عاد قيس لغرفته في وقت متأخر بعد ان اصرت * شلة الفاتنات* بقيادة رحيق علي عدم تركه وحيدا بعد نوبة الالام التي اجتاحته.....بدأت رحيق في إعداد كمية رهيبة من الفشار حتي بدا وكأنها طهت حقل ذرة كامل.....بينما تحكي جميلة بصخب عن هوسها المزمن والذي لايليق ابدا بفتاة في رقتها * كرة القدم*....انطلاقها في الحديث جعل حالة من السعادة تعم غرفة الجلوس....خاصة انها تقريبا اول مرة تتحدث بتلك الاريحية منذ طلاقها وربما من قبل تلك الفترة.... افترشت رحيق الارض بأريحية بجسدها الممتلئ وهي تحتضن صحن ضخم من الفشار وتأكل منه بسعادة....قبل ان تزفر بحنق ( ي الله.... هذا الفشار اللذيذ لا يكتمل الا ب.....) لم تنهي جملتها حين دخل هلال بجسده المائل للنحافة هاتفا وعيناه علي من افترشت الارض يحمل في يده كيسا كبيرا مرره لرحيق التي فتحته بلهفة هاتفة ( اوه بيبيسي....لقد شممت رائحة الفشار..ها؟تشكر يازمل) هز هلال رأسه بيأس معلنا ( انت ميؤوس منك حيكا) وخرج منزعجا دون ان يفقه لانزعاجه وسببه الا قيس وجميلة اللذين انفجا ضاحكين.... ما ان خطا قيس باب غرفته حتي هاجمته ألالامه ثانية....ولكن الالم الاكبركان نبذها له....لقد هاتفها خلسة عدة مرات وارسل لها عدد لاحصر له من الرسائل قبل ان يصعد الان ليجد الباب بين الغرفتين مغلق بتصريح واضح * ابتعد* وقف امام الباب ويديه تهدهدان مقبضه الذي بالتأكيد نال يوما لمسة عذرائه.... ( آه ياعذرائي....آه يا بتول....اشعر بك كرمل يتسرب من بين يداي دون ان يترك اثر....اشعر بك كسراب كلما اقترب يبتعد في مطاردة لن تنتهي) نزع يده من علي المقبض واجبر قدميه علي الالتفاف ليواجه نفسه في صورة اصرت هي علي تعليقها في الغرفة حتي تتطلع قيس ربما هذا افضل يارجل....فبهذا تحظي بتول حياة صحية بعيدة عن عقدك وبزوج صحيح يحمل من ذكورته اكثر من لقب) هاله ماقال وهالته الصور التي تتابعت امام عينيه تحكي في وقاحة ما قد يفعله ذاك الزوج وذكورته في بتول....في زوجته هو...حبيبته التي يأبي ان ينجس برائتها بوحل رجولة وأدها منذ زمن... صرخ بنفسه ( مبارك ياقيس ...تبحث لامرأتك عن رجل........مبارك خسرانك لاخر ذرة من رجولتك ما حملته و من نخوة وحمية واهلا بك رسميا كحرمة) في استكمال لسلسلة من تضاد هو ملكها بلا منازع أشفق الالم علي قيس المسكين وقرر انهاء معاناته .....فصرح الالم بيأس في حشايا قيس ان تقطعي .... وفي غضون ثوان كانت بتول تتنتفض من نومها مفزوعة علي صرخة قيس.....جرت كالمجنونة لغرفته لتجد نصفها الموجوع....علي الارض فاقدا الالوان الحياة....وبركة الدم بجانب فمه دليل ادانة....لها. ( ماتحتاجه حنان هو طبيب نفسي.... وهذا ماسعيت للبحث عنه الايام الماضية) قالها قاسم بصرامة جديدة عليه. هتفت ام حنان بحنق ( اتقول ان ابنتي مجنونة يا قاسم.... سامحك الله ياولدي...) استغفر قاسم بصوت عال قبل ان يستطرد ( لاحول ولا قوة الا بالله... امي من قال ان من يزور طبيب نفسي مجنون... حنان تحتاج مساعدة متخصص) اصرت ام حنان ( ولهذا بالضبط انا مصرة كما قلت علي مدار الايام السابقة ان نزور احد المشايخ) كاد قاسم ان يقاطعها ليعيد رفضه حين اشار له منصور بالصمت قبل ان يتنحنح ويعلن ( لقد قررت لصالح ابنتنا حنان... ان تزور الطبيب النفسي الذي اختاره قاسم... كما اتفقت مع صديقي الشيخ الشاذلي علي ان يزورنا الجمعة القادمة... وبذلك لا نترك شيئا للصدفة) لم يستطع اي من المتناحرين رد ما اعلن منصور... لذا وقف قاسم خارج غرفة منتهي والتي تقيم فيها حنان بينما تقنعها امها وام قاسم ان تذهب معه للطبيب وقف بالخارج غير قادر علي الدخول... لم يعد بإمكانه مواجهة نظراتها التي تترواح ما بين الكره والاشمئزاز طوال الوقت... وكأن كلام العشق الذي صبته في اذنه صبا كان محض خيال.. خرجت منتهي من الغرفة ليواجهها قاسم بتساؤل فأجابت بهدوء ( لازلن في محاولات لاقناعها... ان شاء الله خيرا) قلبه ينغسه علي تلك الصغيرة التي بدت مرهقة جدا وهي تتحمل مسئولية حنان كاملة ( تبدين متعبة) رفعت عينيها اليه فتلاقت النظرات فسألت بصوت حاني ( تبدو حزين) ابتسم بسخرية ( يبدو يا غزل البنات اني والفرح لسنا علي وفاق.... هل تعتقدين ان لي ذنبا يكفره الله لي بما يحدث الان؟) توسعت عينيها في صدمة وهي تصرخ بين ضلوعها ( ياربي... اعرف... كسر قلبي مرتين ولكني اسامحه... اسامحه والله... واذا كان مايراه الان في حنان هو ذنبي... فيارب اغفر له وخذ من سعادتي وامنحه ياكريم) خرجت ام حنان تبكي وام قاسم ذاهلة تضرب كفا بكف وهي تعلن ( حنان لن تذهب الا اذا ذهبت منتهي معها...) امسكت ام حنان مرفق منتهي والقهر مرسوم علي قسماتها ( انها ترفضني وتطلبك بنيتي.... وكأنك انت أمها وانا مجرد غريبة) لم يكن الوضع اسهل عند الطبيب.... بدأ بنظرات الكراهية المسمومة تطلقها تجاه قاسم... وانتهي بثورة عاتية حين طلب الطبيب ان لاتدخل معها منتهي.... وفي النهاية رضخ الجميع لما تريد. لم يستغرق الامر ساعة او ساعتين بل اربع ساعات في فحص بين الطبيب الكبير سنا صاحب العيادة وطبيبتين اصغر سنا...كل لحظة تمر تنخر في اعصاب قاسم ومنصور..... قاسم المتوجس من نظراتها التي تحقر منه دون سبب ... ومنصور الذي يرفض ان يعترف بأنه يقابل وضعا لم يقابله وليس له به علم... وما قد يخيف الانسان اكثر من المجهول. في النهاية خرجت احدي الطبيبتين لتعلن ان حنان ترتاح بأحدي الغرف حتي يتحدث الطبيب اليهم قليلا. كان غرفة الطبيب واسعة مضيئة خالية تقريبا الا من كنبة جلدية في احدي الاركان وفي الوجهة مكتب الطبيب البسيط بطريقة مقصودة حتي لا ينشغل المريض بما يحيطه .... كان الطبيب رجلا بشوشا لا يفقد ابتسامته في المرة السابقة حين زاره قاسم... اما الان فيجلس مقطب الجبين وفي عينيه نظرة مشفقة... ( اسمعني ياولدي جيدا وحاول ان تتعامل مع ماسأقول بحكمة وتنور) صمت الطبيب لثوان وهو يتطلع في ثلاثتهم قبل ان يستطرد ( ما تعاني منه زوجتك اضطراب نفسي شديد بسبب مرض ليس متعارف عليه جيدا للاسف اسمه اضطراب ثنائي القطب وكأي اضطراب نفسي يتأثر بالحمل وتشتد وطأته لذا...) رفع رأسه يتطلع في منصور الذي يحرك حبات سبحته بتأثر وقاسم مشدود الوجه وتلك الصغيرة التي بدت وكأنها علي وشك البكاء قبل ان يستطرد ( لذا اري ان نودعها فورا في مصحة نفسية...) صيحة معترضة خرجت من قاسم ( لا.... زوجتي وابني لن يعيشا في مستشفي مجانين... ابني لن يتكون ويولد في مكان كهذا) رد الطبيب المتوقع لمثل هذا الرفض ( سيد قاسم... زوجتك مرضها ليس بسيطا... انه مرض خطير وقد تؤذي نفسها او طفلها في غياب الرعاية) ( يا دكتور سأوفر لها الرعاية الكاملة حتي وان ظللت مرابضا بجوار فراشها اربع وعشرون ساعة) زفر الطبيب بحنق خفي ( هلا اخبرتني كيف سترعاها وهي تكرهك كما قلت انت ولا تطيق تواجدك معها في مكان واحد) تهدلت كتفا قاسم وهو اكثر من مدرك لصحة كلام الطبيب قبل ان يخرج صوتا خفيضا خجولا ولكن ثابتا لتلك الصغيرة وهي تعلن ( ربما تكره قاسم... ولكنها لاتكرهني انا) في البيت كان الكل وكأن علي رؤوسهم الطير ... مذ عاد الاربعة في حالة من الانهاك النفسي والجسدي لم يقو احد علي السؤال الا حين تجمعت العائلة حول مائدة الغداء فكانت ام حنان اول السائلين... ( لا لاوالله ابنتي لن تذهب لمستشفي مجانين.... سأخذها لعائلتها في الريف) اجاب قاسم بإنهاك ( لا تقلقي امي لقد اخبرته انها لن تترك البيت لذا وصف لنا بعض العقاقير المخففة جدا حتي لاتؤذي حملها... مع الرعاية المنزلية الكاملة...) تلكأ قاسم عند تلك الكلمة وكأنها شعرت بحرجه فقالت منتهي بحسم ( رعاية منزلية مني انا لانها لن تتقبل سواي) ظهر التأفف علي وجه ام منتهي والصدمة الممزوجة بالشفقة علي الباقين ليعلنها منصور بتقدير لتلك الصغيرة الناضجة ( لا يا ابنتي... المسئولية ثقيلة عليك... ثم ان تلك سنتك الثانوية الاخيرة وعليكي ان تجتهدي حتي تحصلي درجات طيبة) اجابت بشجاعة ( لن ارعاها وحدي ستكون باقي السيدات مسئولات معي لكن انا المسئولة الاساسية لانها لن تتقبل سواي) (وماذا عن دراستك يا بنت) قالتها امها بغضب كان كيلها قد فاض....الحزن المخيم علي النفوس.... قاسم وكسرة قلبه المرسومة بوضوح علي وجهه ... كل هذا جعلها تنتفض من كرسيها تصيح ( وهل سنتي الدراسية تسوي ان اعيش بذنب روح بل روحين قد يتأذوا لابتعادي وانانيتي... هل تتقبلون ان اعيش مع هكذا ألم) صيحة قصيرة من ابيها بأسمها جعلها تجلس صامتة تحدق في طبقها قبل ان يقول عبد الحميد بهدوئه الشديد (منتهي... قبل اي شئ اعتذري لعمك علي صوتك الذي علا في وجوده...) تمتمت باعتذار ليهز منصور رأسه بمحبة فاستطرد الاخ الصامت دوما ( لو تعرفين كم انا فخور بك الان... لن تتخيلي... واذا كان هذا ما تريدين فأنا اؤيدك ) غيمة غزل البنات الوردية.... تطلع فيها قاسم مصعوقا... كان أسير كل حركة تند عنها... حتي همس لنفسه ( من تلك الفتاة فعلا؟ من اين أتت) قالت ام حنان بصوت يقطر حرجا ( كرمك الله يا بنيتي... انت حقا ابنة اصول... لكي تضحي بسنة من عمرك لاجل غريبة لم تتعرفي عليها الا منذ شهور) ورغما عنها انفجرت في بكاء يقطع نياط القلب علي ابنتها التي لم تكمل السنة عروسا... قامت منتهي من كرسيها واتجهت لام حنان تحتوي رأسها بين ذراعيها ( خالتي لا تقولي مثل هذا الكلام ابدا... حنان اصبحت اختي مذ دخلت البيت..) عادت منتهي لمقعدها وكلها غارق في ذنب تتمني ان لايكشف..نعن ارتبطت روحيا بحنان منذ البداية... لكن دافعها الحقيقي كان خوفها الشديد علي قاسم.... حتي امتد خوفها ليشمل زوجته وابنه. حل مساء ذلك اليوم المزعج بمزيد من الارهاق حين جاء ابراهيم ورقية للزيارة ليعلنوا خبر عودتهم لغربتهم بعد اسبوع. التقط قاسم تلك النظرة الحزينة بين رقية وسهر ... فقال موجها كلامه لعمه وابيه ( اعتقد يا عمي ان خطبة عدي وسهر يجب ان تتم قبل نهاية الاسبوع) هتف عمه رافضا ( ماهذا الذي تقول يا قاسم... لا يمكن ابدا ان تكون هناك خطبة وزوجتك مريضة) اجاب قاسم بتؤدة حيث ان حقيقة مرض حنان ليست معلنة للجميع ( عمي... زوجتي ليست مريضة انها حامل... وستظل كذلك لثمانية اشهر... لكن رقية وابراهيم الله وحده اعلم متي سيتمكنان من العودة) كانت المرة الاولي لسهر وعدي ان يجلسا في غرفة الصالون وحدهما كأي خطيببين وتقدم لهم القهوة والحلوي. جلس عدي علي كنبة الصالون يسند ذقنه علي كفه وابتسامة بلهاء واسعة تزين فمه الكبير حتي نست سهر خجلها وهتفت بحماس ( عدي يبتسم! تلك سابقة) لتزداد دهشتها قهقه بصوت دغدغ مشاعرها قبل ان يقول بمرح ( سترين مع الكثير من السوابق لاتقلقي) اقترب بوجهه من وجهها ليهمس وعينيه علي شفتيها ( لا اصدقك انك ستصبحين ملكي اخيرا) رفعت حاجبها في غيظ ( اولا لا انها مجرد خطبة وليست تنازل من ابي لك.... ثانيا لا احب داك التعبير " انك تملكني" ) لازال مبتسما بحماس وخفة وهو يتغني ( وهل تتصورين انك قد تفلتين مني بسهولة لمجرد انها خطبة... هذا اولا... اما ثانيا ..) رفع اصبعا يربت علي شفتيها وكأنها شفتيه وهو يفكر( ممم لن اقول اني املكك ..... ما رأيك بأنك انت تملكييينيي) حركة اصبعه علي شفتيها وصوته الممطوط جعلا الرؤية في عينيها تزوغ و اسنانها تهدد بالجنون قابضة علي اصبعه القريب في عضة رقيقة الانها استفاقت وادعت الحكمة وهي تعود في كرسيها للوراء مبتعدة عن تأثيره ( لما يجب ان يكون في الامر امتلاك اصلا... لما لا يكون مشاركة.. ان نكون شريكين) استمر في مزاج مشاغب جديد عليه ليغمز ( وانا مستعد ان اشاركك عمري وانفاسي..ان ينبض قلبي نبضة لي ونبضة لك) كان يتمتم تلك الكلمات المعذبة وهو يقترب وعينيه تحملان بريقا لم تره من قبل.... فقط لمحة ضئيلة جدا ليلة زفاف قاسم علي غزل... ارادت ان تكسر السحر... عليها ذلك قبل ان تضيع صاحت بصوت عال نسبيا ( سأذهب في الغد لمقابلة استاذ ياسين في الجامعة...) تجمد في انحناءة كان الغرض منها لمس خدها اللذيذ ليسأل بصوت خفيض ( اعيدي ماقلت...مرة اخري) وقفت سهر بقامة مرتفعة ( سأذهب غدا لمقابلة.. صاح بغضب ( سمعتك في المرة الاولي... ستذهبين لمقابلة استاذ غبي) شهقت لكن لم تدافع بل تمالكت تعقلها لتعلن ( بالضبط... لانه سيكون موقف سئ جدا حين يعرف اني خطبت بينما هو في انتظار الاذن لمقابلة اهلي) بالرغم من منطقية سؤالها الا انه لم يهتم سوي لانها تحاول الحفاظ علي صورتها امام ياسين ( وما همك اذا ما كان موقفه منك سئ او جيد؟ انت لا تهتمين به صحيح؟) وقفت سهر تتخصر بتحدي ( عدي عبدالحميد هل عدت لشكوكك قبل حتي ان تتم الخطوبة... تكلمنا منذ دقائق عن المشاركة... اين التشارك في الثقة) كم بدت لذيذة ومغيظة في نفس الوقت وهي تتحداه بعينيها قبل الكلمات لينذر هو ( ماتطلبينه وارفضه ياسهر لا يقع تحت بند الثقة او انعدامها ... ماتطلبينه صعبا لاي رجل) عادت لرفع رأسها عاليا وهي تعلن باصرار ( لذا سيذهب قيس معي... لن ارتاح وانا اعرف ان شخصا قد تنجرح كرامته بسبب تجاهلي) قبض علي كفيه بغل.... شعر انها تكسب الجولة... لن يستطيع انكار الصواب فيما تقول وصعب جدا عليه ان يوافق علي لقاءها بياسين ولاها ظهره وهو يقول بأسنان مطبقة ( حسنا... يبدو ان جناحي فراشتي اصبحتا اصلب مما ينبغي) اقتربت بمكر انثوي ترسم علي ظهره العريض بطرف اصبعها فراشة وهي تتمتم ( صلبة فقط حتي تسكن ضلوع المارد دون ان تتكسر) اقترب علاء من الباب الخارجي.... ولكنه يعرف القاعدة الاساسية ويلتزم بها.. لذا وقف امام البوابة يراقب البيت الذي دخله لاول مرة منذ عدة ايام فاقدا الوعي. عاد لتلك الذكري المزعجة كصوت تلك القاطنة هناك. في ذلك الصباح بعد ان خرجت توبة والاطفال ظل لباقي اليوم يسقط في نوم عميق او صحوة مؤلمة للرأس... ولم يفيق تماما الا في الصباح التالي. حينها كان وحده مع السيد ناصر والسيدة هناء التي سندته حتي جلس علي الطاولة في المطبخ يتناول معها والسيد ناصر الافطار.... كانا يتبادلان معه الحديث بود لم يستشعره الا في تلك العائلة الغريبة... والتي اكتشف انها ليست كأي عائلة ( بيتنا مايمكن ان تطلق عليه بيت بديل او مأوي... الاطفال ليسوا اطفالنا الحقيقيين... فقط توبة) ماحكياه كان كفيلم عن معاناة هؤلاء الاطفال... ومعانتهم هم شخصيا حتي اقتنعت الحكومة بمنحهم تراخيص العمل... ( وكل هذا بفضل الله ثم توبة ) عرف علاء ان توبة هي من تقوم بكافة الاعمال نظرا لمزانيتهم الضعيفة ومرض الاب... ( اذا اخبرني علاء..) قالتها السيدة هناء بخفة.... ليغمز له السيد ناصر بعينه وهو يهمس (ها قد بدأ التحقيق) نظرت له زوجته بعتب قبل ان تتجاهله وعينيها علي علاء تسأله ( من قيس؟) شعر ان تلك اللحظة حتما آتية... لقد باح بكل شئ في اغماءته السخيفة تلك. ( انه صديقي سيدتي) تغضن جبينها حزنا وهي تسأل ( وهل توفاه الله..؟) ( لا انه حي علي مااعتقد) سألت بمباشرة ( اذا لماذا كنت تطلب منه السماح علاء؟) طأطأ علاء رأسه يهرب من نظرات تلك السيدة الحنون ولكن بصرامة ( لقد اذيته سيدتي.... اذيته وانا ادعي العكس.. وبالرغم من كونه سامحني... الا اني لن اسامح نفسي ابدا) لم يعلق ايا من الابوين..... بعد وقت قضاه ثلاثتهم في الحكي في كافة المواضيع... وصلت توبة والاولاد. تجمعت العائلة حول المائدة للغداء حين اعلن علاء عن مغادرته بعد الغداء.... توقف الجميع عن تناول الطعام خاصة توبة التي كانت ملامحها خير دليل علي انها تتحرق لمغادرته حين قالت الام بابتسامة ( ما رأيك علاء في ان تعمل معنا!) صرخة من توبة ( امي... ما هذا الذي تقولين؟) رفعت الام حاجبا وهي تعقد ذراعيها امام صدرها وكذلك فعلت توبة ( لا تنكري توبة البيت يتداعي ونحن بحاجة للمساعدة..) ( ولكننا لن نتحمل النفقات الاضافية) ( سأخذ مبلغا ضئيلا لا احتاج للمال) كانت تلك كلمات علاء التي ندم عليها حين رأي وجه توبة يحمر وهي تقف لتعلن لامها ( اجتماع مغلق... الان) اتجه الوالدان وتوبة لاحدي الغرف الجانبية بينما استمر الاولاد في تناول طعامهم ... حين علت الاصوات من الغرفة... حاول علاء ان يذهب للتدخل الا ان يدا صغيرة منعته... كان ولدا صغير اسمه سليمان يهمس وهو يغمز بعينه( حين تجتمع القوي العظمي علينا ان لا نتدخل) خرجت بعدها توبة غاضبة ولم تستكمل طعامها بل خرجت مندفعة للباحة الخارجية بينما جلسا الابوين بهدوء قبل ان تعلن السيدة بمرح ( اذا سينتظرك عملك من صباح غد) خرج علاء ليتجه لبيت والديه حين رأها تعمل بإجتهاد علي شئ تبين له ك... موتور جهاز كهربي.. لم يملك الا القاء السلام ولكن قبل ان ترد عليه دون ان ترفع وجهها كانت امها تفتح الباب لتهتف ( توتو حبيبتي هلا اوصلت علاء لمنزله) ودون ان تنتظر اجابة عادت للداخل. اراد علاء في هذه اللحظة الانفجار ضاحكا علي وجه توبة المشتعل وهي تتمتم ( انتهي... لم تعودي امي المفضلة بعد الان) رأها تركب السيارة دون ان تدعوه ولم ينتظر الدعوة حيث يشعر امامها حرفيا انه يلعب في عداد عمره... كان وجهها مشدودا بغضب اثار داخله عاصفة من الضحك كتمها قبل ان تهمس بصوت خفيض ( انس عرض العمل ولا تأت هنا ثانية) تطلع فيها بدهشة ممزوجة بالاستنكار ( لا أفهم سبب غضبك مني وكأني المعتدي ليس المعتدي عليه) داست مكابح السيارة بقوة فكاد ان يلتصق جانب وجهه بالزجاج الامامي الا انه تماسك خوفا من ان يحرج نفسه امامها ثانية ( انت لاتفهم شيئا... هؤلاء الاطفال يتامي سيحبونك ويرتبطون بك ثم تتركهم وتذهب.... صدقني من الواضح انك جئت هنا لترتاح وتبتعد عن شئ ما اي انه وضع مؤقت... اطفالي لا تفهم جيدا الاوضاع المؤقتة ولا تتقبلها بسهولة) كان صوتها يتراوح مابين الشدة واللين... لين تخص به اطفالها كما اسمتهم. ادارت السيارة ولم يتكلم اي منهما حتي توقفا امام منزله.... ألتفتت اليه بعينيها القويتين تقول بلغة مهادنة ( اسمع استمتع بأجازتك او اقامتك في الاردن... اذهب وزر الاماكن السياحية ولاتورط نفسك في حكايات اكبر منك.... صدقني اكبر منك بيوم يعرف عنك بسنة وانا اكبر منك بثلاث سنوات... احسبها) قالتها وهي تناوله من جيب جاكيتها الرجالي جواز سفره..حين نظر لها مستعجبا استطرد وهي تنفرد اكثر في كرسي سيارتها ( ماذا كنت تظن يارجل... سأتركك تنام في بيتي بلا ضمان) ترجل علاء من السيارة لنظرللسائقة من النافذة وهو يتحداها قبل ان يبتعد ( اراك غدا يا....توتو) رمي علاء بقايا سيجارته قبل ان يدخل للبيت حيث يعمل منذ ايام ليواجهه نفس المشهد ... السيدة هناء تجري في كل مكان تحضر السندوتشات بينما السيد ناصر يرتب حقائب المدرسة وفي ثانية كان علاء غارقا في برطمان مربي الفراولة يصنع لسليمان سندوتشا غنيا... حين نادت هناء بصوت عال ( توبة الوقت ينفذ سيتأخر الاولاد) ثم شرحت لعلاء بصوت خفيض كأنها تخبره سرا ( لقد لطخت جاكيتها بالشحم تماما ورفض الاولاد ان تخرج بهم بهذا الشكل) لمح نبرة تشفي في لهجة الام جعلته يبتسم قبل ان تتجمد ابتسامته وهو يري توبة تنزل السلم مسرعة وهي تلعن الجاكيت الذي تعنت ورفض ان ينظف... كانت ترتدي بنطلونا بلون اسود واضح جدا انه بنطلون والدها في شبابه وفوقه بلوفر اسود ايضا لن يندهش اذا اعلن الملك رمسيس ملكيته له... تلف وجهها بحجاب لم يتعرف علي لونه ولكن مالاحظه هو انها بدون الجاكيت تبدو نحييييلة جدا بلا اي تضاريس انثوية حتي انه لم يتمالك نفسه من الهمس لنفسه ( لقد حضر السيد توبجي) لم يعرف ان همسته جاءت عالية الا حين سمع قهقهات الاطفال والوالدين فرفع رأسه بسرعة لحيث يقف فأشارت له بملامح غاضبة علي رقبتها بمعني ( انت ميت) صعد اصلان درجات السلم نهبا تكاد انفاسه تزهق من الاثارة... منذ ذلك اليوم وهو يتحين الفرص عله يلقاها... يراها ويرتوي من غمازاتيها... الا انها لازالت تختبئ خلف جيش مكون من جنرال قاس هي امه وثلاثة لواءات شرسين. لكن اليوم حين هاتفه منصور داعيا اياه لحفل خطبة ابن اخيه...رأها فرصة ذهبية. لذا وقف الان امام باب شقة امه يطرقها بهدوء مفضوح غير حقيقي يمني نفسه بأن تستقبله الغمازتين حين فتح الباب. زفر بحنق وهو يري ابنه بهاء يقف عند الباب لثاني مرة فاردا ذراعيه في رفض واضح ليتمتم اصلان حانقا ( سأغير اسمه من السفاح للبيه البواب) ( اه اهلا سيد اصلان... تصرفاتك لا تعجبني) ارجع اصلان رأسه للوراء مصدوما بشدة وهي يستفهم من السبب في حركة تشبهه كثيرا رفع بهاء حاجبا وهو يقول بلهجة تقريرية ( لا يجب ان تحزن فتاة وتجعلها تبكي وتصرخ...يجب ان تدلل الفتاة ولا تكن جلفا... والاهم الاهم ان لا تضع يدا عليها ابدا) اوشك اصلان علي الصياح فيه او حتي مناولته كف حين جاء شهاب ودفع اخيه بنزق وهو يعتذر بلباقة ( اسف ابي... هو فقط يخبرك بالكلمات التي قالتها امي حين عرفت انه يبكي الفتيات) تأتأ اصلان بوعظ ( تؤتؤ عيب كبير ان تحزن فتاة ياولدي) صاح بهاء بلهجة سيدة في الثمانين ( انظروا من يتكلم... امي لاتتوقف عن البكاء بسببك) لكزه شهاب بعنف ( ولكني اخبرتك ان امي تحب ابي لذا مهما ابكاها ستسامحه) ثم دفعه بعيدا ليدخل ابيه الغارق في حيرته... وخجله من نفسه. غادر بهاء لغرفته وهو يتمتم بغيظ ( سأبحث عن فتاة واجعلها تحبني وابكيها كل ليلة حتي تصاب بالجفاف ) هل سجل القدر تلك الحروف بأقلام من نار لن تمحي... لم يعرف بهاء وهو يهمس تلك الكلمات انه يوصم فتاة ما بلعنته... وان القدر سجلها في كتبه ( لعنة البكاء ليلا) استغفر شهاب وهو يهز رأسه بيأس بينما يتبع اخيه متمتما ( انت شرير... تمن الخب لأجل اسعاد حبيبتك لا ابكائها) ضرب اصلان كفيه في تعجب وهو ينفجر ضاحكا هو وأمه التي جلست في صدر الشقة علي ترهات الاطفال الرومانسية. تماسكت ام اصلان ومسحت الضحكة عن شفتيها راسمة الصرامة بينما يقترب منها اصلان يقبل يدها ورأسها وهو يشدد علي كلماته ( كيف حالك يا ام اصلان) اجابت تتمسك بأذيال صرامتها التي تفتقدها مأفتقادها لابن قلبها ( الحمد لله بخير حال يا ابو شهاب) ( لازلت غاضبة مني امي.... انا اصلان تتحملين بعدي كل هذه الايام؟) ( انت من تحملت بعدنا اصلان... اذا افتقدنا حقا لما لاتعود) قالت كلمتها الاخير بصوات راجي تطلع فيها يتنازعه اثنان... يتمني فعلا لو يعود لحضن امه واولاده.. ولدلال... يعرف انه جرحها وهو وحده من وجب عليه الاعتذار... لكن من جهة اخري.. يشعر بنفسه مكبلة ستزهق لمجرد التفكير في ذل الاعتراف علنا. هزة رأس نافية تنفض عنه خاطر التنازل جعل ملامح امه تتخفي ثانية خلف رداء الصرامة. ( دعانا الحاج منصور لخطبة ابن اخيه.... لذا اردت ان نذهب جميعا لشراء ملابس جديدة...ستتألقين في عباءة جديدة يا امي) يسترضيها بل ويسترضي دلال واولاده بتلك الطريقة... تعرف ذلك ولكن لم يعد ينفع التراجع.... متي يفهم ان جرحه لدلال اكبر من ان تداويه تلميحات لا تثمر ولا تغني من جوع ( سلمك الله ياولدي سأنادي دلال لنري رأيه) نادتها لتأتي الاخري متمهلة جدا... بجلباب منزلي أحمر وبالرغم من كونه طويل وبأكمام الا انه لف جسدها كعاشق يحكم ضمته علي حبيبته ليبرز مفاتنها المغرية...شعرها لمته في ضفيرة مشعثة بنعومة تتهادي من جانب واحد من الامام لتصل لمناطق... لن يطيل التفكير فيها والا انهار. تجاهلته الا من تحية الاسلام قبل ان تجلس بعيدا وبين اصبعيها ترفع.... فنجان القهوة. ابتلع ريقه بصعوبة وهو يفكر جديا بألتهمها كلها ثم شرب القهوة... او ربما القهوة اولا حتي تبقي لذاذة طعم غمازتيها علي شفتيه... كان عيناه فعلا تأكلان تفاصيلها المغيظة..غافلا عن حديث امه تشرح لها سبب حضوره قبل ان تعلن ببرود مغيظ بعد ارتشافة قهوة ( لا احتاج ملابس جديدة... شكرا ... ) انزلت الفنجان عن شفتيها لتلاحظ عينه المشتاقة خطا رفيعا جدا بلون بني يقسم شفتها العلوية بخفة مسحته بتمهل بطرف لسانها الوردي الصغير... قال بصوت متقطع وهو يفقد سيطرته علي انفاسه ( اريد فنجان قهوة...) حلق قلبها المسكين ليصل لحنجرتها مانعا صوتها من الخروج " اريد فنجان قهوة" مع صوته الممطوط كانت احلي كلمات الغزل التي طرقت اذنيها يوما....اصابتها تلك الصدمة الكهربية التي تشعر بها تمر في عمودها الفقري ضاربة قفصها الصدري بعنف... ارتبكت وهي تهتف بحرج حقيقي لون وجنتيها بالاحمر ( اقسم بربي ما عندي بن) تطلع في خجلها اللذيذ وتلون وجهها ليقترب بخفة ويلتقط فنجان القهوة من بين اصابعها ويرتشف منها بتلذذ مصدرا همهمات مستمتعة زاد من لون الورد في وجنتيها ثم همس مشاكسا ( جيد سأشرب القهوة من فنجانك كل مرة حتي اضمن ان لا تضعي فيها مايسحرني كما فعلت بأمي) قطبت بطفولية لتقول بنزق ( هل تقول اني مشعوذة؟) هز رأسه نافيا صوته لا يكاد يغادر حنجرته متأثرا بعينيها تلتهم الكلمات من شفتيه والنظرات من عينيه بحرمان. ( انت ساحرة... ساحرة دخلت اكثر كهوفي ظلاما واشعلت فيه النيران) سألت بلهفة ( لكن النيران... توجع و تدمر؟) عاد لهز رأسه نافيا وصوته اجش ( النيران تكوي جرحا وتطهره... النيران تنير... تدفئ) طرقات الباب تزامنت مع ضحكات امه ودعواتها بالهناء وصلاح الحال لكليهما... تحرك اصلان ليفتح الباب بعد ان اشار لدلال ان تتستر. قبل ان يصل للباب سبقه السفاح البواب بهاء. تجمد بهاء شاهصا ببصره دون ان تند عنه اقل حركة... قبل ان يقترب اصلان ... رأها. الذراع البيضاء مزينة بأساور حمراء وسوداء كثيره... يليها عنق قشدي اللون يظهر بسخاء من بلوزة واسعة الرقبة... شعر ذهبي كسلاسل من اشعة الشمس يحاوط ملامح حورية بارعة الحسن ذات اعين زرقاء... هتاف بصوت انثوي مغناج وهي تشد بهاء لصدرها ( بهاء يا قلب امك ... انا امك شادية يا بعد عمري)
أنت تقرأ
داويني ببلسم روحك
Roman d'amourالجزء الاول من سلسلة بيت الحكايا ************************** (اريد العودة لبيتي) يرددها قلب رقية بدون ادني صوت لان عقلها متيقن ان لا فائدة كن هذا الرجاء. ليس الان وهي قد أصبحت في دولة اخري تبعد عن بلدها خمس ساعات بالطائرة. ليس الان وهي في سيارة رجل...