وردة الزَيزَفون (الجزء الاول )

181 4 2
                                    

في يومٍ عابسٍ غائمٍ ممطر ،السماء ملبدة بالغيوم الداكنة ،والبرد ما زال قارصاً بعض الشيء ،في منتصف شهر فبراير ،من أحد أحياء إيرلندا الأوربية ،اذ تجتمع العائله على مائدة الأفطار ؛بعد أن قامت السيدة كاتيلين ام إيليس بأعداد وجبه الإفطار لولديها إيدين و تيليا ليستعد كل منهما للذهاب الى محاضراته الجامعيه
ص

باح الخير يا أمي: صباح الخير إبنتي الجميلة صباح الخير يا عمتي :صباحٌ جميل يا بني
إجلسا وتناولا فطوركما لقد أعددت طعامكما المفضل. أمي كم أُحبك دائما تعلمين ما هو الأقرب الي، انها معدتي وتعالت ضحكاتهم جميعهم حتى بلغت طلوعها.
ولكن فجأة إرتسمت علامات الحزن والتخبط على وجه إيدين كالعادة، وإذ بهِ يذرف خصلات من الدموع التي حاول إخفائها ولكن سرعان ما إنسابت على وجنتيه الشابة.
واذ يعج بينهم السكوت والسكينه للثوانٍ ،
من ثم سألت السيدة كاتيلين : ما بالك يا بني لقد كنت فرحاً حالاً ما الذي قلب حالك فجأة
لا شيء يا عمتي ويربت بخطى راجفة على يد عمته ،غير قادرٍ على إخفاء ما يدور في وجدانه
لقد حننت للماضي الجميل يا عمتي حيث كنا نجتمع سوياً أذكر جيدا كل هذه الامور ؛حيث كنت طفلا مدللاً غير طائعا وطائشا أيضا ؛ بينما يقولها إيدين ضحك ضحكة إستهزائية مختلطة بالمشاعر أللا مفهومة ،فأكمل لا أحب سوى ما أحب ؛أختار ما أختار لا خيار لوالدتي فوق إختياراتي كنت شقياً أيضا ؛لقد أتعبت والدتي وعذبتها كثيراً وكانت دوماً ما تبتسم في وجهي وبدلاً من أن تغضب مني ،كنت أنا من يغضب حين رؤيتها تبتسم على فعلتي ،من ثم أعاد تكرار ذات الضحكة الأستهزائية من نفسه ومن مشاعرة المتخبطة ،فوحده يعلم بما يفكر وما أسترجعت ذاكرته من طفولته العقيمة .
هل تعلمي!!
أتمنى أن تعود وتعدَ لي طعامي بيديها المتعبتان مثلما كانت حينها تعد لي طعاماً لا أحبه ،لو عادت لأكلته كله حتى تنقطع أنفاسي.
بوجهٍ يبتسم إبتسامة خاطفة ترتجف يقول: كنت غبياً لأنني كم عدد المرات التي غضبت منها كم عدد المرات التي قذفت بها أطباق الطعام بعيداً، بحيث يملأ المكان لونهُ ورائحته ؛أنا حزين يا عمتي لأنني لم أستمتع ولو بلحظة واحدة مع أمي و أود أن أعود للماضي ،فذاكرتي مشتتة،لم أنسى الماضي،وغير قادر على أن أتقبل الحاضر ؛لم أنسى أنني كنت محباً للعب واللهو أيضا وغير محبذ لرؤيه والدي الذي كان يكد ويعمل جاهدا ليجلب لنا المال لنعيش به،فلم أراه كثيراً ،ولم أذكر منه ما يجعلني لا أنساه ،بل بضع لقطات لوجهه ،إحيانا أشعر بأنني نسيته ،فأصاب بفزعٍ شديد محاولاً التشبث بذاكرتي الغير متزنة لإسترجاعه.
كل هذا وكاتيلين وتيليا ينظران لبعضهن البعض بحزن بليغ لما يسمعان ؛لقد خبأ إيدين كل هذا في قلبه ولم يخبرهن ولو مرة واحدة عما يدور بداخله ؛أما الآن لقد تغلبت عليه عاطفته ووجدانه ؛ووجهه الوسيم ملأته أقصى علامات الحنين،والخوف، والقلق ،فمشاعره مهزوزة لم يتيقن بعد من وضع يده على الجزء المؤلم أكثر منها،فلمستا الشوق لوالديه من عيناه اللتان تتكلمان بحزنٍ بالغٍ كلما عصفت به الذكريات ،ونزف حنينه لحياة الطفولة البريئة.
وبعدما إستيقظ إيدين من غفلته وعرف باب للخروج من باب متاهة الماضي ،لينظر في الواقع لعمته الحزينة ،والتي بقيت تبكي طيلة الحديث ،فهي إيضاً عاشت معه جزء ليس بالقليل من الذكريات ،فذاكرته الشابة إسترجعت ما كان قد ينسيه الزمن للسيدة كاتيلين .
فقد بكت العمه بحزن بالغ ، فجثا على ركبتيه مهرولاً بالقرب منها ومسك يديها وقبلهما وسألها: لماذا تبكي!؟
يا عمتي أنا لم اقصد أن أجرحك بكلامي فأنا لم أنسى يوماً فضلك علي طيلة السنين التي مرت كنتِ لي مثل أمي بل أعظم غمرتني بحبك وعطفك ، ولم أنسى يوما فضل عمي ألكسندر أيضاً حيث إستقبلني في منزله ورباني بينما كنتُ فاقد الأبوين ، رباني مع ولديه ، ولكنني أرى نفسي بكما وأجعل العالم يشهد بانكما أعظم أسرة في العالم وتفتخران بما صنعتم ؛أنتِ لم تكونِ عمتي قط بل أمي وأبي وعمتي؛هل ما زلتِ مفتخرةً بي وتقولين هذا ولدي ؟!.
كل هذا و كاتيلين و تيليا تبكيان وإيدين يروي كلامه الذي جعل دموعهن ترويان وجههن الحسن كالمطر الكبيس .
فقد قال إيدين إنسي يا أمي كل ما مضى وما قلت من الآن فصاعدا آنتِ أمي وتيليا هي أختي وإيليس هو أخي
فأخيرا إرتسمت إبتسامة عريضة على ثغر كاتيلين مع دموع ما زالت تقطر من وجهها ولكن ؛علامة تعجب وغضب مع دموع شبه جافه على وجه تيليا و إذ بها تنظر نحو إيدين بصدمة لا تفسير لها هل تواسيه على حزنه ومشاعرة أم تغضب منه .
سرعان ما نهضت ودخلت للحمام وأغلقت الباب بقوة لتكمل ما تبقى من دموعها وحدها وتواسي نفسها وحيدةً في الحمام .
نظرت قليلاً للمرأة وحدثت نفسها واسنانها متشجنة،مشحونة بالغضب والكبرياء، ومن ثم قالت إياكِ أن تفعليها إياكِ ، فغسلت وجهها،ونظرت لعيناها اللواتي تكورن وأنتفختا من كثرة البكاء، أغلقت الماء وجففت وجهها جيداً بالمنشفة .
خرجت من الحمام وأغلقت الباب ومن ثم توجهت لوالدتها بالكلام متعمدة تجاهل إيدين،وقالت: لقد تأخرت على محاضرتي الأولى ،سوف أخرج لعلِ أحضر ما تبقى منها  ، سأذهب حالا .
إبتسما مجددا وقبل إيدين والدته على جبينها الأبيض الممزوج بالأحمر وقبل يديها اللواتي تعبرن عن معاناه الزمن ، شيءٌ ما .
وتدعوا السيدة كاتيلين لولديها بالتوفيق ببعض التراتيل
القدسية التي تسمعها في الكنيسة
تيليا سبقت إيدين للخارج واذا به يلحق بها ويناديها بصوت عالٍ
تيليا ... تيليا ...تيليييييااااا!!
فهي تسمعه لكن لا تريد أن ترد عليه فقال لها : ألم تسمعيني
فقالت:بلا أسمعك
فقال :ولماذا لم تردِ إذاً
فردت بكبرياء وشموخ:هكذا يحلو لي و أنت لا شأن لك بهذا.
تعجب إيدين منها ومن كلامها وقال لها هيا لا وقت لإكمال الحديث إصعدي السيارة لنذهب
رفضت تيليا وبشدة الصعود ،فغضب منها أشد غضب،
ما بالك انت كنتي حزينه منذ قليل علي الآن تتمردين،يا لك من شخص يتلون بسرعة ،كل دقيقة بحال ، قلت إصعدي
فأبت أن تصعد
فأشتاط غضبه أكثر فإذ به يصعد السيارة ويركبها ويشغل محركها
ويحركها مسرعاً دون تردد ولم يحاول أن يلتفت لها مرة أخيرة
فهنا بكت تيليا بكبرياء وذهبت لجامعتها من طريقا أخرى .
وفي الجامعه بعد المحاضرة
خرجت تيليا وصديقتها الودودة إيميلي تتلامسان أطراف الحديث

وَرْدةُ الزَيزَفونّ حيث تعيش القصص. اكتشف الآن