في الصباح الباكر انطلق (زياد) برفقة (حمزة) وتوجَّها إلى القاعة الرئيسية لمقابلة الملك (عدنان).
كان (حمزة) قد أحضر بعض متعلقات (زياد) من المنزل الذي انتقلوا إليه وأعطى إليه هاتفه وطلب منه الحفاظ على طاقة البطارية لأنه لا يوجد مصدر طاقة متوافق معه، والتقاط صور رقمية لما سيجدونه داخل الصندوق.
وقَفَا أمام بوابة خشبية عملاقة يبلغ طولها أكثر من أربعة أمتار وانتظرا حتى أُذِن لهما بالدخول، وما إن انفتحت القاعة حتى ظهرت علامات الانبهار على وجه (زياد).
كانت القاعة واسعة بشكل كبير، والجدران مزَيَّنة بزخارف ملوَّنة ولوحات جدارية عملاقة، ونقوشاتٍ لآياتٍ من القرآنِ الكريم.
أخذ يحدِّق في اللوحات الجدارية واحدة بعد الأخرى ولفتت انتباهه لوحة تصوِّر الحروب بين عشيرة (حمزة) ونوْعٍ من الجنِّ الطيَّار حيث التَفَّ أفراد عشيرة (حمزة) حول مدفع سهامٍ ضخم يطلق أسهمًا ضخمة أشبه بالحراب تظهر مخترقة لأجساد الجن الطيَّار الذين صوَّرت اللوحة قليلًا منهم محلِّقين في الهواء ولكن أغلبهم ملقىً على الأرض ويبْرُزُ من صَدرِ كل منهم هذا السهم الضخم.
وصلا بالقرب من الملك وقال (حمزة):
- السلام عليكم يا سيدي، لقد أحضرت لك حفيد السيد (سعد) كما وعدت.
فقال (زياد):
- السلام عليكم.
أجابه الملك:
- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، لا أستطيع أن أعبِّر لك عن امتناني وسعادتي لقبولك بالمجيء إلى هنا لمساعدتنا في فتح الصندوق يا،،
قال (زياد) بسرعة:
- (زياد).
- حللت أهلًا يا سيد (زياد).
وأشار براحةِ يده تجاه المقاعد قائلًا:
- تفضَّل.
أمسكه (حمزة) من يده وذهب به تجاه المقاعد وجلس وأجلسه بجواره، وتابع الملك:
- هل يهتم بك ولدي أم أنه يظهر جانبه البخيل.
- لا لا، طبعًا مهتم بينا جدًا.
كانت عينيه لا تزال معلَّقة باللوحةِ الجدَارِيَّةِ وقال:
- واضح إنكم انتصرتم في حروب كتير.
- أي عشيرة باقية من عشائر الجن لابد أن تكون هُزِمت في مواقع كثيرة ولكنها انتصرت بالطبع في مواقع أكثر، بالطبع تلقَّينا العديد من الهزائم لن نصوِّرها على جدراننا ولكننا انتصرنا في أكثر المواقف التي اضطُّررنا فيها للحَرْبِ، كان هذا بالطبع قبل عهد الملك (سُلَيْمَان) حيث استقَرَّت أغلبُ العشائر في موطنٍ دائمٍ لها ولم تَكُن أي منها تستطيع غزو الأخرى لأنها تعرِف أنها ستَتَلَّقى العقاب منه.
- هو حضرتك عاصرت سيدنا (سليمان)؟
ضحك الملك بقوة وقال:
- بالطبع لا، صحيح أنني رجلٌ مسنٌ أبلغ من العمر ثلاثمائة وخمسين عامًا، ولكن هذا لا يجعلني ممن عاصروا الملك (سليمان) فلقد كان هذا قبل أكثر من ثلاثة آلاف عام.
سكت قليلًا ثم أشار إلى لوحة تصوِّر ستة فرسان من الجن مختلفي الشكل يرفع كل منهم سيفًا مختلفًا في الحجمِ والشَّكلِ عن الآخر ويحيطون بأحد أفراد الجن ذي وجه مخيفٍ جدًا يتعدَّى طولُه باقي الأفراد مرَّة ونصف المرة تقريبًا ويمسك بصولجان ذهبي يعلوه حجرٌ أحمرٌ مستديرُ الشَّكل، وتنطلق من سيوف الفرسان الستة كُرَات ضوئية مختلفة اللون تحيط به وتجعله يصرخ في ألم، أشار الملك إليها وقال:
- وبالطبع هذه هي أهم انتصاراتنا حيث استطاع أجدادنا حصار (طيطائيل) وحبسِهِ وكَسْرِ صولجانه، أنت تعرف باقي القصة بالطبع وإلا لما اضطُّرِرتَ لمغادرة عالمك والمجيء إلى هنا.
نظر (زياد) إلى اللوحة في مزيجٍ من الخوفِ والانبهارِ ولم ينبس ببنت شفه فقال الملك:
- دعنا لا نطيل الأمر عليك يا سيد (زياد)، هل أنت مستعد لفتح الصندوق؟
- آه طبعًا مستعد.
صاح في الحراس:
- أحضروا الصندوق.
تقدَّم حارسان من أحد أركان القاعة أحدهما يحمل صندوقًا خشبيًا كالذي وجد فيه مذكرات جده والآخر يحمل صينية فضية يعلوها خنجرا فضيًا يلمَعُ نَصلَهُ تحت أضواء القاعة، وتوجَّها نحو (زياد).
ازدرد (زياد) لُعابَهُ بصعوبةٍ وقد فهم المراد من الخنجر والتقط الخنجر وهو ينظر إلى (حمزة) الذي أشار إلى حلية أعلى الصندوق وقال:
- ضع القليل من قطرات الدم هنا.
جرح (زياد) كفه وترك قطرات دمائه تسيل على حلية الصندوق وما إن تشبعت الحلية بالدماء حتى أصدَرَ الصندوق صوت قرقعة مكتومة، فأشار إليه (حمزة) بالتوقف وأخرج من جيبه قطعة قطن وشاش من الواضح أنه انتقل بهما وأعطاهما لـ(زياد) الذي شرع في تضميد جُرحِه، وأمسك (حمزة) الصندوق ورفع غطاءه ففُتِح بسهولة وأعطاه للملك (عدنان) الذي أخرج منه ثلاث ورقات وأخذ ينظر إليهم في لهفة، ثُمَّ بدا عليه الضيق وهو يقول:
- ألغازٌ أخرى من ألغاز صديقك.
لكز (حمزة) (زيادًا) بمرفقه فتذكر ما طلبه منه وقال:
- هل يمكن جلالتك أن آخذ صورة لهذه الأوراق أضمُّها إلى أوراق جدي.
أشار إليه الملك بالموافقة وأعطاه الورقات الثلاث فالْتَقَطَ صورًا رقمية لهُنَّ وأعادَهُنَّ إلى الملك الذي قال:
- حسنًا يا سيد (زياد) يمكنك الآن الانصراف إن أردت.
أدرك (زياد) أن هذه إشارة رحيله وأن عبارة "إن أردت" هذه على سبيل المجاملة فَهَمَّ بالانصراف وهو ينظر إلى (حمزة) الذي قال:
- سيعيدك الحراس إلى حجرتك وسوف أُنهي بعض الأعمال وأعود إليك.
انصرف مع أحد الحراس ليرشده إلى طريق الحجرة ووقف (حمزة) أمام والده دون أن يتكلم فقال والده:
- ماذا هناك يا (حمزة)، لا أظُنُّك تريد مكافأة.
- أنا لا أتوقَّع مكافأةً أبدًا على خدمة عشيرتي ومدينتي ولكنِّي أريد ردَّ اعتبارٍ مناسبٍ، أريد إعادتي إلى منصبي فورًا في مجلس الرأي، كما أريد إقامةَ حفلٍ رسميٍّ يتم خلاله تجديد الثقة بي كولي للعهد من قبِل مجلس الرأي وكبار الشخصيات في العشيرة.
- ولكنَّك بالفعل ولي العهد، ما حدث ليس له علاقة بهذا.
- بل له علاقة يا سيدي، كل ما حدث لم يكن الهدف منهُ إلا زَعْزَعة الثقة بي أمام العشيرة، حتى إذا حان وقت تنصيبي انقضَّ من يرى نفسه الأصلح وستُؤَيِّدُهُ أغلب العشيرة بحُجَّة أنك شخصيًا لم تكن تثق بي، فكيف يثقون هم بي؟!
- هذا اتِّهامٌ خطير يا (حمزة)، وليس لك دليل عليه.
- بغض النظر عن أن الأمر لا يحتاج إلى دليلٍ فهو واضحٌ كوضوحِ الشَّمسِ، إلا أنَّني أُصِرُّ على حفل إعادة تجديد الثقة بي.
- أنا أرى أنه لا داعي له، ولكنك استَحْقَقْتَ أن يُلبَى طلبُك أيًا كان، سأعلِن عن الأمر خلال أيام.
- شكرًا يا سيدي، ولكنني أحتاج إلى إقامته غدًا.
صاح والده في استنكار: غدًا، هذا قريبٌ جدًا.
- أتمنى لو تثق بي جلالتك وتلَبِّي لي طلبي.
- حسنًا يا بُنَي، لك ذلك، سأُعلِن عن الحفل اليوم، وسيقام مساءَ الغَدِّ، هل يُنَاسبك هذا؟
- بالتأكيد يا سيدي، شكرًا لك.
واستأذن والدَه وانصرف ليلحق بضيوفه من البشر.
أنت تقرأ
ميثاق
Horrorأخذ يُقَلِّب الدِّماءَ مع رَمَادِ الورقة ثم سَكَبَها على يده اليمنى وطلب من (زياد) أن يمد له كفَّهُ اليمنى وأطبق عليها بكَفِّه المملوءة بالدماء وأخذ الخليط يتساقط من كفَيْهِما وقال: ردد معي ما أقول.. بسم الله الملك.. قاهرِ الجبابرة.. ومالكِ الدنيا و...