الفصل التاسع والعشرون
نُفذ حكم الاعدام على والدة فيكتوريا دون علم زوجها وبحضور فقط الحرس الخاص مع الملك وأيضا وأخيرا حضور ولي العهد الكسندر, الذي كان والده يحرص على أن يحضر أفعاله السرية حتى يرث شخصيته هذه في الحكم مستقبلا, ومع أن ألكسندر تأثر بقسوة والده ولكنه لم يستخدمها يوما بعشوائية كوالده, كان يظهرها لخصومه لا لرعيته.
راقبته فيكتوريا عندما نزل من البرج الجنوبي بعد طلوع الشمس على جثة والدتها المعلقة كالمجرمين مقابلة لجثة حارسها الشخصي, وعند باب البرج الجنوبي, توقف الكسندر بجانب والده الذي كان يعطي اومره للحراس, قبل ان يلمحها بين الاشجار الكثيفة لغابة القصر, استأذن من والده الملك لرحيل, فسمح له بذلك وهو يعود للانشغال بتأكيد اوامره لحراسه, صار الامير الكسندر حينها في الممرات الانيقة للحدائق مدعيا عودته للبناية الرئيسية للقصر, قبل ان يتسلل الى غابة القصر, اسرع خطاه عندما اختفت من خلف تلك الشجرة حيث لمح رأسها يطل عليهم, وركض داخل الغابة, حتى وصل لبحيرة القصر المختفية بين الاشجار الباسقة, هناك توقف عندما وجدها واقفة أمامه عند أطراف البحيرة, تنظر اليه بهدوئها الساحر, قبل ان يخفض ولي العهد ذو الرابعة عشرة سنة رأسه ويرى ابنة العشر سنوات تمسك بكمان أثري والدماء تسيل من اناملها, ركض اليها, امسك بيدها وأخذ الكمان منها ثم وضعه على العشب الرطب, فرد يدها امامه ينظر للجروح الدقيقة في اناملها والتي سببتها أوتار الكمان الحادة, أخرج بسرعة من جيب سترته منديله الابيض الفاخر, وبدأ يمسح أناملها م دمائها برفق وهو يسألها:
-ما الذي فعلته فيكتوريا؟
أجابته بأنفاس رزينة كأنها لا تشعر بألم جروحها:
-كنت أتدرب على كمان والدتي يا سمو الامير.
ربت على يدها وهو يترك منديله يغطي اناملها قائلا:
-لا تضغطي على نفسك فيكتوريا, فأنت ستصبحين ماهرة في العزف.
وتوقف عن الحديث وهو ينظر لعينيها الثاقبتين, ويكمل بخفوت:
-عازفة ماهرة كوالدتك.
فاجأته عندما قالت:
-بل افضل منها.
ظل لدقائق ينظر اليها قبل ان يومأ براسه اخيرا ويقول:- معك حق, ستكونين افضل منها بكل تاكيد.
-ما الذي حدث لأمي, لقد رأيت الحرس يأخذونها خارج القصر.
التفت بوجهه بعيدا عنها, لا يريد مواجهة عينيها وهو يكذب عليها غير مدركٍ بأن فيكتوريا قد رأته يشرف على إعدام والدتها:
-لا أعلم شيئا يا ابنة عمي, اليوم سيستدعيك جلالة الملك حتى يطلعك على خبر مهم.
-سحبت يدها من يديه وهي تنزع من يدها منديله الذي اصبح بياضه مشوها بدمائها وتركت يدها عارية بجروحهاوهي تجثوا امام عينيه حتى تحمل كمان والدتها, ثم قالت له:
-المهم الان هو القادم.
استقام واقفا هو الاخر وقال لها:
-أنا أعلم بأنه مهما كان ما سيخبرك والدي صعبا فأنت تستطيعين استيعابه وتحمله, أما أنا فكل ما سأفعله من أجلك أنني لن اذكر شيئا عن والدتك لك او لغيرك, هذا وعد مني ملكي شريف.
أنهى كلماته بإيماءة من رأسه قبل ان يقترب منها ويطبع قبلة على خذها المرمري, وبتلك القبلة انتهى حوار كبير لعقول عملاقة داخل اجساد كانت ما تزال صغيرة.
وذلك ما كان, بعد ساعتين وقبل ان تنزل فيكتوريا للإفطار مع العائلة الملكية, أتى الخدم لمرافقتها اولا لمكتب الملك, هناك دخلت ووجدته جالسا على كرسيه المخملي الذي اورثه لإبنه بعدها, يرتشف فنجان قهوته الزكية, تركها الخادم وحيدة معه بعد ان قامت بتحيته, فأمرها الملك بصوت جاف ان تقترب منه, فعلت ذلك بثقة ووقفت أمامه, وهي تنظر لعيني الرجل الذي اغتصب والدتها وقتلها امامها بعد ان لفق اليها تهمة حقيرة, تكلم وهو يضع فنجانه على الطاولة امامه:
-إنكِ هنا حتى أفسر لك التساؤلات التي تدور في عقلك منذ البارحة. وأكمل سائلا إياها: - لم تري والدتك منذ عشية البارحة صحيح؟
-صحيح يا صاحب الجلالة.
وبدون اي مقدمات اخرى قال لها مباشرة:
-ولن تريها من جديد فيكتوريا, كوني جاهزة لهذا منذ الان.
ظلت على صمتها تنظر اليه, فسألها باستغراب قائلا:
-الا تريدين سؤالي عن السبب؟
-لا, جئت إلى هنا كي أسمع لا حتى أسأل الملك, هذا ما أخبروني به قبل ان يؤتوا بي اليك يا صاحب الجلالة.
ابتسم بغرور وهو يمسك بذراعها ويقربها منه, احنى راسه حتى لم يعد يفصل بين وجهه ووجهها سوى مسافة صغيرة جدا, ولفحتها انفاسه الثقيلة وهو يقول:
-كم انا سعيد لانك لا تشبهين والدتك او والدك الضعيف الواقع تحت رحمة عشق والدتك, أنت تشبهينني في قوتك وقسوتك يا ابنة اخي. ربت على كتفيها قبل ان تتلاشى ابتسامته من على شفتيه ويكمل قائلا:
-حتى لو كنت جاهزة لتقبل رحيلها بدون معرفة الاسباب, فأنا احب أن اعلمك بها.
كان يراها الملك طفلة غير عادية, فكيف ستصير عندما تكبر؟؟ لابد وانها ستبهر الجميع, ستكون الاداة التي سيربها على نمطه حتى تصبح سلاحه الفتاك في المستقبل, واول خطوة لكي يمتلك حياتها في كفه, هو تشويه صورة والدتها لها وذلك عندما قال لها:
-فيكتوريا والدتك امرأة سيئة الاخلاق ومشعوذة, قامت بالاستلاء على قلب والدك وأبعدته خارج القصر حتى لا يظل بجانبك كثيرا, وأيضا حتى تسمح لها الفرصة لخيانته وحب رجلٍ اخر والذي يكون فقط خادم للعائلة الملكية, امك امرأة مغضوب عليها من قبل الرب وايضا من قبل العائلة الملكية وشعب المملكة, لذلك حكم الجميع عليها بالموت حتى نتخلص من شرورها, وهي الان ميتة ولهذا السبب لن تريها مجددا, وأنت بكل تأكيد طفلة صالحة وتحترمين دمائك الزرقاء التي ورثتها من والدك صاحب السمو الملكي الامير مكسيم, والتي للاسف اختلطت ايضا بدماء والدتك المشعوذة التي لا تملك دمائنا الزرقاء, ولذلك تتحملين جزءً من ذنوبها, وان اردت التخلص من قذارة دمائها ليس عليك الاعتراض على حكم الشعب وحكم الملك بل عليك ان تقفي بجانبنا ولا تذكري امر والدتك ثانية حال ان تخرجي من هذه الغرفة. هل ستفعلين هذا يا فيكتوريا؟
نظر لعينيها بقساوة شديدة ولم تبادله سوى نفس القساوة التي كانت تزيد إعجابه بها, بل حتى انها اجابته ببرود قائلة:
-انا مع قرارات فخامة الملك الحكيمة.
تأملت قهقهاته التي انطلقت عاليا حال ان قالت كلماتها تلك, قبل ان يتوقف عن الضحك ويربت مرة اخرى على كتفيها معا ويشد قبضتيه عليهما لدرجة الألم الذي لم تتوأه به, وهو يقول لها:
-سأجعلك أقوى امرأة عرفتها اي عائلة ملكية في هذا العالم فيكتوريا, سأرسلك حيث ارسل الكسندر طيلة اشهر الشتاء القارس الى المعقل السري لتدريبات القتالية, هناك ستكتسبين قوة جسدية لا يمتلكها سوى رجال عائلتنا الملكية وسيتصلب قبلك اكثر مما هو عليه حتى تكوني يدي اليمنى وتابعة لولي العهد الكسندر.
منذ ذلك اليوم بدأت الاستعدادات السريعة لكي يعود الكسندر الى المعقل الحربي برفقة متدربة جديدة, كانت هي فيكتوريا, المراة الوحيدة في مدرسة ذكورية مُعلموها رجال ضخام الاجسام, وحشيين التعامل وقساة القلب, وشاءت الاقدار ان يعود الامير مكسيم الى البيت في اليوم الذي كان مقررا لرحيل الكسندر وفيكتوريا عن القصر, عندما دخل القصر ولم يجد زوجته وابنته في انحائه طلب مقابلة الملك, والذي استقبله في حجرته الخاصة, هناك اخذه في الاحضان المزيفة, وسأله عن سبب عودته المبكرة, فأجابه مكسيم:
-اشتقت للقصر, لزوجتي وابنتي, غيابي طال عليهم وانا جئت لرؤيتهم وتمضية بعض الوقت معهم ثم سأعود للعمل, فهو لن يتعطل ان انا تركته لبعض الوقت من اجل عائلتي.
أنت تقرأ
ملوك تحت رحمة العشق لكاتبة ماروسكا
Romanceصراع بين حياة وموت صراع قلب بين عاشقين صراع انتقام وبقاء صراع من اجل دم ازرق ملكى انه صراع سحر عشق فى محرقة وياله من صراع الرواية منقولة