الفصل السابع عشر

7.2K 152 3
                                    



(آه ه ه) آهة طويلة اطلقها عدي وهو يخبط علي صدره كرجل الغابة يتطلع في صورته المشرقة في مرآته التي عانت منه الامرين... لقد راحت ضحيته مرتين علي الاقل حين كانت تهاجمه الشكوك... والان هي الاحق بان تشهد علي ذلك الوسيم المبتسم في حلته الكحلية وقميصه البنفسجي مع رابطة عنق بنفس اللون..
جو من السعادة لف سعيد وقاسم بينما يصرخ سعيد بمرح ( حمدلله ان زوجتي حملت للمرة الثانية لان صرختك جعلتني غير صالح للانجاب)
ولكن عدي لمح بطرف عينه قيس ولازال مغمضا لعينه مدعي النوم... مذ رحل الشيخ الشاذلي والذي قرأ الرقية الشرعية وسور من الذكر الحكيم لكل من بالبيت..
كان رد فعل قيس اكثر من مفاجأة للجميع وهو ينفجر باكيا حد الانهاك... ليستلق بعدها نائما او مدعيا للنوم.. حتي الان.
لاحظ قاسم نظرات عدي القلقة لقيس فأقترب من الاخير يوقظه...خرج قيس من سريره بتثاقل ليتجه للحمام.
هم عدي باللحاق به ولكن يد قاسم منعته .. قبل يشتت انتباهه عن حالة اخيه طرقات رزينة علي الباب تلاها دخول عمه منصور
اتسعت ابتسامة منصور وهو يتبرك لمرآي عدي فتضجرت وجنتي عدي خجلا وعمه يغمره بقوة وسعادة..
جلس منصور علي طرف سرير قيس في اشارة واضحة ان هناك مايريد قوله
تنحنح سعيد وهو يهم بالخروج ( سأنتظركم مع الضيوف)
منعه منصور بحسم ( انتظر يا ابو ملهم... هناك ما سأقوله لعدي ويهمني ان تكون انت وقاسم شاهدين)
تطلع فيه ثلاثتهم بتوتر قبل ان يبتسم منصور بخبث وهو يتطلع في عدي بمشاغبة
(اردت ياولدي فقط ان اذكرك ... انت وعدت)
تطلع فيه عدي بعدم فهم ليستطرد منصور باصرار ( ان لم تكن خيرا لها... ستتركها لمن هو أحق)
هتف عدي بمنصور وملامحه تتلون بصدمة واستنكار ( عمي هل ستلزمني بذلك الوعد المجحف)
رفع منصور ذراعيه لاعلي في اشاره لعدم تحكمه بالامر ( انت من حكمت بنفسك وانت من وعدت ياولدي..)
ثم اقترب منه يحتضن كتفي عدي بذراعيه قائلا بقوة ( تلك فرصتك الاخيرة يا ابن عبد الحميد..سأحرص بنفسي اذا ضيعتها ان لا تنال فرص اخري.. ) واتبع كلامه وهو يخبط بأصبعه علي جبهة عدي ( امسح الصدأ عن هذا واجعله يعمل... لقد اخترت ندا بالرغم من رقة تلون اجنحتها... الا ان ثقتها بنفسها قد تكون سيفا ناحرا بينكما... سواء كنت انت من سيعري السيف من غمده او هي)
حين رأه يهم بالخروج هتف قاسم بأبيه ( ابي ارجوك اشرح معني ماقلت ولاتزع عدي يخطو في بحر الغام)
فكر منصور لثوان قبل ان يحلل بطريقة دوما ادهشت قاسم وهو يستمع لابيه المفترض كونه أمي ( لا تجرح ثقتها بنفسها فتقتل حبها حزنا... ولا تغذيها فتقتل حبها تجبرا)

حاول عدي استعادة كلمات عمه التي تاهت كقطرة ماء في بحر هائج وهو يراها مقبلة عليه...
ارتدت سهر فستانا عجيبا لا يليق بسواها..الصدر من قماش ذي لمعة خفيفة ضيق بتدرج ألوان مابين السماوي والازرق والبنفسجي حتي الخصر لينتفخ بطبقات لانهائية من التل البنفسجي والسماوي... الاكمام كذلك...شعرها مرفوع لاعلي في قصة معقدة علي شكل لفائف مغروس فيها... فراشات.
كان يتحرك ليلتقط يدها بيده ويتجها للكوشة... ما ان لامست اصابعه اصابعها حتي وقف عن السير وهو يتطلع فيها بدهشة وصدره يعلو ويهبط...
تسائلت عن سبب الوقوف فهمس وهو يقترب لاذنيها ( اهكذا الاحساس حين ألمسك بكامل عقلي؟ ستفقديني عقلي يافراشة للمسة يد...)
كان دورها ان تتطلع فيه بأنفاس متقطعة للهيب انفاسه بجوار اذنها... وهو يستطرد بنزق ( سامحك الله ياعمي... كم رجوته لان نعقد القران.. كنت لن ارضي حينها الا بأن التقطتك في أحضاني وشفتاي..)
قاطعته شهقة منها لتترك يده وتتجه وحدها للكوشة...فأنفجر ضاحكا وامه تخبطه علي كتفه ان يتحرك ورائها..


