(( ميثاق الحرب والغفران ))
_الفصل التاسع والثلاثون _مالت بوجهها للجانب وهي تبتسم رغمًا عنها بعد عباراته التهكمية وهو يشاركها نفس الرأى بأنهم ليسوا طبيعين بل تلبستهم الشياطين، لن تتوقف عن الضحك إلا عندما سمعت يهتف بازدراء:
_اضحكي.. أنتي عكنني عليا وبعدين اضحكي!
التفتت له مجددًا وقالت في غطرسة:
_أنت لو مكنتش قربت مني وحضتني مكنش ده كله هيحُصل
رفع حاجبه مستنكرًا ردها المتعجرف ثم مال بوجهه عليها يسألها في نظرات ملتهبة:
_يعني أنتي مشكلتك كلها في أني حضنتك!
نظرت في عينيه بثبات وشجاعة مجيبة على سؤاله:
_ونمت چاري!
اشتعلت نظرات جلال وامتزجت بالغيظ الذي حاول أخفائه في رده الصارم عليها:
_ده بيتي وأنام مطرح ما أنا عاوز وأنتي مرتي ولو عوزت اقرب منك متقدريش تمنعيني، بس مش أنا اللي أچبر ست عليا مهما كانت هي مين، يعني لو سايبك مكملة في اللي بتعمليه ده فمعناه أني سايبك بمزاچي مش عشان أنا مش قادر عليكي مثلًا ولا خايف منك
تحولت في لحظة من البرود إلى جمرة لهب مشتعلة، اسلوبه المختلف والجاف معها كأنه يتحدث لامرأة لا يكن لها حتى مجرد التقدير وليس الحب، جعلت من جسدها كله ينتفض سخطًا، هل حقًا بات يراها على هذا الشكل؟
لوهلة شعرت نفسها امرأة لا قيمة لها بينما هي زوجته وأم أولاده، والسؤال الذي كانت تخشاه الآن تطرحه على نفسها بروح مضطربة" هل حقًا أصبح لا يحبني؟! ".
تزعزعت ثقتها وظهر ذلك بوضوح في نظراتها وهي تسأله بخفوت:
_قصدك إيه يعني!
جلال بقلب متحجر وعين غاضبة:
_قصدي أنك أنتي السبب في الشخص اللي قصادك دلوك، أنتي بعتي بس أنا مش هشتري اللي بايع يافريال، قولتي مش عاوزة حبي يبقى تستحملي قسوتي، أنتي متعرفيش الغفران وأنا معدتش محتاچه منك، سديتي كل الطرق وأنا عارف ومتأكد زين أن هيچي يوم هتلاقي روحك وحدك في الضلمة وهتفضلي تدوري على طريق ضي مش هتلاقي فـ هستنچدي بيا بس وقتها معرفش هكون موچود ولا لا عشان اخد بيدك كيف ما كنت بعمل معاكي دايمًا
الغضب والقسوة التي في عينيه كانت أشد إيلامًا من كلماته المؤذية، ولم تكن تشعر بنفسها وسط تمعنها له وسماعها لعباراته أن دموعها سقطت من أسرها، ولم ينهي ذلك النقاش المميت سوى طرق الباب وصوت عمار هاتفًا:
_أبوي
اعتدل جلال في جلسته وتصرف بطبيعية تامة مجيبًا على ابنه:
_تعالى ياعمار
فتح الباب ودخل ثم اسرع نحو والديه وجلس على الفراش يبتسم لهم بحماسة مميزة لكن سرعان ما تبددت عندما رأى على ملامح أمه العبوس فقال:
_أنتي مضايقة من حاچة ياما؟
رسمت بسمة دافئة فوق ثغرها قبل أن ترد عليه:
_لا ياحبيبي أنا زينة.. أخوك وين؟
_تحت كان قاعد مع چدي حمزة
ثم التفت إلى أبيه وسأله بإشراقة وجه طفولية:
_أنت وعدتنا أننا هنطلع رحلة وهتعملنا مفاچأة عشان نچحنا صُح؟
ضحك جلال بخفة وهز رأسه بالإيحاب مجيبًا:
_امممم صُح
انتصب عمار في لحظة وجلس على ركبتيه فوق الفراش مكملًا بسعادة غامرة:
_ومرت أبوي خلاص معدتش قاعدة ومش هتاچي تاني ، يعني أنتوا مش هتتخانقوا واصل تاني وأمي كمان هتطلع معانا الرحلة صُح ياما؟
لوى جلال فمه باستنكار وهو يتذكر شجارهم للتو ويرد في خفوت على عبارة ابنه:
_امممم مفيش خناق واصل.. بقينا كيف السمنة على العسل وأمك كيف ما أنت شايف بتحبني موت
رمقته بطرف عيناها مغلوبة في ضيق ثم ردت على ابنها بحنو:
_أيوة ياعمار هاچي معاكم طبعًا ياحبيبي متقلقش
قفز فوق الفراش فرحًا ثم قال بنبرة متشوقة وهو ينزل من الفراش ويتجه نحو الباب:
_أنا هروح اقول لمعاذ
تابعته فريال بابتسامة أمومية دافئة لكنها تحمل الحزن، ومع تأملها الطويل لأثره وجدت دموعها تنهمر فوق وجنتيها بغزارة، وسرعان ما تحول بكائها الصامت لنحيب وهي تخفي وجهها بين راحتي كفيها وتبكي بقوة، فغضن حاجبيه بتعجب ثم هتف بقلق وعدم فهم:
_فريال مالك؟
ظن الأجابة على سبب بكائها ستكون شجارهم وكيف انتهي بكلماته القاسية ولوهلة شعر بالندم أنه تسبب في بكائها بهذا الشكل وكان على وشك أن يحاول تهدأتها بحنو، لكنها صابته بالصدمة الحقيقية عندما رفعت وجهها الغارق في الدموع ونظرت له بعينان عاجزة وبريئة ثم قالت:
_حاسة أني نفسي في فراولة ياچلال
رأت سهو غريب يعلو ملامحه وهو يتمعنها ويرمش بعينيه، لحظات صمت مرت كانت أشبه بصوت صفير الحقل حتى اخترق فقاعة الصمت وتحدث أخيرًا يسألها بعدم استيعاب:
_أنتي كنتي بتبكي إكده عشان نفسك في فراولة!!
هزت رأسها بالإيجاب وهي مستمرة في البكاء الشديد فقال بجدية ولهجة حاول إخراجها دافئة حتى يهدأها:
_بزيادة بكا في إيه.. بعدين ده مش موسم فراولة!
عادت ترمقه مجددًا لكنه بغضب ودهشة وهي تسأله:
_يعني إيه؟!
طال تمعنه فيها مفكرًا ليقول في النهاية مغلوبًا في استسلام:
_يعني هچبلك يافريال حاضر.. هتصرف واچبلك الفراولة اللي نفسك فيها دي
لانت حدة ملامحها واشاحت بوجهها للجهة الأخرى تهمس بصوت منخفض وهي تمسح دموعها في غيظ:
_تتصرف طبعًا متتصرفش ليه.. كيف ما اتصرفت واتچوزت عليا تتصرف دلوك وتچبلي اللي نفسي فيه أنا وبتك
سألها باستغراب رافعًا حاجبه بعدما سمع تمتمتها بكلام غير مفهوم:
_بتقولي حاچة؟!
نظرت له وقالت في بسمة متكلفة وهدوء تام:
_بقول شكرًا
ثم استقامت واقفة واتجهت نحو الحمام تتركه وهو يتابعها بنظراته الدقيقة وفور اختفائها داخل الحمام رفع يده يضرب كف على كف متمتمًا في نفاذ صبر:
_صبرني يارب
بينما هي ففور انعزالها داخل الحمام انفجرت باكية مرة أخرى ولكن هذه المرة قهرًا وهي تتذكر كلماته الأخيرة عن حقيقة بقائها وحدها في النهاية وأنه لن يلبي نداء استغاثتها عندما تطلب، لن يحبها ، ولن يحارب من أجلها، سيتوقف عن المحاولة وسيتخلى عنها.
***
آشعة الشمس الذهبية المتسللة من النافذة تضرب في وجهه منذ شروقها لكنه لم ينم سوى ساعات قصيرة وأغلب الليل كان مستيقظ لا ينتابه شعور النوم بأي شكل، يشغل تفكيره أمورًا مختلفة سببت له الأرق هذه الليلة ومنعته من الراحة.
لم يكن ذلك سائرًا عليها بل هي غارقة في سبات عميق طوال الليل بين ذراعيه، فتركها تنعم بسكينتها دون إن يحاول إزعاجها في نومها حتى، بينما هو منخرطًا في التفكير بأموره المعقدة.
اخفض نظره له يتأملها بشرود، وبلحظة واحدة مر شريط حياتهم منذ الزواج وربما قبله حتى، كيف بدأت وكيف تضع نقاط النهاية الآن، كلاهما كانوا يحسبون الدقائق وليس الأيام حتى تدق ساعة أنفصالهم وكل منهم يعود لحياته، تستمر هي من حيث بدأت تسعي للانتقام وتنثر شر الساحرة بأي بقعة تخطها قدمها، وهو يتابع حياته الطبيعية بين عمله وعائلته وحين تتقاطع طرقه مع الفتاة المناسبة التي سيميل قلبه لها سيتزوجها، لكن كلاهما تقاطعت طرقهم العكسية وتوقفوا بنقطة المنتصف ولم يكن أمامهم سوى حلين.. أما الاستمرار معًا بنفس الطريق أو بقائهم بنفس النقطة حتى النهاية التي لن تكون مرضية لكليهما.
لم يكن يدري أنه على وشك الخوض في حرب ضد ساحرة تستعد لإلقاء تعوذيتها السحرية عليه، سحبته للعمق وسجنته فأصبح أثيرًا وحتى لو تركت له خيار الرحيل لن يفعل.
أحب خبايا روحها المخفية أسفل قناع القوة والتمرد، تحارب من أجل البقاء صامدة والحقيقة أنها تتشبث به عند أول عاصفة تزعزعها، تلوذ إليه وتأخذه حصنها المنيع ضد كل العواصف، تلك القسوة المزيفة خلفها فيض من المشاعر الدافئة، أو طفلة في زي أنثى ناضجة ومثيرة.
لاحت البسمة المغرمة فوق شفتيه وهو يتأملها فانحنى على شعرها يلثمه بقبلات متتالية رقيقة وبذراعه فوق خصرها يضمها إليه أكثر أما يده الأخرى فامتدت لكفها الناعم واحتضنته بدفء وكان سيهم برفعه حتى شفتيه لكي يقبله لكنها بدأت تتحرك وتفتح عيناها ببطء، فأغلق هو عينيه بسرعة متصنعًا النوم ولم يترك كفها الأثير بين قبضته العريضة.
عندما حاولت تحريك يدها وجدتها مقيدة فاخفضت نظرها، وعندما رأتها طال تمعنها في احتضانه لكفها بين قبضته فابتسمت بحب، وبتلقائية تامة رفعت رأسها له تتأمله وسط نومه واقتربت من جانب وجهه تطبع قبلة ناعمة فوق وجنته ولحيته، لم تلبث حتى تبعد شفتيها عن وجنته وكأنه كان ينتظر هذه اللحظة حيث فتح عينيه والتفت بوجهه لها، ولولا أنها أدركت حركته الماكرة بوقت قياسي وعادت برأسها للخلف مفزوعة كانت ستتحول لنوع آخر من القُبّل ليس بريء على الأطلاق.
رأته يبتسم بعبث ويتمتم غامزًا:
_صباح الورد ياغزال
كان صوت أنفاسها سريع وصدرها يرتفع ويهبط بتوتر، أما نظراتها فكانت مغتاظة حيث راحت تلكمه برفق في كتفه هاتفة:
_أنت مش محترم
ارتفع حاجبه اليسار في رد فعل تلقائي على وصفها له بعدم الاحترام وهتف في لهجة رجولية:
_مش محترم كيف يعني!
اضطربت للحظة من نبرته وقررت القفز لعبارة أخرى وهي تسأله بخجل:
_أنت كنت صاحي؟
زم شفتيه للأمام مجيبًا ببراءة متصنعة:
_يعني نص نص.. أنتي متعصبة إكده ليه متقلقيش هعمل نفسي كانت نايم ومش حاسس بيكي ولا باللي عملتيه
ارتبكت بشدة وكان صوتها يظهر متوترًا وهي تهتف:
_أنا معملتش حاچة!
اعتدل في نومته ورفع نصف جسده قليلًا عن الفراش ليميل عليها بوجهه وهو يبتسم بخبث، كانت تعود برأسها للخلف حتى وجدت الوسادة هي آخر الطريق فابتسمت له ببلاهة وقالت في خجل شديد:
_احم في إيه ياعمران
كان مظهرها وهي متوترة وتبتسم بهذه الطريقة يدعوه للضحك لكنه تمالك أعصابه وأجابها بنظرات تحمل معني مختلف غير الذي تلفظه شفتيه:
_نسيتي ما تصبحي عليا
سكون غريب استحوذ عليها وهي تطالعه بخجل حتى همست في صوت خافت:
_صباح الخير
لوى فمه باقتضاب وقال في عدم اقتناع:
_لا معچبتنيش
ضيقت عيناها باستغراب ثم قال له في لهجة تهكمية:
_كيف يعني معچبتكش!.. أنت قولتلي مصبحتيش عليا وأنا بقولك أهو صباح الخير
هز رأسه بالرفض معبرًا عن عدم رضاه، ثم لمعت عينيه ببسمة ماكرة وهو يقول بتصنع البراءة:
_لما كنت نايم خير اللهم اچعله خير حلمت حلم غريب، كنتي أنتي وبتصبحي عليا بـ....
هتفت تمعنه من استرسال سرده لحلمه الكاذب وهي تقول بقلة حيلة ونبرة خجلة:
_خلاص متكملش.. أنت عاوز إيه يعني دلوك؟
عمران ضاحكًا بلؤم:
_كلك نظر
ثم مال بوجهه للجانب يجعل وجنته أمامها حتى يتثنى لها تقبيله كما فعلت منذ قليل، نقلت نظرها بين وجهه وبين نظراته الماكرة وهو ينتظرها فقالت له بلهجة منذرة:
_هتعمل كيف ما عملت من شوية؟
تصنع عدم الفهم ورد ببرود تام:
_عملت إيه؟!
آسيا مغتاظة:
_عمران!!
وجدته يضحك بقوة ثم يجيب عليها مبتسمًا:
_لو فضلتي بتفكري كتير إكده موعدكيش أني مش هعملها.. يلا عاد!
سيطرت على خجلها ونبضات قلبها وفورًا رفعت رأسها تتطبع قبلة سريعة على وجنته وتبتعد مجددًا، فالتفت لها وهو يضحك ثم مال على جبهتها يقبلها بحنو وهو يرد:
_صباح النور ياغزالة
ثم ابتعد ونهض من الفراش يتجه نحو الحمام، فور اختفائه عن أنظارها أطلقت هي تنهيدة طويلة وهي تزفر بقوة، تطلق أنفاسها المكتومة وعلى ثغرها ابتسامة مغرمة وخجلة، ثم رفعت كفها تخفي به عينيها ووجهها وهي تضحك مغلوبة.
أبعدت الغطاء عن جسدها لكي تنهض لكن شعرت بشيء جعلها تتسمر مكانها مندهشة، هي تستطيع تحريك قدمها بمفردها، لمعت عيناها بسعادة غامرة ودون تفكير حاولت النزول من على الفراش وحدها دون الاتكاء على مقعدها ونجحت بالفعل، وقفت على الأرض وابتعدت عن أي شيء حولها يمكنها الاتكاء عليه فاستطاعت البقاء ثابتة دون أن يختل توازنها، تلألأت العبرات في مقلتيها وراحت تصرخ دون وعي:
_عـــمـــران
خرج من الحمام مزعورًا على أثر صراخها وهرول نحوها يسألها بهلع:
_مالك؟!
