18

6 2 0
                                    

أخَذَ (مروان) و(زياد) يلهثان بشدة وهما يستندان إلى الحائط الحجري للغرفة العلوية للبرج الشمالي وقال (مروان) ساخرًا وهو لازال يلهث:
- يااااه، إيه المكان الجميل ده، ده فعلًا يستاهل الألف كيلو متر سلالم اللي احنا طلعناهم.
نادي (زياد) على (أمل) ليعلم إن كانت قد شارفت على الوصول فأجابته من مسافة قريبة:
- بدَأْت أشوف النور أهو، تقريبًا قرَّبت أوصل.
قال (حمزة):
- أنا لم أقل إن المكان جميل في حد ذاته، أنا أتيت بـ(زياد) هنا لأن والده لم يسترح بأي مكان في المدينة إلا هنا.
قال (زياد) وهو يتابع (أمل) وهي تصعد الدَرج:
- هو بابا كمان جه هنا؟
- قلت لك أن والدك تعامل معنا في آخرِ عامٍ من حياته، ولقد زَارَنا هنا مرَّتين ولم يستطع النَّوم خلالهمَا في القصر فقد كان يقول إن جَوَّه مفعمٌ بالنفاق.
علق (مروان):
- أخيرًا أبوك يا (زياد) قال حاجة واضحة وصريحة.
ثم نظر إلى (حمزة) نظرة جانبية وتابع:
- وصحيحة.
تجاهله (حمزة) ورحَبَّ بـ(أمل) التي وصلت أخيرًا وقالت وهي تلهث:
- أخيرًا وصلت، إيه اللي فاتني بقى؟
أراد (مروان) أن يعلِّق ساخرًا أنها لم يفتها سِوَى بعض الحجارة المتراصَّة ولكن (حمزة) سبقه وقال:
- لم يَفُتكِ شيئًا، فأنا لم أُرِهِم بعد المشهد من شرفةِ البرج.
وفتح باب الشرفة الخشبي وولَجَ إليها وتبِعَهُ الأصدقاء الثلاثة ليشاهدوا مدينة (الزهران) من شرفَةِ البرج، كانت كأنها منطقة أثرية ولكنها لم تندثر، أو حضارة من الحضاراتِ البَائِدةِ ولكِنَّهَا لم تهْلَك، كانت المدينة بأكملها ما بين بُيوتٍ منحوتةٍ داخل الجبال ومنازلٍ حجريةٍ متوسطة الحجم مبنية بدَورِها وسط الجبال، والطرقات بينَهَا مُمَهَّدةٌ ومتساوِيةٌ ولكنها أشبه بالمنحدَرَات تَمْتَدُّ صُعُودًا ونزولًا.
قال (مروان) معجبًا بالمشهد:
- دلوقتي فهمت والدك ليه كان بيستريح هنا بس.
لم يكد ينهي عبارته حتى مرت بجواره كرة من الضوء اصطدمت بكتف (أمل) فوقعت من فَورِها فاقدة الوعيِ دُونَ حتَّى أن تصرخ، فانتفض (مروان) و(زياد) فزعًا وحاول الأخير إفاقتها ولكنها لم تستجب.
أمَّا (حمزة) فقد قام بأغرب رد فعلٍ كانا يتوَقَّعانه، فقد نظر إلى مكان مُطلِق السلاح وقفز.
نعم قفز من شرفة البرج التي يبلغ ارتفاعها ما يفوق الثلاثين مترًا، وأخذ (مروان) يتابعه بنظره وهو يهبط إلى الأسفل وهو يقول:
- بيعمل إيه المعتوه ده؟!
قبل أن يصل (حمزة) إلى الأرض بأمتارٍ قليلة أمسك بأحد الحبال المعلق بها بعض الرايات، والتي أوقفت هبوطة دفعة واحدة فاندفع ثانية إلى الأعلى ودار دورتين عموديتين حول الحبل ثم تركه ليهبط على الأرض واقفًا على قدميه، فقال (مروان):
- ده شكله متعود.
قال (زياد) وهو يحاول إفاقة أمل:
- تعالى ساعدني نرجَّعْهَا القصر يمكن نلاقي حد يقدر يساعد،،
قطعت عبارته نظرة الفزع في عيني (مروان) وهو يندفع نحوَهُ ملوِّحًا بيده ويحاول أن يدفعه قائلًا: حاسب يا (زيا،.
قاطعته كرة ضوئية أخرى أصابته في صدره مباشرة فسقط أرضًا من فَوْرِهِ.
التفت (زياد) إلى مصدَرِ الكُرَةِ الضوئية فوَجَدَ رجلينِ من الجنِّ ضَخْمَي الجثة، يقفان عند مدخل الحجرة وفي أيديهما السلاح الشبيه بالحربة ذات القطعة الزجاجية المستديرة، فاستدار يبحث عن (حمزة) ونادى عليه بأعلى صوته، والذي كان قد أمسك بالجني الذي أصاب (أمل) وأخذ يضربه بعنف ليعرف من الذي أرسله، ولكن الرجل لم يتكلم حتى فقد الوعي من شِدَّة الضربات.
سمع (حمزة) صيحة (زياد) فقيَّد الجني المعتدِي إلى أحد مرابض الدَّوابِّ وعاد مسرعًا إليه.
صعد الدَرَج بسرعة كبيرة حتى وصل إلى الحجرة العلوية فوجد (أمل) لازالت فاقدة الوعي وبجوارها (مروان) مُلقَى على الأرض.
أما (زياد) فقد اختفى تمامًا ولم يجد له أدنى أثر.
كان من الواضح أن الجني الذي ركض وراءه مجرد وسيلة إلهاء ليتيح لبقية زملائه فرصة لاختطاف (زياد)، فاتجه إلى شرفة البرج ونظر إلى حيث قيده فلم يجد له أثر، فوقف ثابتًا في مكانِهِ وتحسَّسَ موضع جُرحٍ في كفِّه التي أمسك بها حبال الرايات وهو يقفز، وصَرَخَ في قوة:
- أيًّا كنت من فعل هذا، سوف أجعلك تندم لتحديك (حمزة بن عدنان)، حتى لو كنت أقرب الأقربين.

ميثاقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن