الجزء الثاني من الفصل الحادي عشر

5.6K 150 7
                                    



ما ان دخلت سهر باب كليتها حتي اتجهت للجزء المنزوي حيث تحب الجلوس حتي بداية محاضراتها.... رأت صديقها الابدي يجلس في انتظارها ... فابتسمت تلك الابتسامة الحزينة التي لاتزال تصاحب شفتيها مذ الليلة ان..
( ليلة ان ذبحني عدي... لولا كشف عدي ان ماردي بلا قلب... انه اختلس بالقوة احلي امنياتي وحولها لاسوء الكوابيس)
هتف قيس مصطنعا مزاح لم يعد له مكان في روحه الكسيرة ولا في وجه صديقته ( اهلا بالدجاجة عسلية الشعر)
قالت بوهن.... وهن حل محل وهج روحها ( لا تناديني دجاجة)
اقترب قيس وهتف بصرامة ( نعم دجاجة..... دجاجة تختبئ ولا تحضر لبيت العائلة خوفا من...عدي)
رؤية الالم المرتسم علي وجهها حين نطق اسم اخيه هاله فزفر وقال بحنان ( سهر لا اقصد ان اتدخل في شئ لا اعرف ابعاده فلا انت ولا هو افصحتي عما حدث ... لكن اري ان اختبائك ليس بحل...اري وجعه الواضح حتي وان اجاد الكتمان ... من حقه...)
كلمة من حقه نزعت فتيل بداخلها فهمست بوجع وعينيها لا تخفي ( حق اي حق؟ هل تعرف ما فعل لتتغني الان بحقوقه...)
( لا يعرف وليس من حقه هو او غيره ان يعرف شيئا عنك وعني)
اغمضت عينيها بقوة تحاول استيعاب ان صوت عدي آت فعلا من خلفها... ان تلك الرائحة رائحته... وان تلك اللهجة القاسية لم تتغير.
اصبح الان يقف بينها وبين قيس الذي قال مبررا ( انتي تقاطعين منزل العائلة وفاطمة وضعت طفلها صباح اليوم... حينها رأيت انكما يجب ات تتصالحا)
فتحت عينيها لتواجه قيس بعتب ولكن نظراتها ذابت وهي تفاجئ بعدي وقد اصبح بينهما..... كان كما هما...ماردا لايمت للواقع بصلة..تري نفسها امامه صغيرة ضئيلة كفراشة تحط علي انف دب ضخم.
هزت رأسها بقوة ترمي مشاعر الحنين التي تشبثت في قلبها...ترفضها....فهمس بتأكيد مثير
(لا تحتاجين كل هذا الرفض...فقط تطلعي لي بثبات ف عيني وقولي اذهب)
حاولت سهر بصدق ان تحرك شفتيها المنطبقتين... ان تأمر عينيها المأسورة ببريق عينيه الوحشي ان تنطق دون فائدة...لوي عدي شفتيه في شبه ابتسامة ( لن تقوي علي نطقها... كما لم اقو علي الابتعاد...)
دموع شوق للمارد تلك التي زينت خديها او دموع الجرح الذي لم يندمل لم تعرف سهر سوي عدي يتطلع حوله بنزق ويهدر بغضب ( لاتبكي فتتوهج وجنتيك وتصبح شفتيك كوردة حمراء متفتحة...لو نظر لك احدهم سأقتله)
دهشتها مما يقول جعلتها تحملق في هذا المجنون الذي يغار عليها حتي في البكاء فهمست بيأس ( لم تتغير عدي)
عقد يديه امام صدره يحاول ان لا يدع قلبه يقفز منه ليكفكف دموعها الراقية وقال بصرامة ( لم اتغير سهر ولن اتغير.... لن اداهنك واقول ان ماحدث جعلني اقل غيرة... بل زادت نارها في كياني)
تطلعت سهر فيه بدهشة مستنكرة فاستطرد ( اذا كامت غيرتي لفترة عليك سببها شكوكا حمقاء... فاليوم وانا متيقن انك بريئة نقية كطفلة يجعلني اكثر غيرة واكثر خوفا)
هتفت سهر بغيظ ( ماذا فعلت يستجلب كل تلك الغيرة... ماذا رأيت في سلوكي..)
لم يدعها تكمل وهو يقول بصرامة ( اذا فعلت شيئا يستجلب غيرتي او كان في سلوكك مايدعو للشك ... صدقيني يا سهر لكنت الان بين في سرادق عزائك او خلف قضبان السجن بعد ان قتلتك)
ابتسمت رغما عنها وهي تتصور تلك الصورة التي يرسمها ( يالك من رومانسي يا ابن خالي)
نظر في عينيها بعشق سمح له للحظات التسلل ( رومانسي! ما معني رومانسي؟انا سهراني... من وطن اسمه سهر ومذهب اسمه سهر وعائلة اسمها سهر... وحبيبة لا سواها اسمها...)
واشار لها باصبعه لتكمل فهمست ( سهر)
فأومأ رأسه بهدوء ( والليلة حين تحضرين مع امك وابوك... سيعود كل ملك لمالكه وكل منفي لوطنه... اتقبلين عودتي يافراشتي)
تلاشت... ببساطة تلاشت كل دفاعاتها وكل مخاوفها امام كلماته التي لايمكن التشكك في صدقها وهزت رأسها مؤمنة...

( لا اصدق... انت وسهر!!) هتف قيس بحبور بينما عدي لازال يراقب الباب حيث اختفت سهر بحبور
(انت وسهر... اخي وعز صديقاتي... الحظ يبتسم لي)
التفت عدي حتي يرد عليه فوجد رجل يقترب... كان شابا ثلاثينيا يرتدي بذلة انيقة ويبدو عليه الرقي حتي لهجته كانت مهذبة وهو يحي قيس الذي رد التحية بتوتر لم يفهم عدي سببه في البداية
( اتمني يا قيس ان تكون قد تفضلت بتحديد موعد مع عائلتك كما طلبت؟)
توتر عدي لتوتر قيس الواضح وسأل مستفسرا ظنا منه ان قيس في مشكلة ( انا اخوه الكبير يا سيد ... هل من مشكلة؟)
تهللت اسارير الرجل وهو يمد يده مصافحا عدي ( لا مشكلة ان شاء الله... اسمي ياسين... انا استاذ سهر لمادة الادب المقارن وكنت قد طلبت منها ومت قيس تحديد موعد مع العائلة لاني اتمني ان اطلب يدها رسميا)


ارتدت سهر احلي فساتينها.. ذلك السماوي ذي الفراشات متعددة الالوان بعد ان خلعت الاخر الرمادي اللون ذي القصة الكئيبة...لا لن تكون سهر الفخورة بنفسخا اذا رضت لنفسها ان تكون دجاجة كما يناديها قيس.
عادت تتذكر ماحدث قبل ساعات... حين عادت للبيت لا تكاد تلمس الارض من السعادة لتصالحها مع عدي ويقينها انه سيتقدم لخطبتها هذا المساء حين تذهب مع ابويها ومعاذ للمباركة لفاطمة علي الوضع.
كانت ترتدي ثوبها السماوي ... حين دخلت والدتها تبلغها ان هناك اتصالا من قيس.
حكي لها قيس باختصار ماحدث... اخبرها ان عدي في اشد لحظات جنونه حقا... ثائرا غاضبا وينوي كارثة.
ارتعدت خوفا ولازالت كلمات قيس تتردد في اذنها ( لاتكوني دجاجة اليوم ياسهر.... كوني علي قدر الموقف)
حين وصلت مع عائلتها لمنزل العائلة لم تر عدي ولكن رسالة وصلتها من تحت باب غرفة استراحتها ( غيري هذا الفستان... فورا)
نظرت سهر باصرار لانعكاسها في المرأة وهي تري فراشتها الحبيبة تسد من ازرها.... فاتجهت للباب بثقة نفس تصل حد الغرور.
لم تكد تخرج من الباب حتي رأته بقامته الماردية يقف في نهاية الردهة ويمد يده في جيبه يخرج مقصا.... اسرعت سهر تدخل العرفة ثانية واغلقت الباب قبل ان يصل اليها.
( افتحي ياسهر.... غيري هذا الفستان والا اقسم بربي سأتحامق... ولن تكون كأي حماقة... سأكون هذه المرة مؤذيا)
ارتعدت سهر لفحيح كلماته... وخارت قواها.
لاتدري كم من الوقت مر عليها وهي جالسة خلف الباب حتي سمعت منتهي تنادي بحماس ( سهر افتحي ياسهر... عدي يجلس مع عمي منصور وابي وابيك ...)
لم تدعها سهر تكمل ماتقول اندفعت كالمجنونة لحيث يجلس الرجال ودون ان تطرق الباب... اقتحمت الغرفة بهستيريا.
(لا يا خالي منصور ... لا اوافق ان اكون لعدي)
لم تهتم سهر وهي تهتف بصوت مبحوح ان سعيد زوج فاطمة وقريبه الذي تزوج دلال وقاسم وقيس متواجدين ايضا ... ولم تهتم للصدمة المرسومة علي وجه عدي وهي ترتمي في حضن عمها منصور وهو يهدئ من روعها
( حبيبتي لا تنزعجي.... لن تتزوجي عدي)
رفعت رأسها من فوق صدره وهي تقول بتصميم ونظرات عينيها مخيفة في اصرار ( عدني ياعمي.... اعطني كلمتك)
اعاد منصور رأسها لصدره وهو يهدهد شعرها ( اعدك حبيبتي فقط اهدئي)
خرج صوت عدي اشبه بصوت وحش كاسر جرح جرحا عميقا.... صوت ممزوج فيه الغضب الاسود والجرح الدامي..( سأقتلها ان لم تكن لي....)
ثقلت فجأة سهر بين يدي منصور وفجري قيس يحملها قبل ان تهوي علي الارض.

داويني ببلسم روحكحيث تعيش القصص. اكتشف الآن