١٤- أحببتكَ أيها الغريب (الجزء الثاني)

37 3 6
                                    

" أخبركِ سراً؟، أنا لم أكن بتلك القوة التي أحدثكِ عنها دائماً و لكن كان هناك والدكِ، تعلمت منه الكثير فهو و برغم جروحه و تلك الأثقال التي يحملها على كاهله يقف شامخاً كفارس بمعركته يحارب و ينزف و لكنه لم يسقط يوماً أو ربما سقط و لكنه لم يستسلم بل كان ينهض و يعود لساحة المعركة بشراسة و برغم إرهاقه و تعبه يساند الجميع و يمنحهم القوة، تعلمي منه صغيرتي فهو خير قدوة لكِ".
والدتكِ.

"أحبك أكثر من ذنوبي و تقول شفتاك للفرح كن فيكون..و يُغرد قلبي يُحلق بين أسلاك الشمس طائراً من نار لا يخشى الإحتراق بأتون الغبطة..حين مستني يدك تحولت أعماقي من سراديب و دهاليز سرية الأوجاع مسكونة بأشباح تجحذ أسنانها و أظافرها على جدران الماضي البشع إلى نافذة ستائرها قوس قزح مفتوحة للأفق و الريح و المطر و المفاجآت و أغاني جنيات الليل العاشقات..حين يأتيني وجهك أصير مرهفة كرمال شاطئ تنبض ذراته تحت ليلة صيف باهتة و قرعات طبول الموج و موسيقى النجوم الخافتة..و أخفق لكل ما هو طيب و نبيل في كونك المسحور..و تندف فوق أيامي..تندف مطراً مضيئاً يغسلني بالغبطة..لم أكن أدري أن الزمن يختزن لي كل هذه السعادة..و لا أريد أن أصدق أن سعادتي معك الآن هي طُعم في صنارة الشقاء الآتي..و أحبك أكثر..أكثر حرارة من البراكين الحيّة..أكثر عمقاً من دروب الشهب..أكثر إتساعاً من خيالات سجين..أحبك كثيراً..و كلما ابتسمت يا غريب أمتلئ غبطة لأنني أعرف أنك حين تبتسم تنبت الأزهار في قلب الصخور بالجبال..حين تبتسم تسبح داخل شرايني..حين تبتسم تنمو حقول من الياسمين الدمشقي فوق أيامي المعدنية الصدئة..و أتكئ على الفجر الذي و لابد أن يطلع..و أنتظرك..و حين تمخرني ترحل بحاري مع مركبك دونما ندم...قدري..أبسط لك كفي لا لتقرأ بل لتكتب في راحتها ما شئت من النبوءات و الكلمات و ترسم فيها ما يحلو لك من الخطوط و الدروب و الرموز بوردك أو بسكينك".
(غادة السمان).

أنهى الصغير كلماته بحماس فضحكت نورة و لكن قاطعها صوت صراخ وضجيج فانتفضت بذعر و وضعت طفلتها بفراشها ثم قالت و هي تهرول:
- خليك هنا، خد بالك من أختك و متخرجش.

ركضت دون انتظار رد و تفاجأت بشخص يهاجم بديعة و هي تقاومه و رغم ذعرها و ارتجافتها إلا أنها لم تتردد و ركضت نحوه ثم دفعته بقوة و لكنه لم يبتعد بل دفعها بعنف فسقطت أرضاً بينما هو كان يكبل بديعة و يخلع عنها مصوغاتها ينتزعهم من يدها بعنف و هي تقاومه فدفعها نحو الداخل حتى سقطت على الأريكة ثم أمسك بقرطها و انتزعه بقوة حتى سالت دمائها على عنقها و نورة تحاول إبعاده و لا تعلم من أين جاءتها هذه القوة و الجراءة و لكن يبدو أن حبها لبديعة انتصر على ضعفها و مدها بالقوة بينما بديعة استسلمت و تركته ينتزع جميع مصوغاتها التي ترتديها و هي تبكي و تضربه بقبضة يدها:
- الله يلعنك..الله يلعنك..الله لا يوفقك..

تفاجأت نورة به يمسك بعنقها يخنقها و هي تقاومه بينما بديعة انتفضت و أمسكت بمقعد و ضربته بقوة فتحررت نورة و حينها ركضتا لداخل غرفة و أوصدتا الباب.

غُربةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن