الفصل الثالث عشر

629 28 1
                                    

(( ميثاق الحرب والغفران ))
_ الفصل الثالث عشر _

كانت ملقية فوق الأرض فاقدة لوعيها والمياه تملأ أرضية الحمام كله، التفت برأسه تجاه صنبور المياه المفتوح وأسرع يغلقه بسرعة ثم تقدم نحوها وانحنى يحملها فوق ذراعيه ويسير بها مغادرًا للخارج.
وضعها فوق الفراش ثم أخذ يهز رأسها بلطف هاتفًا:
_ آسيا.. آسيا!
لاحظ شحوب وجهها وجسدها المثلج بسبب ملابسها المبتلة وشعرها، احتار فيما سيفعله فراح يكمل محاولاته لإيقاظها حتى أنه جلب عطره الرجولي ونثر منه على يده وقربها من أنفها وسط منادته لها باسمها على أمل أن تفتح عينيها لكن دون جدوى، استحوذ عليه القلق من حالتها وأخذت الوساوس تنهش بعقله.. فانتصب في وقفته وراح يمسح على شعره نزولًا لوجهه ولحيته وهو يزفر بقلق وحيرة، قذفت بعقله فكرة فأسرع للخارج يسرع في خطاه تجاه غرفة شقيقته.
وقف أمام غرفتها وأخذ يطرق على الباب بهدوء وهو يهتف:
_ فريـــال
لم يحصل على إجابة منها فراح يعيد طرقه مجددًا لكن الإجابة كانت نفسها، حسم قراره وفتح الباب فوجدها نائمة في فراشها.. تقدم نحوها وانحنى عليها يهزها برفق شديد ويهمس:
_ فريال اصحي.. فريال
فتحت عيناها بنعاس وحين اتضحت صورة أخيها أمامها وثبت جالسة مفزوعة تسأله:
_ في إيه ياعمران.. حد چراله حاچة؟
قال بلهجة جادة وهو ينتصب واقفًا ويجذب حجابها من على طرف الفراش ثم يناوله لها هاتفًا:
_ البسي طرحتك وتعالي ورايا بسرعة
سقط الرعب في قلبها من حالة شقيقها القلقة التي لم تعتاد عليها وظنت أن كارثة وقعت، فهبت واقفة من الفراش بسرعة وألقت بحجابها بعشوائية فوق شعرها واسرعت خلفه شبه ركضًا، وحين رأته يتجه نحو غرفته ضيقت عيناها باستغراب لكن فور دخولها ورؤيتها لآسيا بهذه الحالة شهقت بهلع وقالت وهي تنظر لأخيها بصدمة:
_ عملتلها إيه ياعمران؟!
احتدمت نظراته على أثر عبارتها فهو لم يكن بحال يمكنه من تحمل كلمة واحدة بسبب قلقه، أجاب على شقيقته بغضب:
_ هكون عملتلها إيه يعني هو أنا چايبك عشان تقوليلي الكلمتين دول يافريال.. غيرليلها هدومها لغاية ما اتصل بالدكتور عشان ياچي يشوفها 
تعجبت من عصبيته وطلبه فقالت بعدم فهم:
_ هو إيه اللي چرالها؟!
عمران بإيجاز وانفعال نابع من اضطرابه:
_ معرفش يافريال مش وقته دلوك.. اعملي اللي بقولك عليه قبل ما ياچي الدكتور
لم تجادل معه أكثر وامتثلت لأوامره بصمت ثم اسرعت تفتح خزانة الملابس تبحث عن ملابس لها بعدما انصرف هو ليستدعي الطبيب هاتفيًا.. راحت تبحث بالخزانة كلها ولم تعثر على أي شيء يعود لها، فقط ملابس وأشياء أخيها بالخزانة فالتفتت حولها وعثرت على حقيبتها.. اتجهت نحوها وفتحتها ثم أخرجت جلباب منزلي باللون الأزرق وتحركت نحو الفراش ثم جلست بجوارها وراحت تحاول إفاقتها لكنها لم تجد فائدة فبدأت في تبديل ملابسها المبتلة.
دخل عمران على صوت شقيقته التي تصيح باسمه وحين دخل التفتت فريال له برأسها وقالت:
_ تعالى ساعدني مش عارفة اغيرلها وحدي
استقرت نظراته الحانقة على زوجته وشقيقته، استدعاها خصيصًا لأنه لا يريد أن يقترب منها ويبدل ملابسها وهي الآن تطلب منه المساعدة، تأفف مغلوبًا واقترب من الفراش يجلس على الجانب الآخر وتولى هو مهمة حمل آسيا وكانت فريال تتولى المهمة التي تهرّب منها ومازال يتهرّب حيث كان يشيح بوجهه للجانب الآخر رافضًا النظر إليها، لا يعرف كيف تحكم بذاته وصمد دون أن ينظر رغم فضوله وغريزته التي كانت تصرخ ليلقي نظرة واحدة فقط، أما فريال فكانت تلقي نظرة كل لحظة على شقيقها وجهها يعتليه علامات الحيرة من تصرفه، لكن لم يكن الوقت المناسب لمواجهته واكملت ما كانت تفعله وبعد انتهائها استقام هو واقفًا واتجه نحو الشرفة يتابع الطريق منتظر وصول الطبيب.. وبالداخل كانت فريال قد جلبت منشفة صغيرة وأخذت تجفف شعر آسيا المبتل جيدًا ثم لفت الوشاح فوق شعرها ودثرتها بالغطاء.
