(( ميثاق الحرب والغفران ))
_ الفصل العاشر _لم يجيب على عبارة المأذون واكتفى بإماءة رأسه الخفيفة في أدب وبوجه تعتليه معالم الخنق.. ليستقيم المأذون واقفًا ويقف معه ابرهيم الذي مد يده يصافحه ويشكره بود :
_ متشكرين يامولانا
ابتسم له الرجل بتكلف وجذب حقيبته وأوراقه وغادر المنزل بأكمله، ليهب عمران من مقعده بوقار ويتنقل بنظره على وجوه جميع عائلتها الجالسين حولهم.. كان الخزى والاستياء مرسوم بدقة فوق صفحة وجههم وهو يتطلعون له بسخط ولابنتهم بخزي، فتنفس الصعداء بهدوء مريب ورفع يديه لعباءته البنية يلقيها فوق كتفيه بثبات وارسل لآسيا نظرة مرعبة وهو يهتف :
_ يلا
ولم يتثنى لسماع أي رد سواء منها أو من غيرها حيث اندفع تجاه باب المنزل ولحق به بلال الذي كان معهم بينما إبراهيم فظل واقفًا ينتظرها أن تخرج أولًا ليتبعها.. لكنها تسمرت بأرضها والقت نظرة أخيرة كلها حسرة وعتاب على عائلتها، دارت بعيناها على وجوههم جميعًا فوجدتهم يشيحون بنظرهم عنها في نفور؛ فأطرقت رأسها بألم واستدارت تقود خطواتها الثقيلة تجاه باب المنزل.. تمنت لو تنشق الأرض وتبتلعها قبل أن تخطو قدماها لخارج منزلها الذي لن تخطو إليه مجددًا، داخلها صرخة كلها قهر وعجز تود اطلاقها قبل أن تقتلها تدريجيًا .
وصلت للباب وتوقفت عندما رأت حقيبة كبيرة، كانت حقيبتها فقد قاموا بجمع جميع ملابسها وأشيائها بها حتى لا يتركوا لها حتى مجرد أثر.. ابتسمت بمرارة وانحنت تهم بحملها لكنها وجدت إبراهيم ينحني ليحملها هو عنها فرمقته شزرًا وهتفت بحدة :
_ أنا هشيلها مش محتاچة حد
طالعها هو ببعض الاستنكار وانتصب في وقفته يتابعها وهي تحملها بصعوبة بسبب ثقل حجمها.. ثم التفتت برأسها للخلف تودع ذكريات طفولتها ورائحة أبيها التي لم تغادر المنزل منذ وفاته وانهمرت معها دموعها لكنها لم تقف كثيرًا حيث استدارت وتابعت طريقها للخارج ولحق بها إبراهيم .
بقت جليلة عيناها عالقة على الباب وهي تذرف الدموع بغزارة فخرجت همسة موجوعة نابعة من صميمها:
_ بتي راحت مني خلاص
وداهمها شعور بالدوار وقدماها ارتجفت ولم تعد قادرة على الوقوف فمالت للجانب تسقط فوق جلال الذي امسك بها بسرعة هاتفًا بقلق :
_ أما أنتي كويسة ؟
راحت تبكي بنحيب مسموع وقلب منفطر:
_ عملتي في نفسك إكده ليه .. هي دي تربيتي ليكي يا آسيا .. بتي راحت
راحت تكرر عبارتها الأخيرة وهي تبكي بعنف في عدم حيلة فارتفع صوت منصور وهو يصيح :
_ بتبكي عليها ليه ياچليلة دي فاچرة حطت راسنا في الطين، تحمد ربها أننا مقتلنهاش وغسلنا عارنا، معدش عندينا بت اسمها آسيا خلاص ماتت
اشتعلت عيني جلال بغضب من صياح عمه على أمه ورمقه بنظرة مخيفة منذرة هاتفًا :
_ عــمــي.. متنساش أنها أمي يعني حاسب على كلامك وخصوصًا قصادي
هنا صدح صوت حمزة المرتفع وهو يصرخ بهم بعصبية:
_ معاوزش اسمع حس حد.. چوزناها وخلصت وكيف ما قال منصور اعتبروها ماتت.. وأنت ياچلال خد أمك وطلعها اوضتها خليها ترتاح شوية
تجاهل جلال كلمات جده وكذلك نظرات عمه الساخطة واحتضن أمه بذراعيه وسار معها تجاه الدرج يسندها لغرفتها بكل حنو وهو يقبل رأسها عدة قبلات متتالية.
***
توقفت أمام منزل ابراهيم الصاوي ورفعت نظرها لأعلى تتأمل المنزل المكون من ثلاث طوابق في قهر، هل أصبحت واحدة منهم الآن؟ ستخطو قدميها منزل الرجل الذي قتل والدها، كيف ستعيش معهم وتمكث بنفس الغرفة مع ذلك الرجل الذى يدعى زوجها، تمنت الموت في تلك اللحظة عله أهون من ذلك العذاب الذي هي مقبلة عليه.
بقت ثابتة بأرضها تتمعن النظر في باب المنزل دون أن تتقدم خطوة واحدة بقدمها للداخل لتسمع همسته الشيطانية في أذنها وهو يأمرها :
_ ادخلي ياعروسة .. أهلًا وسهلًا بيكي في الچحيم
رمقته آسيا بقوة وقالت وهي تهز رأسها بالنفي في رفض :
_ رچلي مش هتعتب البيت ده
ارتفع حاجبه اليسار باستنكار ولمعت عيناه بوميض مخيف مع هدوء مريب منه، فجأة شعرت بيده العنيفة تقبض على ذراعها ويجذبها معه عنوة للداخل، ولم يمهلها الوقت لتقاومه حيث بلمح البصر وجدت نفسها أصبحت بالداخل تقف وسط تلك العائلة الشيطانية التي تتجول بنظراتها النارية عليها في وعيد، لم تظهر لهم الضعف بل على العكس شدت عضلات صدرها وانتصبت في وقفتها ترفع رأسها للأعلى بشموخ وهي تتنقل بعيناها على وجوههم في قوة، رأت إخلاص تتقدم نحوها بتريث في عين ملتهبة وحين وقفت أمامها هتفت لها بغضب محذرة إياها :
_ اوعاكي تفتكري إنك هتفضلي كتير إهنه يابت چليلة قريب قوي ولدي هيطلقك وتغوري مطرح ما چيتي على بيت ناسك
التزمت آسيا الصمت للحظة بعدما تعرضت للهجوم والوعيد على لسان حماتها الآن، وبتلك اللحظات راحت تجول بعيناها على الجميع فرأت النظرات نفسها المستقرة في عيني إخلاص.. أدركت لحظتها أنها أذا لم تعود لحقيقتها وتخلع رداء العجز والانكسار وترتدي الجبروت والقوة لتصبح الساحرة الشريرة من جديد ستكون طعم سهل لهؤلاء الوحوش، وبالفعل لم يستغرق الأمر وقتًا حيث ألقت كل شيء خلف ظهرها ودفنت حزنها وألمها في ثناياها لتعود للحياة مجددًا وبقوة.
عادت بنظرها إلى إخلاص وابتسمت ببرود مستفز لتقول بتحدي دون أي ذرة خوف :
_ هدفنا واحد ياحماتي.. متخافيش أنا مش هقعد كتير في بيت قتالين قُتلة، ولو عاوزة ولدك يطلقني دلوك كمان يبقى ياريت