شهر كامل يراقبها ...يتشرب تلك الملامح المشدودة في انبهار وإعجاب...هتف في نفسه
( اي انبهار واي إعجاب يا رجل...انت غااارق في هوي السيد توبجي)
كم يتمني لو يحتويها بين ذراعيه واضعا رأسها علي كتفه آمرا ( ابكي......ازرفي تلك الدموع المتألقة في في اكسيري القوة ..عيناك منذ تلك الليلة)
لن ينسي تلك الليلة حين كان غارقا في نومه بعد منتصف الليل حين ايقظته امه بحنان لم يعتاده .....لا لم يعتاده فكل شئ تغير مع تعرف ابويه واقترابهما من عائلة توبة ..هامسة حتي استيقظ
( ولدي...توبة هاتفتنا...لقد توفي السيد ناصر)
انتفض من نومه وقلبه يغادره بوجع...لقد تقرب من السيد ناصر في تلك الفترة واعتبره مثلا اعلي...لقد احبه بصبره الشديد وهدوء كلماته.
متخوف هو علي توبة والسيدة ناهد واطفالهم انطلق مع والديه الذين اصرا الذهاب لبيت توبة.
كان البيت مزدحما بأهل الحي والاقارب القليلين يلتفون حول السيدة ناهد الاطفال بينما لا اثر لتوبة لذا بعد ان وقف مع الجيران الاقرب يرتبون الساعات التالية..اتجه لغرفة السيد ناصر بعد اشارة موافقة من ناهد.
دخل الغرفة التي اعتاد دخولها ليساعد السيد ناصر في نقل الاغراض او تبديل الاضاءة...ليراها في صورة لن ينساها ماحيا.
كان السيد ناصر نائما علي سريره كما رآه علاء عشرات المرات وعلي وجهه اقرب لابتسامة هادئة وبجوار السرير راكعة توبة علي ركبتيها تمسك يده وهي تتطلع في وجهه بإنتظار.
كانت في رداء صلاة لم يرها به من قبل...ابيض تماما كفستان عرس...فزاد انقباض قلبه.
رفعت عينيها المطفئتين اليه بتوسل ( ايقظه علاء....لا يبدو كميت صدقني...هناك خطأ ما...لقد اخبرني مئات المرات انه لن يتركني الا عندما اصبح ناضجة)
ثم عادت بوجهها لابيها تحيط وجهه بكفيها بنعومة ودموع صوتها اقوي من دموع العين ( هل تراني ناضجة ابي..والله لن اكون ابدا ناضجة لدرجة ان اتركك تذهب...لازلت اخاف ابي...لازلت مندفعة مجنونة..اين النضج ها؟ اجبني اين النضج في؟)
شدها علاء من ذراعها بصرامة لتقف علي قدميها وهتف بحزم ( انت لن تنهاري توبة كالفتيات الضعيفات صحيح؟ انت من وقفت بي يوما تحاجيني بأن اطفالك لم تعتاد الفقد...لم تعتاد الفراق...)
انتبهت حواسها ليستطرد بقوة ( انزلي وقومي بدورا اخترتيه بنفسك..لم يفرضه عليك احد...سيشعر الاولاد الان باليتم مضاعف ...فهو اليتم الثاني او الثالث في حياتهم ربما...
لاتحطمي سندهم كله في ليلة واحدة)
وبعدها تركها مبتعدا هاربا من شعورا بدأ يطغي علي غيره..ان توبة هنا بين ذراعيه لاول مرة.
نزل ليبدأ في اجراءت الدفن وغيرها ليتعامل كإبن للسيد ناصر بينما والده معه خطوة بخطوة ووالدته مع السيدة ناهد تشد من ازرها.
كم تغير والداه حقا منذ جاء هو اليهما. وكأنهم كانوا في انتظاره وانتظار مقابلة صنفا من البشر لم يصادفوه من قبل....صنفا يجيد فن العطاء بلا حدود....فن التفاني...صنف اسمه توبة.
وها هو الان وبعد شهر من المراقبة لازال يراقبها وعلي وجهها نفس الابتسامة التي نزلت بها من غرفة ابيها تلك الليلة...وحده اكسير القوة بعينيها خفت قليلا دون ان يخبو.
وقف في الساحة الامامية يحاول تصليح السيارة القديمة بإصرار ولازال عقله يسترجع تلك اللحظة التي خلدها عقله في سادية يعيدها عليه كل ثانية وهي بين ذراعيه
استفاق لثانية من احلامه ليراها تخكو خارج المنزل لتقف لثوان عند الباب الخارجي تمسح وجههها عدة مرات بكفها ...تلك الحركة الملازمة لها لتمنع دموعها من الهطول.
اقتربت منه في تلهي عن واقعها الحزين ليستقبلها بنظراته تحتويها.
( صدقني تلك الخردة عديمة الفائدة ...كم اتمني شراء جديدة اعلي واقوي)
تحسر بصوت عال ( آه من النساء وقلة وفاءهن ...اهم ما يشغل بالهم المظهر...لكني كنت اتوقعك مختلف سيد توبجي)
اجابته بتعقل ( انا لااهتم بالمظهر...بل قلت اعلي واقوي..لم اقل اجمل)
قطعت حديثها تنظر له بدهشة وغيظ متسائلة( علام تضحك)
قطع علاء ضحكاته ليجيب( لانني ناديتك سيد توبجي وانت جاوبتني بتلقائية)
زفرت بتأفف ( يا الهي....لقد جعلتني من تكرارك الممل له. ان اتقبله.اجاب بثقة ( لا عزيزتي...انا من له قدرة علي الاقناع)
لم تبال بلفظ التحبب مما اثار غيظه ( هاها قدرة علي الاقناع...بدليل انك لم تستطع امس اقناع سليمان بكتابة الواجبات الا بالتهديد )
لم يكن هو المسؤول عن مساعدة الاولاد ..كانت مهمة السيدة ناهد التي بدت مرهقة فعرض عليها علاء القيام بتلك المهمة التي حسبها بسيطة ...ليفاجئ بها علي قائمة المستحيلات حتي وصل به الامر لتهديد الصبي في لحظة جنون بأنه * سيعذبه*
حك رأسه بحرج ( ذلك الواشي الصغير )
اجابت توبة مبتسمة ( اذا كيف كنت ستعذبه ....لقد اخبرني سليمان وهو يقهقه)
( لا اعرف كان تهديد واهي اليس كذلك)
ضحكت توبة وهي تؤمن بحركة من رأسها.....
ضحكت فشعر علاء بأن نبضة تزيد في قلبه ...او نبضة تهرب اليها لا يعرف الا انه همس
( تبدين جميلة حين تضحكين توبة)
توقفت عن الضحك وعينيها متعلقتان بتلك النظرة الجديدة في عينيه تخبرها ان اسمها من بين شفتيه غزلا.
لحظة كانت قبل ان يتوتر وجهها في قلق وهي تري القادم من بعيد.
ألتفت علاء تلقائيا لحيث وجهة عينيها ليري ذاك الرجل ذي الملابس الرسمية والذي حضر العزاء جالبا نفس النظرة لوجهها ووجه السيدة ناهد.
القي الرجل سلاما رسميا قبل ان تدعوه توبة للداخل.
وقف علاء يتميز غيظا من تلك التي تقصيه عن حياتها رافضا ولم تكد تمر سوي لحظات قبل تناديه السيدة ناهد بصوتها المرتفع لينضم اليهم.
كانت السيد ناهد تبكي بحرقة بينما توبة تجلس رأسها منخفض وعيناها زائغتان.
توترت عضلات علاء ليسأل بعدائية ( ماذا يحدث هنا ...وانت من تكون )
ارتبك الرجل من لهجة علاء المبشرة بشر فسارع ( انا اسمي السيد محمد وانا مندوب من الشئون الاجتماعية....)
صرخت السيدة ناهد ( لقد حضر ليخبرنا ان الوزارة ستأخذ اولادنا منا)
( من قال هذا ....لن يأخذ اي من كان الاطفال من بيتهم وعائلتهم(
ردت توبة بصوت منخفض ( انه القانون علاء...من نحن لنقف في وجه القانون)
اجاب الرجل بعملية علي تساؤل علاء ( القانون ينص علي ان العائلة المضيفة لا تكون صالحة الا اذا كانت مكتملة...اي اب وأم...زوج وزجة)
همست توبة بصوت مسموع ( وقد ذهب الزوج...مات الاب وتيتم الجميع)
لتنهار بعدها باكية...دموعوها حقيقية لم يرغب علاء في ان يراها ابدا...واكسير القوة في عينيها انتهي.
استجمع علاء قوته حتي لايجري اليها يحتضنها هاتفا ( الا انت يا من علمتني القوة ...الا دموعك)
ليعلن بصوت صارم ( لا اري لهذا داع...سيد محمد انا وتوبة خطيبي وقد طلبتها من والدها قبل وفاته ووافق...كنا سننتظر عدة اشهر قبل الزواج احتراما للمتوفي..لكن الان لا اري ما يمنع اتمام زواج عائلي حتي نرضي القوانين)
كان الكل مصدوم ولكن بدا كأن اول من استفاق من صدمته هي توبة التي كادت ان تهتف معترضة قبل ان يجري اليها علاء محتضنا اياها بقوة وهو يؤكد ( اسف حبيبتي اعرف انك تمنيت حفل كبير...اعدك ان اعوضك)
حاولت الابتعاد لكنه شدد بإحتضانها هامسا بصوت خفيض ( استكيني...اسكني لحضني حتي يبتعد هذا المتطفل)
وبالفعل في اقل من ثانية كان السيد محمد يتبع السيدة ناهد والتي كانت في حالة من الهدوء لم يتوقعها علاء نفسه للخارج.
تجمدت ذرات الهواء ....بل تشكلت في عيني علاء لنسخ متشابهة من كيوبيد يبتسم له ببراءة تبعد كل البعد عما يدور في عقله وجسده وبين ذراعيه توبة الان التي بدأت تدفعه بهيستيريا ليبتعد هو طواعية.....رفعت يدها بذهول وحشي لتهم بصفع ذلك الواقف بثبات ....لكنه بنفس الثبات احتوي كفها الصغير قبل ان تصل لوجهه
حرك رأسه بتأنيب طفولي
( هل يصح ان ترفع امرأه يدها علي زوجها)
( هل انتهيتما....ام بعد)
كانت جملة انطلقت بهدوء من السيدة ناهد الواقفة عند باب الغرفة فترك علاء كف توبة كارها محاولا السيطرة علي ذهوله مما اعلنته بعدها
( لقد اخبرني ناصر رحمه الله انك ستطلب توبة للزواج....وامرني ان اوافق)
( عيناك في الارض قاسم...عيناك في الارض..غض بصرك يا رجل يبد انك نسيت ان امراءة
في الطابق العلوي تصارع الشياطين وبداخل يتكون طفلك...ولمن تنظر ابنة عمك يا دنئ)
لقد اعترف قاسم لنفسه ان منتهي تجذبه
( نعم تجذبني....لا اكثر.رجل يري فتاة جميلة كسحابة نقية..هادئة كهدوء ليالي الصيف فمن الطبيعي ان اتأثر ...ان انجذب..لكني سأكون رجلا ولن انظر لها اطلاقا)
كان يردد لنفسه تلك الكلمات وهو جالس امام منتهي علي طاولة الطعام يحملق بها كأبله قبل ان تنسحب لغرفة حنان.
وكعادته تلك الفترة تهرب متعللا بإزدحام البيت بالمهنئين بمولد اخته * بتول* التي يستحوذ عليها هي الاخري قيس بشكل جنوني معللا انه اول من رأها...
يهرب قاسم من كل هذا ليقضي في الورشة ساعات طويلة بين اخشابه يعمل بكد لم يبذله من قبل وكأنه يحارب ....وبالفعل هو في حرب مع طيف غيمته الوردية التي لاتتركه لحاله ابدا.
عاد في ساعة متأخرة ليلا عله لا يضطر حينها لمواجهة مشاعره المضطربة امام غزل البنات....تنهد قاسم براحة وهو يدخل البيت الغارق في الظلمة متجها للمطبخ كعادته
( تري هل جلست اليوم علي هذا الكرسي مع سهر يتسامران..) دون ان يشعر كان يملس علي ظهر الكرسي عل بعضا من حرارة هاجرته ينتقل ايهلي
( اصابت زوجتك بالجنون يا مسكين
حضر لنفسه ساندوتشا ليجلس فوق نفس الكرسي وابتسامة مراهقة تزين ثغره يحاول الاسترخاء.
توترت جلسته وهو يشعر بخطوات لا يمكن ان يخطئ صاحبتها تقترب...اغمض عينيه مدعيا النوم
( جيد...اغمض عيناك..اياك ان تفتحهما...ستري شمسا لن يكون دفئها لك..ستري وردة لن تجرؤ يوما علي قطفها..آياك)
لكن كل تحذيراته ذهبت هباءا ما ان شعر بمنتهي في حيزه ليفتح عينيه ببطء...وللحظة بدت ابدا كان كلاهما يحدق بالاخر بعيون غائمة...حتي كسر هيتلك الغيوم لتتجه للثلاجة تصب كوبا من اللبن.
تهالكت منتهي علي مقعدها امامه بإرهاق....وكيف لا تكون مرهقة وهي لا تنام سوي ساعتين تقريبا كل يوم....ولازالت لا تشتكي.
* ارجوك منتهي....فقط دعيني استدعي ممرضة متخصصة* قالها قاسم وهو يتأمل عرقين دقيقين جدا ظهرا عند نهاية عينيها.
