الفصل الرابع

6.1K 173 5
                                    


مرت الأيام من بعد زواج فاطمة وسفر العمة كريمة وبناتها بهدوء كئيب مزعج.....والكل في البيت كمن يحلق فوق رؤوسهم الطير.
عدي يتحجج يوميا بالسفر لبلدة مجاورة لتوسيع عمل ورشة النجارة ولا يعود للبيت الا لماما..... علي عكس قيس الذي لم يغادر غرفته منذ عدة ايام رافضا دخول اي من كان له.....حتي ام قاسم حزينة تائهة بشكل غير مسبوق.زفر قاسم بضيق وهو ينزل درجات السلم الداخلي ليجد الصالة الواسعة فارغة من أهل البيت علي غير العادة...... ولكن والده يجلس وحده في غرفة الصالون......شاردا كعادته هو الآخر في تلك الأيام المشئومة.
(حسنا.... لن أضيع الفرصة هذه المرة.... يجب ان آخذ خطوة بأمر غزل)حدث قاسم نفسه مشجعا (غزل المجنونة بدأت تمل)
لم تتوقف غزل طوال الأيام السابقة عن إرسال المراسيل تطالبه بلقاء بعيدا عن اعين الناس لل"حديث".... الا انه دائم التحجج والرفض.لا يراه تصرفا لائقا ان يلقاها بدون صفة رسمية بينهما وكذلك( لقد عرفت ياغزل كيف انك تحركي بي مشاعر متهورة ثائرة اخاف ان افقد سيطرتي عليها في لحظة... فألوث براءتك وطهرك )
لذا عزم قاسم أمره واتجه لوالده الجالس وبين يديه مسبحته يحركها بشرود.
تنحنح قاسم حين لاحظ ان منصور لم يلحظه وأعلن ( ابي اريد التحدث معك في امر ما ضروري وعاجل) توتر نبرته وتعجلها جعل منصور يلملم مسبحته في يد واحدة موليا ابنه كل اهتمامه وهو يسأل (خيرا ياولدي ان شاء الله)
حك قاسم ذقنه بحرج وقد تخضب وجهه بحمرة خجل محببة( ابي انا اريد ان اتزوج)
لم تتغير ملامح منصور وان زادت انتباها وتركيزا وهو يقول بصوت هادئ( جميل ياولدي ولا اري ما يمنع فأنت الان رجلا يعتمد عليه لفتح بيت... وهل ... اخترت عروسا ام ستترك المهمة لامك؟) كان ابوه يسأل كمن يعرف الإجابة مسبقا .... الحاج منصور رجلا فطنا قضي في ورشته في الشارع وقتا طويلا وتعلم ان لا تفوته شاردة .... لذا فقد لاحظ منذ زمن مشاغلة غزل لوحيده....وانتظر ليري رد فعل قاسم الذي اجاب بحماس( لا ابي انا اخترتها.... غزل جارتنا... اذا لم يكن لديك مانع)
انتظر قاسم لدقيقة جملته معلقة في الهواء ويبدو ان أباه يوازن كلماته قبل الرد.
( اسمع يا قاسم..) تحدث منصور اخيرا بصوته الهادئ دون ان يظهر منه اي انفعال( لست غرا ياولدي ....لاحظت ما بينكما من فترة... لكن لم أر داعيا لتدخلي طالما لا تفعل مالايرضي الله ويرضيني.... وانت اليوم قد اتيت تطلب حلالا )
تهللت أسارير قاسم قبل ان يستطرد والده بنظرات بعيدة ( لقد عاهدت نفسي امام الله منذ سنوات.... حين اجبرني والدي علي الزواج من أمك ان لا افرض علي اي من أولادي زيجة لا يقبلها ولا ارفض له زيجة يتمناها)
هم قاسم بالسؤال عن كنه العلاقة بين ابيه وأمه والتي كان يحسبها دوما قصة حب وعشق الا ان نظرة ابيه قطعت كل طريق وهو يقول بلهجة صارمة ( والدتك لن تتقبل الامر بسهولة لذا كن لينا معها ولا تبدأ حياتك بعقوق)


من قال ان البكاء يريح النفس هو احمق لم يقابل منتهي ..... تبكي لاياما طوال دون انقطاع ولم تشعر بذرة سكينة تغمرها..... بل سكين....سكين يغرز عميقا بقلبها كما غرز وهي تري قاسم يقف مع غزل وعينيه تأكلان جسدها الرخيص.
سمعت والديها يتحدثان همسا مع خالتها ام قاسم التي تهمس خانقة ( يجب ان نعرضها علي طبيب يا عبد الحميد.... حالة منتهي غير طبيعية ابدا... لا تأكل ولا تشرب وبكاء مستمر.... ماذا تنتظر؟)
اجاب ابيها بنبرته الهادئة ( يا ام قاسم ماذا اقول للطبيب.... ابنتي تبكي وتنام ... سيطردني)
قاطع جدالهم طرقات علي الباب ميزتها منتهي فورا فزاد انكماشها في السرير
( السلام عليكم ورحمة الله .... ادخل يا قاسم)
لم تحتج منتهي للالتفات للتأكد بأن قاسم اصبح بغرفتها.... لقد توتر جسدها وزاد الدمع فتيقنت.
سمعته يسأل بلهجة قلقة عما بها.... ارادت ان تصرخ ( ما بي.... هل تسأل ما بي.... انت بي... انت مرضي)
أجابت أمها بين نحيبها علي وحيدتها ( لا اعلم يا ولدي ما اصابها منذ فرح فاطمة وتبدل حالها)
رد قاسم مستعلما ( وهل حضرت اصلا فرح فاطمة.... لم ارها)
لم تعد تتحمل.... ارادت منتهي الصراخ كفي.... كفي ذبحا يا معذبي.... لتلك الدرجة انا غير مرئيّة في نظرك!
اهتز سريرها بفعل شهقاتها المكتومة فاقترب قاسم هامسا بحنو بالغ بجوار أذنها ( يا غزل البنات.... هيا كوني بخير... قريبا ستسمعين خبرا يسعدك وستجبريني علي شراء فستانا ورديا منتفخا جديدا)
فهمت ما يقول وتوقف النحيب فجأة وجفت الدموع..... لقد خرجت روحها ولم يعد للبكاء نفعا.
خرج اربعتهم تاركين منتهي تلملم شتات حبا اضناها. 

داويني ببلسم روحكحيث تعيش القصص. اكتشف الآن