الفصل الرابع

83.8K 2.1K 31
                                    

قالوا أن الحبّ خارطة الحياة ، والشوق مؤشّر موت.
وما يشعر به ليس شوق ..
هو وجع ..

ألم علي تلك الفتاه التي أُختيلت دون رحمة ..
شفقة علي حالتها التي لا يعلم بها غير الله ..
لا يستطيع محو صورتها المُنكسرة من عقله ، أحيانا يتخيلها تبكي بقوة كاتمة ألمها ، يراها تصرخ في حلمه محاولة الإستنجاد بأحدٍ
خفقة قلب أيقظته من شروده بها عندما لمحت عينه فتاه تشبهها !

توقف مسرعاً بمجرد ما لمحها وترجل من سيارته نحو تلك السيارة المصطَفة جانباً وتتالت عليه مشاهد من تلك الليلة البائسة وتلك الفتاه الذهبية
توقف عندما تحركت السيارة وخرجت بهدوء من الكراج ، أكمل سيره وهو يبتسم بسخرية من نفسه، لقد أصبح يفعل كل شئ حتي يتخيلها فقط حتي أصبح يراها بين الناس ، وها هي ثالث مرة تحدث له !!
تنهد بضيق لكم يود رؤيتها لو لمرة واحدة فقط.. فقط واحدة !
توجه الي مكتبه وجلس فوق مقعده بأريحية حتي يفكر بها ولو قليل
فقد أصبح يعشق لحظات التفكير بها!!
وفي الأسفل مسحت روسيل وجهها بذعر متوقفة في الأعلي قبل أن تعود بالسيارة ببطئ للخلف حتي تنتظر ميان كما كانت
لا تعلم هل تسرعت بتحركها وهربها وكان مجرد شخص عادي يسير في الكراج ، أم هو رجلاً منحرف وكان سيستغل وجودها وحدها في هذا الوقت وهذا المكان
تنهدت ماسحة فوق خصلاتها وضمت قبضتها بقوة تحاول التحكم برعشتهما وقد بدأت مشاهد تلك الليلة السوداء تهاجمها ويكفي سكون المكان ووجودها وحدها !
*****
إقترب
موسي بالكوب من فمها حتي ترتشف القليل منه وبالفعل رشفت رشفه بسيطة، رفعت بصرها المشوش اليه تريد أن تطلب منه الإبتعاد قليلاً، ولكن إبتلعت ريقها بصعوبة لا تقوي علي الحديث تشعر بألم شديد داخل صدرها!
سكب موسي من الماء فوق باطن كفه وبدأ يمسح وجهها بلطف
- ميان .. انتي سمعاني؟ .. ركزي معايا حاسه بإيه؟
نظرت له بصدمة وإتسعت عينها برعب حتي أن كلماته لم تصل لأذنها ، زاغ بصرها لكفه الذي يمسح فوق وجهها وبدأت تشعر أن تنفسها توقف تماماً !!
تذكرت أنها لم تُحضر بخاخها معها وشعرت بإختناق شديد خوفاً منه ، وجائتها صدمة آخري عندما وجدته يقترب ويفك وشاح عنقها !!
نظر لها بقلق شديد وفتح أول زر من قميصها الوردي بعد أن أزال وشاحها الرقيق حتي تستطيع التنفس قليلاً يشعر أنها تزداد شحوب بدرجة مُقلقة !
وكانت هي كالصنم !
لا تشعر بأي شئ فقط تشعر بالدوار يزداد، قلبها سوف يتوقف عن النبض مؤكد !
هي واثقة من هذا ! .. ويكفي شعورها بأن رئتيها تتمزق في الداخل!
مسح موسي فوق خصلاتها بحنان يشعر أنها صغيرة وبها شئ غريب ، شعر بإنقباض قلبه عندما لاحت له فكرة أن تكون مريضة بعمرها هذا ، جلس أمامها مرة آخرى نصف جلسة فبدا وكأنه يجلس القرفصاء وقال لها بعبث حتي يضحكها أو يخجلها أياكان المهم هو أن تعطي ردة فعل بدلاً من تمثال الشمع المتلبسها
-
ميان إهدي عشان نفسك يتظبط أنا حاسه تقيل.. يا إما هتضطر أعملك تنفس صناعي !!
نظرت له بفزع وإتسعت عينها علي أشدهما مفكرة بما قاله ؟!!
وصرخ عقلها بأسئلة مُخيفة ، فهل قال تنفس صناعي!!
هل
سيُقبلها !!!