تطلعت في عينيها بفرحة مفرطة وعينان دامعة:
_أنا واقفة لوحدي
انتبه أنها تقف على قدميها بثبات طبيعي، فنزل بنظره على طول جسدها يتفحصها بصدمة دامت لدقيقة كاملة حتى تراجع خطوة للخلف بعيدًا عنها وهتف بعينان تلمع بالأمل:
_حاولي تمشي لوحدك إكده
رفعت قدميها عن الأرض ببطء شديد وخطت أولى خطواتها بمفردها، فاشرق وجهها بضوء مختلف وانهمرت دموعها وهي تطلعه في سعادة، رأت ثغره ينفرج عن ابتسامة واسعة ويقترب منها مجددًا يضمها لحضنه مقبلًا شعرها وهو يهتف ضاحكًا بفرحة:
_أنا مش قولتلك كلها فترة صغيرة قوي وترچعي كيف الأول وأهو بدأتي تقفي على رچلك من تاني
ابتعدت عنه وقالت بلهفة وفرحة:
_نروح للدكتور؟
أماء لها بالإيجاب وهو ينحني مقبلًا إياها مجددًا ويتمتم:
_أيوة يلا البسي عشان نروح ونشوفه هيقول إيه
ارتمت عليه مجددًا هذه المرة كانت هي التي تعانقه وتلف ذراعها حول رقبته متعلقة به وتهتف فرحة بامتنان ودلال يليق بها:
_ربنا ميحرمني منك ابدًا ياسيد الرچال كلهم
ضحك بصمت وحب وهو يلثمها من رقبتها بينما آسيا فابتعدت عنه وجذبت مقعدها لتجلس عليه وتتحرك نحو الحمام حتى تستعد للذهاب للطبيب.
***
داخل منزل خليل صفوان تحديدًا بغرفة الجلوس حيث يجلس كل من حمزة ومنصور يتحدثون حول حادثة قتل خليل...
هتف حمزة بغضب:
_هرب منك كيف يعني يامنصور
رد على أبيه منفعلًا:
_معرفش يابوي مقدرتش لا أنا ولا علي نمسكه بس الواد التاني اللي كان سايق المكنة معانا
سأله حمزة بنظرة ثاقبة:
_چلال مكنش معاكم
هز رأسه بالنفي مجيبًا:
_لا أنا مچبتلهوش خبر.. قولت خليه لما يتحسن شوية وبعدين هقوله، ولد أخوي كان في المستشفى ولو عرف أننا مسكنا عيل من العيال اللي ضربوا نار على خليل مش هيهدى وممكن تچراله حاچة ويتعب تاني
هز حمزة رأسه بتفهم وقال في حزم:
_زين ما عملت.. متقلوش حاچة دلوك خلينا لم نخلي العيال دي تقر وتعترف مين اللي وزهم يعملوا إكده
لمعت عيني منصور بالشر وقال في وعيد:
_أنا قولتلك يابوي مين اللي عملها لكن أنت اللي مش مصدقني
صاح حمزة منفعلًا:
_ومين قالك أني مش مصدقك أنا قولتلك نتأكد الأول عشان بعد إكده نبقى على حق لما ناخد بحق ولدي ومنبقاش ظلمناه، اصبر يامنصور خلاص هانت وقريب هنتأكد مين اللي قتل خليل
هتف منصور بنظرات تنضج بالثأر والنقم:
_يچهز كفنه من دلوك
***
داخل المستشفى بالقاهرة.....
بعد نصف تقريبًا من الفحص داخل غرفة الطبيب، خرجت أكثر سعادة بعدما حصلت على البشارة من الطبيب أنها الآن بإمكانها السير بمفردها لكنها ستستمر بالأتكاء على عكاز خاص لفترة أخرى أثناء سيرها حتى تستعيد كامل صحتها وتصبح جاهزة لممارسة حياتها بطبيعية كالسابق.
جلست على مقعد حديدي بالردهة الطويلة والعريضة داخل المستشفى بعدما خرجت من غرفة الطبيب، تنتظر زوجها الذي ذهب لشراء دوائها وبيدها ممسكة بالعصاة الجديدة التي أعطاها له الطبيب، عادت برأسها للخلف على الحائط تستند عليه مغلقة عيناها لكن اخترق سمعها صوت أنثوي قريب منها يهتف هاتفيًا:
_أيوة يا ابراهيم!
لا تعرف لماذا انتبهت جميع حواسها وفتحت عيناها دفعة واحدة تبحث عن مصدر ذلك الصوت، كأنه لا يوجد سوى ابراهيم واحد وهو والد زوجها وتلك المرأة تقصده هو، واتضح أنه هو بالفعل عندما رأت وجهها فقد كانت نفس السيدة التي رأتها بزيارتها السابقة للمستشفى وكانت تتحدث مع ابنتها الصغيرة " ريم ".
جعلت أذنها مستيقظة ومترقبة لكل كلمة تقولها وتستمتع لها وهي تتحدث عن والدتها المريضة وأنها ترافقها، ثم انتقل الحديث عن ابنتها الصغيرة موضحة أنها برفقة خالتها في المنزل، في آخر الحديث اتخذ طريق مغاير أثبت لها أن شكوكها صحيحة عندما سمعتها تسأله عن حاله وعندما حصلت على الرد منه تابعت بلهجة منزعجة وهي تهتف:
_أنت من امتى كنت فاضلينا يا ابراهيم طول الوقت مشغول مع عفاف يا أما إخلاص يا أما ولادك وأنا وبنتك ملناش نصيب من الاهتمام ده أبدًا
سكتت لثواني تستمع للرد منه ثم ردت عليه بعصبية أشد وعدم اكتراث:
_أيوة عمران شافني من كام يوم وكان معاه مراته.. أعمل إيه يعني انقل ماما من المستشفى عشان ابنك بيعالج مراته هنا
اشتدت حدة الحوار بينهم الذي انتهى بصيحتها المستاءة:
_ابراهيم أنا فيا اللي مكفيني وماما تعبانة مش فارق معايا دلوقتي ابنك يعرف ولا ميعرفش كل اللي يهمني ماما بس
أنهت عبارتها وانزلت الهاتف من فوق أذنها ضاغطة على زر إنهاء الاتصال تهتف وهي تتوعد لزوجها بغيظ:
_ماشي يا ابراهيم صدقني أنا بنفسي اللي هقول لابنك وخلينا نشوف هتفضل لغاية امتى مخبيني أنا وبنتي وحارمنا من كل حاجة كدا
ثم اندفعت ثائرة باتجاه الحمام، فتابعتها آسيا ببسمة شيطانية وهي تهمس مستنكرة:
_التالتة يا ابراهيم!!.. أنت إيه مفيش حاچة بتهدك بس دلوك وقعت في يدي أنت والعقربة عفاف، كنت صابرة ومستنية الفرصة المناسبة وأهي چات تحت رچلي
استقامت واقفة وتحركت متكأة على عكازها تسير ببطء خلف داليا إلى الحمام، وعند وصولها وقفت أمام الباب وابتسمت بخبث ثم رفعت يدها تمسك بالمقبض وتديره لتدخل وتقفل الباب خلفها مجددًا، وجدتها تقف أمام حوض الوجه تغسل يديها فوقفت آسيا مكانها تتمعنها في بسمة مخيفة قليلًا، بينما داليا فقد اعتدلت وانتصبت واقفة وعندما استدارت خلفها واصطدمت بآسيا شهقت مفزوعة ثم تسمرت بأرضها مندهشة.
ازدردت داليا ريقها بتوتر لكنها حاولت التصرف بطبيعية أو بالمعنى الأدق كأنها لا ترى آسيا من الأساس، حيث تحركت باتجاه الباب وكانت تنوى المغادرة لكن قبضة آسيا على ذراعها اوقفتها عنوة وهي تقول لها مبتسمة بتكلف:
_أنتي نسيتيني ولا إيه؟!
ارتبكت داليا وظهر ذلك على ملامحها حتى لو حاولت إخفائها والتصرف بكل هدوء وطبيعية:
_لا الحقيقة مش متذكراكي أنا آسفة
ابتسمت آسيا بتهكم ثم ردت عليها في لطف لا يناسب النظرات المريبة المستقرة في عيناها:
_متقلقيش من أهنه رايح هتفتكريني زين ومش هتنسيني واصل
دفعت داليا قبضة آسيا عن ذراعها وصاحت بها غاضبة:
_أنتي مين أصلًا وبتكلميني كدا ازاي
ضحكت آسيا بثقة قبل أن تجيب بنظرات محذرة:
_أنتي عارفة زين قوي أنا مين زي ما أنا عارفة انتي وبنتك تبقوا مين
اتسعت عيني داليا بصدمة وسرعان ما تحولت إلى انزعاج وهي تسأل آسيا:
_وأنتي عايزة إيه يعني دلوقتي؟!
لمعت عيني آسيا بوميض مريب واختفت البسمة اللطيفة والمزيفة من فوق ثغرها، لتصبح على حقيقتها كساحرة مخيفة وهي توجه تحذيراتها لداليا:
_نفس اللي عاوزه ابراهيم منك.. مش هتجيبي سيرة لعمران أبدًا أن أبوه متچوز ومعاه بت صغيرة
رفعت داليا حاجبها متعجبة وقالت ساخرة:
_أنا كنت متوقعة أنك أول حاجة هتعمليها هتقولي لجوزك وهتفضحي حماكي.. ودلوقتي بتطلبي منك مجبلهوش سيرة، ليه؟!
آسيا بلهجة قوية وصلبة:
_ليه دي حاچة متخصكيش.. كيف ما أتچوزتي ابراهيم في السر ومحدش من عياله ولا حريمه يعرف يبقى هتكملي على إكده ومحدش هيعرف
ضحكت داليا باستهزاء من آسيا ثم اردفت بالامبالاة:
_ولو معملتش اللي انتي بتطلبيه ده بقى وطلعت دلوقتي وقولت لجوزك هتعملي إيه
مال ثغره آسيا ببسمة شيطانية هاتفة في نظرة مميتة:
_هتبقى أنتي الخسرانة.. ولو كنت مكانك مكنتش هفكر أقف قصادي بس معلش ليكي عذرك لساتك متعرفنيش.. الأفضل تعملي زي ما بقولك لأن أنا مليش نية أذيكي أبدًا إلا لو أنتي اضطرتيني لده
رغم الخوف البسيط الذي تسلل لداليا بعد تهديدات آسيا المريبة إلا أنها تصرفت وكأنها لا تبالي من الأساس وهمت بالرحيل لكن آسيا أوقفتها للمرة الثانية وهي تسألها بتلك البسمة الغريبة مجددًا:
_متعرفناش صُح!!
زفرت داليا بخنق وردت ممتعضة:
_داليا
اتسعت ابتسامة آسيا وهي تهمس لها هذه المرة بلين حقيقي:
_وأنا آسيا
ثم تابعت وبلحظة واحدة تحولت للوجه المخيفة مجددًا رغم أنها مازالت على بسمتها لكن نظراتها كانت تكفي لبث الرعب في قلب داليا:
_وياريت يا داليا حمايا العزيز ميعرفش حاچة عن كلامنا ده ولا يعرف أن آسيا عرفت من الأساس أنه متچوز، وده مش تهديد ده نصيحة
كانت تضغط على كلماتها الأخيرة بنبرة لا تحمل المزاح أبدًا، ثم تابعت بنظرها داليا وهي تغادر الحمام وتتركها بمفردها تبتسم في شيطانية ولم ينتشلها من حالتها سوى رنين الهاتف معلن عن اتصال من زوجها فأجابت عليه فورًا في رقة غريبة كأن المرأة التي كانت تتحدث مع داليا للتو واحدة والتي تتحدث مع زوجها الآن أخرى! :
_أيوة ياعمران
وصلها صوته الغليظ والقلق:
_أنتي وين يا آسيا؟!!
ابتسمت بحب وقالت له ضاحكة:
_روحت الحمام متقلقش.. وطالعة دلوك وراچعة
رد عليها بالموافقة وانهى الاتصال بينما هي فغادرت الحمام وعادت لمكانها مرة أخرى تسير ببطء وكان هو بانتظارها بنفس المكان الذي تركها فيه.
***
في تمام الساعة التاسعة مساءًا داخل منزل خليل صفوان.....
كانت فريال تجلس فوق الأريكة الصغيرة التي بالغرفة وتقوم بحياكة ملابس جديدة لصغيرتها القادمة بعد شهور معدودة لكنها التفتت نحو الباب عندما سمعت صوته وهو ينفتح ويدخل جلال حاملًا بين يديه صحن أبيض كبير ممتليء بفاكهة الفراولة، اتسعت عيناها بصدمة من السرعة التي استطاع بها إيجاد فاكهة ليس في موسمها، هي ظنته سيستغرق أيام وربما لن يجلب لها من الأساس.
تركت ما بيدها وقالت له مندهشة:
_دي فراولة؟!!!
تقدم منها وجلس على الأريكة بجوارها يضع الصحن بالمنتصف بينهم وهو يتمتم:
_أنتي شايفة إيه!
فريال بعدم تصديق وهي تبتسم بسعادة:
_لقيتها بالسرعة دي كيف؟!!
بادلها الابتسامة وهو يقول بلهجة رجولية جادة:
_أنتي مش طلبتي وقولتي نفسك فيها.. وأهي الفراولة قصادك ملكيش صالح عاد لقيتها كيف ولا چبتها منين
تمعنت في الصحن أمامها بعينان لامعة وفورًا حملته ووضعته فوق قدميها وبدأت تضع أول واحدة في فمها متلذذة بمتعة وهي مغلقة عيناها وتهمس:
_امممم طعمها حلو قوي
تلألأت عينيه بوميض غرامي جميل وهو يهمس لها في دفء:
_بالهنا والشفا
كانت منشغلة في الأكل بنهم شديد ولا تنتبه له ونظراته الحانية حتى احست بكفه فوق بطنها هامسًا بحب:
_حبيبة أبوها لو طلبت نچوم السما أچبهالها
نظرت فريال له بطرف عيناها وبحركة مباغتة دفعت يده عن بطنها ساخطة وقالت بتهكم:
_آااه يعني چبت الفراولة في نفس اليوم من غير صبر عشان بتك بس لكن لو أنا مكنتش حامل وكنت طلبت حاچة مكنتش هتسأل فيا
فغر شفتيه بعدم استيعاب لما تقوله وتحولات حالتها المزاجية كل لحظة ثم هتف في نفاذ صبر:
_وأنتي وهي إيه يافريال مش واحد.. يعني هي اتكلمت دلوك وقالتلي يابابا هاتلي فراولة ما أنتي اللي طلبتي
هزت رأسها بالرفض وقالت في غضب حقيقي:
_لا أنا وهي مش واحد لما اولد هنبقى مش واحد
مسح على وجهه وهو يتأفف بقلة حيلة مستغفرًا ربه ثم قال في ابتسامة متصنعة:
_طبب يافريال احنا بنتكلم على دلوك.. لما تولدي أن شاء الله وتقومي بالسلامة نبقى وقتها نشوف الموضوع ده، وكل طلباتك أنتي وهي أوامر، ده لو أنتي طبعًا رچعتي عن اللي في دماغك وفضلتي قاعدة
صاحت به مستاءة في عناد:
_مش هقعد ياچلال.. أنت أصلًا مش فارق معاك حاچة وحتى مش بتحاول تصلح غلطك وتخليني اسامحك لا ده أنت قلبت الترابيزة عليا وبقيت أنت الضحية وأنا الظالمة
رفع سبابته وهو يشير لنفسه مندهشًا ويجيبها بغضب شديد:
_أنا مش بحاول ومش فارق معايا!!.. كل اللي كنت بعمله ده ومش فارق معايا، هو مين اللي مش بيحاول يافريال أنا ولا أنتي، ده أنتي حتى مش بهون عليكي وأنا في عز تعبي وبتسممي سمعي كل ليلة بكلامك أنك معاوزنيش ولا بتحبيني، أنا معترف بغلطي وعارف أن اللي عملته مش هتسامحيني عليه بسهولة وكنت مستعد احاول عشانك للآخر من غير ملل واعوضك واثبتلك حبي وان اللي عملته كان غباء مني ودفعت تمنه غالي قوي بس أنتي حتى مكنتيش بتديني فرصة ولا بتبصي في وشي
تجمعت العبرات في مقلتيها وانهمرت غزيرة فوق وجنتيها وهي تجيبه بعصبية وسخرية:
_آه يعني أنت تتچوز عليا وأنا آچي اخدك بالحضن واقولك معلش ياحبيبي أنا عارفة أنه غصب عنك وأنا كنت السبب عشان سبتك وهديك فرصة تاني تصالحني وتصلح غلطك!!!
