الفصل الثامن

6.4K 163 5
                                    



"انا مش بعيد ياحبيبتي عنك
اللي بينا خطوتين
ورغم شوقي وقربي منك
صعب تيجي العين بالعين
يمكن قدامي ومش طايلك
بس انا ف القلب اكيد شايلك
مهما اتعب وطريقي هايتعب
انا جايلك"

وقف امام باب شقتهم المتهالك.... اسند رأسه الثقيل علي الباب يسمع صوت قرآن الفجر من مذياع امه القديم.كم مر عليه وهو يجوب الشوارع بعد ان تسلل خارجا من غرفة الغسيل ببيت رقية.
( رقية!!! وهل يحق لك نطق اسمها بهذه السهولة ياعديم الشرف كما لقبتك)
دوار شديد وجبين بارد يتصفد عرقا... وقلب مجروح. ليست الرومانسية بطبعه ابدا.... حتي في المراهقة انتقل من الطفولة لحب الجسد... لم يمر بمشاعر وعواطف وحب ابنة الجيران....ولذا متفاجئ ابراهيم من شعوره العميق بالجرح لاهانتها له والجرح الأكبر كان في مواساتها له حين شعرت بجرحه...... لقد اهدرت كرامته وعزة نفسه امام تلك الفأرة.
فتح الباب فجأة ليقف امام ابراهيم رجلا بطوله تقريبا وان انحنت الكتفين قهرا علي ابن ضال.
مسحة الاشتياق علي وجه ابيه المتغضن يكسوه الشحوب تلاشت لتدعي الجمود وهو يقول بصوت ثابت تسللت فيه رعشة ( لماذا عدت يا ولد .... لقد طردتك وأقسمت ان لا تدخل بيتي ثانية)
اذا كان هو ابراهيم ماقبل الفأرة لتجبر وحرك يده بحركة مستهترة في وجه ابيه ... حتي وان كان قلبه موجوع.
اما اليوم وبعد ان وضعته الفأرة امام نفسه فما فعله هو ان ركع علي ركبتيه امام والده ثم قال بصوت تخنقه العبرات الغير معلنة ( ابي.... اريد العودة لك... لا أبالي بالبيت اذا رفضت ان ادخله ثانية... أريدك ان تربيني من جديد واعد لي رجولتي التي وضعتها بي لاضيعها انا بالازقة)
ولأول مرة منذ شب عاد لعادته الحبيبة منذ الطفولة... التقط يد ابيه الضخمة ليقبلها... فشدها ابوه وهو يشده ليقف علي قدميه وهو يهتف مدعيا القوة وصوته المتحشرج يفضحه ( قف ياولد كرجل... ابن الحاج حسن لا ينزل علي ركبتيه الا لخالقه.. تعال ياولد تعال نصلي الفجر ونفكر في صيام كفارة القسم)
لم يتخيل يومها ان والده سيسامحه بتلك السهولة بعد كل ما ارتكبه من خطايا.
لقد كان مثالا للشاب العاق الفاشل... فشل في الدراسة ولم ينهي دراسته الجامعية... تعرف علي شلة السوء.... وزاد في غيه...سامحه والده كثيرا... حتي عاد يوما وعقله غائب بسبب تدخين الحشيش .. يومها طرده والده ولم يشعر ابراهيم بالندم.
استأجر شقة بعيدة عن الحي لتصبح معقلا لشلة السوء. لم يمتنع عن فعل او شرب اي نوع من انواع الممنوعات ولكنه لم يقرب يوما الزنا.... ظلت كلمة والده ( كما تدين تدان ) رادعه... لن يعرض دميته غفران لرد الدين.

جلس بين يدي والده بعد صلاة الفجر يفضي بكل مافي قلبه ... يعترف بذنوبه حتي وان ألمت ابيه... يريد التطهر... يريد لعينيه ان تلمع كعيني رقية الصافية
( رقية...وهل اثر بك كلامها لهذه الدرجة) سأل ابوه وشبح ابتسامة علي شفتيه والعجب يملأه ... لا يصدق انه يشهد تلك المعجزة... لقد ارتبك ابراهيم لذكر اسمها.
نفي ابراهيم ( ليست وحدها حين نظرت من فوق السطح وكنت انت تجلس بين الرجال ورأسك مرفوعا... حمدت الله اني لم أكن السبب في ان تخفضه)

وكأن الله رتب كل ماحدث حتي لا يعيش طوال عمره محملا بالاثم .... لم يمر اكثر من شهر ومرض أباه مرضا شديدا ليوصيه علي فراش الموت وصيتين ( ابتعد ياولدي حتي تصبح قويا علي ان تواجه شلة السوء دون ان تضعف..... وتزوجها ... وصيتي ان تتزوج رقية فقط حين تشعر انك تستحقها)

" انا مش سيبك ده انا علشانك
بتغرب واتحدي الدنيا
خليكي ياحبيبتي مكانك
جاي اخدك للدنيا التانية"


رمي الفرشة في دلو الدهان وجلس القرفصاء مرهقا ( لقد جهزت لك عشك بنفسي يافأرتي فلا تغيبي....سافرت وتركت بيتي وامي وأختي حتي اصبح هذا الرجل الذي يليق بك.... اياكي والرفض.... حينها ستضطريني لان اصبح شريرا وانتي لا تُحبين الاشرار يا ذات البحر العاصف في عينين)
مسح يده الملطخة ثم اخرج من جيبه قطعة زرقاء مطرزة وضعها امام عينيه يحدثها قبل ان يعيدها بحرص لجيبه ( يالك من محظوظة يا انت .... كنت يوما جزءا من فستان اكثر حظا عانق جسد فأرتي) ولكنه متأكد ان خطته ستسير بنجاح

داويني ببلسم روحكحيث تعيش القصص. اكتشف الآن