أوصيكِ يا من حصنتِني و مسحتِ على قلبي و رأسي بالمُعوذات و أحطتني بكلماتِ الله التامات منذ أن أنجبتِني إلى يوم الممات أوصيكي وصية ميتٍ فتقبليها مني و إرضي عني فأنا حقاً أعتذر عن كل ما سيحدث ، عن كل حضن قصدتِ به جمع ما ضاع مني ، عن كل مرة قبلتي بها جبيني أردتِ بها جمع شتاتي ، عن كل لهفة و دمعة أسقطتها في دعائك لي أن يجبر الله كسري .أمي .. عن كل الألم و المعاناة التي سببتها لكِ .. عن كلِ المراتِ التي وقعتي في أحضاني فيها من الضحك معي، عن كل مرة نمتُ أمام باب غرفتكِ عند مرضكِ و عن كلِ مرة نمتي بجانبي وقت مرضي ، عن كل النحيب الذي سمعتيه مني دون علمي أو بعلمي ، عن كل جرح أجبرتك على رؤيته موشوماً على جسدي .. عن كلِ الخُذلان و كلِ العرفان الذي رأيتيه مني ، عن جنوني و قوتي ، عن انهياري و ضعفي ..
سامحيني عن كل هذا و اغفري لي و ادعي الله ربي و ربكِ أن يغفر لي ، لستُ عاصياً، لستُ كافراً، لستُ جاحداً..أنا فقط مريضٌ ومتعب و قبل مُتعب قلت مريض ، فامسحي دموعكِ و أمعني النظر فيها .. أمي أنا مريض.. لا أريدُ أن أُلحق بكم العار .. و لكنني حقاً مريض، استشرت أطباءً من و رائكم و قالوا لي أنني مريض و لكي لا تقولي عن كاذب .. و حتى لا تنهاري ساخطةً علي .. قالوا لي أنني مريض باكتئاب حاد يستدعي الذهاب إلى طبيب و أنني أُعاني من ..... يجب معالجته قبل أن يتفاقم ..
أُخبركِ و قد فات الأوان و أقسم لكِ أنني حلمتُ بالحياة أكثر من الموت ، و أنني في كل جرح نزفته كنتُ أصلي لله أن يحيني و أن يُجيرني من الموت .. و لكن صدري ضاق كقبر مُشركٍ و قلبي ذاب كشمعةٍ انتهى عُمُرها و أيامي تساقطت كأوراق الخريف ميتة جرداء يدوسها الناس بأقدامهم .
أمي حبيبتي ملاذي و كل مشاعري التي أبقتني على قيد للحياة إلى الآن أعطيتها لكِ في عناقنا الأخير قبل لحظات..قبل فنائي و قبل تغيير مسار حياتكم أريد أن أوصيكِ و أخبركِ بأنني تبرعت بكل أعضاء جسدي كُلها لذا عندما تأتي الإسعاف أنقذوا جسدي و لا تنقذوا روحي، أمي دعيهم ليأخذوا كُل ما بي جلدي شعري عيناي دماغي مفاصلي وجهي يداي و قدماي معدتي امعائي و رئتي فليأخذوا كل شيء و لكن أياكم و أخذ قلبي لا تزرعوه في صدر بريئ و نظيف آملين إحياءه ظناً منكم بأن قلبي سيُحيه، فقط ادفنوا قلبي فلا أنا احتاجه و لا يقدر أحد على إحتمال نبضاته، دعيه لنهم الديدان و الجرذان فلا طائل منه سوا الألم و الفناء.
و أوصيكي أنتِ بالذات و كلُ إخوتي و أحبتي أن لا تروا جسدي بعد أخذهم لما يريدونه منه أريد أن أبقى في ذاكرتكِ ذلك الطفل الذي كان يشرب القهوة معكِ كل مساء تحدثينه و يحدثك ، تضحكان معاً و تمزحان ، تذكريني هكذا .
و آخر وصية لكِ .. أعلمُ أنها غريبة ولكن .. أعطي للذي سيكفنني رداء الصلاة الخاص بكِ .. أرجوكِ دعيه ليكفنني به .. أمي .. أنتِ لا تعلمين كم هو موحشٌ و باردٌ ذاك المكان الذي سأُرمى به .. أرجوكِ كفنوني برداء صلاتك الذي تحبينه و الذي تصلين به كل صلواتكِ.. هذا آخر طلبٍ لي.
أحبكم جداً و لكن .. لم يعد لحبي معنى بعد الآن.
إخوتي .. ما فعلته خاطئ فلا تفعلوا مثلي أرجوكم.. إن رأيت أحدكم قد حُشر معي يوم الحشر فسأتبرأ منه و لا أريد فعل ذلك ، فلا تجبروني كما جُبرتُ على كل هذا .
كل ما عندي لكم مالي ثيابي ادواتي و هاتفي أي شيء تريدونه خذوه و ادعوا لي بالغفران في كل مرة تذكرونني فيها.
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ..
فاني