توقفت وكانت على وشك أن تتجه نحو أخيها لكنها وجدته يدخل من الشرفة ويسرع بخطاه للخارج فسألته باهتمام:
_ الدكتور وصل ؟
هز رأسه لها بالإيجاب دون أن يجيب وهو يغادر الغرفة فبقت هي مكانها تنتظر عودته مجددًا، وبعد دقائق معدودة دخل وهو بصحبته الطبيب الذي تقدم من الفراش واقترب من آسيا وبدأ يفحصها وكان هو يقف يتابع ما يفعله بتركيز وفريال بجواره.
انتصب الطبيب في وقفته بعد دقيقتين تقريبًا وقال بجدية تامة:
_ هي ليها قد إي مكلتش حاجة؟!
كان الطبيب ينتظر الرد من عمران الذي كانت إجابته بالصمت، فهو نفسه لا يعرف متى آخر مرة رآها تتناول الطعام فيها، انقذت فريال الموقف حين رأت الصمت والضيق يظهر بوضوح على قسمات وجه أخيها وقالت:
_ ممكن تكون النهاردة مكلتش حاچة يادكتور عشان كانت مضايقة شوية
هز الطبيب رأسه بالرفض وقال بلهجة حازمة:
_ مستحيل يكون النهاردة فقط.. واضح أنها ليها أيام ممتنعة عن الأكل وده سبب هبوط حاد في ضغط الدم عندها
خرج صوت عمران أخيرًا الذي سأل بغلظة واهتمام:
_ يعني هي وضعها صعب ولا إيه يادكتور
أجابه بالرفض وبثبات:
_ حاليًا لا، أنا هكتبلها على علاج تلتزم بيه وهعلق ليها محلول وهتفوق خلال المحلول مع نفسها.. بس قصاد كدا لازم يكون في اهتمام بأكلها ومتهملش في العلاج ولا الأكل لأن لو اتكرر ده تاني وقتها ممكن يشكل خطر ويكون ليه أعراض جانبية
صمت قاتل هيمن عليهم والطبيب كان يغرز أبرة المحلول بيدها في رفق وثبتها جيدًا ثم تركها لكي يسير الدواء بجسدها.. بعدها انتصب في وقفته وكتب العلاج المناسب لحالتها الصحية وتقدم نحو عمران يناوله الورقة فجذبها منه وصافحه مبتسمًا بهدوء وهو يقول:
_ متشكر يادكتور تعبتك معايا
رتب على كتفه بلطف وقال باسمًا وبلهجة صارمة:
_ على إيه ياعمران متقولش كدا يابني.. المهم خلي بالك منها ومن أكلها كويس
اماء له بالموافقة ثم اصحطبه معه للخارج لكي يودعه إلى الباب وفريال اسقطت نظرها على آسيا تتمعنها مطولًا بشك، هناك آمرًا خطيرًا لا أحد يعلمه فهذه ليست شقيقة زوجها القاسية التي اعتادت عليها.
دقائق وعاد عمران مجددًأ للغرفة فوقف بجوار فريال وهو يمسح على وجهه ويتأفف بخنق في صوت عالي ليسمعها تقول برقة:
_ أنا هروح أعلمها أكل على ما تفوق عشان تاكل وتاخد علاچها
التفت لشقيقته وابتسم لها بحب ثم انحنى عليها ولثم رأسها بدفء وبعيناه استقرت نظرة شكر، فبادلته الابتسامة وغادرت لتتركه يتمعن في تلك النائمة على الفراش بسكون ولحظات معدودة ثم تقدم نحو المقعد وجلس عليه وهو لا يحيد بنظره عنها.
بعد مرور خمس دقائق تقريبًا فتحت عيناها ببطء وسط تأوهًا متألمًا تخرجه من بين شفتاها فتوقف واقترب منها يجلس بجوارها هاتفًا:
_ إيه اللي واچعك؟
ردت بصوت ضعيف وعينان دامعة من فرط الألم:
_ رقبتي وضهري.. چسمي كله كأنه متكسر آااااه
  أصدرت التأوه الأخير عندما حاولت الحركة فأوقفها هو بنبرة قوية:
_ متتحركيش عشان الوچع ميزيدش وعشان في محلول في يدك
نظرت ليدها ثم عادت بنظرها له وقالت باستغراب:
_ مين اللي حطلي المحلول ده وليه؟!
باغتها بنبرته الساخطة والحادة وهو يعنفها بقسوة:
_ وأخرتها معاكي، مش هتعقلي وتبطلي شغل العيال اللي بتعمليه ده.. إنتي فاكرة نفسك بتعاقبي مين بعمايلك دي، لما تقعي وتموتي حد هيهمه أمرك ولا يزعل عليكي.. أنتي اللي خسرانة
تقوست ملامح وجهها الهادئة وأصبحت أخرى شرسة بسبب تعنيفه لها وهي لا تفهم ما الخطأ الذي ارتكتبه لتتلقى التوبيخ والعصبية الآن:
_ أنتي بتكلمني إكده ليه.. أنا عملت إيه!
صاح بها بغضب ونبرة تحمل الإزدراء:
_ أنتي مبتعملش حاچة واصل.. أنتي ملاك نازل من السما!
لم تفهم ما يلمح إليه وسكتت بعدم فهم حتى وجدته يكمل بجفاء:
_مكنتيش بتاكلي ليه؟.. إيه مكفكيش المصايب اللي وقعت فوق راسي بسببك وبسبب عمايلك عايزة كمان تشيّليني مصيبة تاني

رواية ميثاق الحرب والغفران حيث تعيش القصص. اكتشف الآن