٢١- عودة الروح (الجزء الثاني)

39 4 5
                                    

" ثقي بأن بعد كل عناء فرج مهما طال الزمان، حتماّ سيأتي الفرج و تُحررين من أسركِ و تعودين فراشة حُرة ترفرف بين الزهور".
والدتكِ.

"لقلب فيه أحزان و أهلكه الأسى صبرا
سيأتي كل ما تبغى و تلقى فرحةً كبرى
خُلقنا في الأسى نمشي و لكن لم نمِل يوماً
قريباً سوف نرتاح و يصبح كسرنا جبراً
لعين أُهلكت دمعاً و كان القهر يُضنيها
سيصبح دمعها ذكرى و عوض الله يُرضيها
و إن كانت بكت يوماً على الحزن الذي فات
سيأتي عليها أيام و جبر الله يُبكيها".
(فارس قطرية).

بصباح اليوم التالي يجلس إبراهيم بمحل عمله يطالع ذلك التمثال الخشبي المنحوت المُغطى بواسطة قماشة بيضاء يخفيه عن العيون و قد نحته بيديه و صنع كل ثغرة به بحب و قد كان هذا شغله الشاغل يسهر كل ليلة كعادته يدق و ينحت الخشب، تمثال لها حاملة طفلة رضيعة تحتويها بين ذراعيها و تحيطها بآمانها و عشقها و قد حفر ملامحها كما حُفرت بذهنه يحتفظ بها بالأعماق بكل دِقة و حرفية حتى أصبح تُحفة فنية، تنهد بعمق ثم نظر نحو العمال يتابع عملهم و من ثم انتبه لهطول المطر بغزارة فطالع السماء بشرود يرى طيفها يحاوطه بكل مكان و الإشتياق يمزق نياط قلبه المتيم، شعر بقشعريرة تسير بجسده و قد كان البرد قارساً و هو يجلس أمام مكتبه بذات موقعه أمام الباب المنفتح فنهض بثقل لم يفارقه منذ فارقته من امتلكت القلب و سلبته عقله و أمسك بمعطفه الموضوع على المقعد ثم رفعه ليرتديه و لكن وقعت عيناه على فراشته تطل عليه بنورها و ابتسامتها فارتخت يداه رغماً عنه لا يعلم أهي خيال من نسج خياله أم أنها حقيقة و قد عادت له تروي ظمأه بعد أعوام عجاف جف بها الفؤاد و استوطنت به الأشواق و الآلام، ظل يطالعها بعدم تصديق و قد اغرورقت العيون و هي تقف أسفل المطر غارقة به تطالعه باشتياق و ابتسامة عذبة تُشفي الروح و يبدو أنها حقيقة و ليست من نسج خياله، عادت له شبيهة الروح ليسترد روحه المسلوبة منه و يضج الفؤاد بالحياة من جديد.

لحظات مرت عليهما دون حِراك فقط نظرات العيون المشتاقة و نبضات بين الأضلع تتراقص تحت المطر احتفالاً بعودة الأحباب متناسيان برودة الجو القارسة بقلوب دافئة، اقترب منها إبراهيم بروية و لم يستطع نطق حرف فيما قطعت هي الصمت بقولها بابتسامة و جسدها يرتجف من البرد:
- بقالي كتير تايهه..الشوارع اتغيرت قوي..بس وصلت..

ابتسم و أومأ لها موافقة بعيون مغرورقة ثم تحدث باشتياق:
- وصلتي...أخيراً وصلتي.

- وصلت.

نطقتها و قد اتسعت ابتسامتها بعيون مغرورقة تومئ موافقة كما اتسعت ابتسامته هو الآخر ثم انتبه و سألها:
- إنتِ..إزاي...يعني مش المفروض لسه الإجراءات..مقولتيش ليه أجي آخدك؟.

- الإجراءات خلصت بسرعة و خرجوني..مرضيتش أقولك حبيت أعملهالك مفاجأة.

- أحلى مفاجأة...حمد الله على سلامتك يا ست الناس.

غُربةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن