الجزءالاول من الفصل الرابع وعشرين

5.7K 160 1
                                    

  هتفضل يعني طول الليل
تطُل عليها في صورتها ؟
وآخرتها !
تطلعت سهر بغيظ في منتهي التي جلست متربعة فوق الفراش تربط رأسها بمنديل اسود كبير لتبدو كإحدي ( الندابات) اللاتي يستأجرن في المآتم ...بل وكانت تولول بكل حرفية كواحدة وهي تبكي ( آخ يا سهر آخ...اموت قهرا يا اختي...سيصيبني بجلطة ابن هزيمة....لقد سافر...طلب يدي فرفضته فسافر )
امتعضت سهر بحنق وهي تقول بهدوء مصطنع ( منتهي حبيبتي...اولا كنت انت من رفضه فلماذا الولولة الان...ثانيا لقد سافر الرجل لعدة ايام فقط اولها اليوم ...لم يهاجر مثلا)
مسحت منتهي انفها ودموعها بطرف جلبابها كمتسولة قبل ان تستطرد ببكاء غير ساحر بالمرة ( ما يقهرني وييزيد غيظي انه لم يحاول بعد لقاؤنا القصير في الغرفة ان يتبادل معي اي حديث ...ان يفرض نفسه علي فرضا...ولا اي بادرة منه انه لازال متمسكا بي)
مسحت سهر وجهها تستلهم الصبر من الله قبل ان تقول محابية كما لوكانت تتحدث لبتول الصغيرة ( حبيبتي...هل كنت تنوين الموافقة اذا اعاد طلبه الايام الماضية?)
رفعت منتهي رأسها بشموخ كاذب وادعاء ( لا قطعا ابدا...ولكن كان لقلبي يسعد انه يحاول)
تطلعت سهر بعيني منتهي الهاربة منها باصرار لتقول ( هل تريدين ايهامي منتهي انك ستنسين قاسم بعد ان ترفضيه وتفتحين قلبك لحب جديد)
وضعت منتهي كفيها الصغيرتين فوق قلبها وهي تهمس مغمضة العينين بآلم ( كلمتك تلك...تلك الهمسة التي خرجت من بين شفتيك الان..يعاقبني قلبي علي سماعها فينتفض آلما...لا تعيدها ارجوك)
هزت سهر رأسها محتارة...مابين الشفقة علي ألم العشق الذي طالما كان لعنة ساكني هذا البيت...وبين كراهية الكبر الذي تعتبره قاتل الحب الاول.
همت بالتعبير عن رأيها حين دخل قيس متأففا وهو يصيح بطفولية في وجه سهر بينما كعادته بتول معلقة في رقبته( اووف هل اصبحت مرسال الغرام لعشاق هذه العائلة)
ومد يده لمنتهي بورقة صغيرة وهو يرفع حاجبا بتسلط لذيذ ( لقد قرآتها ...وقرآها عدي...وسال لعاب بتول وملهم فوقها..ولكن تبقي اول واخر خطابا غراميا يصلك)
ارتعشت يد منتهي وهي تلتقط الورقة من بين اصابعه ليصيح بسخافة ( لا تفتحيها الا حين اخرج...لن يتحمل شرفي ان تقرئي هذا الخطاب المفعم بالعواطف امامي)
توقفت منتهي عن التنفس وقلبها يدق في صدرها بعنف غريب ...وهي تري خطوات قيس المتباطئ جدا تتحرك في خطوات لا نهائية للباب ...قبل ان تخبطه سهر باحدي الوسائد فيخرج مسرعا.
بأصابع مرتعشة فتحت الورقة التي لم تحو سوي جملة من ثلاث كلمات ( وحرف لاتنسي برنامجك المفضل(
ركضت لجهاز المذياع الذي اهداه لها يوما بسرعة وقلبها لا يتوقف عن الضرب بجنون وهي تردد ( لقد تذكر...لقد تذكر برنامجي المفضل)
لم تتوقع ان مفاجأة اكبر تنتظرها وموسيقي المقدمة تصدح قبل ان يخرج صوت المذيعة الشهيرة معلنا بداية الحلقة ثم
( قيل في الحب " أحـبك حُـبـين حـب الـهــــوى وحــبــاً لأنــك أهـل لـذاكــــــــــــــــا .
اغنيتنا الاولي كما بيت الشعر اهداء من السيد قاسم.م للآنسة م.ع يطلب ودها)
ثم علقت المذيعة بلهجة حالمة ( ويالها من طريقة راقية في طلب الود)
لم تكن تعرف ان الانسة م.ع تقف مسمرة عند المذياع تكتم شهقاتها وهي تهمس بين دمعاتها ( ودي لك...قلبي لك..وعمري كله منذ انفاسي الاولي وحتي تعود الروح لخالقها ...هو لك)
اغمضت عينيها لتتسلل لاذنيها الاغنية التي تحمل شوقه مع صوت المطربة
يا نجمه عشقانه السهر عشاني .. عشاني
حملتها يوم السفر حناني .. حناني
راح السلام وجاني وسط الكلام نساني
بس اما تيجي وانا واحكيلك عاللي جرى
وامسح دموعي بمنديلك عاللي جرى
عاللي جرى عاللي جرى

كانت تتمايل وهي ترتب طاولة الطعام كعادتها مع الاغنية....شيئا اكتشفه عنها بالعشرة..انها تحب التمايل...في حزنها وفي فرحها.
اقترب اصلان يضع كفيه حول خصرها المتمايل ولكن كعادتها منذ مايقرب لاسبوع..تملصت من كفيه بهدوء وهي تبتسم ابتسامة لاتصل لعينيها السوداء
( مساء الخير يا ابوشهاب...لا احد بالمنزل سواك...لذا سأبدا فورا في وضع الطعام...فالاولاد وامي يبتن الليلة...)
عادة اخري حفظها ككف يده...حين تحزن او تتوتر ...تثرثر....لذا وضع اصبعه علي شفتيها يمنعها من الثرثرة ( اعرف كافة تحركاتهم فلا تقلقي..)
امال رأسه باستفسار مشاغب ( ثم ابو شهاب تلك لاتريحني...اين حبي ذهبت...تذكرني ابو شهاب تلك بأيام كنت فيها جلفا غبيا لا يعي ابعد من اصابع قدمه)
قاطعته بلهفة لاتملك له سواها ( لا تقل هذا عن نغسك ابدا...انت سيد الرجال وتاج رأسي...) وزاغت عينيها بحزن بعد تلك الكلمة ...فأثارت ريبته اكثر.
( دلال ...هل هناك ماتخفيه عني ..) لم يقصد ان تكتسب لهجته تلك الخشونة..لكنه الان متوتر.
ضمت روبها الازرق حول جسدها النحيل بقوة وهي تتنهد عدة تنهيدات متتابعة تستجلب بها لنفسها القوة والثبات قبل ان تهمس بصوت مرتعش ( لقد فهمت يا اصلان سبب عزوفك عن.....عني) تخضب وجهها مع الكلمة الاخيرة فكان تلميحا كافيا لما تقصد.
لعن غبائه لابتعاده...تلك النظرة المهزوزة في عينيها والتي يكرهها ..عادت وهو ومحاولاته لان يصبح رجلا رقيقا مهذبا السبب
استطردت بنفس الصوت المختنق والنظرة المهزوزة ( اعرف انك احببتني...اشعر بحبك يغمرني من نظراتك حبي...واعرف سبب ابتعادك..)
اخذت نفسا عميقا وصلت له ارتعاشته واضحة قبل ان تكمل ( انت تريد توطين نفسك والسيطرة عليها حتي لاتشتاقني...تريد ان تتعود ان تبتعد عني فلا تهفو روحك لروحي ...تريد لجسدك ان لا يقرأ شوق جسدي)
ابتلع ريقه بصعوبة ووصفها لمشاعرهما معا بتلك الصورة الحسية يجعل التهذب يبدو الان كحبة هيل تحت الضرس
( وما السبب في اعتقادك اني احاول فعل كل تلك الافاعيل)
بللت شفتيها بطرف لسانها فتابعت نظراته فعلتها تلك بشغف قبل ان تهمس والدمع يخنق حروفها
( تحاول...حتي ما اذا تزوجت من اخري لتنجب منها لا تتألم في بعدي)
رفع حاجبيه باستفسار خبيث ( واذا ماقررت انا الزواج بأخري....وادا ماقررت ان اعود نفسي علي ان لاتهفو اليك ..هل ستقبلين دلال بهذا?)
تطلعت فيه لدقيقة بملامح ثابتة ...انهارت وهي تهز رأسها بألم ودموعها تجري ( لا لن استطيع...كنت لاقدر ان لم اكن احبك كل هذا الحب ...لكن الان ابدا لن اقدر)
لم يعد يتحمل...فليذهب التهذب والرقة للجحيم...لن يبتعد عنها للحظة اخري.
اسرع اليها يحملها بين ذراعيه وهو يغمرها كلها بجنون ...شوق استحكم فأستحال نارا..
كانت ذراعاه تقبضان عليها بعنف لم يعدبمقدوره قمعه ...وشفتاه تتصارعان علي وجهها ورقبتها بقوة لم يعد بمقدوره تذليلها...
ومن بين قبلاته قال بصوت خشن ( والشرط في التعدد العدل....كيف اعدل وانا كلي ملكك..قلبا وجسدا وعمرا...(
كانت دلال غائبة عما يقول وعما يحدث ...مدركة فقط لخطواته المتجه وهي لازالت بين ذراعيه لغرفتهما...وهو يردد ( حاولت...صدقا حاولت...لكن اعتذر عما قد يسببه شوقي وصبابتي لك من كدمات)
ابتسمت هي بأغواء مشتاق وهي تقرب وجهها من وجهه ( لنسميها من الان وصاعدا ...كدمات العشق)



عاللي جرى من مراسيلك عاللي جرى
بس اما تيجي وانا واحكيلك عاللي جرى
وامسح دموعي بمنديلك عاللي جرى
بس اما تيجي وانا احكيلك عاللي جرى
عاللي جرى عاللي جرى ..