توتر رقية زاد..زفرات ابراهيم المتتالية انبأتها بحجم غضبه الذي اصبحت تخشاه... بالرغم من كونه محبا اسطوريا الا انه لم يكن من المتسامحين.
صوتها خرج خفيضا حتي لايصل لمسامع امه واخته ( عسولي لا افهم سبب غضبك...)
حدجها بنظرة نارية بعينين شبه مغمضتين ( هل حقا لاترين سببا لغضبي... كل ما في الامر ان زوجتي ترغب في حضور خطبة اختها من وراء النافذة)
كم اراد فعلا لو ان لا احد يراها بهذا الفستان المماثل لزرقة عينيها والذي اعاد له ذكريات لقائهما الاول.... لكن سبب اختبائها يثير حنقه.
اجابت بصوت محرج ( تعرف لقد اخبرتك اني لا احضر تلك الحفلات او التجمعات... لاني.. لاني..)
قال من بين اسنانه المصرومة ( لان بقدمك عرج... وكأن هذا يقلل منك او من جمالك..)
تراقصت الدموع بعينيها وهي تهتف ( هل وجب عليك اهانتي؟)
خبط كفا بكف بقوة افزعتها ( أهينك! اهينك يارقية؟ انا اهينك...اقول لك انت كاملة بل لم ار في حياتي امراة اقرب للكمال منك... بينما كل ما تضعينه انت نصب اعينك هو شيئا هامشيا يجعلك منكمشة... كفأرة)
قال كلمته الاخيرة بسخرية جعلت شفتها السفلية ترتعش منبئة بنوبة بكاء... يعرف انه يقسو عليها لكن يكره احساسها بنقص ليس فيها اصلا.
وقف مبتعدا وهو يعلن لامه ذهابه لجهة الرجال...
غضبه او اشتعاله كما كان يشعر لم يجعله متيقظا لخطة عصابة "هبش"
تجمعت العصابة فوق سطح بيت الحاج منصور.. جلس القائد القرفصاء امامه الاثنين التابعين ..يشرح الخطة المحكمة بتؤدة وتروي.
لم يطلعهم القائد علي المهمة الا بعد ان اديا قسما بالولاء... ليبدأ بالشرح.
العنصر المزعج عليه مهمة الالهاء... بينما العنصر المؤتمن عليه مهمة سحب الاميرة دون ان يلحظ التنين الحارس.
وفي خلال دقائق كان بهاء يقف في منتصف صيوان الرجال فوق طاولة عالية يرقص بعصي ضخمة ببراعة ألهبت حماس الجميع... وما ادي حقا لنوبة جنون رقص كان سحب بهاء للرجال بجرأة.. ابراهيم وسعيد وحتي الحاج منصور الذي قهقه عاليا لجرأة السفاح الصغير والذي لم يتمكن حتي والده من زجره.
حين تأكد معاذ " العنصر المؤتمن " من نجاح بهاء اقترب بخفة ساحبا غفران من جوار ابراهيم الذي كان يرقص بعصي امام بهاء...
وفي دقيقة كانت غفران تقف بفستانها الفوشيا القصير وشعرها الاسود يغطي ظهرها ووجهها الجميل كعادة الصغيرات في الافراح مخفي تحت طبقة من المكياج ...بدت في نظر شهاب.
حقا تلك المرة كدمية بخديها الملطختان بدائرتي حمرة.
اقترب شهاب يكاد يفقد الوعي من الاثارة ومن كونها حقا امامه.... غفران التي لم تفارق خياله ولو لثانية طوال الايام السابقة.
حاول ان يجعل صوته يبدو كبيرا ناضجا وهو يقول ( غفران ... انا.. احبك واريد ان اتزوجك.. فهل تحبيني؟ هل توافقين علي ان تتزوجيني)
لم تغرق في ارتباك وخجل... ولم تلعب العاب الكبار عن التمنع والتدلل فنظرت لشهاب بعينيها الواسعتين وابتسامة واسعة تزين فمها الدقيق وهي تهز رأسها بالموافقة.
عانقت اصابعه اصابعها ولم يجد حرجا في هذا... فهي اصبحت خطيبته.... وجلسا متجاورين علي احدي الصناديق الخشبية... تنحنح ليقول بصوت متضخم ( تفهمين طبعا ان علي قبل ان نتزوج ان اعمل وان اشتري لك مكانا خاصا... كل تلك الامور قد خططت لها ولكن قبل اي شئ اريد منك وعدا دميتي )
هزت رأسها موافقة ليستطرد ( عديني ان لا تحبي بعد الزواج رجلا غيري ابدا... ابدا)
اجابت بمنطقية ( لا يصح ان تحب المتزوجة سوي زوجها..)
كم اسعدته تلك الكلمات والتي سمعها من قبل من شفتي امه.. دلال.
( لكن انا رجل.. ولن اقبل ان تخرجي من البيت بفستان قصير او وجه مزين ثانية اتفقنا)
عادت لهز رأسها موافقة.. فمد شهاب يده مخرجا من جيبه دمية صغيرة سوداء الشعر وقدمها لغفران التي صفقت يدها حماسا لجمال الدمية قبل ان يعلن بخطورة وكبرياء الرجل فيه يتزايد لانه اسعد " أمراته"
( تلك الدمية من الخزف... اذا تكسرت يوما معناه انت لا تحبينني)
اصوات صراخ وهتاف جعلته ينظر من فوق السور ليجد كلا من معاذ وبهاء يؤدون رقصات بهلوانية للفت انتباهه لغياب ابراهيم... ففهم الرسالة.
اقترب منها مسرعا يمسك بكفها الصغير بكلتا يديه( سأختبئ الان لان اخوك يبحث عنك لكني سأراك من جديد..)
تردد لثانية ولكنه يريد ان يثبت لها انها اصبحت دميته..للابد..جذبها اليه ودون مزيدا من التردد قبل ظهر كفها وباطنه قبل ان يجري يختبئ ... في غرفة الغسيل.

وفي ثواني ملء وجود ابراهيم السطح قبل ان بهتف ساحبا اياها دون ان يلحظ تعلقها بدمية صغيرة ( لما تركتيني... لقد افزعتني غفورة)
امتعض شهاب من اسم التدلل السخيف وهو يتسلل من غرفة الغسيل مسرعا للشارع بعد ان رأي نظرات ابراهيم الغريبة لغرفة الغسيل.
دخلت غفران تحمل كنزها الثمين لجانب السيدات تطلب من رقية ان تذهب لابراهيم.
وقف ابراهيم عند بداية الدرج... وجهه غاقا في الظلام فلم تر رقية المتوجسة تعبيرات وجهه.
( ابراهيم... اذا كنت قد ناديتني لنستكمل عراكنا ف...)
قاطعها وهو يشدها يجبرها علي صعود السلم معه... حتي وقفت في لحظة تنهت في غرفة الغسيل.
وقفا متقابلين في حيز الغرفة الضيق... كل في اتجاهه كما المرة السابقة.
( هل تذكرين رقية...) همس بصوت اجش بينما تشعر بأنفاسه تصارعه( هل اصبحت في نظرك رجل حر... شهم.. )
وضعت اصابعها علي شفتيه وهي تعيد رأسها للوراء حتي تتمكن من رؤيته ( انت.. انت رائع)
رفع حاجبه المشقوق مستنكرا ( فقط رائع! يالك من كريمة)
تطلعت فيه بعتب ( خصامك يخيفني ابراهيم.... حين تغضب ليس من السهل مراضاتك)
كان يمرر كفه علي ذراعيها وظهرها بجرأة قبل ان يجذبها لصدره بألحاح وعيناه يعصفان بعاطفة لم تعتاد عليها بعد... لطووول فترة الخطوبة
( عندي الان عشرة سيناريوهات علي الاقل لتراضيني بها)
رفعت حاجبيها بدهشة وانفاسها تتصارع بينما يديه ينهي تجوله علي ظهرها ليصل... لنهايته ويستقر مع قرصة مثيرة.
لم يعد يتحمل افكاره... احلامه التي طالما كان فيها مع فأرته في تلك الغرفة..نزع حجابها بحركة رشيقة وبنفاذ صبر اقتربت شفتاه تتعاملان مع رقبتها بتأن مثير.
ركبتيها ترتعشان...تشعر بنفس الاستجابة في كل قرب له ولكن همست ( هنا يا ابراهيم؟؟)
لم يرد.. كانت اصابعه تتلاعب بسحاب فستانها..لتشعر بهواء ساخن يلفح ظهرها المكشوف قبل ان ينظر لعينينها بنظرة متوسلة اضاعت ما تبقي من تعقلها وصوته يخرج متحشرجا في انفاس ساخنة سريعة ( فأرتي.. حققي لي حلما صاحبني لوقت طويل..اعدك ان ارتشف من العسل قطرة قطرة بهدوء وترو)
#

داويني ببلسم روحكحيث تعيش القصص. اكتشف الآن