" لا تبحثِ عن الأمان بذات المكان الذي فقدتيه به، لا تُكذبِ حدثكِ و تحاولين هباءً، إن فُقد الأمان بمكان هذا يعني أنه لم يعد مكانكِ أو بالأحرى لم يكن مكانكِ فالتغادري بلا عودة".
والدتكِ."أقول للعين في يوم الفراق و قد
فاضت بدمع على الخدين مُستَبق
تزودي اليوم من توديعهم نظراً
ففي غدٍ تفرغي للدمع و الأرق".
(أسامة بن منقذ).اهتزت حدقتيه بتيه ثم ركض دون أن يتفوه بحرف و هو يشعر بانسحاب أنفاسه و قد انطفأ المنزل و ساكنيه برحيل من أنارته بنورها و براءتها، رحلت الفراشة بجناحي مكسورين لطريق مجهول و لا أحد يعلم ماذا سيصيبها و هل سيستطيع إبراهيم إنقاذها أم سيكون قد فات الآوان و انطفأ نورها و سُحقت الفراشة بلا رحمة؟.
ركض إبراهيم و استقل دراجته البخارية ثم انطلق بها بسرعة مُفرطة يسابق الريح ليصل لها قبل فوات الآوان بينما نورة كانت قد استقلت سيارة و بطريقها لمنزل الزوجية ذهاباً لفريد، بداخلها ترتجف ذعراً من القادم و لكن قلبها يتراقص فرحاً لقرب اجتماعها مع طفليها، ترسم أحلاماً و قصوراً من الأماني و تدعو ربها أن تتحقق و ألا تُخذل، مر الوقت و وصلت نورة لمنزلها و وقفت تطالع العقار بمشاعر متضاربة غريبة عليها كلياً ما بين اشتياق و حب و بين ذعر و خوف، قلبها يخفق كالطبول لا تعلم فرحاً أم ذعراً و لكنها تنفست بعمق تحاول تنظيم أنفاسها المبعثرة ثم تحركت تصعد لشقتها.
أبان ذلك كان إبراهيم يسابق الريح و ذهنه يعصف به، يفكر بجميع للإحتمالات و جميعها سيئة مِمَ جعل فؤاده يخفق بألم حتى وصل لمنزلها و صف الدراجة ثم ترجل منها و اقترب من المنزل بخطوات سريعة ثم توقف لا يعلم ما عليه فعله و لكن لم يطول الأمر و اتخذ قراره دون تعقل و عزم على تنفيذه سيصعد لها و يفعل كل ما بوسعه لإنقاذها من براثن فريد مهما كلفه الأمر، تحرك يدلف المنزل بخطوات سريعة.
- إبراهيم!!.
توقف و التقط أنفاسه المسلوبة فور سماعه صوتها تهتف بإسمه و كأن روحه عادت لجسده للتو تستقر بمسكنها و التفت سريعاً نحو مصدر الصوت و وجدها تقف بين السيارات المصفوفة و قد صعدت و طرقت الباب و لكن ما من مجيب فهبطت تنتظر عودة فريد فيما اقترب إبراهيم منها بلهفة:
- نورة إنتِ...إيه اللي خلاكي تمشي؟.نطق كلماته بأنفاس تتسارع متقطعة فيما تعجبت نورة من تواجده و سألته بتعجب:
- إنت عرفت إزاي...و جاي تعمل إيه هنا؟.- مش مهم عرفت إزاي، جاي عشان أخدك، إنتِ إزاي...ليه، ليه ترجعي تاني بعد كل ده؟..
نورة إنتِ فاهمه إنتِ بتعملي إيه في نفسك، فاهمه إنك لو رجعتيله محدش فينا هيقدر يساعدك و لا يتدخل في حاجه و لا حتى إنتِ، مش هيبقالك قرار في أي شيء هو بس اللي هيتحكم في كل شيء، إنتِ مُدركة للي إنتِ بتعمليه؟.- إبراهيم أرجوك...لو سمحت، أنا فاهمه كويس و عارفه أنا بعمل إيه..شكراً على كل حاجه عملتوهالي و آسفة على كل حاجه حصلت بسببي بس أرجوك متقفش في طريقي.
أنت تقرأ
غُربة
Non-Fictionغُربة، غُربة أرواح تاهت بدروب الحياة، أرواح تغربت و ضاعت خُطاها تقودها نحو المجهول و الخوف يسكنها، أرواح لم تحلم بالحياة سوى بحياة، حياة بأوطان تسكنها آمنة، أوطان تقتل غُربتها و تقتل الحنين فهل من أوطان آمنة أم ستظل الأرواح مُغتربة تبحث عن وطن حتى ي...