الفصل الأول

11.3K 444 69
                                    

 خطوات خفيفة صوتها غير مسموع على أرضية تلك الطريق العامة... أصوات كثيرة تخفي صوت خطواته إنها أصوات المارة و التجار في ذلك السوق الكبيرة... سار بين الناس يضع يديه في جيوبه و رأسه يلتفت هنا و هناك كأن شيئا ما قد ضاع منه و يبحث عنه أو أنه يتربص بأحدهم... رسم إبتسامة ماكرة على شفتيه حالما لامست يده جيب بنطال رجل تبدو من هيئته الغنى فأخرج منه و بخفة محفظته ثم سار مبتعدا من هناك...

_" لص أوقفوه "

تعالت صرخة ذلك الرجل بين الناس لتعم الفوضى و تتجه أنظار الجميع إلى ذلك الشاب الذي أخذ بالركض حالما سمع كلمة لص... هرب بكل ما لديه من سرعة و خلفه رجلا شرطة لم ييأسا من محاولة الإمساك به بل ظلا يصفران بصافرتهما و يركضان خلفه يطلبان منه التوقف

_" توقف أيها اللص... توقف حالا "

فإلتقط حبات طماطم و أخذ يلقيها عليهم عله يشتتهم و لو قليلا ليستطيع الفرار و لكن لم يكن له ما يريد فعاد إلى الركض و هو يشتم ذلك الرجل و رجلي الشرطة:

_ " أكل هذا من أجل بضع سنتات؟ يا لهم من لحوحين "

وصل إلى زقاق ضيق في نهاية الطريق فتسلل داخله رغم ضيقه و بما أن رجال الشرطة كانا أكبر منه جثة لم يستطيعا العبور و بهذا هرب منهما... وقف في نهاية الزقاق و إلتفت لهما ساخرا راسما إبتسامة نصر على شفتيه...

إبتعد قدر ما إستطاع من ذلك الزقاق ليصل إلى جسر صغير جلس أسفله و أخرج المحفظة من جيب سترته و قلبها لتسقط منها أوراق نقدية

_" هذا رائع كما توقعت إنه مبلغ لا بأس به. "

إلتقط النقود و وضعها في جيبه ثم خلع القبعة عن رأسه ليظهر لون شعره الأزرق حركه يمينا و شمالا ليبعثره ثم رفع يده و أعاد بعضا منه إلى الخلف, فخرج من أسفل ذلك الجسر و نظر بعينيه السماويتان إلى الشمس التي أخذت تغرق في النهر شيئا فشيئا

_ "لقد تأخر الوقت كثيرا يجب أن أعود بسرعة قبل أن يقلق علي "

فإتخذ طريقا مختصرة و عاد إلى حي بدى فقيرا جدا و معدما بدى ذلك من الأبنية ذات النوافذ و الأبواب القديمة و المحطمة و الجدران التي أكل عليها الدهر و شرب مشققة كأن لا أحد من البشر يقطن تلك المنازل...

تابع سيره يحمل أكياس طعام قد إشتراها من المال الذي سرقه هذا الصباح و قد حل الظلام و أشعلت الأنوار لتنير الطرقات العامة... صوت مواء القطط يملئ الشوارع تبحث عن طعام تسد به جوعها, و لكن البشر أنفسهم لا يملكون ما يأكلون فكيف الحيوانات... وصل أخيرا إلى ذلك البيت الصغير في نهاية الشارع فأخرج المفتاح من جيب سترته و فتحه و دخل. حالما وطأت قدماه أرضية ذلك البيت سمع صوتا قادما من الداخل بدى صوت رجل كبير في السن و بدى متعبا للغاية:

_" روبرت يا بني هل عدت؟ "

_" نعم جدي"

فخلع حذاءه و دخل إلى المطبخ مباشرة ليضع الطعام في الأطباق و يحمله بين يديه ليتجه بها إلى الغرفة التي صدر منها صوت ذلك العجوز ففتح الباب و دخل ليتجه نظره مباشرة إلى ذلك السرير البالي الذي يحمل جسدا منهكا... جسد رجل عجوز قد أرهقته الحياة و أخذت من جسده كل الصحة و العافية... عاد للنظر إلى المدفئة التي أطفأت نيرانها و بدى ذلك منذ وقت طويل فحتى الدخان لم يعد يخرج منها فتقدم من سرير جده و وضع الأطباق على الطاولة الصغيرة بجانب سريره و بنظرات معاتبة قال:

نوتة الحياةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن