المقدمة

349 9 1
                                    


رواية: قرابين الحب والغفران

كتابة: رؤى صباح مهدي

الجزء الثاني لرواية "ثلاثتهم بين حب وجحيم" متوفرة فصحى على مكتبة نور وباللهجة العراقية على واتباد

المقدمة

صراخ تعالى كالأنين، وصداه صدّع جدران البيت العالية، وأيقظ خوفا في عيون كل من يرى تلك الشعلة المتحركة تتوهج متراقصة صارخة من أعماق حنجرتها بالم لا يوصف، وتلك الصرخة المدوية تنقل لمن يسمعها ذلك الألم العظيم. أمامها يقف شبحان مرعوبان ينظران لبعضهما وطفل صغير اذهب الرعب عقله؛ فوقف يرتجف كسعفة نخل في يوم عاصفٍ، يبكي وعقله الصغير لا يفهم ما يحصل فهماً تاماً، لكنه ايضا يعرف ان الشخص المحترق والدته!

صرخ الرجل بعصبية:

-ابتعدي يا أمنية وابعدي ابني لا تدعيه يرى ما يحصل

ثم امسك بزهرية، وضعت الخادمة فيها الورود قبل سويعات، وملئتها بالماء لتبقي الورود طازجة، لكن ليس لوقت طويل؛ فقد رميت الورود على الأرض ورمي الماء على الشعلة المتقدة بيد ان الماء القليل ما كان كافيا؛ فخلع الرجل معطفه ورماه على الجسد المحترق لكن بعد فوات الاوان. سقط الجسد محترقٌ معظمه، ولم يبقَ من الصراخ سوى أنات خفيفة، وعين تنظر الى طفلها الصغير، تمسك به يد المرأة التي سرقت منها حياتها كلها. أرادت الحديث لكنها اكتشفت ان لا قدرة لها على إصدار أي صوت، واعتقدت ربما انها ميتة الان، وهذه روحها فقط التي تنظر بغير قدرة على الحراك!

صرخ عادل بعدما انتهى من الحديث في الهاتف لطلب سيارة اسعاف:

-امنية لماذا تقفين هنا قلت لك خذي ابني بعيدا لا تدعيه ينظر

ثم انكب على الجسد الصريع وقال بصوت خافت:

-ستموتين قبل مجيء سيارة الاسعاف ربما هذا عقابك على خيانتك لي!

عينها كانت العضو الوحيد القادر على الحركة، ولو امتلكت القدرة على الحديث لنطقت، لكن هيهات!

في الغرفة المجاورة، بقيت أمنية مع الطفل الصغير تنظر اليه بغضب وقالت هامسة:

-لماذا لم تكن معها!

ظلت تقطع الغرفة جيئة وذهابا وهي قلقة، تفرك يدها بعنف وتتمنى لو ان هاتفها بجانبها؛ لاتصلت بوالدها وأخبرته بما حصل، واخذت بنصيحته، لكن الان عليها ان تهدأ قدر المستطاع ولا تظهر اي ارتباك امام أحد.

فتح عادل الباب عليها وعلى الصغير وقال:

-لقد أحرقت نفسها كيف فعلت هذا؟

ردت أمنية بتوتر حاولت إخفاؤه:

-انها غير مستقرة نفسيا كيف تفعل هذا امام ابنها

نظر عادل للطفل وركض ناحيته وقبله محتضنا اياه وقال له:

-هذا ما ستقوله لاي احد يسألك عما حصل لوالدتك فهمت!

لم يرد الطفل، بل ظل ينظر بضياع وخوف؛ ليحتضنه عادل مرة اخرى. سمعا صوت سيارة الاسعاف فخرج عادل ليستقبل المسعفين، بينما رشا المحترقة لاتزال على الارض غير قادرة على الحراك، قلبها ينبض لكنها شبه ميتة. حُمِلَت على النقالة والى سيارة الاسعاف ثم الى المستشفى. وفي اثناء ذلك وباحترام شديد كان عادل يُسأل بواسطة رجل شرطة عما حصل فأخبره:

-لم تكن مستقرة نفسيا رمت على ملابسها بعض الوقود وأحرقت نفسها.

وظهر على وجهه بعض التأثر ليقول رجل الشرطة:

-انتحار اذا؟

كان الشرطي يسأله عما يجب كتابته في التقرير، وليس استنتاج ناتج من تحقيق دقيق من الشرطي! هز عادل رأسه ايجابا وقال للشرطي:

-في الأيام الأخيرة كانت متعبة وضائعة وهددت اكثر من مرة بقتل نفسها.

بدا على عادل التأثر مرة اخرى امام الشرطي كأنها لحظة من لحظات الشعور بالحزن على رشا، التي تقاسمت معه سنوات زواج طويلة بالنسبة لها لم تكن مستقرة وبالنسبة له كانت سنوات صعوده لما اصبح عليه. رشا أهدت عادل أياماً صعبة؛ مستمعة لنصائح تحثها على الوقوف بوجهه، وعدم الخضوع له او الاستسلام للخوف منه، مما استهلكها جسديا وعاطفيا ونفسيا وفي أيامها الأخيرة عانت الأمرين فقد عاقبها عادل بالضرب اولا، وحينما لم يعد الضرب ينفع، ابعد عنها ابنها، وهو يعرف ان ابنها هو روحها وحياتها وسبب بقائها على قيد الحياة!

تحقيق هزيل انتهى قبل ان يبدأ ثم ذهب عادل الى المستشفى، ليس ليطمئن على صحة زوجته المحترقة؛ فقد انتهى هذا الخيار بالنسبة له، بل ذهب ليستلم الجثمان ويدفنه!

ماتت رشا قبل ان تصل الى المستشفى بسبب النار التي التهمت جسدها بأكمله ولكن هل انتحرت رشا ام تم قتلها؟

--

قرابين الحب والغفران الجزء الثاني لرواية ثلاثتهم بين حب وجحيم فصحىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن