(( لست غاضبا... كلا لست غاضبا... و لما سأكون؟ ... أنا لا أهتم أبدا بما يحصل لذلك الفتى الأحمق... حتى و إن كان مريضا... و لكنني فقط منزعج لأنه لم يخبرني أحد بأنه كان مريضا اليوم بطوله... أنا منزعج من ليوناردو لأنه لم يكلف نفسه و يتصل بي حتى ليبلغني بأن روبرت كان مريضا هذا هو سبب إنزعاجي و أنا متأكد من هذا... ليس و كأنني كنت قلقا على روبرت لا بالتأكيد لما ساقلق على فتى مزعج مثله؟
آه يا إلهي لما لا أتوقف عن التفكير سحقا... سحقا... لماذا كلما حملت هذه الأوراق بين يدي لأراجعها تعود صورته إلى ذهني لتعكر مزاجي و تفسد يومي... تبا لك يا لوران أهذا الوقت المناسب لتسافر إلى فرنسا و تتركني في هذه الحالة... لما سافر أصلا بهذا الشكل؟ إنه بخفي عني شيئا بالتأكيد... و لكن ما هو؟ سفره المفاجئ إلى فرنسا يقلقني كثيرا... و كأن لا شغل لي سوى القلق على الناس تبا للجميع... سأعود إلى عملي و لن أفكر في أي أحد مطلقا... ))
هذا ما حدث به ألكس نفسه قبل أن يمسك الأوراق التي تراكمت على مكتبه من الصباح و كان يجب عليه أن يوقعها و يصادق عليها و لكن بسبب تفكيره المفرط توقف عن العمل لتتراكم فوق مكتبه... حاول البدأ من جديد عسى أن ينهيها بسرعة قبل أن تحل ساعة منتصف النهار... و لم يلبث أن بدأ في قراؤتها حتى طرقت السكريتارة باب مكتبه فأذن لها بالدخول لتقف أمامه في تنورتها السوداء التي تصل إلى ركبتها و قميصها الأبيض الذي ترتدي فوقه سترة سوداء و تربط ربطة سوداء حول عنقها على شكل فراشة... تحمل بين يديها أوراقا و حدقت فيه بعينيها السوداوين و بإبتسامة نطق ثغرها بالآتي:
_" سيد ألكسندر هذه أوراق قبول السيد روبرت في ((مدرسة لندن الخاصة)) لقد وصلت الآن عبر البريد "
_" حسنا أهذا كل شيء "
_" نعم سيدي "
_" يمكنك الذهاب إذن "
فوضعت الأوراق أمامه على المكتب ثم غادرت بعد أن ألقت عليه نظرات تظاهر بأنه لم يرها... إن هذه الفتاة تحاول منذ فترة طويلة إغراءه و لكنه لم يعطها أي فرصة أو تلميح ... فهو لا يهتم بالفتيات بل ليس لديه الوقت لينظر إليهن حتى... لا يريد أن يعيرها إهتماما كبيرا كي لا ترفع التكاليف بينهما... هي جميلة صحيح و كحقه كأي شاب هو يستحق الخروج و الإستمتاع و لكن ألكسندر عكس كل الشباب فهو يكرس حياته كلها للعمل و أضن بأنه سيشيخ قبل أن يؤسس أسرة و ينجب الأطفال هذا إن تزوج في الأصل...
بعد أن غادرت مكتبه مد يده نحو الأوراق و أخذ يقرأ ما كتب فيها إنه قبول لإنضمام روبرت إلى مدرسة خاصة و هم يدعونه للحضور بعد يومان... فألقى ألكس الأوراق جانبا متظاهرا بأنه غير مهتم ثم عاد للعمل...
في القصر كان روبرت يتجول في الحديقة فقد تحسنت حالته الآن و لكن بسبب رقابة السيد ليوناردو المشددة عليه لم يسمح له بالخروج من البيت إلا بعد أن تتحسن حالته نهائيا و كان أقصى مكان يستطيع الذهاب إليه هو الحديقة ليتنشق بعض الهواء النقي... فكان يرتدي فوق بيجامتها الزرقاء معطفا رماديا طويلا يحميه من البرد و لكنه لم يغلق أزراره الأمامية... مد يديها في الفضاء و أخذ يتنفس بعمق كأنه لم يخرج من غرفته منذ وقت طويل و كأنه كان سجينا فيها... ملئ الهواء النقي رئتيه لينتفخ صدره مرحبا بذلك الهواء العليل ثم أطلقه روبرت في زفرة واحدة... فتح عينيها لتلامس أشعة الشمس الجميلة و الرقيقة بؤبؤه ليلمع كأنه قطعة زمرد كانت مخفية في صندوق... جلس على كرسي وضعه له أحد الخدم الذي كلفه ليوناردو باللحاق بروبرت أينما كان المكان الذي سيذهب له في الحديقة كي لا يغمى عليه أو يصيبه مكروه ما و هو بعيد عن أنظارهم... صحيح بأن أمر ذلك الخادم أزعج روبرت كثيرا إلا أنه حاول تجاهل الأمر بل و جعل من ذلك الخادم شريكا له في الإستمتاع بذلك الطقس الجميل... فنظر له و إستدعاء للجلوس بقربه ليتبادلا أطراف الحديث:
أنت تقرأ
نوتة الحياة
Short Storyحياة تعب فقر و حرمان ... حياة رفاه غنى و راحة ... حياتان مختلفتان يعيشانها أخوان لم يتقابلا بتاتا إلا عندما قرر شخص ما التكلم أخيرا و الإفصاح عن الأسرار المخفية ... يلتقيان و لكن بدل أن يعيشا برابطة الحب و الأخوة يعيشان حياة عداوة كره و حقد ... فكيف...