وَنَحۡنُ أَقۡرَبُ إِلَیۡهِ مِنۡ حَبۡلِ ٱلۡوَرِیدِ

290 16 4
                                    

اختلف العلماء في تفسير آية ﴿ وَنَحۡنُ أَقۡرَبُ إِلَیۡهِ مِنۡ حَبۡلِ ٱلۡوَرِیدِ﴾ [ق ١٦] على قولين، فمنهم من قال أن المقصود ب "نحن" هو الله عز وجل، ومنهم من قال أنهم الملائكة، وهذه بعض التفاسير في الآية أنقلها لكم ليتبين لكم على ما بنى كل واحد منهم لتفسير الآية (وكلهم تفاسير سلفنا الصالح) ⬇️

قال الله تعالى: ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (١٦) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ﴾ [ق ١٦، ١٧].
﴿نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾، ﴿حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾ هو الأوداج، وهما: العِرْقَان العظيمان المحيطان بالحلقوم، يُسَمَّى الوريد، ويسمى الوَدَج، وجمعه أوداج، ويُضْرَب المثل بهما في القرب، يقول: ﴿نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾، أي شيء أقرب إليه؟ أقرب شيء إلى قلبك هو حبل الوريد هذا، أقرب من المخ، وأقرب من كل شيء فيه الحياة، هما الوريدان.
﴿إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ﴾، قد اختلف المفسرون في قوله تعالى: ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾، هل المراد قرب ذاته جل وعلا، أو المراد قرب ملائكته؟ والصحيح أن المراد قرب ملائكته، ووجه ذلك أن قرب الله تعالى صفة عالية لا يليق أن تكون شاملة لكل إنسان؛ لأننا لو قلنا: إن المراد قرب ذات الله لكان قريبًا من الكافر، وقريبًا من المؤمن، لماذا يلزم ذلك؟ لأن الله قال: ﴿خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ﴾، أيّ إنسان خلق؟ المؤمن والكافر، ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ﴾ أي: إلى هذا الإنسان الذي خلقناه من حبل الوريد.
فإذا قلنا: الآية شاملة، وقلنا: إن القرب هنا القرب الذاتي، صار الله قريبًا بذاته ممن؟ من الكافر، وهذا غير لائق، بل الكافر عدو لله عز وجل.
لكن الراجح ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله؛ أن المراد بالقرب هنا قرب الملائكة، أي: أقرب إليه بملائكتنا، ثم استدل بقوله تعالى: ﴿إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ﴾، فـ﴿إِذْ﴾ بمعنى: حين، وهي متعلقة بـ﴿أَقْرَبُ﴾، أي: أقرب إليه في هذه الحال حين ﴿يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ﴾ [ق ١٧].
فإن قال قائل: كيف يضيف الله المسنَد إليه والمراد به الملائكة؟ ألهذا نظير؟ قلنا: نعم، له نظير، يقول الله تعالى لنبيه ﷺ: ﴿لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ﴾ [القيامة ١٦ - ١٨] ﴿قَرَأْنَاهُ﴾ المراد بذلك مَن؟ جبريل، ونسب الله فِعْل جبريل إلى نفسه؛ لأنه رسوله، كذلك الملائكة نسب الله قربهم إليه؛ لأنهم رسله، كما قال تعالى: ﴿أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ﴾ [الزخرف ٨٠]، وما اختاره شيخ الإسلام رحمه الله هو الصواب.
فإن قال قائل: وهل الله تعالى قريب من المؤمن على كل حال؟ قلنا: بل في بعض الأحوال، قال النبي ﷺ: «إِنَّ الَّذِي تَدْعُونَهُ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ عُنُقِ رَاحِلَتِهِ»(١)، فهذا قرب في حال الدعاء، مصداق ذلك قوله تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾ [البقرة ١٨٦]، كذلك هو قريب من المؤمن في حال السجود؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ»(٢).
وعلى هذا فيكون الله تعالى قريبًا من المؤمن حال عبادته لربه، وحال دعائه لربه.
أما القرب العام فإن المراد به القرب بالملائكة، على القول الراجح.
وقوله: ﴿إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ﴾ [ق ١٧] هما مَلَكَان بَيَّنَ الله مكانهما من العبد، فقال: ﴿عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ﴾.
﴿عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ﴾، ولم يقل: على اليمين وعلى الشمال؛ لأنهما ليسَا على الكتفين، بل هما في مكان قريب أقرب من حبل الوريد.
ولكن قد يقول قائل ملحد: أنا ألتمس حولي لا ألمس أحدًا، أين القعيد؟ فنقول: هذا من علم الغيب الذي لا تدركه عقولنا، وعلينا أن نصدِّق به ونؤمن به كما لو لمسناه بأيدينا، أو شاهدناه بأعيننا، أو غير ذلك من أدوات الحواس، علينا أن نؤمن بذلك؛ لأنه قول الله عز وجل.
تفسير القرآن الكريم — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ)

لأننا غاليات2 🌸حيث تعيش القصص. اكتشف الآن