و نحن صغاراً اعتدنا على اللجوء لأحضان أمهاتنا بعد منتصف الليل خوفاً من كابوسنا عن الوحش الذي يقبع أسفل سريرنا ، او ذُعراً من الظل الذي يتحرك أسفل الباب او على الجدار ، نتخيلُ قصصاً وهمية و نخاف منها ، لا نُفرّق بين التمثيل و الحقيقة ، كل شيء أكبر منا يبدوا مرعباً لنا ، اي موقف نصادفه اول مرة في حياتنا يزورنا في كوابيسنا و لشدة برائتنا نظن أن أحضان أمهاتنا مكانٌ محصنٌ مقدسٌ ، كحضن والدتي كان حضنها بالنسبة لي كبيتٍ من بيوت الله و كالكعبةِ كنت أعانقها و أتمسك بثيابها العطرة ابكي و أشكي خوفي ، ارتجف و تغمرني بالحنان و الدفئ ، حضن أمي كان قِبلتي عند هلعي .. لا أعلم كيف كنا نؤمن أن أمهاتنا مكانٌ آمنٌ لا ينهدم و لا تنشب فيه الحروب و لا يهلك ..
كبرنا و فهمنا ان هذا الحصن المنيع كان بحاجة إلى حضننا أيضاً حضِنٌ محصنٌ أكثر من حضننا .. فالوحوش التي تراها أكبر و أكثر رعباً من وحوشي ، المواقف التي تمر عليها اول مرة أدهى و أمرّ من التي مررتُ بها ، كم كنتُ أنانياً و جاهلاً يا حبيبتي .. كل ذاك الخوف .. كنتِ في النهاية ترتجفين أيضاً..
و لكنكِ تبقين أمي و قِبلتي و بيتاً من بيوت الله التي أعشق و يبقى حضنكِ بالنسبة لي و لو بعد ألف عامٍ أءمن بقعةٍ في الكون .. لذلك يا أمي احضنيني فأنا لم أعد أحتمل رؤية الوحوش تزحف يومياً على سريري ..رسالة رغبت بإرسالها الليلة لأمي و لكن فضلت نشرها هنا ..
فاني ..