ارتفعت همهمات أعضاء مجلس الرأي المحيط بالملك (عدنان)، وجلس هو في صمت على كرسِيِّه يتابع في ترقب المشاورات الجانبية التي يجريها أعضاء المجلس حتى قال في نفاذ صبر:
- لم أسمع حتى الآن رأيًا واحدًا.
قال أحدهم:
- عذرًا جلالتك، ولكن أين السيد (آزريل)؟
- لقد استشَرتُه بالأمس هو والسيد (حمزة) وأعلم رأي كل منهما جيدًا، أنتم هنا لأعرف أراءكم أنتم وليس رأي (آزريل).
نهض (كاينيل) ووقف وسط القاعة قائلًا:
- اسمح لي جلالتك، أنا أرى أن إطلاق سراح الوزير (زوردان) أمرٌ في غايةِ الخطورةِ، خاصَّةً بعد حادث اختراق البوابة.
ابتسم (زكرياء) والد (كاينيل) وأومأ برأسه موافقًا ابنه، فتابع (كاينيل):
- ولكن نحن نمتلك الآن وثائق السيد (سعد)، وبالتأكيد سنستطيع فك شيفرتها والوصول إلى بيانات تدمير الصولجان، كما أن الصولجان غير مُكتَمِل والقطعة الخاصة بنا لم يتم العثور عليها، ولن يكتمل الصولجان إلا بها.
تحولت ابتسامة (زكرياء) إلى نظرة غضب وقال:
- وما أدراك أننا سنستطيع فهم تلك الأوراق؟
- معذرة يا والدي، ولكن إن لم تستطع جموع العلماء في القصر فك شيفرة الأوراق فنحن في خطرٍ أكبر بكثير من مسألة الوزير (زوردان)، إذ كيف يستطيع بشريٌّ ضعيف كتابة ما يصعب على علمائنا فهمه فيما يخُصُّ علومنا؟!
كان (زكرياء) أحد هؤلاء العلماء فصاح غاضبًا:
- الزَم حدَّك يا ولد.
قاطعه الملك:
- هذا ليس مكان تأديبك لولدك يا (زكرياء) تابع يا (كاينيل).
تابع (كاينيل) قائلًا:
- أرى أن نقاطَ قوتنا الآن أكبرُ بكثيرٍ من نقاطِ ضعفنا، كما أن الخسائر التي ستعود علينا من عدم إطلاق سراح الوزير (زوردان) كبيرةٌ وفادحةٌ، فسَيُعتَبر (حمزة) ناقضًا للميثاق لأنه لم يحاول حماية صاحب الدم في عالمه، وكلنا نعلم خطورة نقض عهد أخوة الدم خاصة إذا غُلِّظَت بمثل هذا الميثاق.
قال أحد الجالسين:
- هو ما جلبه على نفسه، مع احترامي وتقديري يا جلالة الملك ولكن السيد (حمزة) دائمًا يقوم بتصرفات منفردة وطائشة، كان لابد أن يستشير المجلس قبل إبرامه ميثاقًا لأخوَّة الدم مع أحد البشر، هذا لم يحدث مطلقًا في تاريخ العشيرة أو أي عشيرةٍ أخرى من عشائرِ الجنِّ.
عقد الملك ما بين حاجبيه وقال:
- لا تَنْسَ أن هذا الميثاق هو من وضع يدنا على الأوراق التي ستُمَكَّنُنَا من تدمير القطعة التي جلبت لنا المتاعب منذ آلاف السنين.
تابع (كاينيل) بسرعة:
- كما أنه وَليُّ العهد يا سيدي واليوم سيتم تجديد مبايعته وإعادة القسم بالولاء له، كيف سنُقسِم لولي عهدٍ ناقض للعهد، أنت تعلم يا سيدي ما سَيجُرُّه علينا هذا من وبال للنِّزَاع بين أفراد العائلة فيما بعد، أطال الله عمرَكم، هذا إن نجا في الأساس من حراس العهد.
قال رجل آخر:
- إذا كان لا يصلح لولاية العهد فليُعَيِّن الملك رجلًا آخر يصلح لهذا الأمر.
علت الهممات مرة أخرى داخل القاعة فقال (زكرياء) موجِّهًا كلامه لصاحب العبارة السابقة:
- ماذا تقصد، مثل من؟
- مثل السيد (آزريل)، فهو ليس أخًا لجلالتكم فَحَسْب بل جميعنا يعلم حكمته وشجاعته واهتمامه بأمر العشيرة أيضًا.
كان الملك يتابع ما يقال في قلق ونظر إلى (كاينيل) الذي قال:
- قد يكونُ هذا أمرٌ ضرورِيٌّ، ولكن في حالة عدَم صلاحية ولي العهد الشرعي، وكلنا نعلم أن هذا غير صحيح، فالسيد (حمزة) أثبت للجميع أنَّهُ كان على حقٍّ في تدبيره لأمر الصندوق، واستحق إرثه الشرعي بجدارة.
قال (زكرياء):
- أنت تقول هذا لأنه صديقك، وأنت تَتْبَعُهُ بدونِ تفكير.
أجابه (كاينيل) محاولًا الحفاظ على هدوءِهِ في مواجهة إهانة والده:
- أنا لا أتْبَعُ أحدًا بلا تفكير يا أبي، ولو كنت أفعل هذا لاتَّبَعتُ تعليماتك لي قبل عقد هذا المجلس بأن أرفض قرار المبادلة.
بدت علامات الغضب على وجه (زكرياء) وبدا وكأنه سينفجر في وجه ولدِهِ إلا أن الملك قاطعهما بصرامة:
- أرى أن المجلس أصبح يدار بالتعليمات والتوافقات دون النظر إلى المصلحة العامة.
قال (زكرياء):
- ليس هذا ما حدث يا سيدي.
قاطعه الملك بإشارة من يده قائلًا:
- من الواضحِ أن المجلس بحاجة إلى الإصلاح والتجديد، وحتى يحدث هذا سوف أوافقُ على طلب المبادَلَة، هل هناك أي اعتراض على هذا القرار؟
كان تلميحه بتجديد المجلس كافيًا لِئَلَّا يعترِض أي منهم حتى (زكرياء) نفسه، فتابع:
- حسنًا فلتبدأ إجراءات المبادلة ولتطلب يا (زكرياء) من قائد الحرس تتَبُّع (زوردان) عند خروجه، هَيَّا فلينصرف الجميع.
![](https://img.wattpad.com/cover/361195199-288-k42997.jpg)
أنت تقرأ
ميثاق
Horrorأخذ يُقَلِّب الدِّماءَ مع رَمَادِ الورقة ثم سَكَبَها على يده اليمنى وطلب من (زياد) أن يمد له كفَّهُ اليمنى وأطبق عليها بكَفِّه المملوءة بالدماء وأخذ الخليط يتساقط من كفَيْهِما وقال: ردد معي ما أقول.. بسم الله الملك.. قاهرِ الجبابرة.. ومالكِ الدنيا و...