هزت رأسها رافضة فتهادي شعرها حول وجهها كعادته يواسي الوجنتين .....يربت عليهم بحنان
( تذكر يا قاسم مع حدث اخر مرة مع الممرضة..كيف جن جنون حنان لوجودها وانتهي الامر بها تصرخ حتي جرحت حنجرتها*
صوتها..وآه من صوت غيمة رقيقا يصل لاعماق قاسم المتعبة يرويها لتصاب بالظمأ اكثر..
* منتهي* صرخة متألمة او مرتعبة من الغرفة العلوية جعلتها تقف بسرعة لتعود..
قبل ان تذهب رفعت كوب اللبن امامه وارتوت منه بجوع اوجع قلبه.....قبل ان تخرج من المطبخ مسرعة.
لبرهة من الوقت لم تخرج انفاسه من صدره وكأن خروجها سيمحي اثار تلك التي غابت
في النهاية رفع قاسم كوب اللبن خاصتها برفق ورفع لشفتيه يتشرب عبير انفاسها فيه ..كانت لحظة وهو يشعر بأنفاسه تختلط بأنفاسها المحبوسة قبل يفاجئ بها امامه ثانية ...غرق في بحر من الحرج وعيناها تسأله لماذا يشرب كوب اللبن خاصتها
قبل ان يهتف بنزق مصطنع ( الم تعلمك امك ا الشيطان يأكل ما نتركه...كنت بتركك كوب اللبن تحرصين علي ان يكون قوي العظام ام ماذا)
رفعت كتفيها بحركة غير مفهومة قبل ان تعلن بلهجة مجروحة ( حنان تطب رؤيتك)
سقط فكه في صدمة وهو يعيد السؤال ( حنان ..تطلبني..انا)
له كل الحق في العجب...لقد منع من رؤيتها بأمر منالطبيب الذي رأي ان لقاؤه بها يثير * وسواسا قهريا بكرهه*وممنوع بأمر الشيخ المتأكد *ان قرينها يريد اذيتها بسببه*
وما بين الوسواس القهري والقرين العصبي.
لم يعد يري زوجته حتي نسي كيف تبدو بالرغم من وحودها معه تحت سقف واحد.
امام غرفة حنان اعتذرت منتهي
( سأذهب انا لاري بتول..ربما تكون في غرفة قيس)
اراد قاسم ان يمسك بأذيال فستانها برعب ويرفض ان تتركه مع حنان التي تهدده بالقتل كلما رأته لكنه تماسك.
فتح الباب بهدوء شديد حتي لاتجفل منه وخطي داخل الغرفة ولسانه يلهج بالدعاء
وقف امام السرير ولكنها لم تكن فيه ...شعر فقط بأنفاسها تلفح رقبته من اخلف فأقشعر بدنه
همست بصوت غريب ( لا تخف..انا هادئة الان...وتلك حالة نادرة
رسم ابتسامة مغتصبة وهو يلتفت لها بجسده ( اي خوف...اخاف ممن حبيبتي حنون)
لم يتمكن من كتم ذعره بعدها وهو يراها مرددا ( يا الهي...يا الهي)
لم تكن حنان ابدا التي تزوجها من اقل من
سنة
كانت شبحا ....بقايا لها..ملممة في رداء بلون السكر
كانت هزيلة كورقة لايظهر من ردائها الواسع اي بروز....فقط عظمتي ترقوة بارزتين بشكل مخيف
همس في ذهول ( يالهي..ما اصابك حنون...)
ضحكت بخفوت ( اصابني الجنون)
وكأن كلماتها كانتمرهقة كادت تسقط ارهاقا فأسرع اليها يسندها..فدفعته رافضة وهي تتمدد علي السرير.
كانت تتنفس سريعا كمن قام بمجهود شاق قبل ان تقول ببساطة
( طلبي الثاني قاسم...طلقني)
ضحك قاسم ضحكة خاوية ثم همس ( انت تمزحين صحيح؟ لن اطلق زوجتي الحامل ابدا)
همست بصوت مبحوح ودموعها تجري علي وجهها النحيل ( طلقني قاسم حتي الد بسلام....شياطيني لاتتركني لحالي تمنعني عن الاكل...تمنعني عن الحياة
كل ما ارغب فيه حقا هو ان ألد ذلك الطفل...ذلك العمل الذي سيحيني حتي وان مت في سبيله
فتح اصلان الباب بتعجل محملا بالحلوي والفاكهة علي مختلف انواعها لتناسب هوي كل فرد في عائلته...لأمه ونور احضر الموز البلدي الذي يفضلانه
اما لشهاب الهادئ فقد مر خصيصا علي بائع اخر ليشتري الرمان الذي لايجده بسهولة ...وللسفاح الصغير او كما تحب دلال ان تناديه حضرة الضابط بهاء فقد كاد يجن وهو يسمع عن طلبه العجيب
( يا سيد اصلان اريد ان آكل يوميا الكبدة التي ستجعلني قويا شجاعا يهابني الجميع)
كان بهاء يكره اللحوم والكبدة فخافت عليه دلال من الانيميا وآلفت تلك القصة التي سمعها اصلان بابتسامة وهي ترددها علي مسامع بهاء مع كل قطعة كبدة تضعها في فمه
( كل قادة الجيوش العظماء اكلوا الكبدة في صغرهم...هي السلاح السري صدقني حضرة الضابط)
وحدها دلال لم تطلب شيئا وكم اغاظه انه لم يلحظ ابدا ميلها لفاكهة او حلوي لذا تخابث قليلا وسأل شهاب الذي كان اكثر من مرحبا لان يعلن بخبور
( امي تعشق البسبوسة...لكن في كل مرة تحضرها تهتف بغضب انها ليست في لذاذة بسبوسة عم فتحي الحلواني بشارعهم)
لذا اتجه اصلان بعد عمله لعم فتحي ...وها هو الان يتلقي الجائزة
تفاجئ وهو بمنتصف الشقة ان دلال ليست حاضرة لاستقباله...بل ليست موجوده في الشقة كلها
( دلال تنتظرك بالشقة العلوية....) همستها امه بتواطئ فدق قلبه وهو يصعد الدرجات القليلة بسرعة ومعه لفة البسبوسة
طرق بخفة ليسمعها تنادي ان ادخل
فتح الباب ليفاجئ برائحة البخور تسكن حواسه وهو يتجه تلقائيا لحيث يعتقد لقياها...
كتم انفاسه باثارة وهو يراها تقف امامه بفستان بلون الذهب الرائق يكشف بسخاء لم يعتاده منها عن ذراعيها ونحرها
اقترب حتي اصبح امامها تماما فهمس مسحورا ( دلال ...تبدين ..كقطعة شيكولاتة خرافية ملفوفة في ورق من الذهب...لا يحق سوي لمالكها تذوقها)
قرن كلماته بمد اصبع السبابة يمرره علي كتفها العاري ببطء قبل ان يضعه في فمه متذوقا وهو يهمهم بحسية جعلت صدر دلال يعلو ويهبط بجنون
وكأن التذوق لم يعد كافيا....
اقترب اصلان منها حتي التصق صدره العريض بجسدها النحيل وليتأكد من ذوبان المسافات كان ذراعه يحكم الاقتراب خلف ظهرها..قبل ان يضع شفتيه بهوادة علي كتفها العاري يقبله بنهم قبلات اقرب لعضات صغيرة مثيرة.تهدجت انفاسها بجوار اذنه قبل ان تقبله دلال بخجل علي خده...ليبتعد اصلان فجأة للوراء.
كاد توازن دلال ان يختل لولا ذراعه خلف ظهرها داعما وهي تهمس بعذاب ( شهر..شهر كامل يا اصلان تبتعد...هل اغضبتك انا؟)
لقد كانت محقة ومخطئة في نفس الوقت ...لقد كان هذا الشهر خرافيا في حياتهم الاسرية.
لقد اصبح اصلان اكثر هدوؤا وتعقلا وقربا لاولاده...يقضي معهم معظم الوقت في تبادل الحديث وبعض الاحيان في اللعب...الخلاصة اختفي الاسد الشرير ليظهر الليث الطيب.
اما في علاقته بدلال فقد تقرب منها بشتي الطرق...تغزل فيها بجديد العبارات وقديمها..حتي يأتي الليل فينام بعد ان....يقبل رأسها بأخوة مغيظة.
تورد وجه دلال وهي تدرك انها تسأله بكل وقاحة عن ابتعاده الجسدي عنها.
رفع حاجبا وابتسامة عيناه تتألق بجزل رجولي ( اي ابتعاد....انا لم ابتعد ساعة)
طأطأت رأسها بخجل يأثره وهي تتمتم ( انت تفهم ما اقصد...)
كعادته حين يبلغ الهوي منه مبلغه تأوه بحماس ( آآه لو تعرفين يغمازات كم يتعبني الابتعاد...لو كان الامر بيدي لكنت قضيت كل لحظة في قرب..قرب شدييييييد)
انحني يقبل غمازتها الغائرة بخفة وعاديهمس بصوت مبحوح ( لو كان الامر بيدي لكنت اغلقت المحل نهائيا وارسلت امي والاولاد للعمل في الخليج وبقيت انا بالقرررب)
جلس اصلان علي الكرسي القريب وشدها لتجلس فوق فخذيه ....نظراته التا ئقة ويديه التي تتلاعب كطفل شقي في طيات شعرها الاسود ورقبتها الطويلة فتغمض دلال عينيها بتأثر
( اذا كان بك كل هذا الشوق فلما الابتعاد)
لم يرد اقترب بشوق متردد مس شفيها يشكو غباءابتعاده
وصوته يخرج من بين شفتيه حارا كمشاعره
(لقد فهمت يا دلال ....ياحب اتاني ليحيني..وانا بقسوتي اوجعه..غبائي يجعلني وانت بين يداي معطاءة مستسلمة ازداد خشونة وأؤذيك..فتتألمين فأتوجع)
اجابت بحمائية ملتاعة ( وانا لم ولن اشتكي...)
قاطعها ( انا اشتكي وقلبي يئن اذا اوجعك...دعيني اغرق في بحور ليلك بهدوء وترو...دعيني اتذوق الشيكولاتة كما يجب..ببطء وتقدير..اجعليني اذوب فيها وتذوب فيا حتي نهاية العمر)
لم تعد تقو علي ابتعاده مع كلماته المتهدجة وقلبه الذي ينبض بكل جسده فالتصقت به معلنة نهاية المجادلات فقبلها اصلان بعمق ثو ابتعد ثانية كالملسووع وجسده الثائر يئن باعتراض
( لازلت اراك فأفقد صوابي...لازلت اشعر بنفسي سأؤذيك..والله لن اقبل ان تكون عليكي كدمة مني ماحييت)
لاحظ بشغف عينيها المشتاقتان فابتسم مشجعا ( هيا...كوني فتاة طيبة ولا تضعفي عزيمتي..فأنا اصلا تعبان...تعالي لتري ما باللفة
عاد منصور لجناحه مساءا ..ليجد لوحة اثارت بنفسه ارق المشاعر حيث هزيمة تجلس علي السرير وبجوارها فاطمة تحمل بتول
( السلام عليكم ...ماشاء الله ملكة واميراتها بجوارها)
ابتسمت فاطمة وهي تتجه لابيها تقبل يده وهي تعلن ( بارك لنا الله في من نحن اميرات في كنفه..) ثم همست بتواطئ ( امي حزينة قليلا)
استأذن مغادرة وبقي منصور واقفا يتطلع في هزيمة وبتول.
كانت هزيمة متألقة بنضارة طبيعية وزيادة وزنها الطفيفة في الحمل تجعلها اكثر تألقا ولكنه لاحظ مسحة الحزن في عينيها فاقترب يتسأل ( مال مليكتي ومال الحزن في عينها...؟)
نظرت له وهي تشهق شهقات خفيفة تحاول منع نفسها من البكاء ولكنها فقدت كل السيطرة وكفه الضخم يلامس شعرها بحنان
( اشعر بالاختناق يا ابوقاسم...لم اتخيل للحظة ان يعيش ابني تعيسا بهذا الشكل...وحنان التي لم اعرفها سوي لاشهر..حزني لها يأكل قلبي وانا اراها تزوي وتذبل بهذا الشكل)
اجاب منصور بمعرفة ( انه امر الله وتدابيره التي لا راد لها يا هزيمة)
سارعت ( اعرف واللهم لا اعتراض...ولكن اشعر منذ مدة ان البيت لم يعد بيتنا الذي لا يعرف الحزن والاسي...اشعر بالخوف من القادم...حتي ابنتي لم يفرح بها احد سوي قيس)
اشارت لبتول النائمة بآسي فقاطعها منصور بقوة ( لم يسعد قلبي لمولد طفل مثلما سعد ببتول)
اجابت بعتب ( ولكنك حتي لم تقم لها حفل سبوع وعقيقة)
ابتسم مراضيا ( هل تلك هي المشكلة....لن ترض لام العروس كلكمة...ستكون احلي عقيقة واحلي سبوع يوم الجمعة القادم بإذن الله...وسأعلن عن خبر سيفرح الجميع...هل انت راضية يا ام العروس)
قبلت كفه بامتنان ( الله لا يحرمنا منك يبا ابو قاسم ....)
تنحنح بتأثر لحركتها البسيطة ووهمس ( اذا هل لي بطلب في المقابل) هزت رأسها موافقة فقال بغمزة ( قبلة)
شهقت هزيمة ووجهها يتورد خجلا ( ما هذا الذي تقول يا منصور ..لا يصح ابدا)
تطلع فيها بعجب مدهوشا ( ما هذا الذي لايصح؟ انت حلالي منذ سبع وعشرون عاما ..اولا تذكرين؟)
قالت ولازالت تغرق في خجلها كمراهقة في السادسى عشر ( نعم لكنك لم تقبلني من قبل)
تطلع منصور فيها بصدمة لثوان قبل ان ينفجر ضاحكا وهي تلكزه في كتفه تكاد تموت خجلا قبل ان يهمس بلهجة خشنة
( اقتربي اذا يا فتاة كي اعوضك عن تقصيري)
دخل ابراهيم المطبخ عائدا من عمله ليري رقية جالسة للنافذة والحزن لامعا في عينيها النيلية بحثا عن مرسي...
( فأرتي.....لما الحزن)
سألها بحنان وكفه يداعب رقة ظهرها ....سأل بالرغم من يقينه بالاجابة لذا حين لم ترد استطرد بقوة
( رقية..لقد زرنا الطبيبة واكدت ان كل شئ علي ما يرام....التأخير بلا سبب واضح...معناه ان قليل من الراحة النفسية لن بضر)
تطلعت بعينيه وهي تسأله بنبرة مختنقة ( اذا ما سبب التأخير...انا سعيدة كما لم اتخيل في حياتي اني سأكون....أليست السعادة هي الراحة التي يبغاها الجميع)
احتواها بين ذراعيه برقة بالغة ( طبعا يا فأرتي....فقط اتمني لو تتناسي الامر برمته وتوكلي الله فيه)
حضنه الحنون جعل دموعها المتماسكة تنهار برقة ليزيد من ضغطته وهي تهمس ( كل خوفي ان يسرق العمر منا سنة تلو الاخري...
ان يضيع الحلم ببساطة
كما حدث مع دلال...)
ما ان نطقت الاسم المحرم ذكره في بيتهما حتي توترت وهي تشعر بالجسد الحار الذي احتواها يتحول لتمثال رخامي بارد
وصوت قاس يخرج منه صارما
( ألم يكن بيننا اتفاق علي ان لا يذكر اسم تلك ال...في بيتنا)
ابتعدت بضيق لتراقب ملامح وجهه الرافضة
( ابراهيم....لا اصدق ان بعد كل التبريرات والتوصيحات لازلت تنظر لدلال تلك النظرة الدونية)
رفع حاجبه المشقوق وهو يصر ( مهما قدمت من تبريرات لن يشفع ذلك لمن استدعت شابا لاتعرفه لبيت عائلتها بمنتهي الانحراف)
فتحت فمها لتدافع فزجرها بقوة حتي ارتج جسدها حرفيا ( رقية...هذا الاسم...وهذا الموضوع منته...لن اتقبل تلك الفتاة في حياتي او حياتك ابدا....ابدا)
جلست رقية بجوار عمها منصور بعد اكثر وعشرين عاما من تلك
اللحظة تلعن صمتها وموافقتها علي قراره المتعنت .....
اكثر من عشرين عام مرت لتواجه رقية نتيجة صمتها .
هاي هي جالسة بعد كل تلك السنوات تلعن غباءها انها لم تتخذ موقفا حاسما ذاك اليوم.
خرجت من افكارها علي صوت عمها منصور الذي لم يغيره السن
( يا راقية....لقد مكثت هنا لوقت طويل...اكول مما ينبغي...وكما سمعت في مكالمة قاسم..قيس مريض وعلينا انا وخالتك العودة...اخبريني ما قرارك)
عدلت رقية نظاراتها وهي تتطلع في ابراهيم الحالس امامها ينظر لها بتعنت جعل حسم امرها سهلا ...
( لقد قررت عمي ان اعود معك ...)
هزة رأس موافقة من منصور كانت اشبه بجذب زناد لينفجر ابراهيم هاتفا
( الي اين تذهبين....وانت ياحاج منصور هل تؤيدها)
رفع منصور عينه بهدوء للرجل الذي لم يختلف كثيرا عن الشاب الذي جلس يحكي له بطولة ما يوما...لم تتغير فيه سوي خصلات بيضاء زادت شعره هيبة ويبدو انها لم تزده تعقلا
شمله منصور بنظرة باردة قبل ان يقول بهدوء ( حاج منصور...؟ ما رأيك ان تناديني افضل اسطي منصور كما يناديني شخصا اتي ليطلب مني ان اصنع له غرفة)
ارتبك ابراهيم وهو يقترب من منصور هاتفا ( اسف يا عمي...اقسم اني لم اقصد ابدا...ولكن استمع لها...تريد ترك بيتنا والعودة بعد كل هذا العمر)
هز رأسه منصور بحكمة ( انا معها للاسف...ولن اقف كاعالدة في صفك يا ابراهيم لانك خسرت بأفعالك نقاط كثيرة من رصيدك عندي...ستعود رقية معي لبلدها وبيتها ...وانت..انت وحدك من عليه اعادة حساباته...
كانت رقية في غرفتها تلملم اغراضها بعزم...عزم واه ليس من الحقيقة بشئ ولكن عليها ادعائه والابتعاد....ربما تنقذ حينها العاشقين من مصيرهم المزري.
شعرت رقية بخطات ابراهيم التي ) طالما اتجه بها اليها ..برفق ولين حتي لايفزعها
وقف كلاهما متواجهين العسول وفأرته...همس بترجي
( فأرتي لاتتركيني...ليس بعد كل هذا العمر )
لمست ندبة حاحبه ثم نزلت لندبة شفته بنعومة اثارت في جسده ارتجافة...ارتجافة اشتياق بعد هجران طال.
( انا لا اتركك عسولي...انا فقط اترك لك مساحة لتري وتستشعر وتقدر.،...تري نعم الله...تستشعر قيمة الغفران...تقدر ان سعادة انسان بجوار من يحب اغلي واهم بكثير من ان تثبت كطرف ثالث انك علي حق)
تمدد قيس علي سريره في المشفي وهاتفه لازال علي اذنه يردد ( قسما يا عمي انا بخير...نعم قرحة نازفة...لا لاتقلق..ارجوك هدئ من روع خالتي هزيمة...حسنا انا في انتظار وصولك بالسلامة..عماه هناك امر علينا ان نناقشه)
انتهي قيس من المحادثة الهاتفية ليعود ويتمدد في سريره وابتسامة ذاهلة تزين ثغره...
لاول مرة يشعر مع بتول ...او بعد ان يلمسها بتلك السعادة..دوما شعورا بالضيق كان حليفه اما اليوم
( لاول مرة اشعر اني لا اريد الابتعاد ...اني اريد الغوص اكثر والتلاشي في تلك المجنونة)
اراح رأسه علي ذراعه المثني وهو يتذكر لقطات من حياته مع بتول..
كانت دوما ومنذ البداية هي المحرك الاساسي لعواطفه...تذكر بالاخص ذلك اليوم..
كان يوم مولده ...ذلك اليوم الذي يكون فيه حزينا بشكل مضاعف وه. يسترجع ذكري والديه..لذا ليلتها اتجه كعادته للغرفة الخلفية التي زاد حجمها مع الزمن لتصبح اقرب لجناح لطيف.
دخل الغرفة ولازالت تهاجمه تلك المشاعر الغريبة تجاه ابنة عمه بتول...ليجد ساكنة افكاره ماثلة امامه.
( بتول...ماذا تفعلين هنا وفي هذا الوقت)
سألها بتوتر هو حليفه في وجودها...منذ ان اكتشف ان مشاعره تجاهها غير اخوية بالمرة.
كانت تتطلع فيه بقوة و صدرها يعلو ويهبط بعنف اسفل فستانها الاسود قبل ان تقول بصوتها الثابت دوما
( جئت اتمني لك عيد مولد سعيد واعطيك هديتك)
مدت يدها بعلبة صغيرة ففتحها قيس بذهول ليجد بداخلها...خاتم نسائي ذهبي.
اقتربت منه بتول وهي تهمس ( يبدو ان نصيبي كنصيب امي...ان اطلب يد ابن عمي للزواج...)
قاطع افكاره دخول مغوارته الشجاعة معلنة
( قيس...حضرت كما اتفقنا ومعي الطبيب النفسي لنبدأ الجلسات)
كانت بتول تخطو لداخل الغرفة بفستان بلون الفستق تزينه وردات بنفسجية بارزة بخطوات واثقة تصرخ* يا ارض اتهدي*
. غيظه من تصرفهاذالمسيطر دون الرجوع اليه جعله يكبت نظرات الاعجاب لتحل محلها جمرات الغضب
( لم نتفق دكتورة بتول علي هذا)
قالها قيس بصوت بارد كنصل ثلجي
اقتربت بتول دون ان تأبه للطبيب الذي ابتعد لاخر الغرفة ليمنحهم الخصوصية المطلوبة
كعادتها اقتحمت حيزه بقوة لتمرر اصابعها النحيلة في شعره وهي تقترب من اذنه...قبل ان تهمس توقفت لدقيقة كاملة شفتيها تلمس اذنه وانفاسها تلهب حواسه
( قيس...لأجلي...لأجل هذا الاحتياج بدمائي يشتعل بنار الحرمان بدمائك)
أنت تقرأ
داويني ببلسم روحك
Romanceالجزء الاول من سلسلة بيت الحكايا ************************** (اريد العودة لبيتي) يرددها قلب رقية بدون ادني صوت لان عقلها متيقن ان لا فائدة كن هذا الرجاء. ليس الان وهي قد أصبحت في دولة اخري تبعد عن بلدها خمس ساعات بالطائرة. ليس الان وهي في سيارة رجل...