جلست و انكمشت وحيداً على الأرصفة
أرى الوجوه ترتدي الأقعنة
وحدي كنت دائماً في قوقعتي
أُلملم شتات نفسي و أبعثُ النَّفَسَ بي
تلصصتُ على الجميع من قوقعتي
كنتُ قد ظننتُ أنّ أمي أنجبتني مجرداً من قوقعتي
إلا أنني أدركت مع الوقت أنني لا أنتمي إلا لنفسي
فبدأت تحيط بي قوقعتي من كل جَنب
تعانقني، كأنها أحضان وطنٍ لمُغترب
دافئةً كانت عندما سرت بي برودة الموتى
لامعةً في عينيّ عندما ابتلعني فاه العتمة
ساكنةً هادئةً دَعتني لأرمي داخلها نحيبي كأُمٍ ثُكلى
قوقعتي، أعطتني ما لم يعطينيه أحد
لمتني، آوتني، كانت لي الملاذ و السند
بيديَّ داخلها صرختُ و أتلفتُ هذا الجسد
لم تبقى بقعة خالية من جسدي لم أطعنها بوتد
أتلصص..أحدق هنا و هناك كطفلٍ تاه عن أبواه
أنظرُ بصمتٍ إلى تلك الأقنعة و ما يصدر من هذه الأفواه
تعتريني الرغبةُ و الرهبة ، أصابُ بالجنون تارة و بالاكتئاب تارة
أحلمُ أنني أُقطع تلك الأفواه و تلك الألسُن
إلا أنني أنا من شُقَّ فاهي و استؤصل لساني
أحدق إلى نفسي في مرآتي..
ليس هذا هو الطفل الذي أعتدت أن أراه أمامي
أين وجهي؟ أين روحي؟ أين أحلامي؟
أركض لاهثاً ككلب الشوارع علّي ألحقُ بما بقي من أيامي
و لكنني في كل مرةٍ أتعثر و يُشْمَتُ بي فتزيد آلامي
قوقعتي التصقت بي، باتت جزءاً مني
لا تطلبوا إليّ مشفقين على حالي
أن انسلخ مِن مَن حماني و واساني
اعفوني من شفقتكم، فأنا بالفعل رأيتُ وجهكم الثاني
انظروا إلى هاتين العينين المجوفتين
هكذا أصبحت و هكذا أمسيتُ و كذلك سأحيا
رميتُ نفسي من نافذتي، قطعت أوردتي
شنقت نفسي، ابتلعتُ كل أدويتي..
ولكن هذا فقط لا ينفع معي
و الموتُ يحوم حولي آخذاً مني أحبابي
و أنا أصرخ مُترجياً أن يَسلِبَ روحي
إلا أنه يبتسم بمكرٍ رافضاً أن يُعلِن فنائي
أَغسل أجسادهم بدمعِ جفوني
و أَسقي مقابرهم آهاتي و أوجاعي
كُل حلم تاه عني و كلُ أملٍ ضاع مني
سأنعق به ترانيمَ عيدٍ ألعنُ بها ما بقيّ من رُفاتي
الألم فتك بقلبي و اعتصر وجداني
حتى تزين لي القبر عرشاً فاتناً سامي
لم يكن أبداً ما أراه هو وجهي
ألفُ قناعٍ و ألف اسمٍ أرتديتهم و كانوا على مقاسي
كم من الرعب و الفوضةِ سبّبتُ و كم أغرقتُ نفسي في المآسي
أجمعُ الحشود و انكث الوعود
.. أنا لا وجه لي
أدركت هذا عندما التفتُّ و أدرت ظهري لمرآتي
أيقنتُ أنه من البداية لم أكن أنا من دخلَ قوقعتي
و أمام ظهر ذلك الطفل سقطت كل أقنعتي و دمعاتي
انكسرت كلُ المرايا .. "لا تذهب بعيداً
ليتك استمعت إليَّ و لم تسقط صريعاً "
هكذا قال لي و ردّدت أنا بدوري
"قريباً سأعتِقكُ..و سأبخَسُني ثمني"
صغيري لا تبكي..
فضحكاتك اعتادت أن تشرح صدري
بأناملك الصغيرة هذه ستصنع شاهد قبري..
ها هي أمامك قوقعتي
لا ترمها..ادفنها معي علّها تغفوا في أحضاني..فناء..
يا صغيري هذا قناعي الجديد..
أرثي قوقعتي و الطفل الصغير داخلي..