كومة الياسمين

523 17 11
                                    


في قاعة الشاي كنت أجلس
...في زاويتي في ركني المفضل
ارتشف فنجان قهوتي الإطالية
...ألهبها بسجارة تلوى الأخرى...
مداعبا صفحات كتاب بين يداي
و فجأة ...سمعت وقع حذاء يتقدم نحوي
كانت تقترب إليا بخطوات مترددة ...
رفعت رأسي عن كتابي ...
فإذا بها امرأة أقل ما يقال عنها أنها فاتنة ...
إبتسمت لها فزال خوفها ...
ابتسمت هي ابتسامة أنارت المكان ببريق عينيها ...كانت تبحث عن مجرد قلم لتدون شيئا ما علمت به لاحقا
...طلبته مني بصوت خافت يكاد يسمع ...
...ناولتها إياه ...
أمسكته ...و بين تردد و جرأة... دعوتها بالجلوس ...
و ما إن جلست...
أخرجت كومة من الياسمين و وضعتها أمام فنجاني
رباه !!!
...كيف علمت أني أعشق الياسمين
...أعشقه و هو يرافق قهوتي ...
أمسكت واحدة منها و أخذت أشمها
رمقتها بنظرة فإذا بها تحدق لي ...
و كأنها تنتظر ردة فعلي ...
سألتني ...ماذا تطالع ؟
أجبتها ...إحدى روائع جبران ...
قالت ...هل لي أن ألقي نظرة ؟
قلت ...بالطبع سيسعد هذا الكتاب حين يرتمي بين يديك...
إبتسمت و تقاطر خدها خجلا ...و نست حتى ان تتصفح منه و لو ورقة ...
ثم قالت ...
كنت ارمقك منذ قليل ...
لا بل منذ ان إعتد على القدوم إلى هذا المقهى ...
أجدك دائما في تلك الزاوية مرفوقا بقهوتك و كتاب لا يفارقك ...شارد الذهن تارة تلتهم سجائرك كحبات العنب الواحدة تلوا الأخرى ...
لا تلتفت يمينا و لا شمالا و كأنك في عالم آخر ...
حتى أنك لم تلحظ وجودي يوما و انا التي اعتدت على لفت الأنظار أينما حليت ...
إبتسمت لها ...سكتت برهة ...ثما قلت بصوت خافت...
سأخبرك شيئا آنستي ...
من منا لا يلاحظ الشمس حين تشرق ،أو القمر حين يطلع ...
نعم لاحظتك كبقية من اعتادوا هذا المقهى...
لكن الفرق هو اني معتاد على إرتياد هذا المكان حتى قبل أن يكون كما هو عليه الآن ...هذا وكري حين أكون سعيدا أو حزين... عند تعبي ...عند غضبي ...آتي إلى هنا في أي حال أكون ...لم تكن النساء ترتاده سابقا ...أما الآن فأصبح مختلطا ...
الأغلبية يرتادونه علهم يفوزون بموعد غرامي ...أو بحثا عن شريك أو شريكة يستأنسون بها في وحشتهم ...
أما أنا فأراه كسالف عهده ،مجرد مقهى معزول يملؤه الهدوء ...يوم كان ما لم يعد عليه ...
و ما استطعت التخلي عنه ...
نعم لاحظتك و لاحظت نظراتك التي كنت تسرقينها بين رشفة قهوة و أخرى ،لكن على المرئ أن يضحي بأشياء كي ينال أشياء أخرى ...و أنا ضحيت بك كي أنال إحترامك ...
لست مثلهم و أبدا لن أكون ...
و في الأخير ما قدر له أن يكون يجب أن يكون و لو بعد حين ...و ها نحن الآن جالسين بعدما ادعيتِ حاجتك للقلم و بعلمك أني لن أتركك تغادرين طاولتي بعد قدومك ...
و كأن أرواحنا تهامست في الخفاء ...و اتفقت على اللقاء ...
و ها نحن الآن و ها هي أرواحنا  الآن ...
و تأكدي أنه ما يأتي على عجل يذهب على عجل ...
و ما أتى بتأني و حكمة...سيدوم و يطول ...
قالت لي ...كنت أراك رجل حكيم ذو وقار  تملأ المكان بهيبتك و تجعل من يراك يقرأ الف حساب قبل أن يكلمك ...
و ها أنا ذا فعلت و تأكد كلامي و ازداد ...
لا بل تأكدت و أيقنت أنك من طينة نادرة ...
إبتسمت ابتسامة فخر و اعتزاز و اردفت قائلا ...
هيبة و وقار لن تجرأ على اقتحامها إلا إمرأة تملك من الثقة ما يكفي لتجتاز حواجز وضعت لصغار العقول و ارواح ميتة حتى قبل أن تولد ...
امرأة تملك من الشجاعة ما يكفي لتعلم أنه باستطاعتها محاكاة رجل مثلي دون أن تلجأ للحيل او الخبث أو حتى نفاق و شخصية مصطنعة ...
امرأة معجونة من رحيق الياسمين تبقى بيضاء حتى و ان اختلفت عليها الفصول ...
قالت ...هل لي بسؤال ؟
قلت ...تفضلي ...
قالت ...هل تؤمن بالحب ؟
فأجبت ...
الحب الحقيقي يا آنستي يأتي دون سبب ، ليس له قيود ، لا يأتي بالمال ، و لا يؤخذ بالجمال ؛ ولا يقاس بعمر هو قدر...
قالت ...هل تؤمن بالقدر ؟
قلت لها ...هل تسمحين لي بالإجابة على طريقتي ...
طريقة منذ مدة لم استعملها ...ربما ستدهشك ربما ستبهرك ...
لكن ما وجدت افضل منها للإجابة على سؤالك ...
قالت ...نعم تفضل ...
فقلت ...
كنت  كإشراقة شمس بعد هطول الأمطار ...
ألقيت بريقك حول المكان ...
ألقيت عبيرك في أرجاء المكان ...
إختفت كل النساء من حولك...
أصبحت وحدك كل النساء ...
برقة ...بخجل ...بهدوء ...
بكبرياء ...بقليل من الجرئة ...
صدفة كانت أحلى من كل المواعيد ...
لم أنوي العشق لم أنوي الغرام ...
لم أبحث عن حبيبة لم أكن الرجل الولهان ...
حديث دار كلام صار ...
ببريق عينك...بنغمة صوتك ...
نعم ...كنت كالسنفونية تدغدغ مسامعي ...
كنت كالقمر يريح الخاطر ...
تحدثنا تهامسنا تغامزنا ...
لعبنا ...ضحكنا...قلنا ...
كل شيئ و لا شيئ ...ما هم المضمون ...
كنا نحن المضمون ...
كنا كمن وجد الطريق بعد سنوات من التيه ...
لم نبحث عن العشق لم نبحث عن الغرام ...
لم نبحث عن الحب ...
لم نكن كالعاشق الولهان ...
هو صباح خريف ممطر ...
و كأن لا أحد في المكان غيرنا ...
و كأننا و حدنا في المكان سرحنا ...
هو صباح و ما أحلاه من صباح ...
من غير موعد من غير سبق انذار ...
كنت كإشراقة شمس بعد هطول الأمطار ...
أمسكت بيدي وابتسامة غرح تغمر وجهها  و قالت من أنت ؟ من أين أتيت ...
فقلت ...لن أقول من أنا و لا من أي زمن حضرت ،فأنا لا أحب مصطلحات البحث وراء الوجود ،أنا كما أنا و انت كوني مثلما تريدين أن تكوني ،فلن أرى فيك إلا ما أن تكوني ،و ساحب فيك ما قد لن يكون ...
رن هاتفي فجأة ...و بعد إنهاء المكالمة قلت لها ...
استسمحك الآن ...
قالت هل سالقاك من جديد ؟
قلت لها ...غدا صباحا في نفس المكان على نفس التوقيت ...
في نفس الطاولة حول فنجان قهوة ...
ثم قلت لها ...هل لي بطلب صغير ؟
قالت ماذا ؟
قلت لا تنسي كومة الياسمين ...
قالت ...و كيف أنسى ما جعلك تبتسم .

خواطري المعتقة  ،، 💜حيث تعيش القصص. اكتشف الآن