فتحت عينيها لتحدق بالسقف
لترى صورة مروان منعكسة عليه
عادت وأسدلت جفنيها مرة أخرى
ماذا لو كان متزوج ؟
ما بك منال من الطبيعي أن يتزوج
فمنذ أكثر من خمس سنوات و هو يعش و حيدا في تلك المدينة
أ لا تتوقعين أن يتزوج
و لكن
ماذا عن جدتي ؟
ماذا سيكون شعورها ؟
إنها حتما تريد أن تري أحفاده
يا ترى هل ستغضب أم ستكون سعيدة
حتما ستسعد
فلا شيء أحب على قلبها من رؤيته متزوج و لديه أبناء
إذا لا يوجد هناك مشكلة
و هو حتما سيخبرها فلن يعيش بعيدا عن عائلته
و ينتهي كل شيء
انقلبت على جانبها الأيمن
و ضعت يدها حيث قلبها
لكنك في قرارة نفسك لا تريدين أن تكون توقعاتك صحيحة
لم يا ترى ؟
هل تخشين من أمر ما ؟
قالت بصوت يشبه الهمس تقنع نفسها
" أخشى أن تتدهور صحة جدتي إن رفضت الأمر"
أهذا كل ما هنالك
" نعم و ما غير ذالك "
كاذبة
" لا لست كاذبة و لم أكون كذالك ؟"
لا أدري
هل لأنك ترغبين بأن يعود كل شيء كما كان قبل ست سنوات
" و لم "
لأنه كان دائما معك
يحنو عليك
" أتريدين الحق نعم "
هزت رأسها لتقول بعدها
" كما أخي الكبير"
هل أنت متأكدة
" كفى "
قالتها بصوت أعلى و هي تقفز من على السرير
أحست بشيء دافئ ينساب على و جنتيها
رفعت أناملها لتتلمسها
ثم رفعتهما أمام عينيها تحدق بالبلل الذي أصابهما
دموع!؟
تبكي ماذا؟
الحنين إلى الماضي؟
لا تنكر بأن حياتها أصبحت فراغ من دونه
فقد كان هو دائما حولها
بل كان كل شيء بالنسبة لها
أخرجها من حزنها على فقدها لوالديها
انتشل طفلة صغيرة من قوقعة الظلام
كيف لها أن تنكر افتقادها له
فلطالما أحست بالحاجة إليه
فبعد أن رحل
أصبحت و حيدة
حتى بوجود ريم معها و كذالك الجدة
إلا أنها اعتادت بل أدمنت و جوده معها في كل شيء
إذا لم لم تبكي طوال تلك السنوات الست
خرت على السرير جالسة
لأنها أدركت الآن كم افتقدته
و لإدراكها أكثر بأنهما أبدا لن يعودا كما كانا من قبل
انسكبت دموعها
و لكن هذه المرة دموع طفلة تبكي بحرقة على أملها الضائع
طفلة خائفة من الظلام بعد أن انطفأت شمعة كانت تضيء دربها
طفلة تائهة .... أضاعت الطريق
دفنت و جهها في الوسادة
قائلة بصوت مملوء بالأسى
" لم أبكيك يا مروان الآن ...؟.! "
فقد اعتدت أن أكون و حيدة منذ أن رحلت
مالذي تغير الآن
عبثا تقنعين نفسك
استسلمي
انك بحاجته
كنت تنتظرين عودته
فصدمتي بالواقع
" لا لم أكن "
بلا
حتى لو لم تكوني تفكرين بذالك
لكنك في الحقيقة كنت تفعلين
و كنت تعلمين بأنه سيعود
" لا .... لا لم أكن ..."
ظلت تردد ذالك حتى غفت
**********************************
استيقظت فجأة مجفلة
نظرت إلى الساعة إنها الرابعة
التفتت على الباب
ظننت أنني سمعت صوت طرقات
عادت و نظرت إلى الساعة
" الحمد لله لم تفتني صلاة العصر "
نهضت لتتوضأ
نظرت إلى نفسها في المرآة
كانت عينها منتفختين قليلا و محمرتين
غسلت وجهها تطرد تلك الأفكار أللتي غزتها مجددا
لا تريد أن تستعيدها
يجب أن تتغلب على ذالك و تركز على دروسها
فلا شيء مهم الآن
بعد أن أدت صلاته استبدلت حجاب الصلاة بحجاب عادي
لفته بعناية حول رأسها حملت كتابها و خرجت متجهة إلى المطبخ لتعد لها كوب من الشاي بالليمون
و في طريقها
" مروان لم تعودا طفلين حتى تذهب إلى غرفتها "
رد مستنكرا
"جدتي قرعت الباب لأوقظها فقط "
" و إن يكن أنت رجل الآن و هي فتاة لا يجوز أن تدخل غرفتها و تختلي بها "
واصل استنكاره
" أعلم ذالك جيدا لذا لم أدخل "
قالت منهية الأمر
" يجب أن تكون حريصا على ذالك "
في داخلها منال ضحكت ساخرة
نعود كما كنا؟
مستحيل
ثم واصلت سيرها و تلك الابتسامة الساخرة قد تسللت إلى وجهها
أعدت كوبها
و جلست على طاولة المطبخ
عصرت المزيد من اليمون في الكوب عله يزيل الألم في حلقها
" اللهم اشرح لي صدري و يسر لي أمري "
دعت دعائها لتبدأ المذاكرة طاردة كل شيء
***********************************
" ما بالها جدتي .... هل تظنني لا أفقه شيئا "
ألقى بنفسه على الأريكة أمام التلفاز
و أخذ جهاز التحكم من بعد و أخذ يقلب القنوات بحنق و هو يفكر
هل أخطأت بأن أيقظتها لأداء الصلاة
و لكن سرعان ما توقف عن تقليب القنوات لا لأنه و جد مراده
بل لأنه أدرك حقيقة واحدة و كل كم تعرفونها .............
لازال يذكر أول يوم جاءت فيه إلى المنزل
طفلة في الخامسة من عمرها بالغة الجمال
شعرها المائل للسواد ينسدل إلى ذقنها و يغطي جزء من وجهها
فهذه الطفلة قد أطرقت رأسها بحزن
عينيها العسليتان احمرت من كثرة البكاء
أما يديها الجميلتين كيدي الدمية
تشبثت بأطراف ثوبها مرتجفة
" هذه منال ...ابنة عمك ......ستعيش معنا "
كانت تلك هي الجدة تعرف هذه الطفلة إلى صبي في الثانية عشر من عمره
كان يحدق فيها باستغراب
قالت الجدة بصوت يحاول كسب طمأنينة هذه الصغيرة
" قولي مرحبا لمروان "
فما كان من الصغيرة ألا أن شدت من قبضتيها
" مروان اهتم بها سأذهب لأعد الغداء فقد تأخرت بما فيه الكفاية "
أومأ الصبي مجيبا
اقترب من الطفلة
" إن طعام جدتي لذيذ جدا "
لم تجب
مد يته ليمسك بيدها المتشبثة بالثوب
" لا تخافي .... جدتي طيبة " صمت ثم عاد و قال " هي جدتك أيضا "
رفعت رأسها لتنظر إليه مستفهمة
فك قبضتها و احتضن كفها بيده ثم أومأ مؤكدا
قال و كأنه تذكر شيئا
" تعالي سأريك شيئا ما "
سحبها معه إلى غرفته ليخرج صندوق كرتوني مخبأ بعناية
أزال الغطاء ليكشف عن مجموعه كبيرة من الكرات الزجاجية ملونه
و أخيرا شهقت الطفلة شهقة ذهول
ابتسم
" هل أعجبتك ؟"
أومأت بنعم
مد يده داخل الصندوق و أخرج كرة منها
" خذي هذه لك "
كان لونها أزرق جميل
و حين رأى ترددها أمسك بكفها و وضع الكرة في راحتها
ابتسمت "شكرا لك "
"على الرحب و السعة "
ابتسم مروان لهذه الذكرى
كانت حياته فراغ ... لكن منال اقتحمتها رغما عنه
لم يكن له إخوة أو أخوات
صحيح أن جدته معه لكن شتان بيمن امرأة كبيرة في السن و طفل
فأصبحت هي كل شيء
كيف أصبح غريبا عليها الآن و لا يجوز بأن يتعامل معها كما اعتاد
" آه " أطلقه ليكمل يا للزمن
لم يفكر يومها بأن يفترقا الآن
و إلا من قال بأنه سيبتعد كل هذه المدة و.............
قطعت تفكيرة نغمة أصدرها جواله معلنا عن رسالة و صلت
ضغط على الزر لتظهر
" مروان.... كيف حالك يارجل ....يا الله
أنا في انتظارك في المكان المعتاد "
ضغط ليظهر اسم صاحب الرسالة (خالد)
ابتسم انه كان يعلم من هو من أسلوبها
هم واقفا و عدل من هندامه جيدا
و بينما هو خارج متجها إلى سيارته
لمح منال تجلس في الحديقة تقرأ و تحمل كوبا بيدها
تقدم منها
" مساء الخير "
رفعت رأسها مجفلة
ضحك
" آسف هل أخفتك"
قالت بصوت خالي من أي شيء
" فاجأتني"
هاله ما رأى
و جهها شحاب
عينيها محمرتان و منتفختان
" ما بك ؟"
سألها مستفهما
أشاحت بوجهها
" إنني متوعكة و سأتحسن قريبا "
اقترب أكثر
" إن كنت لا تشعرين بتحسن سآخذك إلى الطبيب"
قالت بشيء من الغضب الذي بدأ يعتريها
" لا شكرا لدي امتحان غدا .....و الآن إذهب قبل أن تراك الجدة و تغضب"
فوجئ لما قالت
إذا فهي سمعت حديثنا
و لكن لم تغضب هي منه
أهذا ما استحقه لسؤاله عنها
استدار بحنق ليتابع طريقه
لكن سرعان ما لانت ملامحه
لا يدري لما للحظه رآها عادت تلك الطفلة
***************************
" مرحبا يا رجل ....كبف حالك "
هب خالد مرحبا من مقعده على الطاولة الخارجية للمطعم
" مرحبا بك "
جلس مروان قبالة كما اعتادا دائما
" ما هذا يا أخي لو لم أعلم بالصدفة لم تكن لتخبرني ؟"
قال خالد مستنكرا
رد عليه مروان
" لا ...معقول أن أنسا رفيق عمري خالد"
" لا أدري عنك ؟"
قال ذالك و هو يخرج سيجارة و يضعها في فمه ثم يعرض واحدة لمروان
" لا شكرا تعلم أنني أقلعت عن التدخين "
خالد هو صديق مروان المقرب منذ أيام المراهقة
إلا أنه انتقل هو و أهله ليعشو ا في المدينة
ملامحه هادئه جميلة من يراه لأول مره يحسبه قليل الكلاب
شخصية مرحة صادق و نصوح
يستطيع أن يفهم مروان بسرعة
" ماذا تشرب ؟"
سأل خالد بعد أن استدعى النادل
" شاي بالليمون "
قال باشمئزاز
" يا أخي لا أدري ما الذي يعجبك فيه ألم تغير ذوقك بعد؟"
هز رأسه نافيا بلا
أعطى الطلب للنادل
" ما هي أخبارك يا خالد؟"
اتكأ إلى الوراء على كرسيه
" كل الخير ... وأنت ؟"
" الحمد لله .." أردف بعد أن لاحظ الحماس غاب عنه
" ما بالك لست على ما يرام ؟"
قال و هو يراقب النادل و هو يضع طلبهما على الطاولة
" أمي تريدني أن أتزوج "
أطلق مروان ضحكته عاليا
" لا تسخر "
" يا أخي تزوج و أرحها "
قال بعد أن ارتشف من فنجانه
" مروان أنا جاد"
عادت الجدية إلى مروان ليقول و هو يحرك قطع السكر بالملعقة في كوبه
" إذا لم ترفض ؟"
حدق إلى صورته المنعكسة في السائل الأسود أمامه و دخان القهوة تأرجحها
" تريد ان تخطب لي ابنة خالتي "
أكمل مروان عنه
" وأنت ترغب بأن ترتبط بغيرها صحيح ؟"
أومأ مجيبا
" و أمك لا تريدها ؟"
" لا ... لم أخبرها بعد عنها "
سأل مروان مستغربا
" ولم لا ؟"
تنهد ليجيب بعدها
" لأني لست واثقا من أن الفتاة ستكون لي "
قال ذالك و هو ينظر في عيني مروان المتعجبة
" ولم لا ؟"
" لا أدري "
قال ذالك و كأنه لا يريد الخوض في المزيد
لكنه عاد ليسال
" و ماذا عنك ؟"
لم يكن سؤاله مجرد تغير لدفة الحديث
بل هو مكمل لكلام خالد كما أحس به مروان من الفضول الذي يلمع في عينيه منتظرا الإجابة
أجاب ببرود متجاهلا نظرته
" ليس بعد"
" و لم لا ؟"
ارتشف من كوبه ليقول بعدها
" لم يحن الوقت "
" حقا "
كان خالد مركزا النظر في عينيه و كأنه يبحث عن الإجابة فيهما
لا من كلامه
" المهم كيف تسير أمور عملك ؟"
سأل محاول تغير الحدث
ليجب خالد وهو يعلم مقصده
" على خير ما يرام "
******************************
عاد مروان إلى المنزل متأخرا بعد أنقضى أمسيته مع بعض الأصدقاء الذين انضموا إليهم لاحقا
تسللت ابتسامة إلى شفتيه هو يري منال تدرس على درج المنزل في هذا الوقت
هذه الفتاة حولت كل ركن في المنزل إلى مكان للدراسة
يبدو بأنها تحاول أن تغير من جو المذاكرة
تمنى من كل قلبه بأن يوفقها الله في امتحاناتها
دنا منها
" مساء الخير "
رفعت نظرها إليه لترمقه بنظرة فاحصة
و كأنها تتأكد من أن هذا الشخص هو مروان
ثم قالت
" مساء الخير"
ابتسم
" أرك تدرسين حتى الآن "
قالت و قد أحس بأنها لا تريد أن تبدأ حديثا معه
" أحاول أن أستغل كل مكان و كل دقيقة للمذاكر’ة"
ثم رمقته بنظرة ذات معنا
استغرب مروان اسلوبها هذا حيث جعل السؤال يخرج رغما عنه
" منال ما بك ؟"
قالت و هي تقلب صفحات الكتاب بين يديها
" لا شي فقط اتركني و شأني "
لكنه عاد ليسأل فأسلوبها لم يعجبه
" قلت ماذا هناك هل أغضبتك بشيء"
أجابته بانفعال
" قلت اذهب و من الأفضل أن تعود من حيث أتيت فهناك من ينتظرك "
من المؤكد بأنها لاحظت الصدمة في عينيه من جوابها الذي أفلت منها
همت واقفة تريد المغادرة هاربة
إلا أن يد مروان امتدت لتمسكها من ذراعها و تمنعها من الذهاب
قال بصوت يحمل الاستغراب و المفاجئة في نفس الوقت
" ماذا قلت "
شدت يدها قائلا
" أنت تعرف جيدا ما أقصد"
لم يلفتها
جوابها هذا جعل بركان يتأجج بداخله
ليعود فيسألها و هو يصر على أسنانه
" قلت هناك من ماذا؟"
رأى الرعب قد تسلل إلى عينيها
لأن عينيه الخضراء قد التهبت كل الجمر
أنت تقرأ
عهد الطفولة ........ مكتملة
Romanceهذه الرواية مكتملة هكذا هي الحياة ... تجد نفسك تسير في دربها و حيدافي طرقات خالية من أي شخص عداك و من أي صوت عدى عن صوت خطوات قدميك الحافية و هي تلامس الأرض الصفراء الترابية و قد تعودت أصابعك على لهيبها تتساقط دموعك فتتبخر دون أن يدرك أحد و ج...