رفعت يدها تضغط صدرها بألم تتمني رؤية والدها لتختبأ به وسالت دمعتها المعلقة بأهدابها ولم تشعر بأي شئ عند تلك النقطة من التفكير ومالت عليه فجأة وقد فقدت الوعي !
خفق قلبه بقوة ممسكاً إياها من كتفيها وحركها للخلف صارخاً بها وبدأ يربت فوق وجنتها بقلق
- ميان .. ميان .. ميان فوقي .. مياااان
جذب المقعد له عندما لم يجد إستجابة ووضع إحدي يديه أسفل ركبتيها واليد الآخري خلف ظهرها وحملها برفق حتي أراح رأسها فوق صدره وهبط بها مسرعاً الي سيارته!
فُزعت روسيل عندما رأته وركضت خارج سيارتها تجاهه هاتفة بقلق
- ميان .. مالها في ايه؟!.. ميان مالك فوقي .. في إيه !!!
أجابها موسي متخطياً إياها نحو سيارته
- مش عارف أغمي عليها وبطلت تتنفس !
شهقت من إجابته وركضت تجاه سيارتها وأتت بالبخاخ من حقيبة ميان وأسرعت اليه مرة آخري بذعر
كان موسي قد وضعها بالمقعد الأمامي عندما إقتربت روسيل منه وبمجرد ما لمح البخاخ حتي قال بدهشة بل بصدمة
-
إيه دا ؟! .. هي بتجلها أزمة تنفس ؟!
كانت روسيل تحاول وضع البخاخ بفم ميان ولكن يجب أن تستنشق منه !
صعد موسي خلف المقود وهتف بها زاعقاَ
-
هاخدها المستشفي إركبي بسرعة
وثانية واحدة قبل أن ينطلق بهما كالطلقة حتي أصدرت سيارته صوتاً مخيفاً من فرك الأرض وهو يصعد المطلع ، توقف أمام مشفاهم الخاص وقُبض قلب روسيل !
مرت الدقائق ثقيلة إلي أن خرج الطبيب
يطمئنهم عنها ناظراً لموسي بهدوء وإحترام
-
متقلقش يا بشمهندس هي جتلها أزمة تنفس ولازم تاخد بخاخ بعد كده ..
قالت روسيل بصوت مُرتجفمن خوفها عليها ومن صراعها بسبب تواجدها داخل هذا المكان
-
هى بتاخد اصلاً بس ..
قطعت حديثها لا
تعي ما حدث لها ، وتابع الطبيب بهدوءٍ
-
البخاخ لازم يكون موجود في أي ظرف عشان كده غلط .. حمدلله علي سلامتها ، عن إذنكم .
دلفت روسيل لغرفتها في حين أن موسي قد إتجه للأسفل لينهي حساب المشفي
نظرت لها بحنان وإقتربت منها ماسحة فوق خصلاتها بصمتٍ وكأنها تطمئنها
رفعت ميان بصرها نحوها بمعني لا تقلقي فإبتسمت قائلة بتحذير
-
ممنوع الكلام ..شوية وهنشيل الجهاز وإبقي إرغي براحتك
إبتسمت عينها وتحولت ببطرها تجاه الباب عندما طُرق ودلف موسي للداخل
تشنجت عضلاتها وإبتلعت ريقها بخوف
شديد منه ، لا تعرف ماذا فعل بها وهل أذاها أم لا !
إبتسم موسي لنظراتها المذعورة وقال بهدوءٍ
-
هششش إهدي خالص انا أسف إني خضيتك كده ومسامحك علي الغلطات الكتير اللي بتعمليها مش هطردك يعني المرادي !
قال
كلماته الاخيرة بمزاح باسم، وتابع بعبثٍ وقد ثبت نظره عليها
-
انا هستناكوا بره عشان لو عايزاني أشيلك لحد العربية!
أنهي حديثه غامزاً إياها قبل أن يفتح الباب ويخرج بهدوء كما دخل !
لم تستطع ميان الصمت أكثر فقامت بنزع القناع البلستيكي عن فمها وأنفها وقالت لروسيل بنظرات حائرة
-
انا خايفة أوي .. شكله مش مريح ، وبعدين هو كمان شالني ؟!!
نهضت برجفة تحاول الإعتدال وقالت نافية برأسها
-
انا خلاص هستقيل بابا كان عنده حق الشغل ملوش لزمة و...
قاطعتها روسيل بضحك
-
بس بس بس إيه كل دا ؟ ..الراجل مش قصده حاجة وبعدين إنتي كان مغمي عليكي كان هيعمل ايه يعني، وبعدين متقلقيش أنا كنت معاكِ وكمان إحنا إتفاقنا تتغيري
خلاص
موقف وعدا إتعاملي عادي لان مفيش حاجة فعلاً وهو معملكيش حاجة عشان أنا عارفة تفكيرك المُريب دا
،ويلا قومي عشان نِروح لأننا اتأخرنا ومامتك إتصلت مرتين ومعرفتش أرد وفي الطريق ابقي إحكيلي ايه اللي حصل المهم انك كويسة الحمدلله دلوقتي .
أومأت لها بحيرة ونهضت معها
، وبعد قليل كانت تجلس في الخلف داخل سيارته، وإنطلق بهما الي الشركة حيث سيارة روسيل
تململت ميان بإرتباك وهمست بصوت خافت حتي لا يسمعها - كنا ركبنا تاكسي
أجابتها روسيل بنظرة مؤنبة
-
لا طبعا عيب وبعدين انتي لازم تشكريه
ثم رفعت نبرة صوتها
-
شكرا يا بشمهندس تعبنا حضرتك معانا
قال بهدوء وهو يغير وضعية مرآته
-
العفو مفيش حاجة حصلت تستدعي الشكر و.. والإحراج دا كله !
وكان يقصدها بجملته الاخيرة ناظراً لها
ظل يتابعها بعينيه فقد عدل المرآه فقط ليراها جيداً وظل يتأملها الي أن أتاه صوتها الرقيق هامساً بتوتر
-
شكرا .!!
إبتسم بخبث موجهها حديثه لها كما نظراته
-
مفيش حاجة .. أهم حاجة إنك كويسة ياميان
خفق قلبها من طريقته ونطقه لإسمها ، وعاد
هو مرة آخري لمتابعتها عبر مرآته لا يعلم بماذا يشعر من النظر لملامحها البريئة تلك، يشعر وكأنها تهديه السلام النفسي !
ودون أن يفكر في الزواج تمني أن ينجب فتاه مثلها ! !
طال الطريق لها ،وتقلص له ،وشردت روسيل متذكرة جدران تلك المشفي التي اصبحت لها مُخيفة وقابضة للروح !

كانت ميان تصعد السيارة بعد أن وصلوا للكراج ، وتوقفت فجأة قائلة بقلق
-
الملف فوق...
قطعت
حديثها بخزي ناظرة أرضاً
ضحك بشدة من تصرفاتها الغريبة والتلقائية
-
ملف إيه بس.. انتي هتعمليلي كارثة لو إشتغلتي بحالتك دي اصلاً ، روحي إرتاحي خلاص أنا هعمل الملف لنفسي!
نظرت له بدهشة مما قاله فوجدته ينظر لها بحنان غريب أو هكذا شعرت !
إبتلعت ريقها بخجل ووجهت بصرها للأسفل وهي تهمس بحرج شديد
-
شكرا
إبتسم مرة آخرى متأملاً إياها بإستغراب من نفسه وذلك الشعور الخاص بها وتلك الهالة المحيطة بها وتحيط كل من يقترب من محيطها
-
يا دوب تنامي عشان السفر يلا روحوا عشان الوقت ميتأخرش عليكوا أكتر ..
أومأت له روسيل شاكرة مرة اخري تحت حرج ميان التي صعدت للسيارة بصمتٍ .
صعد
مكتبه وبدأ بالعمل حتي ينهيه ويبدأ بالملف فميعاد الاجتماع غداً قبل الطائرة، وبعد عدة ساعات صعد يوسف الي طابقه وفتح الباب ليجده منكباً علي عمله
سأل بدهشة من إنغماسه في العمل إلي الأن
-
ايه يابني إنت لسه مخلصتش ولا ايه ؟!
أجابه دون أن يرفع رأسه من الأوراق
-
لالا لسه بدري روح إنت .. أنا لو جيت هيكون متأخر اوي يوسف بدهشة
-
لو جيت !!.. إنت هتبات هنا ولا إيه ؟!
أومأ باحثاً بين الأوراق
-
شكلي كده
قطب يوسف بين حاجبيه ناظراً نحو النافذة الزجاجية
-
مينفعش الدنيا بدأت تبرد وشكلها هتشتي جامد ..كده هتتعب إنت مش معاك جاكت والشتا بيأثر عليك
رفع نظره له
- لا معايا وبعدين إن شاء الله مش هتشتي
تنهد يوسف قائلاً بيأس
- متبصليش كده ياعم إنت حر، أنا هروح مش قادر خلاص تصبح علي خير ولو إحتجت حاجة كلمني
أومأ له بصمتٍ ومرت الساعات دافناً رأسه بين الأرقام والأوراق حتي شعر بالألآم تغزو جسده ، أراح ظهره الي الخلف يشعر وكأن عظامه تكسرت ، رفع أصابعه متخللاً خصلاته الحالكة بينما عينه تحارب الإنغلاق، إعتصر رأسه بقوة أملاً في التخلص من هذا الصداع الفتاك
ثم نهض ذهاباً لسيارته حتي يأخذ معطفه فقطرات المطر بدأت تسقط متحررة من السحب الرمادية ، توقفت قدمه كما شردت نظراته عندما رآي مكتبها ليسترجع ماحدث معها
شعور بالإنتشاء !.. أقل ما يمكن وصف شعوره به عندما رأها وحدها ، إرتباكها يخلق خفقات داخله ، صوتها يعزف فوق أوتار قلبه المهجورة ، إطارات عينها كمدارات لحياته
إبتسم
بسخرية من نفسه علي الأغلب يجب أن يعترف لنفسه أنه سقط في حبها !!
أحبها! .. كم هي كلمة غريبة وشاذة علي قاموسه ولكن كيف لا .. يستطيع حصد مليون رجلاً يعشعون فقط لمعة عينها السماوية !
إقترب يبحث عن وشاحها ووجده مكان ما سقط منه ،إلتقطه مقرباً إياه من أنفه وكأنه يبحث عن عطرها ، ودون شعور بدء بإستنشاق رائحتها منه متذكراً هيئتها صغيرة وقد كانت كالعصفور بين يديه ، بشرتها كانت كملمس بشرة الاطفال وإرتجافة شفتيها .. وعند تلك النقطة شرد مفكراً برد فعلها إذا قبلها !!
ضحك فجأة فلقد فقدت الوعي من مجرد طرح الفكرة !
هذا إن سمعتها من الاساس وقد كانت كالصنم دون شعور وحياه ، تنهد محاولاً الخروج من هذا الاحساس الغريب وتلك المشاعر القوية مازالت نقطة داخله ترفض أن يشعر بالحب وتلك الأمور التي طالما رأها غير حقيقية ومضيعة للوقت!
*****
أنهت ميان علبة عصيرها التي جلبته روسيل من أجلها
- بس
كده دا اللي حصل بعد كده معرفش حاجة مكنتش حاسه
وتابعت بحسرة
- تخيلي
حبكت يعني يرجع الشركة النهاردة وانا بجيب الملف .. بجد أنا حظي وحش أوي
قالت روسيل دون أن تنظر لها فكانت أنظارها مرتكزة علي الطريق
-
خلاص حصل خير وبعدين ما يمكن كل يوم يكون بيرجع أصلاً الشركة وإنتي اللي متعرفيش
أومأت بتفكير
-
يمكن فعلاً هو مجنون شغل بصراحة، من الناس اللي تحسي إنها مبتزهقش من كتر الشغل كأنه إنسان آلي
ضحكت روسيل موزعة أنظارها بين ميان والطريق
-
طبيعي إنتي مش شايفة إسمهم في السوق وعندهم كام شركة دي عيلة كبيرة جداً أنا دايما بسمع عنهم بس مكنتش أعرفه شكلا
أومأت لها متنهدة بحزن وهمست ماسحة فوق خصلاتها بضيق
-
انا محرجة اوي يا روسيل مش عارفة هشوفو ازاي تاني منظري حقير أوي وبعدين هو أصلاً شايفني هفأ كده أو متقل بيا وبعد اللي حصل أكيد هيفكرني هبلة
ضحكت روسيل بشدة
-
إيه اللي بتقوليه دا محصلش حاجة، وبعدين تستاهلي انتي كان لازم تكوني شايلة البخاخ وكمان لازم تبطلي التوتر دا كده غلط
همست بحزن
- غصب
عني انا مُت من الخوف لما عرفت إنه موجود إتخضيت جداً، كنت بتمني اختفي من قدامه ولما اتوترت ونفسي زاد بدأت أتخنق وأخاف أكتر فكرته هيغتصبني ويقتلني وكده
لم تستطيع روسيل الضحك فالأمر بالفعل سئ وميان تضررت من نشأتها
الخاطئة التي لا ذنب لها بها
-
خلاص موقف وعدي وبعدين والله ما ضعف منك ولا حاجة لما حد يعرف إنك بتتوتري وبتاخدي بخاخ، وكمان إنتي لو مش هتعرفي تتعاملي مع عمرو زميلك دا قولي لموسي إنك مش حابه تشتغلي معاه
نظرت لها بدهشة
-
يا سلام!! .. ولما يسألني ويقولي ليه أجاوبه بإيه ؟

كيف عشقتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن