(( ميثاق الحرب والغفران ))
_ الفصل الحادي والأربعون_مر أكثر من نصف ساعة منذ شجارهم وحتى الآن لا يسمع لها أي صوت وكأنه بمفرده داخل المنزل، رغم نفورها منها في ذلك الوقت وعدم رغبته برؤية وجهها حتى إلا أنه لم يستطع كبح مشاعر القلق التي تغلغلت في ثناياه، ودفعه فضوله لمعرفة مالذي تفعله أن ينهض ويغادر الغرفة متجهًا نحو الصالة متصنعًا أنه سيكمل حديثه المستأنف معها أو ربما شجارهم!.
لكنه تصلب بأرضه عندما رآها فوق الأرض فاقدة وعيها، وبثواني معدودة كان يسرع نحوها ويجلس بوضعية الاندفاع بجانب رأسها ثم يرفع رأسها عن الأرض ويضرب فوق وجنتها برفق هاتفًا:
_آسيا.. آسيا
عندما لم يجد استجابة منها اعتدل في جلسته واستقام منحنيًا ثم حملها فوق ذراعيه واتجه بها لغرفة نومهم بالداخل ليضعها فوق الفراش بحرص شديد ويعود يبدأ محاولاته مرة أخرى في إفاقتها، تقريبًا قام بتجربة كل الطرق الممكنة وجميعهم لم يجدوا بنفع معها فتسارعت نبضات قلبه والخوف هيمن عليه فالتقط هاتفه بسرعة وكان سيهم بالاتصال بالطبيب لكن توقف وانزل الهاتف ببطء من فوق أذنه عندما وجدها تفتح عيناها وتأن بألم وهي ترفع يدها لرأسها ممسكة بها وتهمس:
_آاه ياراسي
استقرت نظراته الجافة لها وهو يرد عليها بلهجة رجولية غليظة:
_شوية والوچع يروح، أكيد حاسة بألم عشان وقعتي عليها
انتفضت على أثر صوته فلم تكن مدركة لوجوده وعندما سمعته اعتدلت في نومتها ونظرت له بقلق وخوف دون أن تتحدث، تدرس تعابير وجهه هل كما هي أما هدأت قليلًا، لم تختلف نظراته المخيفة لها لكن مظهره يبدو أقل هدوءًا مما كان عليه منذ قليل، ودت أن تتحدث لكنها ترتعد كلما تتذكر العواقب الوخيمة التي واجهتها عندما ردت عليه وكيف تحول لوحش كاسر يدمر كل شيء.
دام ذلك الصمت القاتل بينهم وهي تحاول عدم التركيز على عيناه المرعبة وهو يستمر في التحديق بها في كل غضب وغلظة، خشيت أن ينهض ويفتك بها في لحظة مباغتة من شدة حدة نظراته لها.
كانت تتصارع مع عقلها الذي يلح عليها في التحدث وطرح سؤال بسيط فقط، لكنها كانت تلبي الطبيعة التي فطرتها الشعور بالخوف لكن مع الإلحاح الشديد من ذلك الصوت المزعج تحدثت بصوت بالكاد يُسمع:
_أنت هديت شوية؟!
طال تحديقه المريب فيها والذي كان يزيد من شعورها بالندم أنها تحدثت، ثم سمعته يجيب أخيرًا بكل هدوء لكنه يضمر في ثناياه غليان دماءه:
_على حسب.. يعني لو قفلتي خشمك ده ومقولتيش حاچة تعفرتني هفضل هادي إكده أو متمالك أعصابي بمعنى أصح
هزت رأسها بالموافقة وهي تضم سبابتها وابهامها وتسير بهم على طول شفتيها المغلقة تريه أنها لن تفتح فمها أبدًا، فسيطر الصمت عليهم مجددًا وهذه المرة هي كانت لا تنظر له أو تتحاشى النظر إليه بالمعنى الأدق حتى سمعته يقول بصوته الرجولي:
_بما أننا مكملناش كلامنا.. فأنا سامعك دلوك يلا قولي ال*** ده قالك إيه؟
التفتت له وتمعنته للحظة قبل أن تسأل ببلاهة:
_اتكلم وارد عادي ولا ممنوع؟!
ارتفع حاجبه اليسار بنظرة مريبة فتنحنحت هي بتوتر وقالت له في خوف:
_ما بلاش النهاردة خليها بكرا نكمل كلامنا.. أصل أنا تعبانة وأنت كمان أكيد مرهق فنتكلم بكرا ودلوك ننام.. أنا بقول ده رأى حلو قوي يلا عاد تصبح على خير
أنهت عبارتها واعتدلت في الفراش تهم بالتمدد عليه وتوليه ظهرها حتى تنام أو تهرب منه في المعنى الأصح، لكنها ارتجفت قبل أن تكمل اعتدالها حتى في الفراش على أثر صيحته بها:
_آســيــا
عادت لوضعها الأول مجددًا وهي ترسم ابتسامة خوف على ثغرها وترد عليه بخفوت محاولة إقناعه بوجهة نظرها التي في صالحها قبل صالحه:
_ما هو أنا لو اتكلمت دلوك وحكيت هتتعصب تاني وأنا هتعب وهيچلي هبوط تاني وأنت هتخرب الدنيا كيف ماعملت من شوية
عمران بانزعاج حقيقي وغيظ:
_آسيا مستنفذيش صبري أنا قولت اتكلمي يبقى اتكلمي من غير لت وعچن كتير
ازدردت ريقها بتوتر واستغرقت برهة من الوقت محاولة التفكير في طريقة مناسبة لتبدأ بها الحوار حتى لا يستيقظ ذلك الوحش مجددًا، فقالت في خفوت:
_قبل كل حاچة أنا مكنتش اعرف أن ده هيحصل وأنها إكده ولو كنت أعرف مكنتش أبدًا غلطت الغلطة دي بس للأسف وثقت فيها ودي أول مرة أعملها وآخر مرة أثق في حد
رفع يده يمسح على وجهه ولحيته وهو يتأفف بنفاذ صبر ويهتف في حدة:
_هو مش موضوع تعبير وبتبدأيه بمقدمة اخلصي اتكلمي أنا سألتك قالك إيه؟
تحلت بالشجاعة المزيفة وقالت بصوت منخفض دون أن تنظر لوجهه خوفًا من ردة فعله:
_أنا حكيت لسندس اللي حُصل معايا وكيف اتچوزنا وهي قالتله وهو چه وكان فاكرني لساتني مچبورة على الچواز منك وعايزة أطلق وكان بيعرض عليا يساعدني بس أنا مسحت بكرامته الأرض وطردته
صمت مميت هيمن عليه وعندما رفعت رأسها له رأت ملامح وجهه عادت لذلك المنظر المرعب مجددًا فحاولت الثبات وتابعت في محاولة فاشلة لامتصاص جموحه:
_أنا مكنتش اتوقع أنها تقوله ياعمران
صر على أسنانه بغيظ واغلق عينيه للحظة يتخيل أن ذلك الوغد كان يعرف كل تلك التفاصيل عن حياتهم وعلاقته بزوجته وكيف تزوجها ففقد صموده المزيف وفتح عينيه مجددًا يصرخ بها بصوت جهوري:
_وأنتي كيف تحكي لحد الكلام ده وتقولي لها أسرارنا
انتفضت مكانها رعبًا لكنها التزمت الصمت ولم ترد خشية من أن تسوء الأوضاع أكثر بينهم، أما هو فهب واقفًا وهو يغلي من الغضب ويغلق على قبضته بعنف ويتمتم وهو يمسك بدفنه ويشد على لحيته:
_وال***** عرف أننا اتچوزنا عشان نداري على فضيحة فافتكرك كيف ***** اللي يعرفهم.. يا**** يارتني فرغت السلاح في نافوخك وخلصت عليك واصل وطفيت ناري، لا وأنتي فتحتيله الباب ودخلتيه
ردت بصوت خافت محاولة الدفاع عن نفسها:
_مكنتش أعرف أن قذر للدرچة دي
اندفع نحوها وانحنى عليها يصرخ بأنفاس ملتهبة ووجه مرعب:
_تعرفي ولا متعرفيش أنتي اتخبلتي في نافوخك عشان تدخلي راچل البيت وأنا مش موچود، ومش أي حد ده كان مدمن وراچل **** كل ليلة مع حرمة شكل يعني كان ممكن يعملك إي حاچة
اتسعت عيناها بصدمة بعدما اكتشفت حقيقته بينما هو فرفع قبضته المغلقة وهو يصر على أسنانه من فرط غيظه وجموحه ثم ضرب بقبضته على الحائط وهو يصرخ بها:
_قوليلي أنا دلوك اعمل فيكي إيه عشان ارتاح
انكمشت على نفسها في الفراش ودون أن تشعر وجدت دموعها تسيل على وجهها غزيرة وهي ترد عليه بصوت مرتجف ومبحوح:
_بزيادة ياعمران هو انا كنت اعرف أن كل ده هيحُصل ولا أنه إكده وكنت قاصدة اعمل كل ده يعني، أنا بس لما لقيته بيقول الموضوع مهم ويخصك ويخصني الفضول هو اللي خلاني ادخله واتكلم معاه
هدأت نبرة صوته لكن بحته ومظهره المرعب لم يختفي:
_وهو أنتي أي راچل هيخبط عليكي ويقولك عاوز اتكلم معاكي في موضوع مهم وأنا مش قاعد هتدخليه!!
استمرت في البكاء الذي تحول لنحيب مرتفع دون أن تجيب عليه أو حتى تنظر لوجهه، وراحت تحني وجهها وتدفنه بين ثنايا كفيها تخفيه عن أنظاره القاتلة تمامًا دون إن تتوقف عن البكاء، فتمعنها بعيناه القاسية والغاضبة دون أن يحرك ساكنًا ثم هتف بلهجة صارمة لا تقبل النقاش أبدًا:
_من إهنه ورايح البت دي تنسيها وتقطعي علاقتك بيها على الآخر ومشوفكيش بتتحدتي معاها واصل وإلا أنتي المسئولة عن ردة فعلي، أنا مندمتش على چوازي منك قد ما ندمت إني چبتك معايا القاهرة، يومين ونرچع البلد تاني
كانت منغمسة في نوبة بكائها فكرر أوامره عليها مرة أخرى حتى يتأكد من أنها استوعبت:
_سمعتي قولتلك إيه!.. مش عاوز اسمعك بتچيبي سيرة البت دي تاني ولا ترمي السلام عليها حتى فاهمة ولا لا
هزت رأسها له بالموافقة امتثالًا لأوامره دون أن ترفع وجهها عن كفيها، بينما هو فاعتدل في وقفته واستدار ثم غادر الغرفة ليتركها بمفردها تقضي الليلة كله وحيدة بعد أن قرر النوم بغرفة عمله الخاصة على الأريكة.
***
بصباح اليوم التالي داخل منزل ابراهيم الصاوي......
كان الجميع ملتف حول طاولة الطعام ويتناول وجبة الإفطار، وكان بلال جالس الجهة المقابلة لأمه ووالده وزوجة أبيه وكانت نظراته الثاقبة مستقرة على والده يتابعه وهو يتحدث مع أمه بكل طبيعية وهي تبادله الحديث في كل لطف وابتسامة عذبة، على عكس إخلاص التي كانت لا تنظر لابراهيم أبدًا كأنها لا تطبق النظر في وجهه وقمساتها عالية ومنزعجة، فضيق بلال عينيه مستغربًا وللحظة ظن أنها تعرف بزواج والده لكن سرعان ما استبعد ذلك الاحتمال فمن المستحيل أن تظل بهذا الهدوء إذا عرفت، ربما تكون منزعجة بسبب آخر مجهول.
لاحظت عفاف نظراته المريبة لهم وأنه لا يأكل بل يستمر في مراقبتهم والتحديق في والده بغضب.. فسألته بحيرة:
_بلال مالك ياولدي في حاچة مضايقاك ولا إيه؟!
انتبه لتصرفاته المريبة ونفر برأسه وهو يزفر بخنق ثم راح يجيب على أمه بحنو مبتسمًا:
_لا ياما مفيش حاچة أنا سرحت شوية بس
استقرت نظرات ابراهيم الساخطة على ابنه بعدما فهم سبب حالاته الغريبة هذه، فترك الطعام الذي بيده وهب واقفًا فجأة وهو يوجه حديث الصارم لبلال:
_تعالى ورايا
تنفس الصعداء بضيق ثم استقام واقفًا هو الآخر ولحق بوالده وسط نظرات الجميع المستفهمة وفضول عفاف الذي سيقتلها لمعرفة ما الذى يحدث بينهم.
