قيل لي منذ فترة ربما أسبوع أو أكثر بقليل ، قيل لي :
"لم نكن نعلم أنك تجيد التحدث في السياسة"
كانت إجابتي مباشرة :
"ولا أنا لم اكن أعلم هذا ، و لكن سخافة العالم دفعتني إلى هذا"
بعض الأفعال البسيطة و التافهة في المجتمع نتغاضى عنها ظنناً بأنها لا شيء يذكر إلا أن انتزاع طوبةٍ واحدة قد يُسقِطُ برجاً بأكمله.
لا شيء يستحق الحياة من أجله و لا شيء يستحق الموت أيضاً.
لا أعلم إما أنني إنسانٌ مجنون متعطش للألم أم أن هذا الكون حقاً بدأ بالإنهيار،
كم هو مقيتٌ أن ترى أحقر بني البشر بكل ألوانهم و أعمارهم و طبقاتهم و بلدانهم يجوبون الأرض مختالين فخورين بدنائتهم و أعذب القلوب تُداس تحت أقدامهم .
كمجموعة إطفالٍ بلا تربية يسخرون من أذكى طفلٍ في صفهم أو أنهم يضربون ألطف طفلٍ أمامهم .
إنه لأمرٌ موجعٌ أن يتخلى الأطفال عن فطرتهم بسبب حماقة مجتمعهم..
كأن تسبب بعض الحمقاوات شرخاً في قلبِ فتاة تحمل من الرقة و الطيبة ما لا تحمله هؤلاء الحمقاوات ولو اجتمعن معاً ، فينعتونها بأبشع الصفات لاسمها ، طولها ، نحفها، لونها ، سمنها ، كثافة أو خفة شعرها ، فمها، أسنانها، شكل أنفها، اسم عائلتها ، عمل والدها ، شكل منزلهم.
إنه لأمرٌ مؤلم أن ترى تلك الدموع المقدسة تتحول مع الوقت إلى مياهٍ نتنة..
كأن يسبب الجيران الضيق و الإزعاج لبعضهم البعض و كأن بينهم ثأرٌ من آلاف السنين ، يرمون أوساخهم أمام منازل بعضهم البعض ، يرمقون بعضهم بنظرات جافية ، يغتابون بعضهم بعضاً، يتجسسون على بعضهم البعض و يشمت الجار بجاره و يتقزز من السير أمام داره.
كم هو بشعٌ عندما ترى أن قلب جارك كان أنقى من قلبك طوال هذا الوقت..
كأن تكون الفتيات في صف واحد منذ عدة سنين و هن الآن في سنتهم الأخيرة في المدرسة و إلى الآن لا يعرفن أسماء أباء بعضهن البعض و إلى الآن تجد صفهن مقسم لمجموعات و تجلس في الزوايا فتياتٌ وحيداتٌ و لا ينتبه لوجودهن أحد.
كم هو صعبٌ عليكِ أن تعلمي بعد فوات الأوان أن كلمتان منكِ كانتا أقصى أمانيهن في هذه السنة العصيبة و أنكما معاً كنتما ستصبحان أجمل مافي هذا الكون..
كأن يعود والدك مكسورٌ في بداية الشهر لأنه لم يقبض مرتبه المتأخر منذ عدة أشهر و أنتَ أمامه تستمر بالشكوى و التذمر لأن والدك رفض أن يعطيك ثمن الحذاء الذي تريده لانك لا ترضى إلا بالماركات الغالية أو بالطعام المحشو باللحم و لا تحب الباذنجان و لا تحب البطاطا و لا تحب ثلاث أرباع أنواع الطعام.
إنه لأمرٌ مثيرٌ للسخرية أن تعلم بعد وفاة والدك كُل النضال الذي ناضله من أجلك و أنك الآن تعود إلى طفلك مكسورٌ و هو يتذمر لنفس أسبابك..
كأن تخرج عائلة كريمةٌ من منزلهم لأنهم تأخروا بالدفع لصاحب المنزل
كأن تبكي أمٌ كل ليلة لوحدها لأنها تتألم من العمل داخل البيت و خارجه وهي تعمل جاهدة لشراء ملابس العيد و الاحتفالات و الصرف على الرحلات و إعداد ألذ الطعام و تحرص على أن لا ينقص شيء على أولادها و كل ولد يستلقى على مؤخرته كخنزير المزارع.
كأن يرقص الناس في المراقص و يصرفون اموالهم على العاهرات و نساءٌ محترمات يتم اغتصابهن و اعتقالهن في بلاد الحروب حول العالم.
كأن تنام مرتاح البال و نصف سكان العالم لا مأوى لهم.
كأن يُرمى هذا الطعام في المزابل و معظم الناس في هذا الوقت لا طعام عندهم .
كأن ترى هذا الكلام كله و أنت كما أنت على حالك لم تشعر بذرة ضيق.
كأن يفنى كل جمال العالم بسبب كُرسي..
كأن أسعى جاهداً لتلوين هذا العالم و القذائف و البنادق ترميه باللون الرمادي..
كأن تعلم أن كلُ من تحدثت عنهم هم من يحكموننا الآن ..
كأن تعلم أننا خلقنا من اطفال هذا العالم وحوشاً و من أهاليهم مدارساً في الكره و الحقد و من جيرانهم ثعالباً و ذئاباً و من فتياتنا عاهرات يظنون أن خلاصهن في عرض أجسادهن و زواجهن..
كأن يأتمننا الله على إعمار الأرض و نخون أمانته أمام ناظريه و كم هو مُشينٌ أن تُرفع الأيادي الخائنة للدعاء بالشفاء و المغفرة و كم هو عظيمٌ أن تعلم أن الله يغفر لهذه الأيادي كل ما سلف.
هذه هي دنائتنا و هذه هي سخافة عالمنا و لو أننا بعقولٍ حقاً لعلمنا أن أساس الحرب كان بإمكانه أن ينتهي بابتسامة ، ولكننا كآدم و حواء بالحب و في الزّلات ، و كقابيل و هابيل بالحقد و الضلال ، و كأوراق هذه الشجرة نحنَ نسعى للقتل و طلب المغفرة ..
و كأن هذه الأرض كان ينقصها امثالنا ، و بعد كل هذا يعجبون أنني افقه في السياسة ، نحن من صنعناها و نحن فقط من سيدفع ثمنها و إنها لسُنةٌ علينا كما كانت على من قبلنا .
اه صحيح بما أنني واحد منهم أريد أن يقوم القارئون بنشر هذا البارت او شيء من هذا كي يراه أكبر عدد من الناس ..
فالغُراب الآثم بات يُلقي المواعظ.
فناء..
