ارتفع صوت جرس الباب في اليوم التالي وفتح (زياد) الباب ليجد صديقه (مروان) والذي كان متأنِّقًا بشِدَّة ويرتدي بذلة سهرة أنيقة للغاية رمادية اللون وربطة عنق رمادية أيضًا لها نفس النقوش الموجودة على ياقة البذلة ويحمل حقيبةً في يدِهِ، فابتسم (زياد) قائلًا:
- مين حضرتك؟
- وسَّع يا خفيف، بابا وماما معايا.
- ماشي، علشان خاطرهم بس هدَخَّلك، أنا أصلًا معرفتكش، إيه النضافة دي؟
حدَّقه (مروان) بنظرة نارية وقال لوالده بغيظ:
- معلش يا حاج، ده (زياد) بيحب يستظرف زي ما انتو عارفين، بس هو هيبطَّل خفة دلوقتى.
رحَّب (زياد) بوالدَي صديقِهِ بحفاوةٍ وقادَهُما إلى غرفة الصالون مع عبارات الترحيب المعتادة، وخرَجَ الحاج (سليمان) وزوجته ورَحَّبَا بـ(مروان) ووالديه، وتلتهما (سمية) بعد فترة وجيزة واستمرَّت جلسة التعارف بين العائلتين إلى أن ارتفعت الأيادي لقراءة الفاتحة وانطلقت (زغرودة) مُدَوِّيه من والدة (مروان) لتوثق المناسبة بالتقاليد المصرية الرسمية.
كان (مروان) أكثر الحضور بهجة وترتسم على وجْهِهِ ابتسامة واسعة وهو يتحدث إلى (سمية) في مواضيع مرتجلة غير مترابطة، و(عمر) منشغِل مع (التورتات) والحلويات، ووالدَا العروسين متعمِّقان في أحاديث السفرة والصالون والمطبخ، حتى أن أحدًا منهم لم ينتبه إلى الطرقات الخفيفة على الباب، فذهب (زياد) ليفتح الباب وهو يقول بسخرية: سمعت عن اختراع الجرس،.
ثُمَّ تَسَمَّر في مكانه في حرجٍ وهو يتَطَلَّع إلى وجه الفتاة التي تطرُق الباب والتي ابتسمت في حرجٍ بدورها وقالت: متأسفة حضرتك مالاحظتوش.
كانت فتاة في أوائل العشرينات من عمرها، تعلو وجهها ابتسامة رقيقة تضفي إلى وجهها ضياءً وقبولًا، وترتدي حجابًا يُغطِّي شعرَهَا ويَنسَدِل على كَتِفَيْها في نعومةٍ، وتابعت قائلة:
- ده بيت المهندس (زياد مصطفى)؟
- أيوه حضرتك، أنا (زياد).
- كنت عاوزه أتكلم مع حضرتك )5( دقايق بس، لو وقتك يناسب.
- بصراحة إحنا عندنا مناسبة عائلية دلوقتي، بس ما اكدبش عليكي انتي هتنقذيني منها، مين حضرتك؟
- (أمل عبد المنعم) معيدة بكلية العلوم جامعة القاهرة.
- تشرفنا، اتفضلي.
واصطَحَبَها إلى مقاعدِ السُّفرة واستأذن ضيوفه قائلا:
- (5) دقايق بس وهكون معاكم.
جلسا إلى المنضدَةِ فبادَرَتِ الفتاة قائلة:
- الحقيقة أنا كنت عاوزه أتكلم مع حضرتك بخصوص البيت بتاعك اللى في (الإسماعيلية).
أصابته الدهشة وسألها:
- انتي كمان عاوزه تشتريه؟
أجابت بسرعة:
- لا لا حضرتك، مش عاوزه أشتريه ولا حاجة، أنا معيدة في كلية العلوم وبحضَّر رسالة الماجستير بتاعتي حول أنواع الإشعاع الكهرومغناطيسي وارتباطها ببعض الظواهر الفيزيائية.
بدت على وجهه نظرة غباء واضحة فتابَعَت الفتاة:
- الشهر اللي فات كان في نشاط زلزالي محدود حصل في قرية حضرتك، محدود لدرجة أنه لم يُلاحظ إلا في دائرة قطرها 40 متر تقريبًا، بس في نفس الوقت كان بدرجة 4.8 ريختر، وده طبعًا أمر مش مألوف إلى حد ما.
- طالما حضرتك شايفاه مش مألوف، يبقى أكيد مش مألوف، اللي حضرتك تشوفيه.
ابتسمت وتابعت:
- أصل المفروض نشاط زلزالي بالحجم ده يأثَّر على مساحة أكبر من كده بكتير، وبصراحة إحنا نزلنا زيارة للمنطقة وسألنا بعض الأهالي اللى أغلبهُم ما حسُّوش بالزلزال أصلًا، بس في نفس اليوم لاحظوا أضواء غريبة في بيت من البيوت اللي صادف إن هو مركز النشاط الزلزالي.
تحولت نظرة الغباء على وجهه إلى نظرة بلاهة تقريبًا، فتابعت:
- البيت ده بيت حضرتك.
استمرت نظرة البلاهة لوهلة، إلى أن استوعب الأمر فصاح عاليًا: آآآآآآآه.
لفَتَت صيحتُهُ انتباه الجميع تقريبًا فنظر إليهم قائلًا:
- معلش يا جماعة الدكتوره بس بتشرحلى شوية ظواهر فيزيائية والحمد لله فهمتها.
ظلَّت النظرات المتسائلة متعلِّقة بهما فالتفت إلى (أمل) قائلًا بخفوت:
- طبعًا أنا كدَّاب، ومش فاهم حاجة، أفهم من كلامك إن في بترول تحت البيت مثلا، ولَّا في آثار ولَّا إيه بالظبط.
ابتسمت وأجابت:
- لا ده ولا ده، دي ظاهرة عجيبة شويه خصوصًا إنها مرتبطه بنسبة إشعاع بسيط أثره لسَّه باقي في المكان، فأنا كنت بستأذن حضرتك في ساعة زمن نزور فيها البيت، هنقيس بعض النسب بالأجهزة، وهتكون حضرتك قدمتلي مساعدة كبيرة في رسالة الماجستير بتاعتي.
أقبلت عليهِما والدتُهُ وفي يديها طبق (جاتوه) وكأس مياه غازية وقالت وهي تنظر إلى (زياد) نظرة تسَاؤُل واضحة:
- جرى إيه يا بشمهندس، خلِّي عندك دم وقدِّم لضيفتك حاجة تشربها.
وضعت ما بيديها على المنضدة ونظرت إلى (أمل) قائلة:
- اتفضلي يا بنتي.
وعادت تنظر إلى (زياد) الذي قال بسرعة:
- دكتوره (أمل) معيدة في كلية العلوم وجايَّه بخصوص بيت (الإسماعيلية).
قالت (أمل) مبتسمة:
- ألف شكر يا طنط، معلش أنا ماشية على طول والله.
- ودي تيجي يا بنتي، ده النهاردة قراية فاتحة بنتي، عقبالك.
قالتها وهي تنظر إلى يديها العاريتين عن خاتم الخطوبة فابتسمت الفتاة وقالت:
- ألف مبروك يا طنط، ربنا يتمم بخير.
انصرفت والدة (زياد) إلى ضيوفها فقال:
- والله يا دكتوره أنا مبروحش البيت هناك نهائي وظروف المكان والشغل بيخلُّوا الموضوع ده صعب شويه، بالإضافة إني احتمال أبيع البيت خلال فترة قصيرة.
- أنا طبعًا مش عاوزة أزعج حضرتك واتَّقِّل عليك، بس لو حضرتك قدِرت تفضِّي نفسك في يوم جمعة مثلًا وقدِرت تِنزِل (الإسماعيلية) هبقى شاكرة ليك جدًا، وأنا ممكن أخلِّي والدي يوصلنا.
قالتها ونهضت وهي تُخرِج ورقةً وقلمًا من حقيبتها وكتبت رقم هاتفها وأعطته الورقة قائلة:
- أنا مُتشكِّرة جدًا على وقتك، وأرجو إني مكُنش أزعجتك.
وانصرفت تاركة إياه مع ضيوفه، واستقبله (مروان) بنظرة متفحصة: إيه يا كبير هنشمت فيك قريب ولا إيه؟
ضحك قائلًا: ده بعينك، هو انت علشان وقعت عاوز توقَّعْنِي معاك، خليك انت في البدلة اللي انت لابسها دي، يابني النضافة مش لايقة عليك صدقني، كنت جيت بالتيشيرت الرمادي المقطوع من عند كتفك، كان هيبقى أحسـ،،
قاطعته خالته وهي تسحبه من ذراعه إلى الداخل قائلة: تعالى بس الله يهديك نشوف موضوع التيشرتات ده مع بعض وبالمرَّة تقولي مين الأمورة اللي كانت قاعدة معاك دي، فانصرف معها ضاحكًا تاركًا صديقه يتوعده.
***************
أنت تقرأ
ميثاق
Horrorأخذ يُقَلِّب الدِّماءَ مع رَمَادِ الورقة ثم سَكَبَها على يده اليمنى وطلب من (زياد) أن يمد له كفَّهُ اليمنى وأطبق عليها بكَفِّه المملوءة بالدماء وأخذ الخليط يتساقط من كفَيْهِما وقال: ردد معي ما أقول.. بسم الله الملك.. قاهرِ الجبابرة.. ومالكِ الدنيا و...