بينما في الداخل فور انعزالهم عن أنظار ومسمع الجميع هتف ابراهيم ساخطًا:
_أنت عاوز تعمل مشاكل وخلاص ولا أيه!
اقترب بلال من المقعد وجلس فوقه وهو يجيب على أبيه بغضب مماثل:
_أنا مش عايز حاچة يابوي بس كمان مش قادر افضل ساكت إكده وأنا شايفك مخبي علي أمي، أظن كفاية قوي ست سنين وچه الوقت عاد أن عيالك وحريمك يعرفوا
هتف ابراهيم ساخرًا في انزعاج:
_أنت بتهددني يعني يابلال أني لو مقولتش لأمك أنت اللي هتروح تقولها
هز رأسه بالرفض التام مجيبًا على والده:
_لا يابوي أنا مقولتش إكده ومتقلقش أنا مش هقولها حاچة، أنا عاوزها تسمع منك أنت مش مني، أنت اتچوزت وده حقك أظن من حقنا وحقها كمان أننا نعرف
لوى ابراهيم فمه بخنق قبل أن يجيب على ابنه مغلوبًا في نبرة هادئة:
_الكل هيعرف يابلال اهدى ياولدي.. أنت مش هتعاديني وتقف قصادي عشان اتچوزت على أمك
طالت نظرة بلال المقتضبة لوالده قبل أن يستقيم واقفًا ويقول بلهجة مهذبة وهادئة متجاهلًا ما قاله للتو:
_عن أذنك يابوي أنا همشي عشان ورايا مشوار ضروري
انهى عبارته واندفع لخارج الغرفة فوجد أمه في وجهه وهي تسأله بقلق:
_في إيه يابلال مالك أنت وأبوك؟
تنهد في وجه فاتر ورد بإيجاز:
_مفيش ياما موضوع تبع الشغل
ولم يترك لأمه مجالًا لطرح المزيد من الأسئلة حيث ابتعد عنها وسار لخارج المنزل بأكمله وبينما كان في طريقه للسيارة ارتفع صوت رنين هاتفه فرفعه لمستوى نظره وحدق في الشاشة لاسم المتصل الذي جعله يغضن جبهته باستغراب لكن الفرحة تغلغت في قلبه وبسرعة دون تفكير أجاب على الهاتف في وجه مشرق:
_الو
وصله صوتها المرتعش والخائف وهي تهتف:
_ايوة يابابا تعالالي بسرعة
اختفت بسمة ثغره وتقوست ملامحه للقلق والجدية وهو يقول يجيبها:
_أنا بلال ياحور.. مال صوتك إكده أنتي كويسة؟
انزلت الهاتف عن أذنها تنظر في الشاشة تتأكد من الاسم الذي قامت الاتصال به فوجدته بلال بالفعل، لقد كان اسمه يتبع اسم والدها بضبط في قائمة الاتصالات بسبب تشابه أول حرف في الأبجدية وبسبب تلهفها ضغطت على اسمه دون وعي، رفعت كفها ومسحت على وجهها بغيظ ثم عادت بالهاتف لأذنها مجددًا تجيبه باعتذار:
_انا آسفة يابلال اتصلت بيك بالغلط كنت عايزة اتصل بـ بابا
لم يبالي بما قالته للتو وأعاد سؤاله للمرة الثانية في اهتمام:
_قوليلي الأول أنتي كويسة.. في حاچة حُصلت معاكي؟!
أجابت بالرفض المزيف حتى لا تزعجه بمشاكلها رغم أن صوتها المرتعد لا يلائم كلماتها أبدًا:
_لا يا بلال مفيش حاچة أنا كويسة.. معلش ازعجتك
خرج صوته الحاد وهو يسألها للمرة الثالثة:
_حور مالك اتكلمي.. أنتي فين طيب؟
تنهدت في الأخير بقلة حيلة وردت عليه تصف له مكانها فأخبرها أن سيأتي لها حالًا وانهى الاتصال معها واسرع نحو سيارته لكي يستقل بها وينطلق نحو موقعها.
***
بمدينة العين السخنة داخل منزل خاص بجلال......
كانت فريال تقف في شرفة غرفة نومهم تتأمل في مياه البحر أمامها وهي مبتسمة ونسمات الهواء الباردة تلفح صفحة وجهها، كانت الشقة في الطابق السادس ورغم خوفها من المرتفعات إلا جمال المنظر الذي أمامها كان لا يقاوم، أغلقت عيناها ببطء تترك الهواء يرسم لوحته الرقيقة على صفحة وجهها المبتسم.
رعشة جميلة اجتاحت جسدها عندما أحست بقبلته الدافئة من الخلف على رأسها وهو يهمس:
_هتبردي وتتعبي يافريال
هزت رأسها بالنفي وهي مازال متحفظة بابتسامتها:
_ مش بردانة.. والمنظر ده وحشني قوي لينا سنين مچيناش إهنه
تحرك ووقف بچوارها وهمس بحب وهو يتأمل مباح البحر أمامه:
_آخر مرة چينا كنتي حامل في عمار برضوا واختارنا هنسميه إيه هنا
هزت رأسها بالإيجاب وهي تضحك وتكمل وسط ضحكها بمرح:
_أنت كنت عاوز تسميه حمزة على اسم جدك وأنا كنت عاوزة عمار وأنا اتخانقت معاك ولغاية ما ولدت واحنا كنا بنتخانق وأنت بعدين عشان ترضيني كتبته عمار وعملتها مفاجأة ليا
مال ثغره ببسمة دافئة وعاشقة ثم التفت لها ورمقها مطولًا بعبوس متمتمًا:
_وقتها كان في بينا مشاكل كيف دلوك ولما چينا إهنه وانتي ولدتي نسينا كل الزعل ورچعنا كيف ما كنا، وقتها أنا مندمتش إني سميته عمار لأن كان ليه نصيب من اسمه وهو اللي چمعنا من تاني
أشاحت بوجهها بعيدًا عنه وراحت تتأمل منظر المياه مجددًا مجيبة عليه بحزن:
_مكنتش مشاكل كيف المشاكل اللي احنا فيها دلوك ياچلال
جلال ببسمة دافئة كلها عاطفة:
_كيف ما عدينا اللي فات نعدى ده كمان طول ما احنا چار بعض
رمقته مطولًا بأسى وعينان دامعة ثم تنهدت في قلة حيلة واستدارت تدخل للغرفة وتتجه نحو الأريكة تجلس عليها بوجه عابس، بينما هو فأكمل مراقبته لأمواج البحر الهائجة مثل روحه.
قطع تلك الأجواء الكئيبة بينهم دخول عمار ومعاذ ليهتف معاذ بضيق:
_مش هننزل البحر عاد ولا إيه يابوي!
رد عمار مازحًا متعمدًا إضحكاهم:
_أيوة أنا حران قوي وعاوز انزل اعوم
رفعت فريال كفها تضعه على وجهها وهي تضحك مغلوبة، وكذلك جلال الذي دخل من الشرفة وهو يجيب على ابنه الصغير ضاحكًا:
_روح املى البانيو چوا وعوم فيه براحتك
قهقهوا بقوة باستثناء عمار الذي تصنع الضيق والغيظ من سخرية أبيه عليه، بينما معاذ فأسرع نحو أمه يجلس بجوارها ويحتضن كفها يهتف متوسلًا:
_قولي لأبوي ياما خليه ياخدنا وننزل عشان خاطري
رد جلال بلطف ونبرة تحمل الجدية:
_احنا لسا چايين من سفر طويل وتعبانين وأمكم كمان تعبت نريح النهاردة وبكرا ننزل ونروح المكان اللي تحبوه
زموا شفتيهم بعبوس وظهر اليأس على محياهم فلم تتمكن من مقاومة الحزن الذي في عيناهم وابتسمت لهم بحنو أمومي وهتفت لجلال برقة:
_خلاص ياچلال بعد الغدا خدهم خليهم يلعبوا شوية وأنا هقعد استناكم إهنه
قفزوا فرحًا صارخين وارتموا على فريال يعانقوها بقوة وكل منهم يلثم وجنة من وجنتيها بقبلات متتالية وسط ضحكها القوي وهي تحاول إبعادهم عنها وتهتف:
_طب خلاص كفاية
لم ينقذها من هجموهم اللطيف عليها سوى صوت رنين هاتف جلال فأشارت لهم بحزم أن يلتزموا الصمت حتى يتمكن والدهم من التحدث فابتعدوا عنها ببطء وهم يضحكون في هدوء ثم غادروا الغرفة.