في الصباح الباكر خرجت الممرضة من غرفتها متجهة إلى غرفة روبرت كي تتأكد من صحته قبل أن تذهب لتناول إفطارها ففتحت الباب و دخلت لتراه مستلق على السرير و عيناه مفتوحتان شاردتان تحدقان في الشرفة فإقتربت منه ببعض من القلق و قالت:
_" صباح الخير سيد روبرت كيف تشعر اليوم؟ "
فرد عليها بصوت أشبه بأنين الأموات:
_" لا أزال لا أشعر بشيء "
ففضلت الصمت على قول أي شيء آخر ثم أخذت تتفحص مؤشراته الحيوية و تجس نبضه في صمت...
أرادت أن تغير و لو قليلا من ذلك الجو الصامت و الكئيب فحاولت فتح موضوع مع روبرت:
_" هل تعلم بأنها تثلج بغزارة في الخارج؟ كأن لا ربيع قادم "
فبقي صامتا لا يرد عليها فواصلت حديثها بلا إهتمام:
_" أنا لا أحب الشتاء كثيرا فهو بارد جدا و حزين أحب الربيع ففيه كثير من الألوان الجميلة و المنعشة "
حدقت فيه تراقب رد فعله و لكنها رأت في عينيه جمود لا مثيل له كأن لا حياة فيه و لا قلب ينبض في صدره و لا روح تعبق من جسده... إحتارت ذلك الصمت المميت الذي يدب في أعماقه كأنه يأسر نفسه داخل جسده و يلقنها درسا في اللامبالاة... لم يسمع حرفا مما نطقت به قبل قليل كأن أذناه صمتان لا يزورها صوت و لا كلام و شفتاه مبكمتان لا تعرف الكلمات مخرجا منهما عيناه ميتتان جامدتان لا يزورهما بريق و لا نور بإختصار جسد مستلق أمامها بلا روح.
لم تعرف ما يجب أن تفعل لحظتها هل تريحه من شعور قاس بالعجز و تعيد جسده إلى خموله من جديد أم تتركه يتنفس هواء الحياة بمرها و حزنها... إتخذت قرارها نهاية و تركته على حاله و غادرت دون أن تنبس بحرف و أغلقت الباب خلفها, هي ممرضة و لكنها للمرة الأولى ترى حالة من اليأس و القنوط كالتي رأتها في عين ذلك الشارد.
بقي لدقائق و هو على حاله لا يحرك ساكنا عيناه ملتصق نظرهما بالستائر التي تغطي باب الشرفة الزجاجي و تحجب عنه منظر السماء التي لطالما عهد التحديق فيها من فراشه كلما فتح عينيه. ربما لحظتها نسي العجز الذي يلحق قدميه فأبعد الغطاء بحركة لا إرادية و هم بالوقوف لإبعاد تلك الستائر و لكن ساقاه لم تكن طوع أمره. وضع يديه عليها كأنه يتوسلها ليعود إليها شعورها ثانية و لكن كم من متمن لم تتحقق له أمنيته فإنفعلت نفسه و أصابتها نوبة من الغضب و الجنون الذي لحق عقله و شل تفكيره فضرب آنية الزهور على الطاولة بقربه بكل ما أوتي من قوة لترتطم بالأرض و تتحول إلى أشلاء صغيرة و بسبب تلك الضربة إنزلقت يداه عن الطاولة و عاد جسده إلى الأمام فوقع من على السرير...
سمعت صوت إرتطام شيء بالأرض و هي لا تزال من مسافة قريبة من غرفته فهرعت راكضة إلى هناك فتحت الباب بفزع لتراه مرمي أرضا جرحت يداه بسبب الزجاج المتناثر على الأرض... تركت الباب مفتوحا على وسعه و تقدمت منه بقلق تحاول مساعدته على العودة إلى فراشه
أنت تقرأ
نوتة الحياة
Cerita Pendekحياة تعب فقر و حرمان ... حياة رفاه غنى و راحة ... حياتان مختلفتان يعيشانها أخوان لم يتقابلا بتاتا إلا عندما قرر شخص ما التكلم أخيرا و الإفصاح عن الأسرار المخفية ... يلتقيان و لكن بدل أن يعيشا برابطة الحب و الأخوة يعيشان حياة عداوة كره و حقد ... فكيف...