الفصل الاول

304 10 0
                                    


قرابين الحب والغفران

الجزء الثاني لرواية ثلاثتهم بين حب وجحيم

كتابة رؤى صباح مهدي

الفصل الاول

غرفة صغيرة بسرير واسع، وأغراض عرس ما استطاعت الاحتفاظ ببريقها حتى انجلى ذاك البريق، ينام على السرير بقدم متصلبة لازال طيف جرحها يغزه وإرهاق ايام مضت تنهكه. فتح عينه المحمرة العروق ذات الدائرة السوداء التي تحيط بها كما يحيط ذئب بفريسة، تأمل الساعة القديمة على الحائط المفطور كقلبه بالضبط، وكانت تمام الحادية عشرة صباحا فزفر. هذا حاله منذ عاد لا يريد النهوض من سريره، و لا يريد الحديث مع تلك التي يسمع صوتها قريبا منه وفي نفس الوقت بعيد عنه. ما كان الرجوع سهلا، بل كان كالغياب قاسيا مجحفا عسير. ابتلع ريقه الجاف، ستأتي بالتأكيد بعد قليل من اجل جرعة دواءه التي يمقتها مع اضطراره لأخذها. أنصت جيدا لصوتها الحاني وهي تدندن لابنهما في فناء الدار الكئيب بنبرة منكسرة النفس لاغنية مضحكة من أغاني العجائز للاطفال، بيد انها ليست عجوز.. انها في العشرين دقتها الحياة حتى اصبح صوتها يخرج كمن أصابه غليان دائم ليس لماءٍ بالطبع، بل لاي نداء فرح او خبر امل.

جلست سهاد على تخت خشبي تهالكت مساميره. تبسمت لصغيرها المقابل لها، فاتحا رجليه ويديه وبين أصابعه السمينة بعض البرتقال يمص ما فيه من سائل، وحول فمه عصيره الأصفر، وفي عينيه نظرة انتباه لشفتي امه؛ وهي تغني له تلك الاغنية المضحكة بصوتها المتهالك.

انفرجت رجلاها حول الطشت البلاستيكي، ورفعت جلبابها الاسود بوروده البيضاء الصغيرة، وقماشه القطني، ثم بدأت بفرك بعضا من ملابس الطفل في الطشت وفي نفس الوقت تحاول تسليته بافتعال الحركات المضحكة فيبتسم كلما افتعلت حركة جديدة. ظاهرا كان لا يبدو عليها ما تضمره؛ بحراً من الم وتفكير ويأس. الكثير من الهموم التي لا يبدو انها تقل ابدا بل على العكس تزداد وتتضخم. أنهت أغنيتها فجأة وبدون سابق إنذار أخذتها ذكرى من ايام مضت. وجه محرم عليها اليوم كان، لبعض الوقت اليسير حلالها. عضت على شفتيها كأنها تعاقب نفسها وهمست:

-اعوذ بالله من الشيطان الرجيم.

تستعيذ منذ عودة زوجها مختار كثيرا؛ فكثيرا ما يجبرها عقلها على اشياء لا تريد تذكرها. نفضت عن راسها الملفوف بعصابة سوداء بحر الذكريات المقيت. اكملت ما بيدها من غسيل وشطفته ثم علقته لينشف في ركن مهمل، وابنها يتابعها كظلها بينما تروح وتجئ كنحلة نشيطة رغم التعب والارهاق. سمعت طرقا على الباب، خفق قلبها مع دقات الباب؛ لعلمها من يكون. ركضت لتفتحه ووقفت امام الشاب الطويل تنظر اليه بتعاسة. دخل بلا استئذان منها ووقف بمنتصف الفناء الضيق. بعينه كانت نظرات اهتمام لا محدود، وبيده مجموعة اكياس بلاستيكية سوداء، وفور ان اغلقت الباب ودخلت خلفه قال لها:

قرابين الحب والغفران الجزء الثاني لرواية ثلاثتهم بين حب وجحيم فصحىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن