الجزء الثاني من الفصل الرابع والعشرين

5.4K 151 2
                                    



على رمش عيونها قابلت هوى
طـــار عقلي مني وقلبي هوى
وانا يللي كــــنت طبيب الهوى
ولأهل العشق ببيع الدوا
من نظرة لقتني صريع الهوى
.يا بوي
صف سيارته امام بيتهم الصغير ولكن لم يترجل منها....اراح رأسه لظهر المقعد وهي يستمع لكلمات الاغنية المهدئة وعقله مسافر...لهناك ..للوطن.
خبطات رقيقة علي زجاج النافذة جعلته ينتبه لفأرته الواقفة تتطلع به في دهشة.
( عسولي...رأيتك تصف السيارة ولكن لم تأتي فأصابني القلق هل انت بخير!)
تطلع ابراهيم بملاكه التي ارتدت عباءة سوداء ولفت شعرها علي عجالة بحجاب من نفس اللون ظهر من خلال لفته المتسرعة خصلات شعرها الفاحم...فمد يده لا اراديا يعيدهم لداخل اللفة
( لا شئ...كنت افكر قليلا لا اكثر)
سألته بلهجةمهتمة وهي تشده من يده بنعومة لذغادر السيارة ويتجه معها للبيت
( اخبرني...فيما كنت تفكر يا عسولي...قد اساعدك)
اطرق برءسه ولازالت خطواته مع افكاره مبعثرة
( افكر ان الانسان لا يمكنه ابدا امتلاك كل شئ ...دوما هناك ذلك المنغص الذي ينقص من سعادته)
توجست رقية من كلماته التي لاتشبه حبيبها في شئ وهي تسأل ( ماذا تقصد يا ابراهيم!)
كانا قد اصبحا داخل منزلهم الحبيب فتوقفت خطوات ابراهيم وهو ينظر حوله ( لكي اصل لهذا البيت والاهم لكي اصل اليك رقية ...تعبت كثيرا ولازال علي ان اتعب....وبالرغم من شعوري ان علي البقاء هنا حتي احقق لنا حياة كريمة....الا اني الان حائر ولا اعرف كيف التصرف)
قلبها اصبح غائرا من الخوف خاصة وهي تري شحوب وجهه وشفتيه المزمومتين ( ابراهيم...ارجوك لاتتلاعب بقلقي ...اخبرني بما يحدث)
تنهد ابراهيم بألم ( لقد هاتفني ابوك اليوم ...لاتقلقي فأرتي عائلتك كلها في احسن حال...انها امي...لقد ذهب مع والدتك اليها ليدعواها لعقد سهر ولكن كلاهما يؤكدان ان صحتها في تدهور)
خبأت رقية ارتعاش شفتيها بكفها وهي تسأل بثبات لاتشعره ( وما العمل يا ابراهيم...ماذا ترانا فاعلون)
تهاوي ابراهيم علي الكرسي القريب وهو يهمس ( انا عاجز عن ايجاد حل...لا يمكنني ترك عملي هنا الان وكذلك لايمكنني تركها لحتفها وحيدة)
اسرعت اليه تمنعه من الاسترسال وهي تهتف بين دموعها ( لا تقل هذا اطال الله عمرها ...سنفكر س.يا لنصل لحل لاتحزن)
ثم جذبت رأسه تريحها علي صدرها تهدهده كطفلها الخائف من كابوس ما ...استمر الوضع لدقائق قبل ان تهتف بحماس ( وجد الحل يا هيما....اسمع لتأت امك وغفران للعيش معانا)
تطلع فيها بدهشة وكأن الحل لم يطرق ذهنه اصلا ( حقا! ولكن ماذا عن غفران ودراستها...وماذا عنك لما تتحملين عبء....)
لم تدعه يكمل وهي تغطي شفتيه بشفتيها في قبلة مطمئنة قبل ان تهمس ( اما عن غفران فبإمكان اي من اولاد اخوالي مساعدتها غي نقل اوراقها للالتحاق بالدراسة هنا...( ثم جلست بدلال رقيق فوق ساقيه وهي تحتضن ذقنه بكفها الصغير (.اما عن العبء فلا تعد هذا الكلام مرة اخري حتي لانعود لفترة الخطوبة ثانية...يا عسسسول)
ابتلع ابراهيم ريقه بصعوبة وهو يقول بصوت اجش وهو يحمل رقية بين ذراعيه بخفة ( سأهاتف امي اخبرها...ولكن اولا سنزور مطبخنا الحبيب بسرعة...حين تأتي امي سيعود المطبخ لوظيفته الاساسية..لندلله قليلا)




تجمعت النسوة في ردهة بيت كريمة الواسعة يضحكن ويدقن الدفوف ويغنين اغاني الافراح التقليدية..بعد رفض والد سهر وعبدالحميد ان تقام اي من تلك المظاهر الاحتفالية في بيت العائلة احتراما لذكري حنان....
كانت دلال تجلس في منتصف الدائرة تدق الطبلة البلدي بإيقاع سريع بينما فاطمة تردد والكل حولها يصفق بحماس
(
خدناها ..خدناها ..
خدناهابالسيف الماضي.. وأبوها ما كنش راضي..
وعلشنها بعنا الأراضي.. الحلوة اللي كسبناها..
خدناها بالملايين.. وهما ما كنوش راضيين..
علشنها بعنا الفدادين.. الحلوة اللي كسبناها.
لتهتف عزة بحماس ( لاتنسوا ابني العريس ...)ثم تزغرد بفرح
فتنطلق دلال مع فاطمة بأغنية
والله لأغنيلك يا عدي يا غالي
والله لأغنيلك وأسهر ليالي
لأغديك بوزة وأعشيك بوزة
وحياة رب العزة
أنت عندي غال
والله لأغنيلك يا عدي يا غالي
والله لأغنيلك وأسهر ليالي
لأغديك بدبيحة وأعشيك بدبيحة
عروستك مليحة
وأنتَ عندى غالى
والله لأغنيلك يا عدي يا غالي
والله لأغنيلك وأسهر ليالي
يا عدي لأغنى لك
يا عايق من دول جيلك
والله لأغنيلك يا عدي يا غالي
والله لأغنيلك وأسهر الليالي
لا اعشيك بوزة و أغديك بوزة
وحياة المعزة
دا أنتَ عندى غالى
يا عريس يا غالى
وفي وسط حماسة الطبل والتصفيق تجذب سهر منتهي بسعادة.
ليرقصا معا
بعد وقت ليس بقليل انسحبت منتهي ترتاح....ترتاح من ابتسامة ترسمها علي وجهها حتي يتوقف الجميع عن السؤال ...( لماذا الحزن)
التقطت زين من فراشه لتحتضنه وتذهب به للشرفة...كم ترتاح وهي تشده لحضنها..نبع بلسمها الشافي هذا الصغير.
( منتهي..)
التفتت منتهي لتري دلال واقفة عند باب الشرفة علي استحياء قبل ان تعلن ضاحكة ( هل لي ان اتحدث اليك قليلا ....لك كل الحق في الرفض بل واخباري ان اتوقف عن التطفل)
ابتسمت منتهي لوجه المليحة السمراء بمحبة ( لاتقولي هذا ثانية دلال اشعر في بعض الاحيان ان عمي منصور يفضلك عنا)
ضحكت دلال فغارت غمازاتيها بحبور وهي تصيح ( نعم اعرف....بين وبين عمي منصور رابط لايدركه سوانا....لكن دعينا لانخبر السيد ابو شهاب بهذا الامر ...حتي لا ينتهي الامر بي في منتصف الليالي عند بيتكم)
ضحكت الفتاتان و دلال تقلد ملامح اصلان الشرسة.
تنهدت دلال وهي تستطرد بصوت هادئ
( الحب تضحية...للاسف تضطرين حين تحبين للتضحية..وصدقيني لا تتوقف سلسلة التضحيات عند حد ما...ممممم دعيني اوضح)
جلست دلال علي كرسي البامبو في الشرفة وعيناها تتطلعان للنجوم بملامح....عاشقة
( حين جائني اصلان طالبا يدي...رأيت كراهية عميقة واشمئزاز في عينيه..) شهقت منتهي بجزع فاستطردت دلال بفكاهه ( لا اسمعي الاعجب...لقد حرمني عليه كأمه واخته ليلة دخلتنا......)
تغيرت لهجتها لاهدأ وهي تقول ( لكني لم امانع...حلمي الاكبر كان ممثلا امامي في ثلاثة اطفال ..ينظرون الي بحب...ويفقدونني صوابي....ضحيت حينها لاجل هؤلاء.. )
امتلئت عينيها دمعا ولازالت اجمل ابتسامة رأتها منتهي تتآلق علي محيا دلال ( وللحق كافأني الله كثيرا......لم اتخيل يوما ان تصبح حياتي بتلك الروعة)
تهدج صوتها فاحتضنتها منتهي لتبكي وهي لازالت تؤكد بسعادة ( بعض التضحيات تستحق...تضحيتك في ان تتجاوزي عن ماضيه ستكافئين عليها كثيرا...وها هي اولي مكافآتك) قبلت زين علي وجنتيه وهي تنهي جملتها وتخرج
وقفت منتهي تهدهد زين بعقل غائب وقلب مهموم...لقد ابتعدت مع نساء العائلة عن البيت لعدة ايام...وللم يحاول قاسم التأثير عليها للعودة ...بالعكس يبدو وكأن الوضع ملائم له جدا....يهاتفهم كل يوم ليسأل عن زين ..تتهرب هي ولا يصر هو علي محادثتها.

انفض الجمع ولم يبق سواها
تستمع كعادتها لاغنيات برنامجها الاثير والذي يسبقه كل يوم نداءه للانسه م.عبدالحميد..نداء رقيق " لطلب الود"

رن الهاتف الخاص بغرفة سهر النائمة بجوارها....فتوقفت انفاسها بتعثر وقلبها العاشق يخبرها يقينا انه هو.
رفعت سماعة الهاتف بأصابع مرتعشة لتريحها علي اذنها دون كلمة..
مر قليلا من الوقت قبل ان تسمع صوته الاجش يبدو منهكا وهو يتنهد (يكفيني سماع تردد انفاسك لاشعر اني لازلت حيا)
لم ترد وذبذبات صوته تتلاعب فوق جلدها تثير فيه القشعريرة ليفافجئها ( انا عند البقالة في اول شارعكم ...دقيقتين وانزلي لحديقة البيت ...سأكون بانتظارك)
اجابت بتوتر ( قاسم لا استطيع ...البيت به سكان غير عمتي والحديقة مشتركة و...)
قطع سيل اعتراضاتها بحزم مرهق ( منتهي لا تتعبي قلبي...سأنتظرك...ولا تنزلي في ثياب البيت )
كانت تغير ملابسها بسرعة كالمنساقة ...مسحورة لاتملك من امرها شيئا ...
وقفت في حديقة البيت تتطلع في رأسه المرتاح بين كفيه جالسا علي مقعد الحديقة ....عاجزة عن الكلام...مشتاقة بإحتراق.
رفع عينيه اليها يلتهم ملامحها بوله...وله وغرام جديدان عليه...يجربهما لاول مرة كمراهق مع منتهاه.
توسعت عينا منتهي في جزع وهي تجري اليه ( يا الهي قاسم هل انت بخير...لماذا تبدو هكذا!!!)
كان قاسم كمن واجه وحده عاصفة ترابية منذ دقائق...وجهه وملابسه متربة..وكفاه مشققتان بشكل مؤلم...فلم تتمالك نفسها وهي تلتقط كفاه بكفيها بخوف
( ياربي...تبدو تلك الجروح مؤلمة...يجب ان تطببها)
كان يتطلع فيها بإنتشاء عجيب...انتشاء بعد غياب مفروض فهمس ( اذا طببيني...رأيت كيف تسكنين ألالام زين بلثماتك ...ألن يكون لابو زين نصيب من دوائك الشافي)
رمت كفه ووجهها يشتعل وهي تهتف ( انت غير مهذب يا قاسم...(
فتأوه مدعيا وهو يلتقط كفه بالاخري...فعادت بلهفة غاضبة تلتفط كفه الموجوع ( أرأيت ماذا جعلتني افعل.... ثم ارجوك اخبرني ما سبب تلك الجروح)
لف كفه لتصبح كفها نائمة داخله ثم رفعها لخده يسنده عليها وهو يغمض عينيه بتعب وراحة كمسافر التقي اخيرا بوسادته ( ستعرفين كل شئ...دعيني انام لدقيقة ثم اعود لبيتي وغدا تعرفين)
حاولت سحب كفها دون جدوي ووجهها يشتعل فنهرها بصوت من شفتيه ( تؤتؤ....دعيني ارتاح والا لن ادعك تذهبين ...بل سأطالب بساقك كوسادة)
هل رضخت للتهديد ...ام تستكانت لمشاعر الحنين بداخلها ترتوي من وجهه المرتاح بهوادة لاتعرف.....
كل ماتعرفه انها فقدت الاحساس بالزمان والمكان حتي سمعت ندء هامس باسمها لتجدها سهر في نافذتها ...تتقافز ككرة مطاطية وهي تحرك شفتيها بغضب بلاصوت ففهمت منتهي انها تصرخ عليها علي هذا المشهد العاطفي الذي قد يراه اي من الجيران ....فسحبت كفها بفظاظة جعلت قاسم ينتفض وهي تجري لمدخل البيت..
ألتفتت له...لازال في جلسته غارقا في ضوء القمر ونظراته اليها تحمل الف وعد ...
( لاتنس تطبيب جروح يدك)
وصلتها همسته الخشنة ( وجروح الروح في انتظارك لتطببيها يا بلسم الروح)


  

داويني ببلسم روحكحيث تعيش القصص. اكتشف الآن