الفصل السابع والعشرون

794 28 0
                                    


(( ميثاق الحرب والغفران ))
_ الفصل السابع والعشرون_

كان جلال بطريقه لغرفته بالأعلى يصعد الدرج بخطوات هادئة لكنه تسمر عندما استقرت عيناه على ذلك المشهد، وفور سماعه لصوت صرخة فريال وهي تنزلق قدماها اسرع وبلحظة كانت تطولها يداه تسندها قبل أن تسقط، وبعدها اقترب منها وحاوطها جيدًا بذراعيه وهو يضمها من الخلف هامسًا لها بفزع ملحوظ:
_فريال حصلك حاچة!
كانت الذهول والرعب يستحوذ على معالم فريال التي تفغر عينيها وشفتيها مصدومة ويدها فوق بطنها تضغط عليها بقوة من فرط الهلع الذي داهمها للحظة عندما ظنت نفسها ستسقط من فوق الدرج وتفقد طفلها، اعتدلت في وقفتها وهي تستند على زوجها ثم ألقت نظرة نارية على منيرة التي تقف تتصنع الدهشة والزعر وتقول ببراءة مزيفة أمام جلال:
_مش تاخدي بالك يافريال.. أنا غلطانة مكنش ينفع اخليكي نتكلم جمب السلم إكده بس حاولت امسكها ملحقتش.. زين إنك لحقتها ياچلال
كانت يدين جلال مازالت تحاوط خصر فريال وهو ينقل نظره المخيف بينهم، ولسوء حظه أنه لم يرى المشهد منذ بدايته فقط وصل باللحظة الأخيرة ونقذ فريال من السقوط، نزعت فريال يديه عن خصرها واندفعت نحو منيرة كالثور الهائج لتدفعها بيدها في دفعة عنيفة جعلتها تصطدم بالجدار خلفها وهي تصرخ بها بشراسة جديدة عليها:
_كنتي عاوزة تقتليني يامنيرة وتزقيني من فوق السلم.. بتعملي روحك بريئة قصاده ليه ما تقولي اللي كنتي بتقولهولي وأنتي بتزقيني ناحية السلم عشان اقع.. نچوم السما اقربلك ياخطافة الرچالة لو فاكرة إنك هتقدري تأذيني وتخلصي مني
تقدم جلال نحوهم وأبعد فريال عنها بهدوء متمتمًا في لهجة دبت الرعب في قلب منيرة من القادم:
_فريال ارچعي على اوضتك خلاص
رمقته فريال بنارية وصاحت بعصبية:
_ارچع ده إيه.. بقولك كانت عاوزة تقتلني وأنت مقولتش كلمة واحدة ليها وتقولي ارچعي اوضتك
رمق فريال بنظرة قوية وقال في لهجة صارمة لا تقبل النقاش:
_فريال سمعتي قولت إيه.. روحي وأنا چاي وراكي
ابتسمت بسخرية في وجهه وقالت بغضب:
_طبعًا خايف على زعل السنيورة مش قادر تقولها حاچة قصادي
كان يلوى فمه بضيق من كلماتها الفظة لكنه التزم الصمت ولن يوضح لها سبب رغبته بأن تذهب لغرفتها حتى يتثى له عقاب زوجته الثانية كما يجب.. لكن ليس بمنتصف المنزل هكذا ليرى الجميع شجارهم ويستيقظوا على أصواتهم المرتفعة.
فور انصراف فريال استقرت  في عين جلال نظرة مميتة لمنيرة التي قبض على ذراعها وجذبها معه نحو غرفتهم دون أن يتفوه بكلمة واحدة.. فقط كانت قبضته القاسية ومعالمه المظلمة تتحدث عن الطوفان القادم.
دفعها لداخل الغرفة ودخل خلفها، رأته يغلق الباب فتراجعت للخلف بخوف بسيط وقالت بتوتر:
_چلال أنا معملتهاش حاچة!
استدار بجسده نحوه ورمقها بنظرات قاتلة فزداد ارتيعادها الضعف منه.. أما هو فتقدم منها بتريث دون أن يرفع عينيه الثاقبة عنها وعندما وقف أمامها همس بنبحة رجولية غريبة:
_هو مين قالك إني هطلق فريال عشان تكيديها وتقوليلها قريب هفرح لما يطلقك
فرت دماء وجهها وتلون باللون الأصفر من الخوف بعدما أدركت أن لا مجال لها للدفاع عن نفسها أو حتى الكذب فيبدو  أنه سمع بأذنيه ما قالته، ابتلعت ريقها بتوتر وتنظر لها بنظرة زائغة لا تجرؤ على النظر بعينيه في ثقة، واللحظة التالية كانت إطلاق سراح الأسد حيث انقض عليها يقبض على ذراعها بيد والأخرى يقبض على فكها يصرخ بها بصوت جهوري جعلها تنتفض بين يديه:
_غلطاتك كترت قوي وأنا صبري ليه حدود يامنيرة، لولا إني لحقت فريال كان إيه هيچرالها.. فريال اوعاكي تقربي منها واصل
تلألأت العبرات في مقلتيها وهي تحدقه بضعف وألم من قبضته على فكها وذراعها ولم يكتفي بذلك بل تابع بنفس نبرته السابقة لكن بلهجة تحذيرية:
_خليكي بعيدة عنها وملكيش صالح بيها.. كيف ما هي مبتقربش منك أنتي كمان متوجهيش ليها الكلام حتى فاهمة ولا لا.. ويارب اللي حصل دلوك يحُصل تاني وقتها أنا هبقى عداني العيب في اللي هعمله.. أول وآخر تحذير ليكي
أفلت يديه عنه وتركها ليبتعد عنها ويتركها ويرحل.. ظلت هي بأرضها تبكي بصمت ونظراتها كلها غل وغيظ وسط دموعها التي تنهمر بغزارة فوق وجنتيها....
                                      ***
كانت عيناها عالقة على الباب وفور سماعها لصوته ينفتح أشاحت بوجهها للجهة الأخرى تأبى النظر لوجهه، بينما هو فدخل وأغلب الباب بهدوء ثم تقدم نحوها بخطواته المتريثة حتى جلس بجوارها على الفراش وهمس وهو يمد يده يهم بمسك كفها:
_فريالي
سحبت يدها بسرعة قبل أن يلمسها ورمقته بنارية تهتف منذرة إياه باستياء:
_بعد يدك عني.. حبيت على راسها وقولتلها متعمليش إكده تاني ودلوك جيتلي ولا إيه بظبط
ضيق عينيه بتعب من مقاومتها المستمرة له دون توقف، ليتنهد بحرارة ويرد عليها بحزم:
_مفيش مخلوق يفكر يأذيكي وأنا اسكتله.. اطمني هي عرفت غلطها زين ومن إهنه ورايح لسانها مش هيخاطب لسانك واصل
ضحكت مستنكرة كلماته وكانت يدها فوق بطنها وعيناها ملتهبة من فرط الغضب والارتيعاد الذي مازال يستحوذها حتى الآن.. وباللحظة التالية كانت تقول بنبرة مرتفعة وحرقة:
_كتر خيرك والله هتريحني من صوتها ومش هسمع حسها معايا تاني.. چلال أنت واعي للي كان هيچرالي لو كنت وقعت مكنتش وحدي اللي هتأذي كنت هتخسر ااااا.....
بترت عبارتها بمنتصفها وتوقفت عن الحديث قبل أن تكمل بعدما أدركت ماهي مقبلة على الأفصاح به، بينما هو فضيق عينيه بعدم فهم وسألها بجدية وترقب:
_كنت هخسر إيه؟!!
دام صمتها لثواني وهي ترمقه باضطراب بسيط وحيرة كيف تجيب عليه لكن بالنهاية أثرت الصمت حيث رفعت كفها ومسحت على وجهها وهي تتأفف ثم مالت بوجهها للجهة الأخرى وهي تمتم بجفاء:
_أنا تعبانة وعاوزة أنام ياچلال هملني لحالي
سمعت صوته الغليظ وهو يقول بضيق:
_بتتهربي من إيه يافريال.. أنتي من وقت ما رچعتي فيكي حاچة مش طبيعية ومعرفش هي إيه!
طالعته بقوة وقالت في غضب:
_واحدة رچعت بيتها اللي بقت تعيش فيه ضرتها معاها.. عاوزها تكون طبيعية كيف
مال بوجهه عليها وهمس أمام ثغرها ونظراته ثابتة على عيناها يتمتم بمرارة وثبات رغم دماره الداخلي:
_النهاردة أول مرة أكون في محنة ومهموم واطلب منك تفضلي چاري ومتهملنيش لحالي وأنتي ترفضي وتديني ضهرك.. للدرچادي معدش ليا خاطر حتى عندك
طالت نظرتها المشفقة له وهي ترى ضياعه وانهياره فامتلأت عينيها بالدموع وهمست له بأسى:
_لا بس معدش في بينا حاچة أصلًا.. أنا رچعت عشان عيالي ولولاهم مكنتش هرچع
ابتسمت بحزن وتمتم ساخرًا:
_كل اللي بينا مسحتيه في يوم وليلة.. أنا بقيت حاسس أني شايف واحدة معرفهاش.. تايه وبدور عليكي وأنتي قصاد عيوني.. بزيادة هجر وبُعد أبوس يدك ياحبيبتي
سالت دموعها فوق وجنتيها لا إراديًا ثم أجابته بنبرة مبحوحة:
_أنت السبب واللي خلتني إكده.. أنت لو كنت چيت واخدتني من يدي غصب من بيت أبويا ورچعتني بيتي مكنتش هعترض وهسامحك وهنسى كل اللي حُصل بينا حتى من غير ما أعرف إنك معملتش حاچة لأخويا حتى.. لكن أنت عملت إيه سمعت كلام أمك واتچوزت عليا عشان تنتقم مني  
مد يديه وأمسك يكفيها يحتضنهم برفق وهو يهتف بتأييد ورجاء:
_أنتي عندك حق أنا غبي واستاهل عقابك ليا بس عشان خاطر العيال حتى مش هقولك عشاني.. مش طالب منك غير إنك تديني فرصة تاني أصلح غلطي ونرچع كيف ما كنا مش لازم تسامحي دلوك كفاية فرصة على الأقل
سحبت يدها من قبضته وهتفت بسخط وعصبية:
_چلال أنت بتطلب مني فرصة ومرتك قاعدة في الأوضة اللي فوقينا!!!
علت ملامح وجهه لكنه رد بحزم وبهجة رجولية جادة:
_منيرة مش هتفضل مرتي طول العمر يافريال.. أنا غلطت ومش قادر أقرب منها ولا اتقبلها ومش حق ربنا إني أسيبها إكده واظلمها.. تعدي فترة زينة بس على الچواز وهطلقها

رواية ميثاق الحرب والغفران حيث تعيش القصص. اكتشف الآن