توقفت للحظة ثم أكملت بصوت مبحوح وقد ازداد بكائها أكثر:
_أنت لو عاوزني وعاوز تصلح غلطك صُح هتحاول تثبتلي حبك من غير ما اطلب ولا أقولك أنا هديك فرصة، هتحاول تطلب مني السماح وتفهم من نفسك أني محتاچة لده مش تتحچچ بأني مكنتش ببص في وشك، والصبح تهددني وتقولي هتفضلي لوحدك في الضلمة وأنا مش هاخد بيدك ويبقى تستحملي قسوتي وكرهي طالما مش عاوزة حبي.. هو ده مفهومك عن الاعتذار ياچلال وتصحيح الغلط!!!
طال تمعنه في وجهها وتبعثرات نفسها المتألمة وهي تشكيه لنفسه من أفعاله معها، فلان قلبه وصابه الندم الشديد على دموعها وحزنها المتسبب فيه، ابتسم لها بعشق واقترب منها ينحنى على رأسها يقبّل رأسها بحنو وبيده يحاوطها من كتفيها ويهمس لها مبتسمًا بالأمل والسعادة:
_يعني افهم من كلامك ده أنك موافقة نبدأ صفحة چديدة وتديني فرصة اصلح غلطي واعوضك واخليكي تسامحيني
لوهلة انتابها شعور السعادة لكن سرعان ما تبدد عندما شعرت برغبة في الغضب والحزن من جديد فرفعت أناملها وجففت دموعها وهي تبعده عنها وتهب واقفة وتقول بتمنع:
_لا
اختفت ابتسامته وتبدلت ملامحه في لحظة للدهشة الممتزجة بالغيظ وهو يتطلعها رافعًا حاجبه بعدم فهم لم تريده بالضبط، بينما هي فتركته واتجهت للشرفة.
عض على شفاه السفلية محاولًا تمالك أعصابه وعندما التفت جانبه رأى صحن الفراولة التقطه وراح يأكل بغيظ وهو يلقي الفراولة في فمه بغل، لحظات معدودة ووجدها تدخل من الشرفة وتقترب منه ثم تجذب الصحن من يده هاتفة بانزعاج:
_أنا لسا مخلصتش أكل
حاول البقاء هادئًا وهو يقول ساخرًا:
_هو مش أنتي كنت بتبكي دلوك ومضايقة!
رمقته بطرف عيناها وقالت في اقتضاب:
_هو أنا عشان مضايقة يبقى مكلش يعني
أنهت عبارتها واتجهت إلى الشرفة مجددًا بصحن الفراولة حتى تكمل أكلها بينما هو فبقى مكانه يحدق في أثرها مذهولًا، وراح يمسح على فمه ولحيته متأففًا داعيًا ربه أن يلهمه الصبر ثم صاح عليها لكي تسمعه:
_چهزي نفسك عشان بكرا طالعين الرحلة اللي وعدت بيها معاذ وعمار
ردت عليه بفتور مزيف:
_رايحين وين؟
ابتسم عندما فهم حماسها من سؤالها الفضولي فقال:
_العين السخنة
***
بالقاهرة.....
تحركت آسيا نحو المطبخ لكي تقوم بتحضير العشاء، فقد مر وقت طويل منذ تلك الحادثة دون أن تدخل المطبخ أو حتى تتجول داخل منزلها كالسابق.
وقفت داخل قوقعتها الخاصة وبدأت في تحضير وجبة العشاء لهم وهي تبتسم بسعادة، رغم أنها كانت تواجه صعوبة التحرك براحة بسبب اتكأها على ذلك العكاز لكن يكفيها أنها تسير على قدميها دون مساعدة من أحد، بتلك اللحظات كان عمران يبحث عنها وعندما سمع ضجة بسيطة قادمة من المطبخ تقدم نحوه ووقف عند الباب يتابعها وهو يبتسم بحنو، تعافيها كان يسعده أكثر منها وتلك اللمعة المميزة في عيناها التي يراها منذ الصباح تضاهي الدنيا كلها.