تتردد الغنوة في رأسها بلا توقف وهي تتجول في البيت الفارغ تقريبا...وقفت منتهي امام غرفته الصغيرة والتي يستخدمها بعدما هجر جناحه مع حنان بعد وفاتها...استجمعت شجاعتها الشحيحة ودخلت لغرفته..تشتاقه وتشتاق رائحته.
كانت لاتزال تردد بصوت موجوع ( بس اما تيجي وانا احكيلك علي اللي جري) تلمس ملابسه...سريره ..
( ها انا....قد اتيت) همسة حارة بالقرب من اذنها جعلتها تنتفض فكادت تسقط لولا ذراعه التي ثبتتها بينما ذراعه الاخري تتشبث بصغيره.
تلجلجت ( اسفة لم اكن اعرف انك عدت من سفرك)
اغماضه لعينه لثوان جعلها تستفهم دون كلام ليرد بلهجة ممطوطة (مممممم....احاول استيعاب صوتك الناعم..مع رؤيتك بعد بعد لاسبوع اكبر من احتمالي)
تنحنحت تلملم ماتبعثر من نبضها ( قاسم من فضلك...توقف عن تلك التصرفات...لقد اخبرتك برأيي النهائي)
لم يرد ولكن رفع زين الذي قهقه بجانب بوجهه يمد شفتيه كالاطفال ويتحدث مثلهم ( هيا زين اخبر ماما ما اخبرتك به...هيا يا رجل ساعدني هنا..انا افقد الاتصال)
لم يكن زين يعي ايا مما يقوله اباه ..فقط يقهقه ويحرك قدميه في الهواء..
ابتلعت منتهي دمعاتها لسماع تلك الكلمة الاثيرة قبل ان تهمس ( قاسم...ارجوك توقف عن استخدام سلاح زين...هذا ليس عدلا)
اعاد لهجة الاطفال قائلا ( كل شئ متاح في الحب و الحرب ماما..)
انزل ابنه ببطء وعيناه تأسران عينيها وهو يهمس بلهجة اجشة ( وانا احبك منتهي ...احبك غيمتي الوردية)
اغمضت عينيها بقوة وهي تهز رأسها رافضة ( لا لاتقل لي هذا ابدا...لا تلقي علي مسامعي كلاما استهلكت حروفه مع زوجتيك ...كنت اسمعك تهمسه لغزل في الهاتف ليلا بعد نوم الجميع...كنت اري شفتيك تتمطيان بكسل وانت ترسلها لحنان عبر الغرفة...فلا تأتي الان وتقولي لي احبك...ارفضها منك ..ارفض ان اسمعها حتي وان كانت من بين شفتي اي رجل اخر...لقد كرهتها تلك الكلمة)
كانت لاتزال عينيها مغمضتين حين قال بصوت هادي تحول لعدم استجابتها لصياح حانق ( افتحي عينيك...افتحي عينيك وتطلعي بي جيدا)
حين فتحت عينيها هالها الغضب اللامع في حدقتيه وهو يقول من بين اسنان مطبقة ( انت لن تكوني لغيري ...ولن تسمعي تلك الكلمات الا مني لاخر يوم في حياتك)
للحظة حمقاء ارادت الضغط علي اعصابه وهي تسأل بتغن ( واذا رفضت يا قاسم...رفضت واصررت علي رفضي..هل ستجبرني?)
ابتسامة مرحة ارتسمت علي شفتيه..مرحة نعم ولكن عازمة بشكل اثار رجفتها وهو يهمس ( بالطبع غيمتي سأجبرك..وهل عندك شك في ذلك...ولذلك انصحك بالتراضي)
واقترب خطوة لتعود هي خطوتين للوراء فضحك بصبيانية ( لاتقلقي مني ...أنا لن آكلك...ليسقبل الزفاف بآي حال....اردت ان انبهك...ان شعرك استطال قليلا...قصريه...فأنتي في الشعر القصير..)
فكر لثوات وهو يبحث عن كلمة لم ينطقها في الغزل من قبل ...قبل ان يستطرد
( انت في الشعر القصير ..فن ...اغنية حليم...وآه من آهات ثومة)  

داويني ببلسم روحكحيث تعيش القصص. اكتشف الآن