الفصل الثاني

113 9 0
                                    


قرابين الحب والغفران

كتابة رؤى صباح مهدي

الجزء الثاني لرواية ثلاثتهم بين حب وجحيم

الفصل الثاني

يا نقي القلب يا واضح النوايا

لا تخاف من الذياب وسموم الحيايا

ان نمت ليلك بهموم بين الحنايا

تذكر الزين والشين عند ربك مو سوايا

و رحمة الجبار وسعت كل البرايا

بلهاثٍ راكضٍ في حر لهيب، وصل سرمد والشمس في كبد السماء تلفح وجهه الذي مال للسمرة بفعلها فتقطر جبهته المحترقة عرقا وكذا ينزل العرق على رقبته المتهرئة من احتكاك القميص بجلدها. صرخ فيه المشرف على العمال:

-تلهث كالكلب ومتأخر ايضا

ابتلع سرمد ريقه الجاف، واخذ نفسا طويلا واضعا يده على ركبته كي يلتقط انفاسه، قال وهو يلهث:

-اسف، اسف ارجوك سامحني هذه المرة

حدجه المشرف بعصبية ورد:

-ستعمل لساعة إضافية اليوم ان أردت أموالك كاملة، العمل عمل فهمت!

هز سرمد رأسه موافقا -رغم انه لم يتأخر سوى نصف ساعة- ليكمل المشرف:

-مرة اخرى اذا تأخرت عن وقت المناوبة لا تكلف نفسك عناء الحضور. العمال كثر لا حاجة بي الى وجع الرأس

لم يرد سرمد، ظل ساكتا يتلقى الكلام الجارح من المشرف، الذي شاهد الكثير من العمال في حياته حتى أصبح بسبب كذب وخداع البعض منهم، عديم الاحساس، فحرق الطالح الصالح منهم واصبح الكل في نظره كاذب في ادعاءاته.

انفض سرمد للعمل. يحمل الطابوق بيديه المتلطختين بالتراب والمجرحتين بفعل الأطراف الحادة والبقايا المكسورة في الطابوق والحجارة. يحاول ان لا يولي انتباه لما حوله كي لا يفقد شكيمته وهو يشعر بانفلاق ظهره بسبب التعب، وانعصار أصابعه حينما يقع عليها طابوق او حجر او تألُم قدمه بفعل الحمل الثقيل؛ فالعائلة تعتمد على ما يكسبه من مال، وهو لن يخذل عائلته مهما كلفه الامر.

كان لديه وقت راحة ربع ساعة لشرب الشاي او للتدخين او حتى للاكل فاستغلها هو لشراء كوب شاي من الكشك القريب وقرر ان يأكل بعضا من الاكل الذي اعطته اياه سهاد وكان قد وضعه في وعاء يحتوي على الثلج يحفظ الحرارة موجود في مكان العمل يحتفظ فيه العمال بالماء او المشروبات الباردة. سار واشترى الشاي، ولمح في الزاوية القريبة من صاحب الكشك، تلك السيدة التي تجلس منذ فترة ومعها طفل صغير لم يتبين جنسه، عمره بحدود الاربع او الخمس سنوات يلبس ملابس رثة قذرة وشعره قصير يصل الى اكتافه وطوال الوقت اما يجلس في احضانها تتسول به او يلعب قريبا منها فلا تتركه يبتعد عن ناظرها ابدا. شعر بالاسى لحال الطفل وحالها. فكر بينما يقضم اول لقمه يا ترى هل تلك المرأة حصلت على اي مال اليوم؟ هل اكل هذا الطفل المسكين؟ لم يقدر على ابتلاع لقمته، نهض من على طرف الرصيف حيث كان جالسا وتقدم ناحيتها. وضع يده في جيبه فأخرج بعض المال رماه في علبه كارتونية صغيرة وضعتها امامها، ثم مد يده بالطعام وقال:

قرابين الحب والغفران الجزء الثاني لرواية ثلاثتهم بين حب وجحيم فصحىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن