الفصل الأربعون

758 31 2
                                    

(( ميثاق الحرب والغفران ))
_الفصل الأربعون _
بعنوان ( أن كنت لا تستطيع حبس أنفاسك لأطول فترة ممكنة فلا أنصحك بهذا الجزء! )

وقفت تحدق به في ذهول والعديد من التساؤلات حلقت في ذهنها بتلك اللحظة، بينما هو فابتسم بلطف وقال:
_ازيك يا آسيا
ضيقت عينيها بتعجب من تعامله العفوي معها ثم ردت عليه بأسلوب قوى:
_بخير الحمدلله ياسليم، خير في حاچة ولا إيه؟
تنهد سليم الصعداء وزفر أنفاسه متمهلًا قبل أن يجيبها بلهجة جادة:
_كنت حابب اتكلم معاكي في موضوع مهم لو أمكن
ابتسمت آسيا بلين وهتفت معتذرة:
_تمام مفيش مشكلة بس نخليها وقت تاني لأن مش هينفع نتكلم على الباب وللأسف مش هقدر اقولك اتفضل لأن عمران مش موچود
أخذ نفسًا عميقًا ورد عليها بملامح وجه مكفهرة:
_مش هاخد من وقتك خمس دقائق والموضوع مهم جدًا يخصك ويخص عمران
تبدلت تعابير وجه آسيا للحيرة والفضول عندما أوضح لها أن الأمر جدي ويخصها هي وزوجها، فالتزمت الصمت لبرهة من الوقت وهي تفكر مترددة، كانت سترفض التحدث معه لكن فضولها لمعرفة ما الذى يريد إخبارها بها سيطر عليها، وهي تدور في حلقة ذهنها العديد من التساؤلات حول سبب كره زوجها لذلك الرجل ولماذا هو لا يتوقف عن محاولات التحدث إليها وافتعال المشكلات مع عمران، حتمًا يوجد سبب لا تعرفه.
هزت رأسها بالموافقة وقالت في حزم:
_تمام هتقول اللي عندك وهتكون آخر مرة ياسليم.. اتفضل
افسحت له الطريق ليعبر ويدخل ثم أشارت له بيدها للصالة فسار قبلها بينما هي فأغلقت الباب ولحقت به، ثم جلست على الأريكة المقابلة له وسألته بقوة تليق بها:
_اتفضل أنا سمعاك، عاوز تتكلم في إيه؟!
تحدث سليم باهتمام:
_أنا عارف أنه مش من حقي اتكلم في حاجة زي كدا، بس أنا عرفت أنتي وعمران ايه الظروف اللي اتجوزتوا فيها يعني عارف كل حاجة بظبط
اتسعت عيني آسيا بصدمة وهي تسأله:
_مين قالك الكلام ده؟!
هتف الآخر ببسمة لطيفة:
_مش مهم مين قالي أنا بس عرفت أنك كنتي مغصوبة على الجواز وأنك حاولتي تهربي اكتر من مرة وأنك اتظلمتي، أنا جاي اساعدك بس مش اكتر
رفعت حاجبها بنظرة ساخرة قبل أن تجيب عليه بصوتها الصارم:
_ماشاء الله شكلك عارف كل حاچة.. طب وأنت هتساعدني كيف عاد؟!
لمس الاستهزاء في نبرتها لكن لم يهتم كثيرًا وتابع بجدية تامة:
_أنا اعرف عمران من زمان أوي وهو شخصيته صعبة يعني ممكن يأذيكي طالما انتوا في بينكم تار ومشاكل كتير من قبل الجواز وأنا الصراحة حابب اساعدك وانقذك يعني لو حابة تطلقي أنا ممكن اقف جمبك واساعدك وبالتالي مفيش حد يقدر يقرب منك ولا يأذيكي

طالت نظراتها له وسكونها المريب وهي تبتسم بوجه لا يحمل رقة النساء أبدًا ثم قالت في استهزاء:
_اطلق وأنت تساعدني ومحدش يأذيني!!.. هو أنت في إيه بظبط إيه اللي بينك وبين عمران!
أجاب بامتعاض بعد تنهيدة طويلة:
_كانت في مشكلة قديمة بينا بس اتحلت وده ملوش علاقة باللي أنا جاي اتكلم فيه معاكي دلوقتي
هزت رأسها بتفهم وهي مازالت محتفظة ببسمتها الغريبة، ثم اعتدلت في جلستها لتصبح أكثر شموخًا وقوة قبل أن تهتف بلهجة حادة:
_بص ياسليم أنت شكلك مش طبيعي صُح وبنى آدم مريض وليه حق عمران يعمل إكده معاك، أنت لو تعرف عمران فلساتك متعرفنيش وأنا لو محتاچة مساعدة من حد أكيد مش هطلبها منك، مع العلم أني مش محتاچة مساعدة من أساسه واللي قالك الكلام ده ليه حساب معايا وأنا عارفة أن سندس اللي حكتلك، فأنا هعتبر اللي الحوار اللي تم ده كأنه محُصلش من الأساس ومش هچيب سيرة لعمران عشان المشاكل
توقفت عن الكلام للحظة ثم هبت واقفة مكملة بغضب ولهجة تحذيرية:
_آخر مرة تفكر تتكلم معايا وخليك بعيد عني وعن چوزي ياسليم لو مش حابب تدخل في مشاكل أنت مش قدها، ودلوك اقدر اقولك اتفضل برا
لوى فمه بضيق قبل أن يستقيم واقفًا ويقول في ابتسامة شيطانية:
_اتمنى متندميش بعدين!
أشارت له نحو الباب وهي تهتف بعصبية:
_اطلع برا ياسليم
هز رأسه له بالموافقة وهو يبتسم بسخرية ثم تحرك باتجاه باب المنزل في خطوات سريعة وبقت هي مكانها دون حركة تتابعه بنظراتها الساخطة وهو يرحل، بينما هو فعندما فتح الباب اصطدم بعمران الذي كان يهم بوضع المفتاح في قفل الباب ليفتحه ويدخل منزله.
فرت الدماء من وجه آسيا ولوهلة تمنت أن تنشق الأرض وتبتلعها فالقادم لن يكون سوى خراب، أما عمران فتجمد مكانه وهو يحدق بذلك الدخيل الذي يخرج من منزله ولم تدم دهشته إلا ثواني قبل أن يثبت نظراته المظلمة عليه ويتقوس وجهه المكفهر الذي يقذف الرعب في القلوب.
أسرعت آسيا نحوهم رغم خوفها من بطشه الذي ستشهده فيما بعد، لكنها خشيت من القادم بعد تلك النظرات وهذا المظهر المرعب، ولم تلبث لتصل لهم فقد كان زوجها تدخل منذ زمن حيث أبرح سليم أرضًا بلكمة سالت دماء وجهه وأنفه على أثرها، ولم يكتف بل تابع ضربه المميت له وهو يصرخ به ويسبه بألالفاظ النابية:
_بتعمل إيه في بيتي ***** ده أنا هاخد روحك بيدي يا****
صاحت آسيا بخوف وصوت مرتبك بعدما وصلت لهم ومدت يدها تمسك بذراع عمران تحاول منعه عنه:
_عمران أبوس يدك اهدى
لكن رده عليه جعلها تتصلب في أرضها رعبًا ثم تقهقهرت للخلف متحاشية ذلك البركان القاتل الذي أمامها حتى لا تطولها حممه الحارقة، حيث وجدته يدفع يدها بعنف بعيدًا عنه ويلتفت لها يرمقها بنظرة مميتة كلها وعيد وغضب.
استقام سليم واقفًا في ذلك الوقت وراح يوجه لكمته لعمران ولكنها كانت ضعيفة مقارنة بما تلقاه للتو على يده، فوجد عمران يقبض على رقبته ويدفعه نحو الحائط دون أن يسحب قبضته من عليه ويهتف له بملامح وجه متشنجة ونبرة مرعبة:
_أنا حذرتك مليون مرة متقربش من مرتي بس أنت مبتفهمش بالحسنى، كنت بتعمل إيه في بيتي!
ابتسم سليم رغم وجهه الغارق بالدماء وخرج صوته مختنقًا وهو ينظر نحو آسيا بشر:
_أسأل مراتك
فغرت آسيا عيناها وشفتيها بصدمة وكانت ستصرخ وتجيب عليه لكن نظرات عمران دبت الرعب في صدرها وجعلتها تبتلع عبراتها دون أن تقوى على التحدث.
عاد عمران بنظره لذلك الوغد الذي كاد أن يلفظ أنفاسه الأخيرة من فرط الاختناق ثم ترك رقبته لكنه انهال عليه مجددًا يكمل ضربه له دون أن يتوقف عن سبه، حتى أصبح الآخر ملقي على الأرض لا يقوى على فتح عينيه حتى، فانحنى عليه وجذبه عمران ليوقفه على قدمه عنوة ويجذبه معه للخارج وهو يهتف بوعيد مخيف:
_أنا هعرفك كيف تبقى **** صُح وتتجرأ تقرب من حرمة بيتي

رواية ميثاق الحرب والغفران حيث تعيش القصص. اكتشف الآن