(( ميثاق الحرب والغفران ))
_الفصل الخامس والأربعون_خرجت داليا من غرفتها مفزوعة على أثر سماعها لصوت ابراهيم المفاجيء وهو يصرخ عليها بعد دصوله للمنزل، أسرعت نحوه وهي تسأله باستغراب:
_مالك يا ابراهيم بتزعق كدا ليه؟!
اندفع نحوها ثائرًا كالثور وقبض على ذراعها بعنف يصرخ بها منفعلًا:
_أنتي قولتي إيه لعمران!
ازدردت داليا ريقها بتوتر محلوظ فور ذكره لاسم عمران، فحاول التملص من قبضته تحدقه بثبات مزيف محاولة تكذيب الحقيقة والتهرب منها:
_مقولتش حاجة ليه.. هقوله إيه أصلًا وهو انا بشوفه فين عشان اتكلم معاه!!
التهبت نظرات ابراهيم وزاد هيجان ثورته أكثر حيث رفع يده في الهواء وهوى بها فوق وجنة داليا صارخًا بها بصوت مرعب:
_أنتي عاوزة تلبسيني العمة وتضحكي عليا.. ده أنا اقطع حسك واصل يا***.. رغم أني حذرتك لكن برضوا روحتي وقولتي لعمران على چوازي منك لا وكمان بتتبلي عليا وتقوليلوا أني قتلت خليل ده أنا هقتلك بين يدي النهاردة يا داليا
تقهقرت داليا للخلف وهي ترمقه بارتيعاد حقيقي ورغم ذلك أبت ضعفها حيث صرخت به مدافعة عن نفسها:
_أنا مقولتش لعمران حاجة والله وبعدين انا مش بتبلى عليك أنت صح قتلت خليل وسمعتك بودني وأنت بتكلم مراتك
ضحك ابراهيم بعين تلمع بالشر والغل ثم تقدم نحوها وهو يتمتم بنبرة لا تبشر بخير أبدًا:
_آه ولما سمعتيني چريتي على ولدي تقوليله عشان توقعي بينا كلنا ويروقلك أنتي الچو صُح
هزت رأسها له بالنفي وقد بدأت عيناها تذرف الدموع خوفًا منه بينما هو فلم يكن بنظراته أي شفقة، فقط كانت ترى الغضب والرغبة في الانتقام منها، لكن صوت طرق الباب القوي أنقذها من بين براثينه كما كانت تظن.
التفت ابراهيم برأسه للخلف نحو الباب للحظات يفكر بتعجب من الطارق الذي يضرب الباب بهذه الهمجية، ثم استدار بجسده كاملًا وتوجه نحو الباب يمسك بالمقبض ثم يديره ويجذب الباب عليه لينصدم برؤية عفاف أمامه وهي عبارة عن جمرة من النيران الملتهبة، وفور سقوط نظرها عليها رآها تفتح عيناها باتساع أكثر وقد بدأ الصدمة تحتل ملامحها أكثر، فقد كانت تتمنى أن يكون ما قالته آسيا مجرد إدعاء سخيف لكنه حقيقة.
رأى وجهها كله يتحول للون الأحمر الغريب وعيناها أصبحت مظلمة بشكل مخيف وبسرعة اندفعت للداخل وهي تدفعه من صدره ليفسح الطريق وتدخل وهي تصرخ بهستريا:
_هي وين خطافة الرچالة دي.. وينها الـ****
وقعت نظر عفاف على داليا التي تقف بأحد الزوايا منكمشة بخوف من زوجها والآن أصبحوا أثنين وربما لن تخرج سالمة من بينهم للحظة حمدت ربها أنها ابنتها ليست بالبيت.
غارت عفاف عليها وهي تجذبها من شعرها وتصرخ بها بكل غل ونقم:
_ده أنا هقتلك بيدي يا***
ارتفع صراخ داليا وهي تحاول الفرار من بين براثن عفاف لكن الأخرى كانت تضربها بكل عنف وهي تستمر في تلقينها بأبشع الألفاظ،فاندفع ابراهيم نحوهم وحاول فصل عفاف عن داليا وهو يصرخ بها:
_عفاف بتعملي إيه اهدى
رمقته شزرًا وصاحت به بوعيد حقيقي:
_اهدى!!.. ده انا هقتلكم أنتوا الاتنين بعد كل اللي عملته عشانك ده وتتچوز عليا ياراچل ياناقص ياخاين
في تصرف مباغت من ابراهيم كان يصفع عفاف وهو يبعدها عن داليا عمومًا صارخًا بها برجولية مخيفة:
_شكلك اتخبلتي في نافوخك وغضبك مخليكي مش دارية بروحك بتقولي إيه
رفعت عفاف يدها تضعها فوق كفها وهي تحدق في ابراهيم مندهشة ومشتعلة، وبتلك اللحظة كانت داليا قد تمكنت من التخلص من قبضة عفاف وركضت بسرعة نحو ابراهيم تقف بجواره تحتمي به من زوجته، بينما الأخرى فقد سيطر الشيطان عليها وعيناها غطتها غمامة سوداء حجبت عنها الرؤية،فوجدت نفسها دون وعي تسرع وتلتقط زجاجة المياه التي سقط نظرها عليها فوق المنضدة، وكانت تنوي أن تصفع بها داليا فوق رأسها لكن في ظرف لحظة دون تركيز منها وهي تحاول ضربها وابراهيم كان يمنعها ويبعدها عن داليا التي اختبأت خلفه، سقطت يد عفاف بالزجاج فوق رأس ابراهيم بدلًا من داليا!...
تسمرت عفاف بأرضها واتسعت عيناها بصدمة بعدما رأت ابراهيم وهو يرفع يده يضعها على رأسها موضع الجرح والدماء وثم لحظات معدودة بدأ يغلق عيناه ليسقط على الأرض فاقدًا الوعي، فصرخت داليا برعب وبسرعة جثت على الأرض أمامه وهي تمسك برأسه وتهزه بقوة صائحة:
_ابراهيم رد عليا.. ابراهيم
لكنها لم تحصل على أجابة منه، وكانت عفاف مازالت متسببة بأرضها تحدق بزوجها الساقط على الأرض والغارق في دمائه بسببها، تسارعت نبضات قلبها وانفاسها بدأت تخرج غير منتظمة وسريعة وبعد وقت من محاولات داليا في إنقاذه أو حتى افاقته، جثت عفاف على ركبتيها أمامها وامسكت به تهتف بصوت مرتجف وعينان باكية:
_ابراهيم انا مكنش قصدي ابراهيم أبوس يدك فتح عينك ياحبيبي
استقامت داليًا واقفة وهي ترمق عفاف شزرًا وتصرخ بها منفعلة من فرط الخوف والغضب:
_كنت بتقولي هتقتليه وأهو قتلتيه.. أنا هوديكي في ستين داهية ياعفاف
لم تعيرها اهتمام من الأساس حيث كان اهتمامها منصب كله على زوجها وهي تضمها لصدرها وتبكي بحرقة وسط كلامها وتوسلها بأن لا يموت ويعود لوعيه.
بينما داليا فالتقطت هاتفها بيد مرتعشة وبسرعة قامت بالاتصال برقم الإسعاف وابلغتهم بحالته وعنوان المنزل وطلبت منهم الإسراع في الوصول...
***
داخل المستشفى بعد مرور ساعتين من ذلك الحادث...
كانت عفاف ممسكة بهاتف ابراهيم بيدها وهي جالسة على أحد المقاعد الحديدية خارج الغرفة، بانتظار خروج الطبيب بعد فحص زوجها وليخبرها بحالته الصحية، وكانت على الجانب الآخر أمامها تقف داليا وهي عاقدة ذراع أسفل صدرها والآخر تمسح به دموعها المنهمرة على وجنتيها.