وقف يراقب المباراة امامه بكافة حواسه... لم يعد موقن هل بقي هنا اسابيع.. اشهر ام سنين. كل مايعرفه انه هنا رأي عالم جديد... لم يتعلم فقط عن الانسانية بل تعلم عن الاخلاص.. عن الخير .. عن العدالة وكله من نفس النبراس.. من بين شفتيها.
اعتادت ان تعقد كل يوم مجلس يستمر لساعة تسقي فيه اولادها المبادئ التي لن يتعلموها في الكتب... في البداية كان يقف عند مدخل الغرفة في استحياء.. بعدها اصلح اول الحاضرين.. ليصبح التلميذ الاكثر اجتهادا . لايتركها الا بعد ساعات من المجادلة والنقاش الذي ينتهي به اكثر...انسانية.
(صدقني علاء كل انسان يشب وله غاية وهدف... هذا الهدف يلغي او يهمش اي غايات اخري في نظره)
كانت تبرر لاهله اهماله... ومازالت حتي اقتنع.
السيد توبجي خاصته كانت اختراع.
( تبدو مهتما جدا بالمباراة..) قاطع استرساله في افكاره بينما عيناه تراقب باستمتاع مباراة شطرنج بين توبة وسليمان صوت السيد ناصر... فطأطا علاء بحرج لطول تحديقه في توبة.
( كنت اريد سؤالك متي تنوي العودة لبلادك؟)
اجاب علاء بابتسامة مطمئنة للسيد ناصر.. ذلك الرجل الهادئ جدا الذي وبالرغم من مرضه هو شعلة من التفاؤل والطمأنينة ( لا اعتقد ان العودة تخطر ببالي حاليا..لا أحد عندي هناك لأعود له)
قالها بارتياح... ارتياح انتابه منذ اعترف لنفسه ان تعلقه بمنتهي كان تعلق بصورة اكثر منه تعلق بشخص... تعلق بتلك الهالة من البراءة التي افتقدها لسنوات.سأل السيد ناصر بغموض ( وهل لديك هنا مايكفي لتعيش عليه؟)
اكد حينها علاء بقوة( طبعا... والداي وانتم والاولاد هنا الايكفي كل هذا بعد ان كنت منبوذا لا يملك سوي قيس الاجرب... بالمناسبة لقد طلبت من قيس ترتيب اموره وعرض الفكرة علي اهله عله يأتي ليعيش معي هنا)
شعر علاء وكأنه تحت عدسة مكبرة والسيد ناصر يدرس مافة اختلاجاته بتركيز اعتاده منه قبل ان يقول بهدوئه المعتاد ( جيد... فأنت اصلح ما يكون لتصبح مصدا )
لم يفهم ماقاله لكنه لم يدع له الفرصة للسؤال وهو ينادي توبة لتدهب مع علاء لشراء بقالة الاسبوع.
ركبت بجواره السيارة تثرثر عن احدي معلمات سليمان التي يجب نفيها من البلاد لانها تتجرأ وترتدي ملابس ثمينة في مدرسة للفقراء... تتحدث عن اصول الاشتراكية بينما هو لا يفقه شيئا وهو يلاحظ عينيها لاول مرة بسبب هذا الحجاب الذي اهداه اياها سليمان...حجاب اصفر بخطوط خضراء... اظهرت لدهشته خضار عينيها التي ظن دوما انها عسلية... لكنها خضراء بخطوط بنية... تجعله يلهث دون ان يعي خلف رائحة الاشجار والندي...
( هاي ياهذا.... اين عقلك يارجل؟)
كانت تلك هتافاتها مع حركة يدها المستمرة للفت انتباهه الضائع.
كانا قد وصلا للبقالية فخرجت قبل ان يصف السيارة كعادتها....
كانت تتحدث كعادتها بصوتها العالي المزعج دون ادني اعتبار للنظرات التي تلفتها اليها... بالرغم من ان هذا دوما يزعج علاء... لكنه لا يقارن بالغيظ الذي يعتمل في قلبه الان بسبب النظرات التي بالطبع ستلتف لعينيها الساحرتين.
تنفس بصعوبة وهو يمسك بأحدي علب الترنة يقرأ ماعليها وكأنه سر الكون... فلم يلحظ احدي الفتيات اليافعات جدا تراقبه بابتسامة بلهاءلكن توبة لاحظت.
خبطته في كتفه بغلظتها المعتادة وهي تبتسم وتحرك رأسها في اتجاه الفتاة بطريقة موحية... فألتفت لحيث تشير ثم عاد ينظر امامه يستكمل طريقه دون تعليق.
( هاااي يارجل... هل رأيت الفتاة الصغيرة تنظر لك بوله) كانت تهتف بحماس اغاظه...
ولكنه لم يرد واستكمل الطريق بعد ان دفع الحساب..
( ما الامر يا رجل الفتاة لازالت تنظر لك من زجاج المحل...)
لم تلحظ انه علي وشك الانفجار وهي تخوض اكثر في مزاحها بمرح زائد عن اللزوم ( اري انها صغيرة تناسب عمرك يا ..لولو)
توسعت عيناه في صدمة بينما صدره يرتفع وينخفض بسرعة وهو يهمس بفحيح اخافها ( يا ماذا..؟)
قبل ان ترد صرخ بعنف حول خوفها رعبا ( اركبي)
كان يسير بسرعة شديدة حتي ان توبة تمسكت بكل قوتها حتي لاتلتصق بالزجاج الامامي كذبابة وهو يهمس من بين اسنانه ( فقط تجرئي ونادني لولو مرة اخري)
اوقف السيارة امام باب البيت ثم افرغ البقالة امام الباب وعاد للسيارة حتي يعود لبيته كما يفعل يوميا... اما توبة فكانت تراقبه بدهشة وهي تراه بهذا الغضب لاول مرة منذ عرفته.
ركب السيارة وقبل ان ينطلق لم تعد تتمالك نفسها فقالت ملوحة ( وداعا يا لولو)
تجمدت لثانية وهي تراه يوقف المحرك ويترجل من السيارة ليصل لها ووجهه محمرا بشكل مخيف... فجرت وهي تصرخ مذعورة وهي تجري علي سلم البيت الداخلي غير آلهة بأبويها المراقبان لها ولعلاء الذي تبعها جريا علي السلم ولكنه لم يلحقها حيث تنبه في منتصف الدجارت للاعلي انه يقتحم البيت حرفيا.
فنزل ليقف امام والديها المبتسمان صائحا بخفوت ثائر ( تلك التوبجي مزعجة اقسم بالله كفأر تحت سرير جدتي)
خرج من البيت يزفر بغضب حتي وصل للسيارة فشعر بأنه مراقب ...رفع عينيه لنافذتها ليراها تقف فيها تخرج اكثر من نصفها للخارج وهي تهتف ( لوووولووو)
كان الشارع خاليا ولكن شيئا لمع كالالماس في عتمته ...انها ابتسامتها التي جعلته لا شعوريا يستند علي السارة المركونة يراقبها بأعصاب متهالكة
أنت تقرأ
داويني ببلسم روحك
Roman d'amourالجزء الاول من سلسلة بيت الحكايا ************************** (اريد العودة لبيتي) يرددها قلب رقية بدون ادني صوت لان عقلها متيقن ان لا فائدة كن هذا الرجاء. ليس الان وهي قد أصبحت في دولة اخري تبعد عن بلدها خمس ساعات بالطائرة. ليس الان وهي في سيارة رجل...