*يوم تركتُ الصلاة!*
نجيب الزامل" السرّ في الصلاة أنها لا تغيّر العالم. الصلاة تغيّرنا نحن.. ونحن نغير العالم."
كنتُ شابا صغيرا، وكانت التياراتُ تلاحقنا في كل مكان، في كل كتاب، في كل نقاش، كانت أيام الثانوية أصعب أيام، وهي أيام الشك والحيرة، والضياع والزوغان بين مدارس الفكر الوضعي.
وأخذتني المدارس، واستلهمت كبار مفكري العالم، فانقطعت مدة طويلة متبتّلا بالفكر الألماني، ومع أني أقرأ من صغري بالإنجليزية، إلا أن تراجم الإنجليز لجوته، وتشيلر، وكانت، ونيتشه، وريلكه،
أخذت بلبي، ثم تعرفت على شبنهاور فصقل فكر نيتشه في رأسي عن عنفوان القوة، وعدّل البأس والجبروت، وكأنه دين يُبَشّر به، أخذني نيتشه إلى مسوّغاته، ومبرراته الصعبة التي كانت بمشقة تسلق جبال بافاريا، وكانت القمة هي ما أسماه مصطلحا "بالإرادة العليّة"، ثم قذفني إلى شواطئ برتراند الرسل المتصوف المادي الرياضي، وهُمْتُ بعد ذاك بمدارس الفابية مع برناردشو في شقـِّهِ الجاد، وتبتلتُ مع إنجلز..
*وأخذ الفكرُ يجرفني تماما وبعيدا عن الروح المتصلة بالسماء،* حيث اليقين كل شيء، حيث الإيمان هو الشمس التي تسطع من بعيد، ولكنها أقرب لك من أي عنصر في الكون، لأنها طاقة الوجود، *فضعت كثيرا، وتجبرت بما سفحت من معلومات وكتب، وظننت أني في تلك السن الباكرة قد جمعتُ سحرَ العلوم، وكأني خيميائي المعرفة*ولم أعد أقرأ الكتبَ التي كنت أتوسّدها في السابق حتى يغالبني النوم من أمهات الثقافة الدينية في التفسير والفقه الحديث، والأدب العربي..
ونفضتُ عني ما حسبت وقتها أنه عالمٌ عتيقٌ مليءٌ بغبار الغابر من التاريخ المعتم، إلى معارف تُشرق فيها أنوارُ العقل الإنساني متوهجا سواء في التاريخ أو المعاصر.*.. ثم تركتُ الصلاة.*
وكان مدرّسي -يرحمه الله- في اللغة العربية رجل من غزة متدين، وقويم الفكر، ويؤثرني لميلي إلى الاطلاع، ولظهوري في اللغة، ثم توطدتْ بيننا صداقةٌ غير صفيّة، *حتى انتزعتني أفكار الوجودية، والتي كانت أول مزالقي نحو كل الفلسفات،* وصار يقف ضد هذا التوجه ويحذرني كثيرا، ويقول لي لستَ في سنٍّ تحكم فيها على العالم، ولا على معارف أمتك ولا أمم الآخرين.. *ارجع إلى منبعك، وانهل منه، وتقوّ، ثم رِدْ من كل منهل،* وستجد أنك ستتذوقه وتعرف مكوّناته، ولكن لن تدخله جوفك؛ لأن ذائقتك المعرفية المتينة من بنيان تشرّبك المعرفي لدينك وثقافتك ستمنعك من ذاك.
ولكني تماديت، وشعرت أنّ موجة مشرقة أخذتني منه بعيدا تاركا له كل بحار الظلام.!وأنا في طريقي المادي الجديد، بدأت في سن السابعة عشرة أكتب لمجلة "الجمهور" اللبنانية، وكانوا يحسبوني شخصا كبيرا في بلادي، ويخاطبوني كما يخاطبون الكبار، وتـُرسل لي تحويلات النقد، ثم صرتُ أكتب في مجلةٍ إنجليزيةٍ تصدر من البحرين، *ودار اسمي تحت اسم المفكر المتحرر*
وكانت كتاباتي تنضح عما في داخلي من معلومات وكتبٍ سفحتها سنوات لا أرفع رأسي من متن كتابٍ إلا إلى آخر، فأغوتني علوم الفلك والإنسان، والحفريات التاريخية، والطب، والجغرافيا.. وكنت أقرأ لعلماء أتأكد من كونهم غير روحانيين.. حتى لا يشوشوا عليّ بأفكار لا تثبت بالاستدلال المادي.. وانفتحت أمامي المجلاتُ والصحف، وصرت أكتب وأنا في الثانوية بغزارةٍ لمجلات وجرائد في لبنان، الكويت، إيران، البحرين، وأمريكا..
*وانفتنتُ بنفسي..*
*وأرى أستاذي، وأكاد أطل عليه بمكابرةٍ من علٍ.**"لماذا لم تعد تصلي؟" سألني أستاذي بحدة عميقة،*
فأجبته: "وهل تغير الصلاةُ العالم؟" فأجابني إجابة طيرت عقلي، وخلخلت أركانَ نفسي التي ظننت أنها مكينة: *"نعم الصلاة لا تغيّر العالم، ولكنها تغيرنا فنغير نحن العالم"*
ولكني صارعت أثر الجملة المريعة.. ومضيت في غيِّي.مرت سنوات، عدت للمنزل.. وكان بيتنا لا مهادنة فيه بالنسبة للصلاة وفي المسجد، كان أبي يجعل من خروجه للمسجد طقسا ضوئيا، ووالدتي توقظنا للصلاة قبل أن يصدح الأذان..
جرْجرتُ نفسي وعدتُ للصلاة، ولكن مكابرتي كانت في الداخل.ويوماً مرضتُ.. *وقال لي الطبيب: "آسف يا نجيب، ستموت لا محالة بعد تسعة أشهر"!*
كنت في مدينة تاكوما الساحلية بأمريكا، ورحتُ وحيدا إلى تلة خضراء، ورأيت المحيط الجبّارَ شاسعا أمامي.. ولا شيء إلا أنا والسماء والماء.. والموت، والحياة. وسألت نفسي هل أغيّرُ شيئا؟"!
ورحت متأملا، والدموع تنفر فتغطي شساعة المحيط بسرابيةٍ مهيبةٍ مبهمة.. *وفجأة، قفزت تلك العبارة إلى رأسي:* " الصلاة تغيرنا، ونحن نغير العالم".. وبسرعة ذهبت إلى حيث أقيم وأبرقت لأستاذي تلك الجملة بلا مقدمات ولا خواتيم.. وردّ عليّ: " لقد استردك الله.. عش مطمئنا."أعظم صلاة أخذت بمجامعي كانت على ساحل الأطلسي في تاكوما الأمريكية.. وعرفت أن الله حق.. وعرفت ما معنى الحق.. وأن معناه النهائي في السماء لا في الأرض..
*ولم أمُتْ.. حتى الآن.*
المصدر : الاقتصادية
__
لم يَمُت حتى الآن .. لأنه انسَلَخ من العالَم المادي المَحدود، إلى العالم الروحاني اللا محدود، المليئ بالمعجزات .. حيثُ الله، خالِق كل شي، والذي بيده كل شيء .. سبحانك إنا نحبك يا الله .."اللهم إن كان الغافلون والغاوون بقلوب تتحرك بموعضة بسيطة أو بحدث إيماني يمر أمام أعينهم فيغيرهم، فارزقهم إياه؛ وإن كانوا عنيدون ومصرِّون على ما هم عليه، فارزقهم ابتلاءً يهز كيَانهم ويردهم إليك.." -أن يُبتَلَووا ويُصابوا خير لهم من أن يعيشوا في ضلال-.
#لله_قلمي
![](https://img.wattpad.com/cover/118825263-288-k907000.jpg)
أنت تقرأ
لأننا غاليات2 🌸
Espiritualهذا الكتاب عبارة عن مجموعة كتابات قصيرة تعرفك على قيمتك عند ربك، على قيمة حجابك، صدقيني اقرئي كلماتي بصدق اقرئيها بقلبك قبل عينيك لن تندمي قسما بالله ستتغير حياتك من ضنك لراحة نفسية شاملة أنت غالية أحبك في الله و أتمنى من الله أن يجمعني معك تح...