(( ميثاق الحرب والغفران ))
_الفصل الحادي والثلاثون_في ظرف ثواني حدث كل شيء أمامه ولم يفق من صدمته إلا عندما وجدها بين ذراعيه وهي تنزف الدماء من ظهرها، حالة من الهلع سادت في الشارع وبعض الرجال حاولوا اللحاق بصاحب الدراجة النارية والبعض الآخر تجمعوا حولهم في محاولة لإسعافها.
نظر لها وضمها إليه هاتفًا بزعر:
_آسيا
رمقته بضعف ثم أغلقت عينيها ببطء وأرتخت أعصاب جسدها كلها، هو كان بعالم آخر لا يسمع ولا يرى شيء حوله سواها وكأن تلك الرصاصة أصابته هو، ودون أي لحظة تفكير حملها بين ذراعيه وبمساعدة الناس فتحوا له باب السيارة ووضعها بالمقعد الخلفي ثم أغلق الباب وركض نحو مقعده المخصص للقيادة يستقل به وينطلق بالسيارة كالبرق يشق بها الطرق بجنون، كل ما كان يستحوذ على عقله في تلك اللحظة هو الوصول للمستشفى بأسرع وقت، كان عين يضعها على الطريق والعين الأخرى لا يزيحها عنها كل ثانية ينظر لها ويهتف بهلع وخوف ملحوظ في نبرته الرجولية:
_آسيا أنتي سمعاني.. آسيا
كانت فاقدة الوعي بالفعل ولا تجيبه، لا إراديًا مد ذراعه للخلف وهو يقود وقبض على كفها يحتضنه بين كفه العريض باحتواء هاتفًا بنبرة مبحوحة رغم إدراكه أنها لا تسمعه لكنه كان يطمئن نفسه حتى يهدأ من روعه ونبضات قلبه السريعة:
_هانت خلاص ياغالية قربنا نوصل استحملي.. استحملي ياغزالي
***
مرت ثلاث ساعات منذ وصولهم للمستشفى وهي لم تخرج من غرفة العمليات حتى الآن، ظل هو جالسًا على المقعد الحديدي بالردهة الطويلة المؤدية لغرفة العمليات ورأسه مدفونة بين راحتي كفيه وقدميه تهتز بعنف من فرط التوتر والخوف، يديه وملابسه غارقة بدمائها وعقله لا يستطيع إخراج لحظة سقوطها بين ذراعيه وهي تنزف، رغم عجز نظراتها الأخيرة له وضعفها إلا أنها كانت كلها سكينة وكأنها تخبره أنها ستكون بخير طالما هو معها.
هو عاجز عن التفكير في هذا الوقت بذلك الوغد الذي فعلها، كل اهتمامه منصب على زوجته المسطحة على فراش المرضى بغرفة العمليات الآن، لكن بأعماقه يقسم لذلك الفاعل بعقاب سيجعله يتمنى الموت.
ساعة أخرى مرت وأخيرًا رأى الطبيب يخرج من غرفة العمليات فهب واقفًا واسرع نحوه يسأله بتلهف:
_خير يادكتور طمني
أجابه بتنهيدة حارة وابتسامة خافتة:
_الحمدلله العملية نجحت والمدام بخير وهننقلها على العناية لمدة أربعة وعشرين ساعة عشان تكون تحت الملاحظة لو حصلت أي مضاعفات
ردد " الحمدلله " وهو يتنفس الصعداء براحة ثم شكر الطبيب وعاد لمقعده مرة أخرى يجلس فوقه وهو يمسح على شعرها نزولًا لشعره زافرًا بضيق، هدأ قلبه الذي كان ينتفض خوفًا لكنه لن يرتاح إلا عندما يراها بعينيه ويطمئن بنفسه.
أخرج من جيبه هاتفه الذي لا يتوقف عن الرنين منذ وقت طويل وأجاب على المتصل بصوت ضعيف:
_إيوة يابوي
وصله صوت أبيه المزعور وهو يسأله:
_عمران أنت زين ياولدي؟
أجابه بخنق وهو يمسح على وجهه متأففًا:
_كويس يابوي خير في حاچة؟!
سكون استحوذ على المكالمة بينهم حتى وصله صوت أبيه الخافت وهو يسأله بقلق وكأنه تأكد من شيء:
_آسيا چرالها إيه؟
رفع عمران حاجبه مستغربًا سؤال والده ولم يجيب فتابع إبراهيم بغضب ظاهر في نبرته:
_سلاّم الـ*** باعتلي رسالة وكاتب فيها المرة دي كان حظ المعلم ولدك حلو ومحصلهوش حاچة وكانت من حظ المدام المرة الچاية هتكون من حظه هو لو معقلتهوش وخليته يرچع الفلوس