(الجزء السادس عشر .......لأجل مروان)
وقفت على الرصيف تحدق برعب إلى السيارات القليلة التي تعبر الشارع في مثل هذا الوقت المتأخر
كانت ضربات قلبها في سباق يتجارى مع سباقها هي مع الزمن
خطت خطوات مترددة و هي تتلفت حولها خشية أن يكون أحد يتربص بها
إلا أنها كانت مصرة على عدم التراجع و متابعة طريقها
فهي يجب أن تقابل مروان و تتحدث معه
و أول شيء الاطمئنان عليه
فهي تشعر بالقلق لأنه لا يجيب على اتصالاتها منذ الأمس
ضمت يدها إلى صدرها كما تفعل عادة و هي تدعو الله أن يحفظه سالما
و قفت مرة أخرى تنظر خلفها
تتأكد أن ما من أحد يلحقها
ثم عادت تنظر إلى الشارع
غريب !
أين سيارات الأجرة
منذ نصف ساعة و هي تسير و لم تجد سيارة و احدة
فجأة رأت واحدة قادمة
أشارت لها لتقف
لكنها ما أن فعلت حتى تراجعت برعب و هي ترا ركابها الأجانب
قالت متمتمة بيأس
" يا إلاهي ساعدني "
فهي على هذا الوضع لن تصل أبدا
أحست بدموعها تتجمع في مقلتيها
أغمضت عينيها بشدة كي تمنعها من السقوط
و ما أن فتحت عينيها
حتى و جدت إمرأة بشوشة كبيرة في السن تطل عليها من نافذة سيارة توقفت أمامها
" هل تحتاجين مساعدة يا ابنتي "
ترددت منال في إجابة المرأة
فهي لا تستطيع أن تثق بأي أحد في الشارع
و خصوصا في مثل هذا الوقت
إلا أن المرأة قالت مشجعة إياها
" هل تريدين أن تذهبي إلى مكان معين ؟"
لم تجد منال نفسها إلا وقد أومأت برأسها
تابعت السيدة تسأل
" إلى أين ؟"
أجابتها منال باسم المنطقة
رد عليها صوت الرجلالذي يجلس خلف المقود
" نحن ذاهبون إلى هناك فمنزلنا يقع في تلك المنطقة "
ابتسمت منال شاكرة و هي تميل لترا و جه الرجل المتحدث
لا تدري لم أ حست بالراحة تجاههما
لذا صعدت إلى السيارة بتشجيع من السيدة
و أخيرا و جدت من سيأخذها إلى مروان
طوال الطريق كانت منال صامتة إحترام لهما
فعلى ما يبدو أنهما مسافران من مكان بعيد
الصمت جعلها تفكر بحالها
و بمروان الذي لا يجيب على اتصالاتها
أيعقل أن يكون كلام ندى صحيح ؟
و يكون على علم بالخطوة التي قام بها خالد ؟
منال كوني صريحة
أنتي تعرفين مبلغ قوة علاقة مروان و خالد
و خالد صديق مخلص
لكن
هل أخبر مروان أم لا ؟
و إن كان الجواب نعم ؟
لم سمح له مروان بأن يتقدم لخطبتها ؟
إلا إن كان هو لا يريد ذالك
إنقبض قلب منال لهذه الفكرة
هذا غير معقول
فهو في آخر مرة رأته
لمح على أنه سيتقدم لها
إلا إن كانت هي فهمته خطئا ؟
إذا لماذا اعترف بحبه لها إن كان لا يريد ذالك ؟
كما أنه نفى احتمالية شعوره بالأخوة تجاهها
كل الدلائل التي دارت ألف مرة في فكر منال تشير إلى حقيقة واحدة
و هي
أن مروان يحبها كما أخبرها
لكن ..........
حاولت منال أن تمنع نفسها عن التفكير الذي يفقدها صوابها
عليها أن تسترخي فقط
و تنتظر حتى تصل إلى مروان
عندها
لن يستطيع أحد إبعادها عنه
فكرت بذلك داعية الله بأن يساعدها
" ابنتي تفضلي "
خرجت منال من عالمها على صوت السيدة الكبيرة بالسن و هي تمد يدها بزجاجة عصير
" شكرا لك "
تناولتها منال رغم أنها لا ترغب بذلك إذ ستكون و قاحة منها إن رفضتها
أحست منال بدفء ابتسامة السيدة يصل إليها
مما جعلها تبتسم بشحوب متذكرة و جه جدتها
جدتي
لازلت أحبك
و سأظل أحبك
حدثت نفسها بذلك و كأنها تقطع عهدا
التفتت لتنظر عبر الزجاج مرخية رأسها على مسند الكرسي
حيث استسلمت للنوم
*****************
" ابنتي، ابنتي، لقد وصلنا إلى المنطقة "
أفاقت منال من غفوتها على على صوت السيدة و هي تهز كتفها برفق
" آسفة لقد غفوت "
قالت منال ذلك محرجة
ابتسمت لها لتقول
" لا عليك لكن أين هو البيت الذي تقصدينه؟ "
دلتها منال على المكان و هي تحس بأن معدتها تتقلص لشعور لا تعرف ما هو
شكرتها منال بامتنان حين و صلت إلى المنزل
و ودعتها بابتسامة عرفان بالجميل
فكرت منال و هي ترا السيارة تبتعد
غريب!
لم يسألوني حتى لم أتنقل في مثل هذا الوقت ؟
و لم يشكو بي أبدا
حتى أنهم عاملوني بأفضل مما يكون
دعت الله بأن يوفقهم في حياتهم
استدارت إلى المنزل المظلم
مما أثار الرعب في داخلها
لكن سرعان ما ابتسمت
من المأكد أن مروان أطفأ الأنوار قبل أن ينام
و بخطا حثيثة اتجهت نحو المنزل
لتقرع جرس الباب
ظلت واقفة تنتظر و شفتيها لازالتا تحتفظان بالابتسامة
و حين طال الأمر عادت لتقرع الباب
لكنه لم يجب
مدت يدها في محاولة لفتح الباب و لدهشتها لم يكن مقفلا
ابتسمت يبدو أنه نسي أن يقفله
دخلت إلى المنزل
أضائت ضوء الردهة كي تجد طريقها
عبرت الصالة متجهة لغرفة مروان بهدوء شديد
بما أن الموضوع لا يحتمل التأجيل
فكرت بكل أسف أن توقظه
همت بأن تطرق الباب
إلا أنها فضلت بأن تدخل مباشرة
دفعت الباب ببطء
لتقع عينيها على السرير الخالي
جالت ببصرها في الغرفة الباردة
فلم تجده
بررت الأمر بأنه قد يكون في العمل
تقدمت لتدخل
و هي تحس بفيضان من المشاعر يغزوها
ممجعلها تبكي بصمت
تنهدت و هي تحس بوجود مروان في الغرفة
كانت مرتبة جدا
إلتفتت إلى لوح الرسم خاصته
لطالما أحب الرسم
و هو يبدع فيه
تقدمت لتزيح الغطاء عن اللوحة
ليكشف عن و جه تملؤه التجداعيد
ينير بابتسامة حنونه
عضت على شفتها السفلى بألم
إنه يفتقد الجدة حتما
لذا رسمها
مررت أناملها برفق على الرسم المتقن
و كأن صاحبه تخرج من أرقى المعاهد
"جدتي من حقك أن تفخري به "
همست بذلك مخاطبة صاحبة اللوحة
مسحت دمعته بظاهر يدها
كانت العينان مرسومتان بدقة بالغة
لدرجة أنك تشعر بأنها بالفعل تنظر إليك بحنان
عادت لتغطيها و تبتعد متجهة نحو السرير
لطالما كانت علاقته بالجدة أقوا من علاقتها معها
نظرت إلى أغراض مروان الموضوعة بعناية في مكانها
أحست بالشوق إليه
و إلى أن يضمها بين ذراعيه
يشعرها بالأمان
و يعدها بأن لا يتركها أبدا
جلست على السرير
لا بأس
بضع ساعات و سيكون هنا
عادت لتمسح دموعها التي واصلت إنسكابها
و جدت نفسها تستلقي على السرير
كي تريح جسدها المرهق
لتسدل جفنيها و تغفو مستسلمة على صورته
*************
تقلبت على السرير بضيق
لتستيقظ فجأة
و تتأمل المكان من حولها لدرك أين هي
أدارت رأسها للساعة قرب السرير و التي تشير إلى التاسعة و النصف صباحا
هل عاد مروان ؟
هذا أول ما خطر على بالها
نهضت لتبحث عنه
غير أنها لم تجده
عادت تلتقط هاتفها و تتصل به
أيضا لا يجيب
أحست بالذعر
ماذا لو أصابه مكروه؟
ماذا عليها أن تفعل كي تطمئن عليه ؟
أخذ قلبها يقرع ناقوس الخطر
اتكأت على الجدار قربها تتشبث به
فقدماها الواهنتان لم تعودا قادرتين على حملها
وصل إلى مسامعها صوت خطوات آتية من الخارج
تهلل و جهها
هاهو قد أتا
اتجهت مسرعة إليه
إلا أن الابتسامة سرعان ما تلاشت
فهذا الشخص الذي يقف أمامها
لم يكن مروان
بل صديقه خالد
خالد الذي تقدم لخطبتها بالأمس
" منال؟ ماذا تفعلين هنا "
سألها مذهولا
أدارت ظهرها له
و يعود القلق لينتابها
التفتت تسأله
" أين مروان ؟"
" مروان ؟ أليس هنا؟ "
تقدم متسائلا نحوها
قالت يائسة
" منذ الأمس و أنا أحاول الاتصال به لكنه لا يجيب"
أطرق خالد بصره ليقول مفكرا بهمس
" و كذلك أنا "
" ماذا قلت ؟"
سألته قلقة
أجابها مبتسما ليطمئنها
" لا شيء سيكون بخير لا تقلقي "
صمتت فهي لا تملك ما تجيب به
و لا يوجد شيء يطمئنها غير و جوده قربها
رفعت رأسها حين سألها
" منذ متى و انت هنا ؟"
كانت عيناه تحملان تسائلا أكبر من الذي طرحه
آثرت عدم الجواب
فهذا الشخص هو من سبب لها هذه الفوضى كلها
يبدو أنه فهم ما يدور في رأسها لذا قال
" هل أتيت لتناقشيه في الأمر "
نظرت إليه
هل هي واضحة لهذه الدرجة
قال و هو يتقدم نحوها ليتجاوزها و يجلس على المقعد الذي بقربها
" منال ، قبل أن أتقدم لك أخبرت مروان بالموضوع "
حدقت به مصعوقة
إذا ماقالته ندى صحيح
لكن
تابع مجيبا على تسائلاتها
" قلت له يومها بأني لن أنتظره حتى يفعل هو ذلك فقد إنتظرته طويلا "
" ماذا قال؟"
هتفت بسؤالها تريد معرفة الجواب الأهم بالنسبة لها
التوت شفتيه ساخرة
" قال لي أين كبريائك لو رفضت "
رفع بصره إليها ليقول و عينيه تعترف لها
" عندها أجبته الحب لا يعرف الكبرياء "
" حب ؟"
لفظت بها كالبلهاء
" نعم حب فأنا أحبك منال و ثقي بأني قادرا على إسعادك أكثر من مروان نفسه "
ماذا يقول؟
يحبني ؟!
يسعدني أكثر من مروان ؟!
كفى هراء
لا يمكنني تقبل الأمر
التفتت متجهة إلى المدخل تهم بالخروج
إلا أن خالد وقف أمامها معترضا طريقها
" منال صدقيني لو كان مروان يحبك و يرغب بالزواج بك لما تردد لحظة واحدة و ثقي بأني سأعمل على إسعادك "
أحست بأن الغضب يتصاعد
لذا فضلت الصمت على أن تتلفظ مبا لا يسر
تفهم موقفها
لذا قال بصوت هادئ و عيناه تترجاها
" فكري بالأمر "
ثم إلتفت مغادرا
إلا أنه توقف
" بالمناسبة ستنتظرين طويلا فهذا ما يجيده مروان ، الاختفاء"
ما أن خرجت حتى رمت بثقلها على الكرسي
لم على كلامه أن يجد طريقه إلى عقلها
هزت رأسها
لن تقتنع بكلامه أبدا
ستنتظر
فلابد و ان يعود مروان
و يضع حدا للموضوع برمته
بعد دقائق مضتها تحدق إلى مدخل المنزل
تنتظر أن يطل مروان من خلاله
اقتحم شخص المنزل كثور هائج
قفزت من مكانها برعب
" أخي !"
صرخ بوجهها
" كيف تجرأتي على الهرب هكذا ؟"
تقدم ليمسك بيدها و يسحبها خلفه
دون أن يصغي إلى اعتراضاتها
رماها في السيارة قائلا بعدم تصديق
" لا أعرف كيف تمسحين بكرامتك الأرض هكذا "
حدقت إليه من بين دموعها لا تفهم ما يقول
تابع لاهثا
" تركضين هاربة إليه في منتصف الليل "
ضرب الباب بقوة و هو يقول مأكدا
" أنت مجنونة "
قالت تصرخ معترضة بينما هو يلتف حلو السيارة
" أتركني و شأني "
صعد خلف المقود وعينيه قد ضاقتها بانذار لها دون أن ينطق بكلمة**********************
" لقد تم استإصال الخلايا التي تشكل ورما فقط "
كان الطبيب يشير إلى صورة الأشعة المعلقة أمامه
بينما مروان كان يجاهد لفهم الموضوع
إذ أن جسده المرهق بعد العملية لا يسمح له بتركيز تفكيره أبدا
سأل يتأكد من معلومة الطبيب
" إذا لم يتم إستإصال الكلية ؟"
ابتسم الطبيب مأكدا
" لا و الحمد لله فقد اكتشفنا الأمر مبكرا لكن هذا لا يمنع عن فوحوصات دورية
و منتظمة كي تتأكد من عدم عودة الورم "
أرخى مروان رأسها بارتياح على الوسادة
" الحمد لله على كل حال "
ثم عاد ليسأل و طيف تلك المخلوقة لم يفارقه أبدا
" دكتور كتى أستطيع الخروج "
أجاب الطبيب و هو يقلب الأوراق بين يديه
" بعد أسبوع تقريبا "
" أسبوع ؟!"
هتف مروان غير قادر على تحمل تلك المدة
أجاب الطبيب منهيا الأمر
" يجب أن نتأكد من صحتك و من عدم حدوث مضاعفات "
قال مروان في محاولة أخيرة
" ألن تقلل المدة "
أجاب بصرامة
" بالبارحه فقط أجريت لك العملية "
إستسلم مروان بيأس
غير قادرا على قول المزيد
فهو يحس بتعب و إعياء شديد
راقب الطبيب و هو يخرج من الغرفة
ليسدل جفنيه الثقيلتين
سيتصل بمنال ما أن يرتاح
إلتوت شفتاه بابتسامة متعبة لفكرة سماعه لصوت منال
![](https://img.wattpad.com/cover/167862547-288-k528037.jpg)
أنت تقرأ
عهد الطفولة ........ مكتملة
Romanceهذه الرواية مكتملة هكذا هي الحياة ... تجد نفسك تسير في دربها و حيدافي طرقات خالية من أي شخص عداك و من أي صوت عدى عن صوت خطوات قدميك الحافية و هي تلامس الأرض الصفراء الترابية و قد تعودت أصابعك على لهيبها تتساقط دموعك فتتبخر دون أن يدرك أحد و ج...