تحرك نحوها ببطء حتى وقف بجوارها وهمس بالقرب من أذنها في مداعبة:
_مقدرش انكر أني الوكل من يدك وحشني قوي
التفتت له وابتسمت براحة مجيبة:
_وأنا مبسوطة أني واقفة وبحضرلك الوكيل كيف الأول
ثم اخفضت نظرها أرضًا وتمتمت بعينان لمعت بالدموع:
_كنت فاقدة الأمل أني أرجع اقف تاني ياعمران
لف ذراعه حول كتفها وضمها إليه مردفًا في ثقة وحنو:
_وأنا قولتلك هترچعي واللي قولته حُصل، متفكريش عاد في اللي فات وافرحي
اغمضت عيناها وهي تضحك بمشاعر امتزجت بين الفرحة والعشق، لكن وجدت يديها ترتفع لظهره وتعانقه بحب شديد ودون وعي منها كأنها مغيبة همست بصوت منخفض:
_بحبك قوي
لسوء حظها أنه سمع بعض الحروف فابعدها عنها بسرعة وسألها ضاحكًا:
_أنتي قولتي إيه؟
صمتت ودارت بنظرها على شيء حولها معادا وجهه تفكر في حيلة تنقذ نفسها بها من هذا المأزق بعدما أدركت فعلتها الساذجة، بينما فقبض على كتفيها يهزها بلطف ويعيد سؤاله للمرة الثانية ضاغطًا عليها بنظراته الساحرة:
_عيدي اللي قولتيه
ازدردت ريقها بتوتر قبل أن ترد بجهل مزيف:
_أنا مقولتش حاچة
رفع حاجبه بتهكم وهو يضحك في صمت بينما هي فنفرت يديه عنها وقالت بغضب مزيف حتى يتسنى لها الهرب منه:
_إيه ياعمران بتبصلي إكده ليه قولتلك مقولتش حاچة
قهقه برجولية جميلة وأجابها بكل هدوء يضمر خلفه اللؤم:
_طب اهدى مالك متعصبة إكده ليه.. خلاص مقولتيش حاچة وأنا سمعت غلط
ثم انحنى على أذنها وهمس بنظرات ليست بريئة متعمدًا إثارة جنونها:
_البتاع اللي لابساه ده مش حلو عليكي ومتخنك
نزلت بنظرها لثوبها المنزلي الطويل واتسعت عيناها بصدمة قبل أن تجيب بسخط:
_متخني كيف يعني!!
زم شفتيه للأمام في عبوس ورد في خفوت:
_معرفش بس ممكن لو لبستي حاچة قصيرة ومريحة هتبقى حلوة عليكي اكتر
عقدت ذراعيها أسفل صدرها بعدما فهمت محاولاته الماكرة في الوصول لهدف معين لا تعرفه، وراحت تسأله بسخرية مبتسمة:
_حاچة كيف إيه يعني
غمز لها بعيناه في وقاحة وقال:
_كيف القميص الأسود مثلًا.. فكراه؟!
فغرت فمها بدهشة فور تذكرها لذلك القميص وكيف انتهت تلك الليلة وهي تعاني من خجلها الشديد أنه رآها شبه عارية هكذا.
ردت عليها وهي تعود بوجهها الطعام تكمل تحضيره تتفادى النظر إليه من خجلها:
_لا مش فاكرة حاچة وخليني عاد اكمل الوكل ياعمران
مال بوجهه عليها وهمس في نبرة جادة:
_مهو الصراحة يا غزال أنا حطيته في دماغي وهتلبسيه يعني هتلبسيه مفيش مفر ليكي
التفتت له وقال بعناد مغتاظة:
_لا مش هلبس حاچة
رفع حاجبه بانزعاج من رفضها وعنادها وتحولت ملامحه من اللين للاستياء المزيف.. اضطربت بعدما رأته هكذا فانحبست أنفاسها وللحظة كانت سترفض مجددًا لكنها استسلمت وقالت مغلوبة:
_ماشي بس مش النهاردة
كتم ضحكته بعدما انصاعت لرغبته وأجابها بالموافقة متنهدًا في لطف:
_ماشي يا غزالي مش النهاردة.. أنا كفى وزاد عليا اللي سمعته النهاردة
انهى عبارته بقبلته الطويلة والحميمية فوق وجنتها ثم انتقلت لكتفها العاري وعندما شعرت بأنه لن يتوقف عند هذا الحد تراجعت بسرعة في خجل وقالت:
_تلفونك بيرن برا ياعمران
انتصب في جلسته يتمعنها مبتسمًا وهي تكمل تحضير الطعام تتهرب من النظر لعينيه الثاقبة، فتنهد مطولًا بحب وابتعد عنها وغادر المطبخ يتركها أخيرًا بمفردها.
***
بصباح اليوم التالي.....
تحركت آسيا باتجاه الباب عندما سمعت صوت الرنين فقد ظنت أن عمران نسى شيء وعاد ليأخذه، كانت خطواتها بطيئة واستغرقت وقت حتى وصلت للباب ولحسن الحظ أنها كانت ترتدي ملابسها الفضاضة وحجابها، حيث اندهشت بالطارق عندما فتحت الباب وهتفت في ذهول:
_سليم!!!
***
داخل منزل ابراهيم الصاوي.....
كان بلال في طريقه لغرفة الجلوس حيث يجلس والده لكي يتحدث معه، وعند وصوله أمام الباب توقف وكان على وشك أن يرفع كفه ليطرق ويستأذن قبل الدخول لكن يده علقت في الهواء وهو يسمع لحديث أبيه في الهاتف.
_ لا أنا مش هقدر آچي عندكم ياحبيبة أبوكي أنتي أول ما تخف ستك هترچعوا أنتي وأمك للبيت تاني وهاچي اقعد معاكي قد ما تعوزي
سكون تام للحظات قبل أن يكمل مرة أخرى متحدثًا في الهاتف:
_ايوة يا داليا خلي بالك زين من بتي متتشغليش مع أمك وتسيبي البت لوحدها إكده.. لساتها صغيرة......... نهاية الفصل .......