٢-طيف الأحباب

94 5 21
                                    

"و هذا الليل أوسعني حنيناً
فمزق ما تبقى من ثباتي
تلوح الذكريات بكل دربٍ
لأهرب من شتاتي لِلشتاتِ
و ما بي غير شوقٍ لا يُداوى
و بعض الشوق أشبه بالمماتِ"
(أحمد البغدادي).

حل المساء و أُسدل الليل ستاره منذ بعض الوقت و قد حان موعد السكون و الراحة و لكن هناك من سُلب منهم الأمان و السكينة و الليل هو موعدهم مع رحلات العذاب و كلما استفاقوا و سطعت شموسهم يعود الليل بعذابه من جديد.

هنا ذات الفتاة الشابة مازالت تركض و تركض بذات الطريق المُعتم، تشق سكون الليل بلهاثها و فجأة تتوقف عن الركض و قد سئمت الهروب و قررت المواجهة رغم ضعفها و قلة حيلتها إلا أنها توقفت و أغلقت عينيها تشهق و تزفر تزامناً مع السكون المميت حولها سوى من صوت أنفاسها و فجأة تفتح عينيها لترى يدها ممسكة بسكين مغروز في قلب أحدهم و الدماء تتناثر لتستقر على وجهها و ملابسها كما تسيل بغزارة على يدها و يصبح المكان بأكمله غارقاً بالدماء.

عند تلك اللحظة انتفضت نورة تلهث و كأنها كانت تعدو لأميال، تشعر بانسحاب أنفاسها و جفاف حلقها و كأنها لازلت بذات اللحظة و كأن الزمان توقف حينها و رغم مرور تلك الأعوام إلا أنها لازالت أسيرة الماضي، أسيرة بلحظة تحولها لقاتلة لا تعلم كيف وصلت لها و كيف استطاعت و لم تكن تتخيل أنها ستصل يوماً لها و لكن حدث ما حدث و هذا الواقع المرير هي فعلتها و تدفع ثمن فعلتها منذ أعوام.

اعتدلت نورة تجلس على طرف الفراش تضع يدها على صدرها موضع قلبها و تحاول تنظيم أنفاسها المبعثرة و هي مُغمضة الأعين و لكن مازالت تلك المشاهد تمر بذهنها كمقتطفات فضغطت فكيها ببعضهما و غرزت أظافرها بفخذها حتى كادت تخترق جلدها كما تعتصر بيدها الأخرى موضع قلبها و حينها أدركت أنها على وشك فقد السيطرة على حالها و ستغرق ببحور عتمتها لذا جاهدت لتُبعد تلك المشاهد عن مخيلتها و تستبدلها بشيء آخر يهدئها و ظلت تحاول و تحاول و هي مغمضة الأعين تتنفس بحِدة حتى جاء صوت من بعيد غارق بأعماقها، صوت موسيقى يُذكرها ببراءتها فبدأت تستدعيه ليعلو شيء فشيء حتى مُحيت تلك المشاهد و حل محلها صوت الموسيقى الهادئة و هي ترقص بنعومة على أنغامها و هُنا انخرطت أكثر و نهضت و هي ما زالت مغمضة الأعين و بدأت تتحرك على أنغام الموسيقى برشاقة و نعومة و كأنها انتقلت لعالم آخر، هي هنا بجسدها و لكن روحها بعالم آخر، ترى نفسها تتزلج على الجليد و تقوم بحركات رقص إيقاعي حُر، تتمايل و تؤدي الرقصة ببراعة و خطوات مدروسة و قد رُسمت ابتسامة على ثغرها و انغمست أكثر تؤدي رقصتها كراقصة ماهرة.

انتهت رقصتها و لازال صدى الموسيقى بأذنها و حينها اتسعت ابتسامتها بارتياح ثم تنفست بعمق و فتحت عينيها و رأت زوج الأعين الاتي تراقبنها عن قرب فأجفل جسدها و هتفت بفزع:
"إيه يا شوق، حد يقف مبرق لحد كده؟".

"ياختي أنا اللي هيجنني إن لا ليكِ في البرشام و لا الدخان لو ليكِ كنت قولت الحباية بتهب عليكِ بليل و لو قولت ملبوسه معقول يعني يكون جن رايق كده و ميطلعش عليكِ غير بليل و الكل نايم؟، يكونش حد عملك سحر إسود ياختي؟ لا إسود إيه ده أبيض و حلو و رايق".

غُربةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن