يساعدني، ليس لقلة حيلة منهم، بل لأني أنا بنفسي لا أعلم ما أريد، فأنا أريد الشيء ونقيضه معا

حتى إذا قررت أن أتحدث و أفصح عما بداخلي فماذا يسعني أن أقول، فحتى في محادثتي مع نفسي أجد أنني لا أتقن الحديث حينها، تتلعثم الكلمات ما بين عقلي ولساني، فهذه أنطق بها بينما أقصد شيئا آخر، وذهني يفكر في شيء ثالث

الكثير من المواضيع تتداخل فيما بينها في آن واحد، أيها أبدأ به، و أيها الأهم، لم أعد أقدر على تحديد الأولويات، أعلم أن المقارنة شيء ظالم في حق نفسي فلكل شخص فكره، شخصيته ونشأته ورغم ذلك أجد نفسي أجلد ذاتي على غير مقدرة مني على التوقف

لا أعلم هل لهذا القطار من وصول، لا أعلم ما السبيل، ماذا عساي أن أفعل، ربما أنا أبالغ فقط أكثر من اللازم، ربما هو خطئي منذ الأول، لا أقصد ركوبي على متن القطار، فذلك لم يكن قراري أو اختياري منذ الأول، لكن ربما أخطأت بأنني لم أنزل في إحدى المحطات وأخالط من بها من الناس حتى أتشبه بهم شيئا فشيئا ثم أنغمس وسطهم تماما

متناثراتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن