الفصل الرابع والثلاثون

56.9K 1.7K 46
                                    

لا دواء للحب إلا المزيد من الحب .
هنري ديفد ثورو

وهو لن يُشفي لأن حالته بلا دواء ..
بل دوائه هو نفسه سبب سقمه !
انتفض قلبه بمجرد رؤيتها لتهبط عيناه بفزع لدماء يديها المرتعشة
- ميان ..
لا يعلم إن خرج اسمها بهمسٍ أو هتاف لكنه خرج صادحاً من قلبه !
- د.. دم.. دم!
كانت تهذي برهبة ناظرة بينه وبين روسيل، وتقدم هو يخفي جسدها العاري بجسده بينما نطق لسانه دون عقله
- بس.. بس متخافيش
اقتربت روسيل منها بقلق فِيما قبض موسي فوق رسغيها مُعتقداً انها قطعت أوردتها بشفراته
- هاتي الغطا
اشار لروسيل وعادت عينيه القلقة لوجه ميان الشاحب عندما همست بذعر ناظرة للأسفل
- د..دم.. انا خايفة !
- متخافيش هاخدك مستشفي مش هيحصل حاجة
- هاتلي اي لبس يا يوسف
هتف بزعيق مُرتبك وكان يوسف بالفعل امام خزانته يعبث بها في محاولة لايجاد شيئاً مناسب، حتي التقط كنزة وسترة بسحابٍ عريض
- يمكن دول ينفعوا
.
اقترب مناولاً الملابس لموسي الذي جلس ارضاً بها امام باب دورة المياه من تراخي قدميها وترنح جسدها، التقط الكنزة ليُلبسها لها بينما ترك رسغيها لروسيل التي نظرت باستغراب ليدها السليمة لتهمس بدهشة
- ميان.. الجرح.. فين الجرح؟!
-
ريحته.. انا دايخة.. شلوه..
تملكت ملامح الذعر من وجه موسي علي سؤال روسيل وترك السُترة مُكتفياً بالكنزة القطنية التي اصبحت عليها كثوب قصير، جذبها بسهولة من ضعفها وصغر حجمها لتُصبح فوق قدميه وتملك ذراعه الايسر من خصرها بينما يده اليمني تحسست ركبتيها وفخذيها برهبة وذعر بحثاً عن الجرح بسبب شعوره أن الدماء مصدرها هناك
- لا.. لا !
توسلت ميان برجفة شديدة محاولة اغلاق قدميها بوهن
- اهدي يا ميان.. انتي عورتي نفسك ازاي؟!
ووقتها همست روسيل باستيعاب انه نزيف وليس انتحار ومن البداية صُدمت من اقدام ميان علي الانتحار وهي ترهب الدماء
نظرت ميان للاسفل ببكاء ملامسة كف يده التي تتفقد فخذيها في محاولة لأبعادها عنها ، لتبكي فجأة بإرهاق ودوار من الرائحة والمنظر الذين تمقتهم
- انا مش هسيبك كده.. اهدي عشان خاطري
رفعت عينيها له بتشوش لتجد انه موسي بهيئته وصوته ومالت برأسها فوق صدره عندما ضغط رأسها إليه
- متخافيش
همست بها روسيل واقتربت في جلستها منها لتمتد اصابعها ملامسة خصلاتها المبللة
- مفيش حاجة تخوف .. انا هساعدك
أومأ موسي ولا يعلم هل يطمئن ميان أم نفسه ورفع بصره نحو روسيل التي تحدثت بشفتيها دون أن تسمع ميان
- دا نزيف .. لازم مستشفي
وسألها موسي بعينيه القلقة قبل شفتيها التي تحدثت دون صوت
- بتنزف من ايه.. مالها؟!
حركت ميان رأسها تشعر بانقباض معدتها الشديد لتهمس بإختناق
-
انا مخنوقة.. حاسه بيه.. دايخة
وشدد موسي من ضمها لجسده
- اهدي ياحببتي انتِ بتنزفي من التعب انا هاخدك مستشفي دلوقتي
رفعت رأسها عن صدره ناظرة لذقنة وملامحه بتشوش مذعورة من أن تنام ويختفي
- مش هسيبك متخافيش.. لو اختفيت تعاليلي الشركة
قالها ببسمة حزينة مُجيباً علي ما يدور في عقلها كعادته معها ودائماً ما كانت له واضحة وملامحها شفافة حقاً
- لو سبتني... لو سبتني ...
كانت تتحدث وتصمت باحثة عن تهديد يُبقيه معها بالاجبار لتبكي في النهاية بيأسٍ من عدم عثورها علي شئٍ واحد يُدينه!
- متهدديش.. مش هسيبك.. متخافيش..
همس بها بحنان وحسرة من طبع التهديد الذي لجأت له وكأنه زُرع داخلها كوسيلة الوصول لما تُريد
قبل خصلاتها وضم رأسها برفقٍ له بينما عيناه تحدثت لروسيل كما شفتيه
- قولي ليوسف يجهز العربية بسرعة
اومأت روسيل ونهضت مُسرعة، وتملك هو منها اكثر يريد زرعها بين ضلوعه حتي لا يراها او يمسسها احد..
- مش هسيبك لحد تاني.. انتي مينفعش تفضلي معاهم.. مدام هم مش عارفين يحافظوا عليكي
انا هعرف..
كان يتحدث بهمسٍ وصل لها غير واضح رغم أنه كان يصدح بقوة داخل صدره
وكان يوسف قد خرج بمجرد ما التقط كلمة روسيل الهامسة بالنزيف ليجري مكالمة هاتفية
- تمام يا علي متتأخروش
التفت ووجدها خلفه وسار ماراً من جانبها ليمسح فوق ذراعها بإطمئنان
- اهدي متقلقيش انا طلبت دكاترة
أومأت له بدموع ودخلت للغرفة خلفه ينما جلس هو خلف موسي ليضغط فوق كتفه في محاولة لبث الدعم والقوة به
- متخافيش يا ميان انا طلبت دكتور .. هتبقي كويسة
لم تسمعه وأغمضت عينيها تاركة نفسها للسقوط في تلك الفجوة التي تلجأ إليها دائماً
وما كانت غير فقدان وعي هارب !
نهض بها موسي ووضعها فوق الفراش برفقٍ ولسانه يسأل بقلق عليها
- النزف دا خطير ؟! .. من ايه حصل كده ؟!
نفت روسيل بتنهيدة قلقة
- مش عارفة يمكن ضغط عصبي او بريود ... مش عارفة والله
توقف يوسف مقابلها يشعر بكم تشوشها وبالفعل أحداث اليوم كانت كثيرة علي جميعهم
- اهدي ياروسيل وركزي .. متخافيش احنا هنا اهه ولو لقدر الله في حاجة هننقلها المستشفي بسرعة
ابتلعت ريقها ونظرت نحو ميان ثم اقتربت منها مشيرة لموسي
- عاوزة اوطي راسها عن مستوي رجليها لحد ما يجي الدكتور
أومأ لها بعدم فهم واقترب يرفع قدمها محاولاً إخفاض رأسها، فِيما انتظر يوسف في الخارج حتي حضراعلي وميرنا

التفتت روسيل علي دخولهم وتشنجت مكانها بشحوب من رؤيتها لذلك الطبيب !
ابتلعت ريقها وقد إجتاحت البرودة جسدها فجأة تراه فوقها متوقفاً بمعطفه الأبيض بينما هي مسلتقية بجسدٍ مُهلك فوق السرير الطبي
أغمصت عينيها بقوة تري الطريق ومحاولاتها للهرب بينما سيارتين من الدفع الرباعي تحاول لإغلاق الطريق عليها حتي تحاصرت بينهم لتصرخ بهستيريا مغلقة اقفال السيارة عليها ، واقتربوا مسرعين ليحطموا زجاج النافذة جانبها وبعدها لم تشعر بشئ بعد أن استنشقت ذلك الرزاز المخدر!
اقترب يوسف بتصلب من جسدها الثابت رغم رجفته وللوهلة الاولي غفي أنها كانت مع الطبيب (علي) يوم حادثها المشئوم، ابتلع ريقه بصعوبة يراها امامه بحالتها
المزرية من ثوبٍ ممزق وخصلاتٍ مبعثرة لتمتلئ قدميها بالدماء والخطوط التي تنافس لونها بين الاحمر والازرق
تنفس بقوة ناظراً للأطباء حول ميان وموسي جانبها واقترب حتي توقف امامها دون لمسها ليصبح ظهره إليهم !
وإن شاهد أحداً الموقف لستغرب من وقفتهم وصمتهم ومرت ثوانٍ دون حركة من احدهما وظل هو مقيداً يديه بقبضة قوية عن ملامستها يعلم أنها ستصرُخ وتدفعه إن إقترب
وبعد مرور بضع ثوانٍ آخرى انتبهت هي وحدها عندما رمشت عينيها الدامعة لتراه متوقفاً امامها بدلاً من ذلك الرجل البشع
في البداية اتسعت عينيها بعدم تصديق وارتجف جسدها متراجعاً خطوة للخلف حتي إستوعبت وسالت دموعها بقوة ليتحول صمت بكائها لشهقات عالية
وكم تمنت رؤيته يوم الحادث .. وليته وجد من العدم وأنقذها !
اقترب واحتضنها قبل أن تري دموع عينيه التي فاضت ألماً ووجعاً مدفون داخله منذ أشهر عدة، ربت فوق ظهرها بمواساه يحتاجها هو بقدر حاجتها لها .. وأصبح المشهد لمن ينظر مُترجم بإنهيارها خوفاً علي صديقتها ليس أكثر !
*****
- ازيك يا بشمهندس رشيد ؟
نهض رشيد من أمام حاسبه مجيباً بترحيب
- اهلا يا استاذ كامل انا بخير انت اخبارك ايه ؟!
مسح كامل وجهه بقلق مومأ قبل أن يُجيب
- الحمدلله .. انا كنت بكلم موسي بس تلفونه مقفول وميان كمان .. ومن حوالي ساعة ونص روسيل ردت قالت إن في شغل بس أنا كنت هناك دلوقتِ وعرفت إنهم مشيوا من الصبح .. انا قلقان ومش عارف هم فين
- متقلقش انا هشوف الموضوع دا
حاول رشيد طمئنته يعلم خوفه علي إبنته وهو أيضاً أصبح خائفاً عليها ويكفيه حالة إبنه منذ ساعات
- هحاول أوصل ليوسف وأكلمك دلوقتِ .. متقلقش ان شالله خير
أغلق معه نافخاً بغضب من عدم عودتهم حتي هذا الوقت وعاد يتصل بيوسف الذي أجاب بعد رنين متواصل لمرتين
- ايوة يا بابا ازيك ؟!
- زفت .. وهكون كويس ازاي ومصايبكم فوق دماغي .. انت فين ؟!
مسح يوسف وجهه مبتعاداً للخارج بعد أن ودع الأطباء الذين طمئنوا موسي عليها وقاموا بفعل ما تطلبته الحالة
- خير بس .. حصل ايه ؟!
- بقولك انت فين ؟!
اغمض عينيه علي هتاف والده وأجاب بهدوء
- مع موسي يابابا
- انت في الشقة عنده ؟!
قطب جبينه من معرفة والده بمكان موسي وقد كان يظنه يبحث عنه
- اه .. هناك ومعايا روسيل وميان
- اخوك عمل حاجة في ميان ؟!
اتسعت عينيه من توقع والده رغم أن الطبيعي استبعاد أذية موسي لها
- لا ..
خرجت منه بتردد وارتباكٍ ليصيح رشيد بغضبٍ حارق
- يبقي أذاها .. انا هوريه ازاي يعصي كلامي
- يابابا اسمعني لوسمحت .. حالة موسي صعبة متعملش اي حاجة تستفزة دلوقتِ
- يعني ايه صعبة .. عمل ايه في بنت الناس واهه باباها اتصل وبيسأل
أغمض عينيه بقوة من تعقد الأمور وحاول التفكير سريعاً يريد إبعاد موسي عن أي ضغطٍ الأن يعلم أنه علي أعتاب إنهيار سيندم الجميع عليه
- متقلقش احنا هناك والله وهكلم عمو كامل دلوقتِ هطمنه وهقوله اننا كنا سافرنا فرع السخنة عشان شغل والوقت اتأخر
خرج رشيد الي الشرفة يتنفس بقوة لا يعلم ما به إبنه وماذا حدث للفتاه وماذا سيحدث
- كلمه دلوقتِ الراجل قلقان وراح الشركة ..
- حاضر والله ..
ألقي بالهاتف جانباً وذهب ليأتي بالرقم من هاتف موسي أو ميان وكانت روسيل جالسة بصمتٍ عند قدم ميان تنظر بثبات لتنقيط المغزي بينما موسي في الشرفة خارجاً منذ وقتٍ
- معاكِ رقم عمو كامل ؟!
نظرت له وأومأت ماسحة فوق خصلاتها ثم نهضت لتجلبه من هاتفها لتفاجئ برنينه عليها دون أن تشعر
- دا رن عليا كتير .. ياربي اكيد قلقانين جداً علينا
أومأ لها
- اه وراح الشركة وكلم بابا
عضت شفتيها بقلق ناظرة نحو الغرفة الضامة لميان
- طب هنعمل ايه .. لازم ميان تكلمه
نفخ بضيق
- مستحيل تفوق مدام خدت مهدئ
نفت روسيل بشرود
- لا مخدتش موسي مرضاش بأي مهدئات .
نظر لها بدهشة من رفض أخيه رغم أن حالة ميان بحاجة لذلك ودلف للداخل يريدها أن تفيق ليتحدثوا معها فإن أخبر والدها بالعمل وتأخرهم بالتأكيد سيطلب محادثتها
- موسي
ناداه رابتاً فوق كتفه لينتبه من شروده المظلم في الأفق الأظلم
- عمو كامل قلقان وكلم بابا وراح الشركة وتلفونتكوا مقفوله
نظر له بحدقة أضرمت النيران بها مجدداً ليهمس بسخطٍ
- سيبه يخاف .. سيبوهم يقلقوا أنا هربيهم
تنهد يوسف ماطاً شفتيه
- انا عارف احساسك ومقدر عصبيتك بس في النهاية بابا في الموضوع .. هو كلم بابا وانا قلتله هخلص الموضوع وهنطمنه
مسح موسي فوق خصلاته بعندٍ
- وانا مش هطمنهم بالعكس هعرفهم اني ضربتها ويوريني هيعمل ايه .. انا هحرق قلبهم عليها
نظر يوسف بيأس نحو روسيل التي كانت تحاول في إفاقة ميان برفقٍ
- مينفعش ياموسي .. هيبقي في مشاكل ومش معاك انت .. بابا نفسه لو عرف انك ضربتها مش هيعدي الموضوع .. انت مش ناقص ضغط من حد حاول تعدي الأمور دلوقتِ علي الاقل لحد ما تهدي
نظر بقلق عندما تأوهت ميان في الداخل ودلف مسرعاً ليجدها تحاول الجلوس مقابل روسيل
- براحة !
نظر بغضبٍ نحو روسيل ليهتف بها زاعقاً
- انتِ صحتيها ليه ؟!
واجابته بقوة
- عشان تكلم عمو كامل
- انا مش هخليها تكلم زفت
- موسي !!
صاح به يوسف لينتبه علي حديثه وتوقف امامه عندما حاول الاقتراب منهن هاتفاً
- قومي .. ميان مش هتكلم حد
نظرت له روسيل بقوة ثم عادت بنظراتها نحو ميان
- باباكِ اتصل وقلقان وعرف اننا مش في الشركة من ساعات
وابعده يوسف أكثر محاولاً تهدئته من ذعر ميان ورجفتها علي هيئته وصراخه بروسيل
- موسي اهدي لوسمحت اللي بتعمله غلط متخليش غضبك يتحكم بيك كلنا مقدرين حالتك بس انت كده هدمر الدنيا
جز فوق نواجذه ينظر بضيق لهن فِيما تابعت روسيل
- دلوقتِ اختاري يا اما نكلمه ونعرفه ان موسي ضربك عشان يجي ياخدنا او يوسف يوصلنا ياما
- انت بتهدديني
هتف بها موسي بحدة ودفعه يوسف بضيق من كل شئ وقد ضغط بما يكفي علي نفسه
- قلتلك اهدي
- وإن مهدتش ؟!
ارتبكت روسيل من طريقتهم التي اوحت انهم علي عتبة صراع كبير
- موسي مضربنيش !
قالتها ميان بقلق وخوف شديد من حالة الجميع وتوقف موسي محولاً نظراته عن يوسف الذي كان بالفعل علي بُعد بسيط من العراك معه عله يفيق
ابتلع ريقه بقوة ونظرت روسيل لها بإستغرابٍ
- اومال مين اللي ضربك؟ .. عمرو ؟!
قطبت ميان بين حاجبيها لتري هيئة الغرفة وموسي العاري بعينيه التي تحولت للأصفر ثم صراخه الوحشي في وجهها حتي صفعاته التي تتالت فوقها !
وتحول كل شئ في لحظة لتنتفض ببكاء وصدمة من ضربه لها
*****
الحب مرض عقلي عضال .
أفلاطون

وهي علي الأغلب مَرضت ويكفي انها جالسة امامه تسمعه !
نعم تبكي بحسرة ونظراتها مصدومة به ولكنها لم تثور .. هادئة وتسمع !
- صدقيني انا محستش .. مقدرتش اتحمل ان ....
قطع حديثه بإختناق لا يريد التحدث فيما مضي .. يخشي انهيارها مجدداً
- أقول لبابا ايه ؟!
سألته بإستسلام ويأس أوجعه وأجابتها روسيل بهدوء
- احنا كنا هنقوله اننا سافرنا فرع السخنة والوقت اتأخر فهفضل في اوتيل وأنا وانتِ مع بعض اهه .. بس لو عاوزة تعرفيه... براحتك
ابتلعت ريقها متحسسة عينها المتورمة ومدت اصابعها برجفة لتتصل بوالدها
- انا اسفة قلقتكوا .. مختش بالي من الموبايل
تحدثت بهدوء وانتظرت قليلاً لتعود معتذرة لوالدتها التي علي الأغلب أخذت الهاتف من ابيها
- معلش يا ماما .. كان .. كان في شغل كتير وانا محستش بالوقت .. بكرة هنيجي والله
- لالا انا معايا روسيل هي هتفضل برده
- حاضر هكلمك تاني الصبح والله .. انا اسفة متزعليش
كانت تتحدث مجيبة بهدوء بينما نظرات موسي وروسيل مصدومة من ثباتها الغريب .. حتي انها تحدثت بثباتٍ عنهم وكأن لم يحدث شيئاً وكأن كل ما مضي لم يحدث معها هي .. وإن لم تتذكر لظنوا ان لديها انفصام في الشخصية
ابتلعت روسيل ريقها بقلق من حالتها المُخيفة وتصرفها الغريب وقد كانت تعتقد أن ميان لن تتحمل وستنهار وستبكي وغيره
مسحت دموعها برعشة تشعر أن ميان غريبة ومريضة بدرجة متأخرة
بينما ظلت نظرات موسي هادئة نحوها .. أو تبدو هادئة وفي الحقيقة تتفرسها
يحاول التوصل لتلك القوة الكامة بها .. يحاول استيعاب ثباتها وهدوئها .. نظراتها المُهتزة رغم أن صوتها جامداً
رعشة أصابعها الواضحة رغم أن وجهها ثابتاً
أغمض عينيه متنهداً وكما تعايشت هي مع هذا الألم سيتعايش هو وإما يخرج بها من فوهة ظلامها ومرضها وإما تغرقه معها !
أنزلت الهاتف لتبكي فجأة محاولة إخراج ضغطها الكبير ونهض تاركاً الفراش
- انا هروح انام .
نظرت له روسيل بحزن ولا تعلم هل تتعاطف معه أم تكرهه وحولت بصرها نحو يوسف الذي مسح وجهه بعدم تصديق مما رأه وكأنه كان يشاهد فيلماً والبطلة فيه تستحق الأوسكار علي تغيرها وإتقانها للدور المفروض !
- في اوضتين بره .. ناموا مع بعض لو عاوزين .
أومأت له بصمتٍ بينما ظلت ميان ترتجف كما هي ببكاء شديدٍ ويدها تقبض فوق الشرشف بإستمرار
*****
الهم والغضب واليأس أعدى أعداء الإنسان
.
ميخائيل نعيمة

والغضب يحاربه والهم يثقل أكتافه .. واليأس..
اليأس يدُب أوصاله !
مر أكثر من أربع ساعات وهو جالس فوق الأريكة وقد ترك الغرفة بضيقٍ منها .. يشعر أن مساحتها لا تكفي لطاقته، كل ما مر من وقت لم يشعر به فقط مستلقياً بتحديق في السقف فوقه والصمت يغلف الارجاء من الخارج ليُخفي الصراع والتحكيم في الداخل
رمشت عيناه عندما شعر بحركة مع صوت إنفتاح باب غرفتهن، مال برأسه جانباً ينظر خلال الظلام ووجدها تسير ببطئ تنظر حولها
قطب جبينه من نهوضها وإعتدل بصمتٍ ليجلس، وكانت هي قد نهضت منذ ساعة وظلت جانب روسيل تنظر لملامحها الساكنة ببكاء ، خائفة من أن تتركها وتظل وحدها مرة آخري.
نهضت بعد وقتٍ وخرجت تبحث عنه متذكرة ملامحه الحزينة وآخر نظرات من عينيه !
فتحت الباب ببطئ وخرجت لا تعلم في أي غرفة يكمُن وتوقفت بحيرة .. لا تريد غير رؤيته فقط ولا تعلم السبب
نهض مقترباً منها وقد شعر بالقلق عليها من توقفها وشرودها
- ميان! ..
شهقت بفزع مُلتفتة علي صوته وإقترب أكثر مهدئاً
- متخافيش .. مالك عاوزة ايه ؟!
نفت بتوتر شديد من وجوده فجأة.. وإستيقاظه.. وسؤاله
- انتِ جعانة ؟!
سألها بإستغرابٍ من صمتها وكان هذا أقرب شيئاً توقعه لسبب خروجها وحرجها الشديد منه، وأومأت هي من عجزها في العثور علي اجابة آخرى ليبتسم بحنان
- تعالي
ضمت الشرشف أكثر عليها وتحركت بإرتباكٍ خلفه لتتوقف أمام الرخامة الكبيرة
- اعدي علي الكرسي
ابتلعت ريقها وتحركت ببطئ حتي صعدت فوق المقعد المُرتفع المقابل للرخامة العريضة وقد كان المطبخ بنظام الامريكي بار
- بتحبي البيض ؟!
سألتها بهدوء مُخرجاً بعض الأواني كما اخرج عدة مُعلبات من الخزائن العلوية
- هعملك ساندوتش هيعجبك سيبك من البيض
ظلت تنظر لتحركاته وما يفعله بعدما شغل جهاز شفط الهواء وقُبض قلبها وهي تري تامر يتحرك أمامها يصنع لها لفافة الدجاج بالثوم في محاولة لتعويدها عليه لانه يفضله في الطعام !
- (حاولي تاكليه لاني بحبه ولازم تعمليه في الأكل بتاعنا)
- انا مش بحبه !
همست بدموعٍ تنظر لصحن الدجاج وانتبه موسي لهمستها ودموعها فأخفض من درجة النار واقترب منها بقلقٍ
- مش بتحبي ايه ؟!.. مالك ؟
نفت بدموع ونظراتها مازالت كما هي
- مش بحب الثوم .. بتخنق منه
أومأ بإستغرابٍ
- انا عارف متخافيش مش هحطلك ثوم انا هحط....
صمت فجأة مُستوعباً انها تري شيئاً وقمع غضبه بكل ما لديه من طاقة مُنفذا محاولته للتعايش مع الألم مثلها
- ميان ..
همس بها متحسساً ظهرها ونظرت له برجفة لتتسع عينيها من رؤيته
- انا مش هحطلك ثوم زيه .. انا بعملك حاجة هتحبيها !
نطقها بألم غريب وملامح هادئة مناقضة لما يعتمل في صدره
تحرك مرة آخرى للموقد، وهو نفسه لا يصدق أنه تحدث معها بتلك الطريقة .. وكأنه يُفضل نفسه عن صديقتها وليس رجلاً آخر ..
رجلاً غيره !
مر الوقت ناظراً لها وهي تأكل ببطئ لقيمات صغيرة ويدها اليسري مازالت قابضة فوق صدر الشرشف
- ها حلو ؟!
ابتسمت له بحرج وأومأت ولم تكن تشُعر بحاجتها للطعام، رغم أنها إكتشفت تدهورها جوعاً
نظرت له عندما أخذ الصحن من أمامها بعدما إنتهت واقترب مُمسكاً بيدها التي ارتجفت بين قبضته لتقفز من فوق المقعد معه .. سارت ناظرة نحو الغرفة القابعة روسيل داخلها وقد كانت تظنه سيأخذها لها لتُكمل نومها
- تحبي تنامي معايا ؟!
تسمرت بصدمة من سؤاله كما تشنجت يدها داخل قبضته، و توقف هو امامها ناظراً داخل عينيها الغامقة من اتساع الحدقة لتتغلب علي الأزرق الذي لم يتبق منه غير إطار رفيع
- انا مش هعملك حاجة .. هنام جمبك بس !
ابتلعت ريقها نافية برأسها تعلم أنها تبدأ هكذا فِيما سحبها هو للغرفة ثم أغلق الباب لتتوقف برجفة ودموع هامسة بتوسل
- مش عاوزة .. انا ...
- انا عارف انك خايفة بس انا مش هعملك حاجة .. لو عملتلك زعقي اهه يوسف وروسيل معانا
نفت بدموع تعلم إن إقترب ستتشنج ولن تصرخ بسبب حالة التيبُس التي تُسيطر عليها وعلي عقلها
- خلاص مفيش مشكلة روحي نامي مع روسيل .. انا هنزل خلاص
- هتسبني ؟!
سألته بصدمة وكان هو يقصد ما قاله لتفهم ما فهمته
- لا مش هسيبك بس مش هنام لوحدي هنا .. فروحي انتِ لروسيل وانا هنزل الف بالعربية
ضمت قبضتها بقوة لتتوقف خلف الباب برعشة
- لا.. لا متنزلش ..
ابتسم من تمسكها به وذعرها من فكرة إختفائه رغم أنها عَلمت بضربه لها
- خلاص مش هنزل تعالي نعد بره بلاش ننام
أومأت براحة وكان هذا الأفضل بالنسبة إليها فهي تخشي النوم حتي لا تستيقظ علي اختفائه
- بكرة قول لبابا اني عملت حادثة !
قالتها بهدوء وهي جالسة فوق الأرض لتستند بظهرها للأريكة كما كان هو جالساً جانبها
ابتسم بسخرية فها عقلها قد أتي بفكرة لم تخطر له هو .. وبالفعل كدماتها لن تزول للغد
- وانتِ كنتِ بتقولي كده لما يضربك ؟!
ابتلعت ريقها بألم لتنفي بصمتٍ
- لا .. هو مكنش بيضرب وشي .. مرة بس ضربه وقلت اني وقعت علي السلم
أومأ بهدوء وكأنه يستمع لقصة ليس أكثر
- كان عنده كام سنة ؟!
زمت شفتيها برجفة من الصور التي تأتي أمام عقلها
- 18
- نعم ؟!!
سألها بدهشة من العمر وقد كان يظنه في العشرينات من العمر علي الأقل
- هو كان اصغر منك ؟!
نفت برأسها لتمسح دموعها بطرف أصابعها
- لا كان اكبر مني بخمس سنين !
وكانت تلك صدمته الحقيقية ! ..
انتفض ناظراً لها بعدم تصديق ليهمس بذهول
- هي ذكرياتك ومعرفتك بيه كنتِ .. كنتِ 13 سنة !!
ابتلعت ريقها وأومأت لتضم ركبتيها حتي صدرها ببكاء ، بينما ظل هو ثابتاً فقط صدره تحرك بجنون في صعود وهبوط من تنفسه، ولم يكن ليتخيل لحظة أن كل هذا حدث وقتما كانت طفلة !!
مسح وجهه برجفة تملكت من جسده وعندما انزل ذراعه انزلها خلفها ليضعها فوق كتفها في ضمة حانية جلبت بوجهها لصدره الخافق
وداخله عزم علي العثور عليه ... وأتت دانا وعائلتها في رأسه ليتوقع أن الفاعل من الممكن أن يكون أخوها إن كان لديها أو قريبٍ لها !!
ضمها لصدره أكثر هامساً فوق رأسها
- متخافيش .. نامي .. نامي ياميان !
*****

كيف عشقتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن