الفصل الخامس

74.8K 2K 127
                                    


رُهاب .. كلمة من أربع أحرف لكنها تستطيع وصف حالتها!
تحركت بقدم مهتزة تنظر نحو الباب بقلق رغم تأكدها من عدم وجوده ، لكن فكرة وجودها في مكانه يرهبها
إبتلعت ريقها بتوتر وفتحت الباب ببطئ شديد وكأنها تتوسله ألا يصدر صوتاً وعادت تغلقه بهدوء متنفسة الصعداء أنها أصبحت في الداخل !
إلتفتت بحماس تريد البحث والخروج سريعا ولكن تزامن إلتفاتها مع صدمتها التي تجسدت بشهقة مذعورة !
تراجعت الخطوة اليتيمة التي كانت قد تقدمتها لتصدم بالباب خلفها ، وإرتفعت يدها تكتم فاهها بقوة عندما تسارع تنفسها حتي بدأ قلبها يطرق الباب عن طريق ظهرها المرتعش ، أغمضت عينها تحاول الهدوء
حتي أنها تمسكت بمقبض الباب لا تصدق أنه هنا وهي وحدها معه للمرة الثانية!
مرت دقيقتان أن أكثر إلي أن جمعت شتات نفسها محاولة الهدوء ، ثم إقتربت بحذر شديد هامسة بإضطراب ممزوج بصدمتها من وجوده
-
بشمهندس موسي !
لا تعلم هل كانت تسأل عقلها عن وجوده أم تناديه وفي جميع الأحوال لم تحصل علي إجابة، تنهدت بقوة وقررت النداء مرة آخري ولكن بنبرة أعلي قليلاً
-
بشمهندس موسي !!
خفق قلبها بذعر من تفكيرها بموته وإقتربت أكثر بقدم مرتجفة لتراه مغمض العينين لكنه يتنفس
مسحت وجهها بإرتياح وكأنها تخلصت من جريمة كانت ستركض خلفها ، وشعرت
بالشفقة عليه فيبو أنه قد قضي ليلته هنا بسبب عمله والملف الآخر..
دنت منه أكثر بهدوء شديد وهي تنظر له فتقريباً هذه المرة الأولي التي تري فيها ملامحه بوضوح هكذا !
رسمة عينيه الحادة وأنفه المستقيم وذقنة النامية قليلاً مهندمة بتهذيب ، خصلاته الكثيفة الحالكة وكأن ملامحه منحوتة بتناسق لتعبر عن ملامح رجولية بحتة
قطبت جبينها من شحوب وجهه الواضح وانفاسه الغير منتظمة وكأنها ثقيلة !
وعاد القلق يستحوذ علي عقلها مفكرة بحالته ليصبح هكذا ، نادت
عليه مجدداً ووصله صوتها الذي إعتقده حلماً !
مسحت يدها بثوبها تشعر وكان ضغطها يزداد وحالته تزداد سوءاً ، تسمرت عندما وصلتها همهمته بكلمات
غير مفهومة قبل أن يعود مرة أخري للنوم !
نظرت له بقلق متقدمة خطوتان حتي أصبحت جانبه وسألت بهمسٍ
-
إنت كويس ؟!.. ق..قصدي حضرتك كويس ؟!
لم يأتيها رد منه فقط تملمُل إتبعه ثباتٍ
حسمت أمرها وكتمت أنفاسها لتتحسس جبهته قبل أن تتراجع وتفكر مُقنعة نفسها بأنه نائم ويبدو عليه التعب الشديد حقاً ، فماذا إن كان مريض ؟!
وضعت أصابعها المرتعشة فوق جبهته بلطف وصفعتها حرارته الشديدة !!
تراجعت للخلف فجأة وهي مضطربة حتي تعثرت ومنعت نفسها بأعجوبة من السقوط ، إعتدلت تتنفس بقوة محاولة التفكير بما عليها فعله وكيفية التصرف ، بينما كان موسي قد بدأ سماعها ولكنه لا يقوي علي الحديث، فقط شعر ببرودة يدها عندما تحسست جبهته!!
إصتنع النوم حتي لا تضطرب منه وتتوتر .. هو بالفعل لا يعلم كيف تجرأت وفعلتها .!!
- بشمهندس موسي أنت سخن
أنهت حديثها المُشتت ناظرة حولها بخوفٍ بينما نظر لها بطرف عينه وكأنه يتأكد من وجودها ، كاد
أن يبتسم لكنه تماسك وتظاهر بالنوم ليس فقط من إرهاقه الشديد وعدم قدرته علي الحركة ، ولكنه توقع ذعرها إن فتح لها عينه فجأة !
وصله صوتها مرتجفاً بعيداً وهي تناديه مرة آخري وآخري ، وعَلم وقتها إبتعادها عنه وتهيؤها لنهوضه ويكفي صوتها المرتفع وكأنها تصرخ به من بداية الشارع
فتح عينيه ببطئ وقال بصوت ضعيف جاهد لطلوعه
-
كفايا صويت أنا صحيت اهه.. متقلقيش !
حاول الإعتدال فوق مقعده قائلاً بهدوءٍ مجهد
- هاتيلي قهوة بس بعد إذنكِ
أنهي همسته وعاد لإغماض عينيه مرة آخري
خرجت ركضاً وكأنها تهرب من إستيقاظه
وأعدت له القهوة ، ودخلت بها له مع أقراص للبرد
توقفت تنظر بينه وبين القهوة بين يديها ثم تنحنحت
- بشمهندس موسي .. أنا جبت القهوة
فتح عينه لها وظهرت وكأن زُرقتها أصبحت رماداً كما الزيتون قد رقد في قاعهما !
حولت بصرها عنه قائلة بإرتباكٍ

-
أنا جبت لحضرتك دوا برد عشا....
صمتت
قليلاً وكأنها تذكرت أن لا يجب أن تظهر معرفتها بأن حرارته مرتفعة حتي لا يعلم أنها إقتربت منه ، وإستنتج هو ما يدور بخلدها وهي شاردة فقال بهدوء
-
انا مبخدش أدوية .. هاتي القهوة لتقع منك
رفع يديه ونظر في ساعة معصمِه الانيقة ليهمس بدهشة
-
ياه الساعة لسه سبعة ونص ، انتي جيتي بدري بقي ؟!
أجابته مسرعة بإضطراب
-
اه ..بس مكنتش أعرف إن حضرتك هنا والله العظيم
إبتسم لها وهو يأخذ رشفة من قدحه ، ثم نهض ودلف لدورة المياه ليضع رأسه تحت الماء عله يفيق
نظرت حولها لا تعلم هل تذهب أم تنتظر أمره بالخروج وبترت أفكارها عندما رأته
خارجاً بيده منشفة صغيرة يجفف شعره ووجهه وصدره!
نظرت له بخوف وصدمة ثم عادت إلي أزرار قميصه المُنفكة قبل أن تهرب بنظرها أرضاً وهي تقول بتلعثم
-
طيب أنا.. أنا هطلع أحضر الورق وكل حاجة عشان الاجتماع
إبتسم بسخرية من حالتها وقال
-
ورق إيه ؟!.. الورق هنا اهو علي المكتب ما الملف معايا وإنتِ عارفة
ثم أضاف بنبرة هادئة خبيثة
-
متتوتريش كده أنا مش هكلك يعني !!
إتسعت عينها من تفكيره بأكلها وقالت دون أن تنظر له متذكرة حديث روسيل بأن عليها تخبئة خوفها حتي لا يطمع أحد بها
-
انا مش متوترة ومش خايفة انا بس ..عادي
هجيب
القهوة لحضرتك وأجي بسرعة ..
أتتها ضحكته العالية فأوقفتها بقلق ليصلها صوته الساخر
-
القهوة أهيه .. انتِ جبتيها اصلاً !
وعاد يضحك مرة آخرى بقوة إلي أن صمت هامساً بصوتٍ غريب رفع من دقات قلبها
-
بتبقي تُحفة وإنتِ متوترة
رفعت نظرها له بصدمة وتلاها غضب مهزوز من مقصده أنها بلهاء كما فهمت
كان ينظر لها بهدوء مفسراً جميع ردات فعلها رغم انها صامتة لكن يشعر وكأن لديه القدرة لفهمها هي خاصتاً
-
بس بتبقي جميلة أوي برده !!
همس بها ممتصاً غضبها من فهمها الخاطئ له

تدفقت الدماء بشدة الي وجنتيها من شدة الخجل والإضطراب فكانت ضربات قلبها تتسارع وكأنها في سباق لأسرع نبضة
إبتسم مرة أخري قارئاً ما تشعر به وإقترب هامساً بمكرٍ
-
هشششش إهدي وإتنفسي .. أنا مش هقدر أشيلك تاني !!
صُدمت من تلميحه بحملها أمس وتشنج جسدها من تلقيها لصدمة لتو الأخري ، وفكرت فجأة بشرودٍ إن كان متعمد أن يصيبها بالحرج والاضطراب حقاً !
إزدادت وتيرة أنفاسها من الفكرة وظلت تنظر للأرض بتوتر بالغ الي أن أتاها صوته الأجش
-
خلااص أنا بهزر معاكِ ،يلا اطلعي حضري الإجتماع عشان نخلصه ونطلع علي المطار مش عاوز تأخير، ولما شنطة هدومي توصل عرفي الأستاذ عبده وإديه شنطتك !
*****
تسللت الخيوط الذهبية من النافذة وكأنها تبحث عن صاحبتها المجروحة ، إستيقظت روسيل وفتحت هاتفها لتتحدث الي ميان ولكن وجدت رسالة منها بأنها ذهبت
نهضت مستغربة نزول ميان وحدها وشعرت بالسعادة فيبدو أنها تعتاد حتي وإن كان الأمر بطيئ ، أخذت حمامها الساخن وجلست فوق الأريكة تشعر بتعب فهي لم تنام جيدا وكيف ستنام وكل تلك الكوابيس تلاحقها ، فلا يمر يوم دون أن تستيقظ فزعة من نومها عدة مرات!

كيف عشقتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن