الفصل الثاني والعشرون

6.7K 177 2
                                    



امرأة من الورق، لكنه أيُّ ورقْ؟
النارُ والريحُ معاً أحرقتاه ما احترقْ
شفافة، بسامة، صافية، مثلَ الشفق
زنبقة، نورسة، أغنية شفي القلق
مكياجها متواضعُ، جمالها مترفعُ
معها الحوار ممتعُ
رزق من اللهِ هي سبحان ربي إن رزقْ
عاشقة ذكيةٌ، صبورة نقيةٌ
فأنت محظوظ بها، إن كنتَ في أعينها
من أين يدخلُ الأرقْ؟



وقف علاءيراقب توبة علي الرصيف المقابل من المنزل تحاول إقناع سليمان الدخول للمنزل وحين لم يستجب دخلت البيت وعادت بطبق به بعض الشطائر كانت تفرضه علي الصغير فرضا بقسوة 'حنونة' وهي مقطبة الجبين كطفلة ينقصها ذيلي حصان علي جانبي رأسها..ذكرته بتعبيراتها تلك بالسيدة زوجة عم قيس..السيدة ام قاسم التي ما ان عرفت انه وحيد في سفر ابويه حتي كانت تمطره في كل زيارة بالطعام المنزلي الشهي ولا تقبل ابدا بالرفض..
قطب جبينه وشعور بالذنب يؤلم معدته كلكمة ( قيس ..كيف سأعوضك يوما عن خذلاني المستمر لك..)
رفع عينيه للسماء متضرعا ( ربي ...اجعل اخته الصغيرة تنسي تحامقي معها...ربي اغفرلي خيانة ثقة تلك العائلة)
(يا سيد علاء..هل تبحث عن شئ معين في السماء بإمكاني مساعدتك) كانت توبة تصيح به بغيظ وقد اقتربت دون ان يلحظ.. فأفزعه صراخها في لحظة تأمله ولكنها لم تهتم وهي تستطرد
( اذهب اليه فورا واطلب منه تناول شطائره...والا سأصاب بالجنون)
كان علاء يتطلع في ثورتها الشهية بتسلية وهو يسحب احدي سجائره ليشعلها ولكنها سحبتها قبل ان تصل اليها قداحته وهي تصر علي اسنانها ( ستصيبني بذبحة توقف عن التدخييين)
رفع كتفيه بإستسلام ( لكني بالخارج..أليست تلك تعليماتك سيدة توبجي)
اجابت بتلقائية نادرة معه ( لا علاقة للامر بالخارج والداخل...انا اخاف عليك)
توردت وجنتيها قبل ان تهرب مبتعدة..وكأنها اشعلت حواسه للتو بقصيدة غزل صريح..لا عبارة مكتوبة علي علب السجائر.
ولكن قلبه سعد..رفرف في صدره كطير ..ككل مرة تلقي كلمتين يدلا علي اهتمامها المتزايد به.
او حين يتجرأ هو ويلمسها بالصدفة فتحتقن وجنتيها وتزوغ عينيها...والغريب انه لا يقتنص الفرص ..ولا يتعدي خطوطا وضعها لنفسه..يتمني ان تكون هي من يمحي تلك الخطوط يوما..وينتظر وسينتظر حتي تلك اللحطة.
ظهور ساعي البريد عند اول الشارع ومناداته بأسم سليمان بصوت جهوري مغتبط
جعل علاء يركض لهناك تلحقه توبة والسيدة ناهد والاطفال.
ناوله سليمان لمظروف بيد مرتعشة ...كان الوضع متوترا كصفيح ساخن ولكن هزة رأس من السيدة ناهد مع تمتمة تسبيحية جعلته يتشجع ويفض المظروف ..
حملقت العيون الملتفة حول علاء به وهو يقرأ بهدوء قبل ان يصرخ وهو يحمل سليمان يلف به (لقد قبلت في مدرسة المتفوقين يا رجل لقد قبلت)
عانقه سليمان وهو يدفن رأسه في كتف علاء بقوة قبل ان تنتزعه السيدة ناهد من علاء الذي التف لتوبة الهاتفة بحماسة ودموع الفرح تجري علي خديها وعانقها بحرارة رافعا اياه حتي اصبحت قدميها حرفيا لا تلمس الارض..كاا كلاهما يضحك للاخر بجنون.قبل ان يتلاشي الجنون وتبقي حرارة الشغف.
كانت شفتا علاء تلمس ذقن توبة بخفة وانفاسه الحارة تلهب وجنتيها تجعلها تذوب فدفعته بضعف في صدره ليحررها..ففعل.
هرعت توبة تختبئ في مطبخها العتيد متحججة بالتحضير لغداء والحلوي للمناسبة السعيدة وهي ترتعد
(ياألهي تمالكي نفسك يا فتاة ترتعشين كورقة..)مدت توبة كفها امامها لتشهد ارتجافتها الولهانة..لتستطرد وهي تضم يدها لصدرها وابتسامة ترتسم علي شفتيها ( لكنه بهذا القرب الشديد شديد الوسامة حار الانفاس..انفاسه الحارة تسللت بعنف لعظامي المسكينة فيصيبها بالرجفة)
بعد وقت ليس بقصير خرجت من المطبخ مجهدة وهي محملة بألذ الاطعمة...لم يكن علي طاولة الطعام فسارعت امها بلهجة مؤنبة ( زوجك ذهب لبيت اهله ..سيقضي ليلته هناك يا فالحة)
مر المساء بصعوبة بالغة وهي تصارع شوقها علي ان لا تهاتفه بينما نظرات امها اللائمة تكويها...حتي صعدت لغرفتها لتكمل سهرتها وحيدة وكتقريع امها لازال عالقا بروحها
(سيعود يوما وفي يده اخري...وله كل الحق.لقد زاد دلالك عن الحد توبة واصبح ماسخا بلا طعم...الا تفكري حتي في حدود الله)
لم تنم ليلتها تناجي طيفه (ما ذنبي ان كنت مرعوبة..دوما تحججت بأن اطفالي لا تتأقلم جيدا مع الفراق..والحقيقة انه انا من لا تفعل...كيف لا اخاف الفراق ولازلت اسمع في صوتك رنة الحنين لوطنك)
نزلت توبة من الفجر للاعمال المنزلية علها تشغل بالها عما يثير جنةنها بين شد وجذب...ولكن علاء قرر ان لا يهدئ من روعها بإتصال حتي الا قبيل الظهر وياليته لم يفعل.
ردت امها لتحيه بحبور ثم تصتنت لكل كلمة منه بتركيز عميق قبل ان تغلق الهاتف بوعد بجعل الامور في احسن حال.
لم تفهم توبة خائبة الظن لانه لم يطلب محادثتها حتي فحوي مكالمته مع امها فتطلعت فيها بنفاذ صبر
( لقد اخبرني علاءانه قضي الفترة الصباحية في مدرسة المتفوقين يتأكد من الاوراق المطلوبة ..وقد حالفه الحظ كما قال والتقي مديرة المدرسة وستأتي لزيارتنا بعد العصر)
كادت توبة ان تهلل حماسة الا ان كلمات امها الاخيرة اصابتها بنيران لا تعرف سببها ( يقول ان الانسة دوبوا مديرة المدرسة سيدة من اروع ما قابل في حياته...حتي انه يتمني ان لا تنتهي ساعات لقاؤهما)
ضحكت توبة بإستخفاف متوتر ( هاهاها اعرف ألاعيبك امي...بالتأكيد لم يقل اي من هذا..انت فقط تحاولين اثارة غيرتي)
لم ترد امها بل رفعت كتفيها باستخفاف وهي تبدأ في ترتيب البيت... فهتفت توبة بسخط ( بالتأكيد لن تثير اهتمامه فتاة فرنسية ترتدي الاحمر الصارخ ولا تنتطق الراء..) ثم استطردت بتشف وصوت خفيض ( ولا تحلق شعر ساقيها)
ابتسمت امها بسخرية ( حقا! وانت تفعلين? من كان بيته من زجاج لا يقذف الناس بالحجارة)
ضيقت توبة عينيها لامها في غيظ ولولا خوفها من صفعة علي مؤخرة الرأس لأشارت لها "انت ميتة.".
وصعدت لغرفتها تدب في الارض كفرس جامح.
( حسنا ياعلاء..سنري مدي انبهارك بالفرنسية)

داويني ببلسم روحكحيث تعيش القصص. اكتشف الآن