جهزت ما وجدته للعشاء
و رتبت في المنزل قليلا منتظرة عودة مروان
فكرت
قد تكون غرفته بحاجة للترتيب
إلا أنها و جدتها مقفلة
فعادت أدراجها تنتظر
سمعت صوت ضجيج في الخارج
أطلت من النافذة
لتجد أن الطقس قد تبدل
و بدأت رياح قوية بالهبوب
تلاه صوت رعد قوي
قررت أن تتصل بمروان تطمئن عليه
إلا أن جرس الباب قرع في هذه اللحظة
أسرعت تفتح له
لكنها ما إن فتحت الباب حتى اندفع شخص بقوة إلى الداخل
ليعطيها ظهره فيما بعد
" آسف"
تردد قليلا ليقول بعدها
" هل مروان هنا؟ "
كانت تقف مجفلة
لثوان لم تعرف من هذا الشخص
لكنها
عرفته حين سأل عن مروان
قالت له و هي لا تزال في ذهولها
" لا ... ليس موجودا "
ثم تداركت و ضعهما هذا
لتدخل في أول غرفة تجدها
بعد أن قالت له
" تفضل سيصل حالا"
و بالفعل
ما أن أنهت جملتها حتى فتح مروان الباب مبتسما
لكن الابتسامة تلاشت حين رءا خالد
الذي انقض عليه يمسكه من كتفيه
" أريد أن أتحدث إليك "
ذعر مروان من تصرف خالد هذا !
ألقى بالأغراض اللتي في يديه
و اتجه معه للداخل
وقفت منال مذعورة تحاول أن تصغي
فقدوم خالد بهذه الطريقة لا يبشر بخير أبدا
حاولت أن تسترق السمع لحديثهم
إلا أن مروان اصطحب خالد لغرفته
بعد أن همس هذا الأخير بشيئ ما
مما زاد من قلق منال
*****************
" من أخبرك بذلك ؟"
سأل مروان مصدوما من المعلومات التي حصل عليها خالد
أجابه غاضبا
" ليس المهم من أخبرني، المهم لم أخفيت حقيقة مرضك عني "
مرر مروان يده في شعره و هو يتنهد مفكرا بالاجابة
" لم أشأ أن أزعج أحدا "
ردد خالد كلامه مذهولا
" تزعج أحدا!"
أضاف غير مصدق
" يا إلاهي مروان أنت مصاب بالسرطان"
وجه له مروان نظرة منذرة
" كنت ...ثم إخفض صوتك"
فهم خالد ما يعني
ليهدأ و هو يتجه نحو صديقه يضمه
" حمدلله على سلامتك "
ابتسم مروان ابتسامة متعبة لكن صادقة
" شكرا لك "
لا ينكر بأنه كان بحاجة لأن يؤازره أحد في هذه المحنة
لكن الحمد لله إنتهى كل شيء الآن
عدى عن هذا الانهاك الذي يحس به بعد العملية
سأل و هو يبتعد عن خالد
" من أخبرك؟ "
ابتسم خالد
" تحسب بأنك تسطيع أن تخفي الأمر طويلا "
أردف
" صادفت أحد من زملائك في العمل و سألني عن حالك بعد العملية
عندها لم أصدق ما قال"
تكلم مروان بنظرات جادة
" خالد لا أريد لمنال أن تعلم بالموضوع "
أومأ خالد و نظرات عدم الرضا في عينيه
ليقول بعدها
" مروان لم أخذت منال هكذا من منزل أخيها "
صمت مروان
لأنه لا يريد أن يخوض بالموضوع
نظر إليه خالد متوسلا
" أنت تسيئ إليها هكذا "
حدجة مروان بعينيه
مستنكرا ما يقول
تابع خالد غير مبال باستنكاره
" كما أنك تزيد العلاقة توترا مع أخيها "
تابع
" كان عليك أن تتصالح معه و تنتظر حتى حفل الزفاف"
استدار مروان مبعدا نفسه عن عيني صديقه
قائلا
" لقد إنتهى الأمر يا خالد و منال هنا"
رد عليه خالد بشيء من عدم التصديق
" مروان أنت تدخل منال في متاهات لا نهاية لها بطرقتك هذه "
اشتدت الرياح أكثر
و أصبح صوتها يملأ المكان
و كانها تعصف بمشاعر مروان المكبوته
عاد مروان ليلتفت إليه قائلا بنفاذ صبر
" خالد منال هي زوجتي و ليس من حق أي أحد أن يتدخل بيننا "
هز خالد رأسه غير مصدقا أن من يتكلم الآن هو مروان ذو المبادئ السامية
" بت أتحسف على تركها لك "
شعت عينا مروان بوميض غضب مع صوت الرعد المتعالي في الخارج
ليقول
" لن يفيد تحسفك الآن فهي زوجتي و رجاء لا تتدخل في حياتنا"
أحس خالد بالغيض من كلام مروان
فتح الباب و خرج دون أن ينتظر مروان ليأذن له
حدق مروان إلى حيث خرج صديقه
لم أصبح سريع الغضب هكذا ؟
لم اصبح لا يطيق أن يتكلم أحد عن علاقته و منال ؟
لم تخلى عن مبادئه و معتقداته؟
لم يجرح صديقه في كل مرة يتحدث فيها معه ؟
و الأهم
لم أصبح متسرعا في اتخاذ القرارات ؟
أحس بصداع في رأسه يمنعه من الوقوف
ألقى بنفسه على السرير
ليضرب بقبضته عليه
كارها نفسه و تصرفاته التي لا تحتمل
" ما الذي حدث؟ "
جائه صوت منال سائلا من عند الباب
اللتي أدركت بأن شجار قد وقع بينهما
ابتسم لها
" لاشيء خلاف عادي "
ثم وقف مغيرا الموضوع
" هيا جهزي العشاء ريثما أستحم"
منال ليست بالغبية عرفت بأنه لا يريد الخوض بالموضوع
لا بأس
ردت عليه مبتسمة
" سيكون جاهزا حال انتهائك "
*********************
حين إنتها
خرج ليجد الأطباق موضوعة بعناية على المائدة
و رائحة طيبة تملأ المكان المرتب
أحس براحة غريبة
فهو لم يشهد هذا المنظر لمدة طويلة
جال ببصره يبحث عنها
دخل المطبخ و لكنه لم يجدها
و حين هم بالجلوس على المائدة
" هل كنت تبحث عني؟ "
رفع بصره إليها
ليجدها تقف عند الباب و قد إستحمت و بدلت ثيابها هي الأخرى على مايبدو
ابتسم لها و هو يتأملها بثوبها الوردي
و وجنتيها التي اكتسبتا نفس اللون
من الحمام الساخن الذي أخذته
و قد عقدت شعرها للخلف
قال لها و هي تتقدم نحوه
" أشعر و كأن هذه الفتاة تذكرني بشخص أعرفة "
ردت عليه محتجة و هي تكور شفتيها
" كفى مزاحا أعلم بنه ثوب قديم "
أمسك بيدها يحثها على الانضمام إليه على المائدة
" أعرف لكنه جميل "
ثم قال و هو يتفحصها
" إلا أنه يبدو واسعا بعض الشيء ..... هل تتبعين حمية "
ضحكت على مزاحه
" لا أبدا "
ثم حدجته بنظرة
" و هل أحتاج ذلك ؟"
أخذ يملأ صحنه و هو يقول يتظاهر بالتفكير
" ربما في المستقبل عندما يزيد و زنك "
أطرقت بصرها محرجة من تلميحه
" لن أفعل أبدا "
قهقه عاليا على ردة فعلها
ليهفو قلبها لضحكته المحببة على قلبها
أخذت تملأ طبقها هي الأخرى
نظر إليها مفكرا
أيعقل بأنه يضعها في موقف محرج مع أهلها؟
لكنها لم تكن بحاجة إليهم من قبل
لقد عاشا معا
و لم يشكيا أبدا من الوحدة أو الحاجة لشخص آخر
فقد كانا يكملان بعضهما منذ البداية
و منذ البداية كانت منال له
له و حدة و ليس لأحد آخر
لكن
خالد قال بأن هذه العلاقة ستخوض متاهات
أي متاهات ؟
منال زوجته و هي ملكه
لم لا يتقبلون هذه الحقيقة
فلا يحق لأحد أن يبعدها عنه
غدا سيذهب ليقابل أخيها
و يهني كل شيء معه
و كما أنه مستعد أن يفعل أي شيئ
حتى و لو كلفه غاليا
كي يحتفظ بمنال كما يجب
إنه يعلم بأن هذا الوضع يتنافا مع مبادئه
لكنه ليستطيع أن يغامر اكثر
فهو لم يصدق متى أصبحت له
لن يتحمل فكرة أن تبتعد عنه مجددا
فجل ما يسعى إليه
هو أن يعيش بسلام و سعادة مع الإنسانة التي يحب
فلطالم حلم و خطط لهذا الشيء
هو لا يثق بأخيها
لذا اتخذ هذه الخطوة المتسرعة
و خصوصا بعد ما سمعه من منال عن والديهما
لا يمكن أن يدع الأمر بيده
" فيما تفكر؟"
صحى من تفكيره على سؤال منال
التي تنظر إليه مبتسمة
بادلها الإبتسام
" فيك "
اتسعت عيناها
" ماذا بي؟"
تناول يدها
ليقول و هو ينظر في عنيها بجدية
" منال هل أنتي راضية عن هذا الوضع ؟"
فهمت منال ما يقصد
سحبت يدها
و أطرقت رأسها
" في الحقيقة ..."
"ماذا؟"
حثها للمتابعة
" لست راضية "
ثم رفعت بصرها إليه متابعة كي لا يقفز باستنتاجاته
" لكن هم من فرضوا علينا ذلك "
تابعت متألمة
" لكن واثقة بأن الأحوال ستتغير و يتحسن هذا الواضع كثيرا "
ابتسمت
" وننسا ما حصل"
قال لها بصوت يحمل الكثير من المشاعر
" منال "
"نعم؟"
تنهد قائلا
" أنت تعرفين لم تصرفت هكذا "
حدقت في طبقها هاربة من عينيه
" نعم "
بالكاد استطاع سماع إجابتها
لكن شفتيه إلتوت مبتسما بارتياح
بعد فترة
قالت بنبرة غريبة
" يبدو أن العاصفة توقفت "
أجابها و هو يشك في أنها تحاول أنها تمهد لأمر ما
" نعم يببدو كذلك "
تابعت و هي تحرك الطعام في طبقها
" كيف استطاع خالد الخروج في هذه العاصفة "
أجابها باقتضاب
" لا بأس علية "
رفع بصره إليها حين سمع صوت اللمعقة على الصحن و هي تضعها من يدها
كانت تنظر إليه و في عينيها عشرات الأسئل
و ضع هو الأخر الملعقة من يده
" مالأمر ؟"
لمح التردد في عينيها حين قالت
" لدي أسئلة من حقي أن أطرحها "
فكر مروان
و هو كذلك
" اسئلي"
أطرقت بصرها محتارة كيف تطرح السؤال
" كيف أقنعت خالد ؟"
لم يرد أن يربكها أكثر
فقد فهم سؤالها
" هذا شيء يخصني وخالد فقط"
رفعت عينيها إليه بخيبة
قال مبررا
" أعتقد بأنه يحق للأصدقاء بأن يحتفضوا بأسرار هم "
قالت بعدم رضى
" و هو كذلك "
أمسك بذقنها ليدير وجهها إليه
و تلتقي عينها بعينيها
ليقول راجيا
" منال إنسي الأمر فهذا الشئ يخص خالد أيضا
و ليس من حقي أن أتكلم عنه "
قالت متفهمة
" لا بأس "
أسند جبينه على جبينها قائلا بابتسامة
" لا أراك مقتنعة "
إلا أنها لم تبادله الابتسمام
بل أبتعدت عنه هاتفة
" حرارتك مرتفهة "
رفعت يدها تتحسس حرارته
" إنها حمى "
قال و هو يسدل جفنيه متعبا
فقد اعتاد ارتفاع درجة حرارته بين فترة و أخرى
" لا تقلقي قد يكون إرتفاع بسيط في الحرارة"
قالت و هي لا تزال تضع يدها على جبينه
" بسيط ! "
ثم قالت و هي تهم واقفة مفكرة
لتقول بعدها
" هل تملك مقياس للحرارة؟"
نعم يملك
فالطبيب حذرة من ارتفاع حرارته
لذا أمره بأن يقتني واحدا
و يحافظ على حرارته مستقرة خلال فترة نقاهته من العملية
قال يبتسم ليطمئنها
" لا بأس منال سأتناول أقراص لخفض الحرارة الآن و ستزول "
ثم هم واقفا متجها لغرفته و هي تتبعة
أخذت تراقبه و هو يفتح الدرج قرب السرير و يتناول قرصين
سألته
" هذه ليست أول مرة ترتفع فيها درجة حرارتك أليس كذلك ؟"
فاجأه سؤالها
" لم تقولين ذلك؟"
قالت بجدية
" لأني أرا علبة الأقراص اللتي تكاد تكون فارغة "
ارتبك من ملاحظتها هذه
ليضحك مبعدا توتره قائلا
" علبة ليست بالجديدة "
قالت و هي تتجه نحوه
" حقا"
أبعد العلبة قبل أن تصل إليها يديها
و يضعها في الدرج بسرعة ليقول بنبرة عالية بعض الشيء
" لا تبالغي أنا لست طفلا منال "
نظرت إليه مصدومة من إنقلاب مزاجه
" و هو كذلك "
ثم استدارت مبتعدة عنه و هي تقول
" سأذهب لأنام فأنا منهكة "
أغلقت الباب خلفها
ليرتمي هو على السرير متعبا
زفر بضيق لخروج منال هكذا من غرفته
لكنه في نفس الوقت ارتاح لعدم كشفها حقيقة مرضه
أغمض عينيه ليريح جسده الذي كان يجاهد طوال الوقت
كي يكون بحال جيدة أمامها
أنت تقرأ
عهد الطفولة ........ مكتملة
Romanceهذه الرواية مكتملة هكذا هي الحياة ... تجد نفسك تسير في دربها و حيدافي طرقات خالية من أي شخص عداك و من أي صوت عدى عن صوت خطوات قدميك الحافية و هي تلامس الأرض الصفراء الترابية و قد تعودت أصابعك على لهيبها تتساقط دموعك فتتبخر دون أن يدرك أحد و ج...