عاد (زياد) في اليوم التالي من عملهِ منهكًا وأخذ ينظر إلى هاتفه الذي اضْطُّرَّ إلى أن يجعله على وضع (الطيران) ليتفادى مكالمة (شريف) المحامي، حتى يستطيع أن يَفِي بوعده لزوج خالته بألَّا يرد عليه إلا بعد أن يقرأ ما في الكُرَّاس الذي جلبه من بيت (الإسماعيلية)، كان ولا يزال مُندَهِشًا من تصرفاته فلم يَعْتد عليه من قبل بمثلِ هَذَا الغموض، بَدَّلَ ملابسه وتناول غدائه وأعَدَّ لنفسه كوبًا من الشاي وأغلق عليه بابَ غرفتِهِ استعدادًا ليُنجِز هذه المهمة الغريبة، وأخرج الكُرَّاس وفتحه قائلًا:
- بسم الله.
وشرع في القراءة؛
الصفحة الأولى كان مكتوبًا فيها بخط كبير: (جمال الحسينى 1(.
الاثنين 13 رجب من عام 1371 هجرية والموافق 7 إبريل 1952.
وفي أسفل الصفحة وبخط مائل كُتِب:
"إن الحقائق الَّتِي اضْطُّر أصحابُها إلى إخفائها لَن تنْجَلي إلا إذا اجْتمَع الأحِبَّة، ونظَرُوا إلى تفاصِيلِها، وأشَارُوا إليْهَا بِدِقَّة، عندَها فَقَط سَيَتضِح للجميع ما يُمكِن لِرَابِطِ العَائِلَةِ أن يَحْمِل مِن قُوَّة."
أُصيب (زياد) بالإحباط من هذه المقدمة الفلسفية ولكن أثارَ انتباهه أن الكاتب لم يكُنْ والدَهُ كما توقَّع بل جَدهُ الأكبر (والد جَدِّهِ)، فتابع القراءة.
منذ شهرين تقريبًا كنت في زيارة لمنزل خالي الأستاذ (محمد حسين)، وحذَّرني كثيرًا من العودة في الليل خاصَّةً عندما سمعنا صوت انفجار يبدو أنه في كامب الإنجليز حيث تصاعدت حِدَّة عمليات الفدائيين تجاه العدُّو المحتل خلال الفترة الحالية، إلا أنني أصررت على الذهاب حتى لا تقلق علىَّ زوجتي وولدي، ووعدت خالي بالعودة من خلال الزِّرَاعية حتى لا يتم رَصدِي من قِبل الإنجليز إذا قاموا بتمشيط المكان بحثًا عمَّن قاموا بهذا التفجير، وبالفعل سلكت طريقًا وسط الأراضي الزراعية وكدتُ أصِلُ إلى بيتي لولا أن جنديين إنجليزيين اعترَضَا طريقي.
كانت الكلمات البسيطة التي تعلمتها من لغتهم كافية لأستوعب أنهما يريدان اصطحابي معهما إلى الكامب لاعتقادهما أنني شاركت في تفجيره، فرفضت بشدة وأنا أحاول أن أشرح لهما أنني لا علاقة لي بالأمر، إلا أنهما أخَذَا يَضرِباني بكعُوبِ بنادقهما فحاولت الركض فرارًا منهما، فأصابني أحدهُما بعِيارٍ ناريٍّ اخترقَ فَخذِيَ الأيسر، فسقَطْتُ أرضًا وأنا أصرخ عاليًا من شِدَّة الألم، نظَرَا إلى بعضهما البعض وأخذا يصرخان بكلامٍ لم أفهم منْهُ شيئًا، إلى أن قرَّر أحدهما ألا فائدةً مَرجُوَّة منِّي فصَوَّبَ بندقيته إلى صدري وهَمَّ بضغط الزناد، إلا أن تلك الحجارة التي اصطدمت برأسه أوقَفَتْهُ، تَلَتْهَا ضربةٌ قويةٌ بعصا غليظة، أوقعت الجندي أرضًا فالتفت إليه زميله ليجِد نفس العصا موجَّهَةً إلى وجهِهِ لتصْطَدِم به بقوَّةٍ ليَسْقُط أرضًا بلا حراك، التقط صاحب العصا سلاح أحد الجنديين وأطلق الرَّصاص على كليهما بدون ترَدُّد ثم التفت إليَّ، وقام بتمزيق قطعةً من قميصِهِ وقام بربطها بقوة أعلى مكان الرصاصة، وحمَلَني على كتفِهِ بسهولةٍ قائلًا: إيه اللي ممشيك من هنا في الوقت ده؟
قلت وأنا أتألم من أثر الرَّصاصة:
- أنا مرَوَّح بيتي.
سألني: قريب من هنا؟
- آه قريب، وأشرت إلى طريق المنزل.
حملني إلى المنزل، وبمجرد دخولنا أطلَقَت زوجتي صرخة هَلَع حينما رأتني وأنا أنزِف، فنهرها الرجل بقوة قائلًا:
- اسكتي بعد إذنك، ووَرِّيني أحطه فين؟
فتحت زوجتي باب إحدى الغرف وأدخلته، فوضعني على السرير وطلب قطعة قماش نظيفة وقطن وماء ساخن.
أسرعت زوجتي لتجلب ما طلبه، وأخذ يتفَحَّص الجرْحَ وقال لي: من حسن الحظ إن الرصاصة مستقَرِّتش في جسمك وإلا كنا هنضْطَّر نوَدِّيك الاسبيتاليا وطبعًا هَيبلغو الإنجليز.
أحضرت زوجتي ما طلب فقام بتنظيف الجرح بالقطن والماء الساخن ثم التفت إليَّ قائِلًا:
- الجرح ده هيحتاج يتخيط.
أصرت زوجتي على استدعاء (فرج) حلاق الصحة إلا أنه نهاها عن ذلك بصرامة معلِّلًا ذلك بأنه سوف يقوم بالإبلاغ عن إصابتي بعيارٍ ناري وطلب منها إحضار الموقد وخيط وإبرة خياطة، فانزَعجَت بشدة ونظرت إليَّ، فطلبت منها أن تحضر ما طلب وقلت له: انت بتعرف تخيط الجروح؟
فقال: أنا مش دكتور، بس عندك حل تاني؟
أحضرت زوجتي ما طلب، فأخذ يتلَّفَت حَولَهُ والتقط قطعة من ملابسي وقام بتكويرها وطلَبَ مني وضعها بين أسناني ففعلت، طلب من زوجتي الخروج حتى لا يُفزِعها المشهد فرَفَضَت بشِدَّة فقال بصرامة:
- قلت اخرجي.
فخرَجَت وهي تتمتم بعباراتٍ ساخطة، وقام الرجل بتسخين الإبرة على الموقد حتى احمرَّت بشدة، وانتظر لتبرد وأخذ يخيط بها جُرحي، أحسست بألم رهيب وأخذت أجِزُّ بأسناني على قطعة الملابس بقوة حتى فقدت الوعي وعندما استفقت وجَدتُّ زوجتي بجواري وولدي (سعد) الذي كان نائمًا عندما أُحضِرت إلى المنزل.
بدأت زوجتي في تقمُّص شخصية وكيل النيابة وبدأت التحقيق، حيثُ قامت بفتح محضرًا كمحضر النيابة وأخذت تسألني عن كلِّ تفصيلةٍ صغيرةٍ كانت أو كبيرة مما حدث، وفي النهاية سألت: ومين الراجل ده؟
فقلت: معرفش، ظهر فجأة.
ونظَرْتُ في أرجاء المكان متسائلًا: أين هو؟
أخبرتني أنه خرج فور انتهائه من خياطة جُرحي وطلب منها إعداد سوائل كثيرة وطعام جيد لي لأتناوله عندما أستفيق.
بعد مُضَيِّ ثلاثة أيام على هذا الحادث، بدأت أستعيد عافيتي، وأنا أترقب في كل يوم هجوم الإنجليز على القرية حينما يجدون قتلاهم بجوارها.
وفي اليوم الرابع، كانت هناك طرقات خفيفة على الباب ففتَحْتُ الباب لأجد رجُلًا في منتصف العقد الثالث من عمره يرتدي بذلة أنيقة وتبدو عليه آثار الثراء، كدت أن أسأله عن هويته إلا أنني فجأة تذكرت هذا الوجه.
إنَّهُ الرَّجل الذي أنقذني من الإنجليز، صافَحتُهُ بقوة واستقبلتُهُ بحفَاوَةٍ وأنا أدخِلُهُ الدَّار، وأخَذْتُ أتلَّفَت يمينًا ويسارًا لأتأكَّد من أن أحدًا لم يَتْبَعْهُ، وما إن دَخَلَ حتى سألني:
- عامل إيه دلوقتي؟
فقُلتُ: تمام، الحمد لله، الفضل لربنا ومن بعده ليك طبعًا.
وناديت زوجتي لتُعِدَّ لنا الغداء وما إن شاهَدَت الرَّجلَ حتى رحَبَّت به بحفاوَةٍ وأخَذَتْ تدعُو لهُ كثيرًا، حتى انتبهَتَ لأنها لا تعرف اسمه، فسألَتْهُ:
- إلا حضرتك اسمك إيه؟
فقال: (حمزة).
فأكْمَلَتْ: ربنا يكرمك يا أستاذ (حمزة) ويعمِر بيتك يارب، أنا هروح أحضَّر لك الغدا حالًا.
جلسنا سويًا وأنا لازلت أرحِّبُ بهِ وأدعو لهُ، وهَمَسْتُ له قائلًا:
- انت من الفدائيين، صح؟
فضحك بقوة وقال:
- لا يا سِيدي، أنا مش من الفدائيين ولا حاجة.
- طاب إيه اللي كان مخليك تعَدِّي في المكان ده في الوقت اللي كان فيه تفجير في الكامب؟
- دي مجرد صدفة؟ تقدر تقول كده كنت مع ناس قريب من المكان.
- لا لا، مش مقتنع، انت أكيد خايف تقولِّي، طاب واحد بَايِن عليه ابن باشا زيك، يعرف إزاي يخيَّط جرح بالشكل ده؟ وإيه اللي يخليه يضرب نار على الإنجليز؟ ده انتم حبايب.
- أنا جاي أطمن عليك، وأطمنك إن أنا أول ما مشيت من هنا نقلت جثث العساكر اللي اتقتلوا بعيد عن القرية.
قالها ونهض لينصرف، فأمسَكْتُ به وأقسَمْتُ عليه أن ينتظر لتناول الغداء، ووَعْدتُّه بأنني لن أزعجه بأسئلة أخرى.
عاوَدَ الجلوس إلا أنه رفض تناول الطعام، وكان يحمل معه بعض الحلوى التي أعطاها لـ(سعد) حينما رآه ثم استأذن في الانصراف بعد ساعةٍ على وعدٍ بزيارةٍ أخرى.
كان الرجل غامضًا ومن الواضح أنه لا يريد التعريف عن نفسه، ولم يكن هذا يعنيني، فقد أنقذني بدون مقابل بل وأخفى آثار الحادث حتى لا يكتشف الإنجليز ما حدث.
مَرَّ أسبوعان تقريبًا دون أن أسمع منه شيئًا، وكانت الأمور بدأت تسير بشكلٍ جيدٍ، لم أعُدْ خائفًا من هجوم الإنجليز في أي وقتٍ كالسابق.
وكان (سعد) يسأل عنه كثيرًا، لعلْمِهِ كيف أنقذني، وأيضًا لما أحضَرَهُ معه من حلوي، حتى جاءني (سعد) في نهاية هذين الأسبوعين يتقافز من السعادة مُمْسِكًا بكيسٍ ضخمٍ من الحلوى وهو يصيح:
- عمُّو (حمزة) جِه، عمُّو (حمزة) جِه.
تكرَّرَت زياراته بشكل دورِي خلال الشهر التالي وتوطَّدَت علاقتي به وعرفت أنه بالفعل أحد الأعيان ويعيش في قصر مع والده، كما توَطَّدَتْ علاقته بـ(سعد) عن طريق كيس الحلوى الذي يحمله معه في كل زيارة.
أصبحنا خلال هذين الشهرين كالأصدقاء القدامى، وأصبح أقرب إلى قلبي من كثيرٍ من الأصدقاء الذين أعرفهم من أيام الصبا، لم يَكُن سخِيًّا في المعلومات التي يقدمها
عن نفسه إلا أنني لم آبه لهذا الأمر كثيرًا حتى يوم أمس، عندما حدث آخر أمر أتوَقَّعَهُ أو أصَدِّقُ بحدُوثِهِ من الأساس.
***********
"إيه ياعم كشكول الملك خوفو اللي وَاخْدَك في عالم تاني ده؟"
انتبه (زياد) إلى صوت (عمر) فقال له متسائلًا:
- انت رجعت إمتى من الكلية؟
- ياااه، رجعت إمتى؟ ده أنا رجعت واتغدِّيت ورحت وجيت ودخلت هنا 3 مرات وانت قاعد ولا بصيتلي حتى.
- أها، معلش يا (عمُّوره)، بس كنت مندمج شويه مع المذكرات دي.
- مندمج! ده انت كنت رايح خالص، ده أنا كنت بفكر أقلب محفظتك وانت رايح كده بس قلت حرام، الراجل داخل على جواز بقى وكده.
- يا ابني ارحمني شوية، عاوز تتجوز انت، إتجوز بعيد عني.
- ياريت كان ينفع، مذكرات مين دي، الملك خوفو؟
- لا يا محترم، دي مذكرات أبو جدي، دي اللي رحنا بسببها مشوار (الإسماعيلية).
- يااه، مهمة أوي كده؟
- والله ما عارف، حتى الآن مغامرات جدي مع الإنجليز هُوَّ وواحد صاحبه.
- أوبَّا بقى، جدك كان من المقاومة، ويا عزيز يا عزيز والكلام الكبير ده.
- لا يا خفيف، هو بيحكي على حادثة حصلت معاه، إستنى أما أخلص وهبقى أحكيلك مرة واحدة.
- طيب أنا كنت عاوز أقولك إن في واحد جه سأل عليك بره، بس لما جيت أناديك، الحاج قالي أطرَّقه.
- تطرَّقه، مين ده؟
- واحد ملزق كده اسمه (شريف)، إبقى نَقِّي الأشكال اللي بتصاحبها.
- الراجل ده غريب أوي، لحُوح بشكل عجيب.
- هو ده اللي عايز يشتري البيت، صح؟
- لا ده المحامي بتاعه. هو اللي بيتفق معايا.
- علشان كده الحاج قالي أطرَّقه، شكله مش ناوي يخليك تبيع يا (زيزو).
- استنى بس أما أخلص الـ (Homework) اللي إداهولي ده، وبعدين نشوف.
- Homework؟
- آه، أبوك قال لي ما ترُدِّش عليه إلا أما تقرا المذكرات دي، يبقى Homework ده ولا لأ؟
- طاب كمِّل كمِّل، ده انت صعبت عَلَيَّا والله، هروح أعملَّك كوباية شاي عشان تذاكر وانت فايق، ورَكِّز علشان لما الحاج يسألك تجاوب كويس.
- ماشي يا خفيف، روح اعمل شاي، بس ماتحطش 10 معالق سكر.
- انت هتتأمَّر!
قالها وغادر الغرفة ليترك (زياد) مع مذكراته جده الأكبر، فتابع (زياد) القراءة.
***********
لم يَكُن سخِيًّا في المعلومات التي يقدمها عن نفسه إلا أنني لم آبه لهذا الأمر كثيرًا حتى يوم أمس، عندما حدث آخر أمر أتوَقَّعَهُ أو أصَدِّقُ بحدُوثِهِ من الأساس.
جاءني (حمزة) وتبدو عليه علامات الإعْيَاء، وما إن دخل حتى طلب منِّي أن نجلس بمفرَدِنا، دخلت معه غرفةً في آخر المنزل كنت قد أعدَدتُّها له ليستريح بها عندما يأتي، ونبَّهت على (سعد) ألا يدخل الغرفة والذي أصيب بالإحباط نوعًا ما لعدم إحضار (حمزة) كيس الحلوى المعتاد.
وما إن دخلنا حتى جَلَسَ على حافة الفراش واسْتَنَدَ على جدارِهِ بيده، كان يبدو كما لو كان مريضًا ويتماسك بصعوبة، وقال:
- سامحنى يا (جمال)، بس أنا مالقيتش حد أثق فيه وألجأ له إلا انت، العالم بتاعي كله مافيهوش مكان آمن حاليًا.
تيقنت كونه من الفدائيين وأنه هاربٌ من الإنجليز وعندما ألححت ليه في السؤال أجاب بأغرب إجابة سمعتها على الإطلاق:
- أنا (حمزة بن عدنان) من عشيرة بني كهيال إحدى عشائر الجن الأحمر.
كنت متأكدًا بالطبع أنه يمزح ولكنَّهُ نوعًا من المزاح الثقيل، وبدأت أفكِّرُ أنه يَدَّعِي المرض، ولكن مهلًا ماذا لو كان مُحِقًّا، هل أنا أتعامل مع شيطان، هالتني هذه الفكرة بشدة وأنا أتخيل أنني أستضيف شيطانًا في بيتي، والأكثر فَزَعًا أنه يطلب مساعدتي، فانتفَضتُّ واقفًا وأنا أتمتِمُ بالاستعاذة بصوت عالٍ:
- أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
ورُحتُ أكرِّرُها بصوت أعلى حتى صاح (حمزة) في غضب:
- أنا مش شيطان.
فقلت في هلع: انت مش لسه قايل دلوقتي إنك شيطان.
- قلت لك أنا من الجن؛ مش شيطان.
- إيه الفرق، الاتنين واحد، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، سلامٌ قولًا من رب رحيم، انصَرِف، انصَرِف.
كنت في حالة شديدة من الفزع، وأدهشتني ابتسامته التي علت وجهه عندما أمرته بالانصراف وقال:
- اهدى يا (جمال) أرجوك، اهدى وأنا هفَهِّمك كل حاجة، احنا مش كُنَّا بنصلي مع بعض لمَّا الأذان يأذِّن، أنا مش رحت معاك وصلِّينا في الزاوية اللي على الناصية، في شيطان بيروح يصلي في المسجد.
هدأتُ قليلًا وأنا أفكر في كلامه، لقد كان هو من يشجعني على الصلاة في الزاوية بدلًا من البيت، كيف لشيطان أن يفعل هذا؟
تابع قائلًا:
- أنا من الجن المسلم، بصوم وأصلي زيك بالظبط، ولكني أهوى التشكل والتجول في عالم البشر، وده اللي خلَّاني ألحقك لما الإنجليز كانوا هيمَوِّتوك في الزراعية، وأنا في خطر حاليًا، ووجودي هنا خطر عَلَيَّ وعليك لو مش هتنفِّذ اللي هقولك عليه بالحرف بالواحد وتأجِّل أي أسئلة دلوقتي، لو مش هتعمل كده أنا مضطَّر أمشي حالًا علشان معرضَكْش للخطر.
- هتمشي تروح فين وانت بالحالة دي؟
- هتصرَّف.
- طاب إيه المطلوب مني؟
- أول حاجة هاتلي ورق وقلم وطبق صاج ووابور الجاز واقفل الباب كويس.
أحضرت ما طلب فأخَذَ يرسُم على الأوراق أشكالًا وحروفًا غريبة، بالطبع أنا لم أرَ طلاسمًا أو تعاويذًا من قبل، ولكن ما يكتبه أو ما يرسمه بالتأكيد ينتمي إليهما.
انتهى مما يكتُبُ وأحرَقَ الورقات في الطبقٍ المعدني وأضافَ إلى رمَادِها بعض قطرات الماء حتى صارت كالحبر الأسود، ثم كتب على ورقة أخرى كلامًا بحروفٍ عربيةٍ ولكنَّها ليسَتْ مفهومِةٌ وكأنها لغة أخرى كُتِبَت بحروفٍ عربيةٍ، وعلى وَرَقةٍ أخرى راحَ يرسَم طلاسِمٍ ما، وعندما انتهى طلب مني أن أرسم برماد الورق المحترِقِ هذه الرموز على جدران الغرفة مردِّدًا كلمات الورقة الأولى، فتردَّدت قليلًا، ألا يكفيه كل هذه الألغاز السحرية حتى يطلب مني تنديس المنزل بهذه الطلاسم العجيبة، فقال وكأنه يستجديني:
- مفيش وقت، اعمل اللي بقولك عليه وهشرحلك كل حاجة.
فعلت ما طلب مترَدِّدًا وأنا ألوم نفسي على ما أفعل وكلَّما رَسَمْتُ رمزًا يضيءُ بلونٍ أزرقٍ باهت ثم يختفي الضوء وتختفي الكتابة كالسحر فأستعيذ بالله وأُكمِل حتى انتهيت، فالتفَتُّ إليه غاضِبًا وقلت:
- كده كفايه أنا مش هعمل حاجة تاني إلا ما تفهِّمْنِي في إيه، وإيه حكايتك بالضبط، انت جن ولا شيطان ولا ساحر ولا إيه حكايتك؟
أجاب قائلًا: أنا مصاب بشدة، وأحتاج للعلاج.
كِدتُّ أخبره أني لا أصَدِّق ما يَدَّعيهِ من كونِهِ جنِيًّا، كما أنني لا أرى أي إصابة به، إلا أن شيئًا ما بدأَ يَتَغيَّر في ملامِحِهِ، لم أفهم ما يحدث في البداية، فلقد كان وكأنه يتحول إلى صورة باهتة، ثم أصبح ضبابيًا بالمعني الحرفي، كان عبارة عن جسدٍ يرقد على الفراش بلا ملامحٍ تقريبًا، ثم بدأ لونه يتحول إلى الأحمر تدريجيًا وبدأت ملامح جديدة تتشكَّل على وجْهِهِ، كما بَدَا أن هناك ما يشبه القرنين يتكونَّان فوق رأسه.
بدأتُ مرة أخرى في تلاوة الأذكار بصوت خفيض وأنا أراقب ما يحدث، حتى استقرَّت ملامح الجسد الجديد، كان طوله يزيد عن المترين تقريبًا حتى أن الملابس الواسعة التي يرتديها تمَزَّقت وبدت أشبه بملابس طفلٍ صغير بالنسبة إليه، وكانت بشرته تميل إلى اللون الأحمر، وعيناه بيضاء تشبه عيون البشر إلا أن حدَقَتَيْهِمَا حمراء اللون، كانت ملامحه تشبه إلى حد ما الملامح التي أعرفه بها إلا أنه كان بالفعل يمتلك قرنين فوق رأسه يبرزان من وسط شعره الأشقر، وظهرت بقعة حمراء على ملابسه عند جانبه الأيسر لم تَكُنْ موجودَة من قبل تَبْدُو كما لو أنها دماء، تمالَكْتُ نَفسِي بصعوبةٍ وأنا أُذَكِّر نفسي أن هذا المخلوق هو من أنقذني من الموت، وسألته ببلاهة:
- هو انتم دمكم أحمر زيَّنا؟
أخذ يضحك متألمًا وقال:
- بصراحة ده آخر سؤال كنت أتوقع إنك تسأله لما تشوف شكلي.
أحسست بالغباء لسؤالي وقلت:
- طاب أعالجك إزاي؟
بدأنا خطوات خياطة جرحه كما فعل معي تمامًا، وطلب مني إحضار ماءً وملحًا وقام بمزجهما وقراءة بعض الكلمات والأذكار عليها، ثم راح يضع الماء على جرحه، بدت عليه علامات الألم وكأنه كان يحرِقُهُ، وما إن انتهى حتى استأذن مني أن يستريح، فترَكْتُهُ وغادرت الغرفة.
بعد مرور عدة ساعات عُدتُّ لألقي نظرة عليه فوجَدتُّه نائمًا على هيئته الأصلية فلم أُرِدْ أن أوقظه، فأوْصَدتُّ البابَ بالمفتاحِ حتى لا يدخل (سعد) وتركتُه نائمًا حتى جَنَّ الليل وانتصف فذهبتُ للاطمئان عليه فوجدتُّه قائمًا يصلِّي ويتلو آياتٍ من القرآنِ بصوتٍ عذب، فوقع في قلبي صلاحَ هذا الرجل إنسيًّا كان أو جنيًّا، ووقفْتُ أرْقُبهُ حتى انتهى وما إن لمحني حتى تشكَّــل في هيئته البشرية ونظر إليَّ قائلًا:
- أظن إن من حقك بعض الإجابات.
***********
"اصحى ياشلبي، بييييب"
استيقظ (زياد) على اللكْمَةِ المُعتادَةِ لـ(عمر)، وصوت الفنان (محمد هنيدي) في دور (مارد وشوشني) الذي ينطلق من هاتفه، أخذ ينظُر إلى (عمر) بدهشة، حتى انتبه إلى أنه استغرق في النوم وهو يقرأ مذكِّرات جده الأكبر، أخذ يتلَّفَت حوله يبحث عنها فقال (عمر):
- ما تخافش، ما طارتش ولا حاجة، أنا لقيتك نايم وانت حاضنها فحطيتها في درج الكمودينو، قوم بقى روح شغلك عشان عاوزين ننام.
- انت مش عندك كلية؟
- لا مش عندي، قوم بقى شوف انت وراك إيه.
خرج باحثًا عن زوج خالته، ولم يكد يراه حتى هَمَّ بسؤاله عما اعتبره خرافات تملأ هذه المذكرات، إلا أن زوج خالته بادَرَهُ قائلًا:
- قريتها كلها؟
كان يعلم بالطبع أنه يتحدث عن المذكرات فقال:
- لأ، نمت قبل ما أكمِّلها.
- طيب أما تكمِّلها تعالى اسألني في اللي انت عاوزه.
أحبطَهُ رد فعله، كان سيكمل بالطبع قراءتها ولكنه لم يعرف حتى الآن لماذا يجب عليه تعليق بيع المنزل على قراءة هذه المذكرات التي يبدو أنها قصصٌ من نسجِ خَيالِ جده الأكبر.
أنهى طقوسه الصباحية المعتادة وذهب إلى عمله ليستقبله (مروان) بقلق قائلًا:
- إيه يابني تليفونك مقفول ليه من إمبارح؟ قلقتني عليك.
تذكَّر (زياد) إلى أنه حوَّلَ وضع هاتفه إلى وضع (الطيران) ليهرب من إلحاح المحامي، فقام بفتحه وهو يجيب: لا أبدًا أنا قفلته عشان أهرب من المحامي الملزَّق ده، خير كان في حاجة؟
أجابه (مروان) في دهشةٍ:
- هو لازِم يبقى في حاجة عشان أكلمك؟
- لا طبعًا مش قصدي، معلش أصلي مش نايم كويس.
- عادتك ولا هتشتريها!
وما إن أعاد هاتفه إلى حالته الأصلية حتى بدأت الرسائل القصيرة تنهَال مُعلِمَةً إيَّاهُ بمن حاول الاتصال به في تلك الأثناء، كان (مروان) قد اتصل به أربع مرات، و(شريف) المحامي قد اتَّصل به إحدى عشرة مرة كما توقع، و(أمل عبد المنعم) اتصلت به مرتان، فقال بتعجب:
- دي (أمل) اتصلت ياترى في إيه؟
- تصدَّق كان المفروض احنا نتصل نتطمن عليها بعد اللي حصل في (الإسماعيلية)، دي قلة ذوق مننا.
- يابني أنا أخو خطيبتك على فكرة، جاي تقولي المفروض نتصل بواحدة ماتعرفهاش أصلًا، وكنت بتقول عليها أمورة وخطيبتك قاعدة، طاب أنا هقول لـ(سمية) تحِل الموضوع ده.
قال (مروان) وقد تغيَّرت ملامحه: بطَّل برود يا (زياد) علشان انت بتزوِّدهَا جامد.
ضحك (زياد) وقال: انت قلبتها جد ليه كده، طاب خلاص هكَلِّمها.
كان يُجري الاتصال بالفعل وعندما أجابته (أمل) أخذ يطمئن على صحتها ويعتذر عن عدم إجرائه هذا الاتصال مبكرًا، فأجابته (أمل) ألَّا بأس بذلك، ثم قالت:
- أنا كنت بتصل علشان أحذَّرَك من المحامي اللي انت كنت بتقول عليه بيراقبك.
- خير هو كلِّمِك ولا إيه؟
- لا لا، هوَّ أنا مش متأكدة أوي من اللي حصل، بس أنا رحت إمبارح المركز لقيت كل الأجهزة اللي في المعمل اللي بشتغل فيه متكسَّرَة، حد اقتحم المكان وكسَّر أجهزة المعمل اللي بشتغل فيه بس، وباقي المركز سليم، وطبعًا بعد المكالمة بتاعتك وشكَّكْ إنه كان مراقبنا، وكمان الموضوع ده محصلش نهائي قبل كده فأنا أعتقد إن الموضوع ده ليه علاقة بيك، مش فاهمة طبعًا إيه العلاقة، بس الموضوع ملوش تفسير تاني.
- كده الموضوع بقى غريب فعلًا، انتي كويسة أهم حاجة؟
- آه الحمد لله، الموضوع ده حصل بعد ما مشيت مع بابا، وقبل مانيجي المركز تاني يوم، أنا بحاول اتصل بيك من إمبارح علشان أقولك بس انت تليفونك كان غير متاح.
- طيب الحمد لله إنك بخير، ولو في أي حاجة ممكن أساعد بيها أنا تحت أمرِك.
- ألف شكر يا بشمهندس، خلِّي بالك بس من نفسك.
أنهى الاتصال وصديقه يسأله عما يحدث ولكن ما إن أنهَاهُ حتى ارتفع رنين الهاتف، فأجاب (زياد) غاضبًا:
- أيوه يا متر.
- إيه يا بشمهندس، انت مواعيدك مش مظبوطة خالص ليه كده، وقافل التليفون كمان.
- حصل ظرف كده وكنت مشغول.
- طاب إيه، نقول مبروك؟
- لا والله يا متر، مش هينفع أبيع للأسف.
أصابت الدهشة (مروان) وهمس بجواره:
- ليه يا بني كده؟
أشار إليه (زياد) أن يصمت وتابع:
- للأسف الحاج مش راضي والبيت بيجيب لي قرشين كوَيِّسين سنويًا، يعتبرو دخل معقول مش هييجوا من أي مشروع تاني هعمله.
انفجر (شريف) صارخًا:
- انت بتستعبط، انت بقالك أسبوع بتأجل فِيَّ وجاي دلوقتي تقولِّي مش عاوز أبيع، طاب رحت تجيب حاجتك ليه من البيت لما انت مش ناوي تبيع؟
- انت بتراقبني فعلًا بقى؟
- اسمع يا بشمهندس، الباشا عاوز البيت والأرض دول، وهياخدهم، يا تبيع بمزاجك، يا هتبيع غصب عنك.
أنهى (زياد) الاتصال دون أن يرُد على هذا التهديد ونظَرَ إلى (مروان) قائلًا:
- الموضوع شكله كبير.
قال (مروان): هو إيه اللي كبير، وإيه الحوار بتاع مشروع ودخل سنوي، إيه الكلام الغريب ده؟
شرح له (زياد) ما حدث مع (أمل) وتهديد المحامي له خلال الهاتف فقال في دهشة:
- مش فاهم، إيه المميز في البيت يخليه يرتكب جريمة علشان يشتريه؟
- مش عارف يا (مروان)، بس أكيد كل حاجة هتبان.
لم يشَأ أن يخبره بأمر المذكرات لأنه سيعتبره مجنونًا إذا صدَّق أن ما جاء فيها حقيقة، إلا أنه بدأ يقتنع أن إجابة هذا السؤال تكمن في هذه المذكرات، وعزم أمره ألا ينام الليلة إلا وهو يعرف إجابة هذا السؤال.
***********
"لقَدِ اتَّخذوا قرارَهُم"
قالها ذلك الرجل الذي اندفع عبر باب الغرفة الخشبي الضخم ثم وقف ينتظر رَدِّ الرَّجل الآخر الذي كان ينتظره في الغرفة.
كانا رجلين بالفِعل ولكن ليسا بالهيئة التي نعرفها، فلَقَد كَانُوا حُمر البَشرة يبلغ طولهم ما يزيد عن المترين، وحدَقَتَا عَيْنَيْهِما الحمراء لا تختلف عن الأعين البشرية سوى في لونها، ولا يختلف تكوين جسديهما عن الجسد البشري سوى في القرنين اللذَين يعلوَان رأسَيْهِما، وبالطبع الطول المفرط.
كان الرجل يجلس على أريكةٍ خشبيةٍ مزخرفةٍ، تعلوهَا نَمارِقٌ زرقاءٌ ناعمةٌ تحتَّل جدارًا كاملًا من الغرفة الحجرية التي تبدو وكأنها غرفة في قلعَةٍ من قلاعِ العصور الوسْطَى أو قصرٍ من قصُورِ الملوك أو الأمراء قديمًا.
كان الجالس هو (حمزة بن عدنان) ابن الملك (عدنان) زعيم عشيرة (بني كهيال)، والقادم هو (كَايْنِيل بن زكرياء) ابن عمه وصديقه الصَدُوق والذي جاء إليه مسرعًا من مجلس الرأي الذي أقامه الملك، فأجابه (حمزة) قائلًا:
- وبالطبع قرروا هدم المكان.
- نعم كما توَقَّعتَ بالضبط.
- منذ أن استبعَدَنِي والدي من المجلس وأنا على يقينٍ أنَّهم سوف يفعَلوا.
- قد يكون تدمير المكان هو الحل الأخير، ليس أمامنا سوى هذا، لو حصل (شِيمْزَاكِيل) على القطعة المتبقية لن يستطيع أن يوقفه أحد، وسيمحونا جميعًا من الوجود في طرفة عين.
- هذه هي المشكلة، القطعة المفقودة ليست في المنزل، ولو كانت هناك بالفعل فهي غير قابلة للتدمير، لقد حاول علماؤنا تدميرها مرارًا وتكرارًا قبل أن نضطر إلى إخفائها في عالم البشر، كما أن هذا يعتبر حكمًا بالإعدام على من سيقوم بتدمير المكان من الجند.
- هم يرون أن تدمير المكان حتى لو لم يدمر القطعة فسيُقنع (شيمزاكيل) أنها تدمرت وسيفقد الأمل في تجميع الصولجان، كما أن الجند الذين سيقومون بهذا يعلمون عاقبة فعلهم، ويعتبرونها تضحية جليلة في سبيل الحفاظ على أمن مدينتهم وأهلهم.
قال حمزة متهكِّمًا: تقصد في سبيل الحفاظ على حُكَّام مدينتهم، أنا في عجبٍ من أمرهم، ألم يخطُر ببالهم أننا سنفقد الوسيلة الوحيدة التي يمكننا بها استرجاع القطعة إلى عالمنا، بحيث حتى لو عثرنا عليها فلن نستطيع حمايتها.
- القرار كان تقريبا بالإجماع، حتى أنا لم أستطع المعارضة فلقد أمرني أبي بالموافقة ولم أستطع معارَضَته.
- عمرك الآن 96 عامًا يا (كاينيل) ومازلت لا تستطيع معارضة أباك.
- ليس من المفترض أن يعصي الرجل أباه يا (حمزة)، هذا ليس له علاقة بالعمر.
- أنا أحتاج للوقت فقط يا (كاينيل)، وسأحصل عليه قريبًا.
- ولكن كيف ستحصُل عليه، لقد قرَّروا بالفعل هدم المكان.
- ستظهر معلومة عمَّا قريب ستضطرُّهم للتأجيل على الأقل، كنت أتمنى ألا أُظهِرُها الآن فقد كنت أعتمد أن يكون هناك ولو رجلًا واحدًا في هذا المجلس يستوعب خطورة هذا الأمر.
- الحقيقة أنه يوجد رجلًا واحدًا فقط هو الذي عارضَ القرَار، ولكنك لن تُسَرَّ بمعرفة من هو؟
- لماذا؟ من هو؟
- إنه عمك (آزريل).
تعَجَّبَ (حمزة) بشدة من هذا الخبر، فمن بين مجلس الرأي بأكمله كان (آزريل) آخر اسم على قائمة من يمكن أن يسانده، هذا إن كان يُعقل أن يكون في القائمة من الأساس فقال كمن يفكِّر بصوتٍ عالٍ:
- حسنًا، معارضة عمك (آزريل) لوالدي في المجلس لا يمكن أن تحدُث إلا لغايةٍ ما، خاصةً وأنه يعرِف أن المجلس بأكمله سيُؤيِّد والدي، أعتقد أنها رسالة لي يحُثُّنِي فيها على التحدث معه.
ثم نظر إلى (كاينيل) وقال:
- وليس أمامنا خيار سوى الاستجابه لهذه الدعوة، هيا يا (كاينيل) فلنعقد بعض التحالفات التي سنندم عليها لاحقًا.

أنت تقرأ
ميثاق
Horrorأخذ يُقَلِّب الدِّماءَ مع رَمَادِ الورقة ثم سَكَبَها على يده اليمنى وطلب من (زياد) أن يمد له كفَّهُ اليمنى وأطبق عليها بكَفِّه المملوءة بالدماء وأخذ الخليط يتساقط من كفَيْهِما وقال: ردد معي ما أقول.. بسم الله الملك.. قاهرِ الجبابرة.. ومالكِ الدنيا و...