﴿أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِینَ یُزَكُّونَ أَنفُسَهُمۚ بَلِ ٱللَّهُ یُزَكِّی مَن یَشَاۤءُ وَلَا یُظۡلَمُونَ فَتِیلًا (٤٩) ٱنظُرۡ كَیۡفَ یَفۡتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَۖ وَكَفَىٰ بِهِۦۤ إِثۡمࣰا مُّبِینًا (٥٠) أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِینَ أُوتُوا۟ نَصِیبࣰا مِّنَ ٱلۡكِتَـٰبِ یُؤۡمِنُونَ بِٱلۡجِبۡتِ وَٱلطَّـٰغُوتِ وَیَقُولُونَ لِلَّذِینَ كَفَرُوا۟ هَـٰۤؤُلَاۤءِ أَهۡدَىٰ مِنَ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ سَبِیلًا (٥١) أُو۟لَـٰۤىِٕكَ ٱلَّذِینَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُۖ وَمَن یَلۡعَنِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُۥ نَصِیرًا (٥٢)﴾ [النساء ٤٩-٥٢]
قَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، وَهِيَ قَوْلُهُ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ﴾ فِي الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، حِينَ قَالُوا: ﴿نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ﴾
وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: نَزَلَتْ فِي قَوْلِهِمْ: ﴿نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ﴾ [الْمَائِدَةِ:١٨] ، وَفِي قَوْلِهِمْ: ﴿وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إَلا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى﴾ [الْبَقَرَةَ:١١١] .
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: كَانُوا يُقَدِّمُونَ الصِّبْيَانَ أَمَامَهُمْ فِي الدُّعَاءِ وَالصَّلَاةِ يَؤُمُّونَهُمْ، وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ لَا ذَنْبَ لَهُمْ(١) .
وَكَذَا قَالَ عِكْرِمَةُ، وَأَبُو مَالِكٍ. رَوَى ذَلِكَ ابْنُ جَرِيرٍ.
وَقَالَ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُم﴾ وَذَلِكَ أَنَّ الْيَهُودَ قَالُوا: إِنَّ أَبْنَاءَنَا تُوُفُّوا وَهُمْ لَنَا قُرْبَةٌ، وَسَيَشْفَعُونَ لَنَا وَيُزَكُّونَنَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ [ﷺ](٢) ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُم بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلا﴾(٣) رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُصَفَّى، حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْرٍ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ بِشْرِ بْنِ أَبِي عَمْرٍو(٤) عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَتِ الْيَهُودُ يُقَدِّمُونَ صِبْيَانَهُمْ يُصَلُّونَ بِهِمْ، وَيُقَرِّبُونَ قُرْبَانَهُمْ وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ لَا خَطَايَا لَهُمْ وَلَا ذُنُوبَ. وَكَذَبُوا. قَالَ(٥) اللَّهُ [تَعَالَى](٦) إِنِّي لَا أُطَهِّرُ ذَا ذَنْبٍ بِآخِرَ لَا ذَنْبَ لَهُ" وَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ﴾
ثُمَّ قَالَ: وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَأَبِي مَالِكٍ، وَالسُّدِّيِّ، وَعِكْرِمَةَ، وَالضَّحَّاكِ -نَحْوُ ذَلِكَ.
وَقَالَ الضَّحَّاكُ: قَالُوا: لَيْسَ لَنَا ذُنُوبٌ، كَمَا لَيْسَ لِأَبْنَائِنَا ذُنُوبٌ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ ذَلِكَ فِيهِمْ.
وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي ذَمِّ التَّمَادُحِ وَالتَّزْكِيَةِ.
وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عِنْدَ(٧) مُسْلِمٍ، عَنِ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ نَحْثُوَ فِي وُجُوهِ الْمَدَّاحِينَ التُّرَابَ(٨) .
وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ الْمُخْرَّجِ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ طَرِيقِ خَالِدٍ الْحِذَاءِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم سَمِعَ رَجُلًا يُثْنِي عَلَى رَجُلٍ، فَقَالَ: "وَيْحَكَ. قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ". ثُمَّ قَالَ: "إِنْ كَانَ أَحَدُكُمْ مَادِحًا صَاحِبَهُ لَا مَحَالَةَ، فَلْيَقُلْ: أَحْسَبُهُ كَذَا وَلَا يُزَكِّي عَلَى اللَّهِ أَحَدًا"(٩) .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: مَنْ قَالَ: أَنَا مُؤْمِنٌ، فَهُوَ كَافِرٌ. وَمَنْ قَالَ: هُوَ عَالَمٌ، فَهُوَ جَاهِلٌ. وَمَنْ قَالَ: هُوَ فِي الْجَنَّةِ، فَهُوَ فِي النار(١٠) وَرَوَاهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ، مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ كُرَيْزٍ، عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: إِنْ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ إِعْجَابُ الْمَرْءِ بِرَأْيِهِ، فَمَنْ قَالَ: إِنَّهُ مُؤْمِنٌ، فَهُوَ كَافِرٌ، وَمَنْ قَالَ: إِنَّهُ عَالَمٌ فَهُوَ جَاهِلٌ، وَمَنْ قَالَ: إِنَّهُ فِي الْجَنَّةِ، فَهُوَ فِي النَّارِ(١١) .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حدثنا شعبة وَحَجَّاجٌ، أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مَعْبَدٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ: كَانَ مُعَاوِيَةُ قَلَّمَا يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَ: وَكَانَ قَلَّمَا يَكَادُ أَنْ يَدَعَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ أَنْ يُحَدِّثَ بِهِنَّ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، يَقُولُ: "مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهُهُ فِي الدِّينِ، وَإِنَّ هَذَا الْمَالَ حُلْوٌ خَضِرٌ، فَمَنْ يَأْخُذُهُ بِحَقِّهِ يُبَارَكُ لَهُ فِيهِ، وَإِيَّاكُمْ وَالتَّمَادُحَ فَإِنَّهُ الذَّبْحُ"(١٢) .
وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ مِنْهُ: "إِيَّاكُمْ وَالتَّمَادُحَ فَإِنَّهُ الذَّبْحُ" عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ غُنْدَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ بِهِ(١٣) .
وَمَعْبَدٌ هَذَا هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُوَيْمٍ الْبَصْرِيُّ الْقَدَرِيُّ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمَسْعُودِيُّ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: إِنَّ الرَّجُلَ لَيَغْدُو بِدِينِهِ، ثُمَّ يَرْجِعُ وَمَا مَعَهُ مِنْهُ شَيْءٌ، يَلْقَى الرَّجُلَ لَيْسَ يَمْلِكُ لَهُ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا فَيَقُولُ لَهُ: وَاللَّهِ إِنَّكَ كَيْتُ وَكَيْتُ(١٤) فَلَعَلَّهُ أَنْ يَرْجِعَ وَلَمْ(١٥) يَحِلَّ مِنْ حَاجَتِهِ بِشَيْءٍ وَقَدْ أَسْخَطَ اللَّهَ. ثُمَّ قَرَأَ ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ﴾ الْآيَةَ.
وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ مُطَوَّلًا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى﴾ [النَّجْمِ:٣٢] . وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ﴾ أَيْ: الْمَرْجِعُ فِي ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ(١٦) لِأَنَّهُ عَالِمٌ بِحَقَائِقِ الْأُمُورِ وَغَوَامِضِهَا.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلا﴾ أَيْ: وَلَا يُتْرَكُ لِأَحَدٍ مِنَ الْأَجْرِ مَا يُوَازِنُ مِقْدَارَ الْفَتِيلِ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَعِكْرِمَةُ، وَعَطَاءٌ، وَالْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ: هُوَ مَا يَكُونُ فِي شِقِّ النَّوَاةِ.
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا: هُوَ مَا فَتَلْتَ بين أصابعك. وكلا القولين متقارب. * * *
وَقَوْلُهُ: ﴿انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ﴾ أَيْ: فِي تَزْكِيَتِهِمْ أَنْفُسَهُمْ وَدَعْوَاهُمْ أَنَّهُمْ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ وَقَوْلِهِمْ: ﴿لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى﴾ [الْبَقَرَةِ:١١١] وَقَوْلِهِمْ: ﴿لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّامًا مَعْدُودَةً﴾ [الْبَقَرَةِ:٨٠] وَاتِّكَالِهِمْ(١٧) عَلَى أَعْمَالِ آبَائِهِمُ الصَّالِحَةِ، وَقَدْ حَكَمَ الله أن أعمال الْآبَاءِ لَا تُجْزِي عَنِ الْأَبْنَاءِ شَيْئًا، فِي قَوْلِهِ: ﴿تِلْكَ أُمَةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ [وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ](١٨) ﴾ [الْبَقَرَةِ:١٤١] .
ثُمَّ قَالَ: ﴿وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا﴾ أَيْ: وَكَفَى بِصُنْعِهِمْ(١٩) هَذَا كَذِبًا وَافْتِرَاءً ظَاهِرًا. * * *
وَقَوْلُهُ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ﴾ أَمَّا "الْجِبْتُ" فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ حَسَّانَ بْنِ فَائِدٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ: "الْجِبْتُ": السِّحْرُ، وَ "الطَّاغُوتُ": الشَّيْطَانُ.
وَهَكَذَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي الْعَالِيَةِ، وَمُجَاهِدٍ، وَعَطَاءٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالْحَسَنِ، وَالضَّحَّاكِ، وَالسُّدِّيِّ.
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي الْعَالِيَةِ، وَمُجَاهِدٍ، وَعَطَاءٍ، وَعِكْرِمَةَ، [وَأَبِي مَالِكٍ](٢٠) وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالْحَسَنِ، وَعَطِيَّةَ: "الْجِبْتُ" الشَّيْطَانُ -زَادَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بِالْحَبَشِيَّةِ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا: "الْجِبْتُ": الشِّرْكُ. وَعَنْهُ: "الْجِبْتُ": الْأَصْنَامُ.
وَعَنِ الشَّعْبِيِّ: "الْجِبْتُ": الْكَاهِنُ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: "الْجِبْتُ": حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ: "الْجِبْتُ": كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ.
وَقَالَ الْعَلَّامَةُ أَبُو نَصْرِ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ حَمَّادٍ الْجَوْهَرِيُّ فِي كِتَابِهِ "الصِّحَاحِ": "الْجِبْتُ" كَلِمَةٌ تَقَعُ عَلَى الصَّنَمِ وَالْكَاهِنِ(٢١) وَالسَّاحِرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَفِي الْحَدِيثِ: "الطِّيَرَةُ وَالْعِيَافَةُ وَالطَّرْقُ مِنَ الْجِبْتِ" قَالَ: وَهَذَا لَيْسَ مِنْ مَحْضِ الْعَرَبِيَّةِ، لِاجْتِمَاعِ الْجِيمِ وَالتَّاءِ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ(٢٢) مِنْ غَيْرِ حَرْفٍ ذَوْلَقِيٍّ.(٢٣)
وَهَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي ذكره، رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ فَقَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا، عَوْفٌ عَنْ حَيَّانَ أَبِي الْعَلَاءِ، حَدَّثَنَا قَطَنُ بْنُ قَبِيصَةَ، عَنْ أَبِيهِ -وَهُوَ قَبِيصَةُ بْنُ مُخَارِقٍ-أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: "إِنَّ الْعِيَافَةَ وَالطَّرْقَ وَالطِّيَرَةَ مِنَ الْجِبْتِ" وَقَالَ عَوْفٌ: "الْعِيَافَةُ": زَجْرُ الطَّيْرِ، وَ"الطَّرْقُ": الْخَطُّ، يُخَطُّ فِي الْأَرْضِ، وَ"الْجِبْتُ" قَالَ الْحَسَنُ: إِنَّهُ الشَّيْطَانُ.
وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي تَفْسِيرَيْهِمَا مِنْ حَدِيثِ عَوْفٍ الْأَعْرَابِيِّ، بِهِ(٢٤)
وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى "الطَّاغُوتِ" فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ هَاهُنَا.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ الضَّيْفِ، حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهُ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ "الطَّوَاغِيتِ" فَقَالَ: هُمْ كُهَّانٌ تَنْزِلُ عَلَيْهِمُ الشَّيَاطِينُ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: "الطَّاغُوتُ": الشَّيْطَانُ فِي صُورَةِ إِنْسَانٍ، يَتَحَاكَمُونَ إِلَيْهِ، وَهُوَ صَاحِبُ أَمْرِهِمْ.
وَقَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ: "الطَّاغُوتُ": هُوَ كُلُّ مَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ. * * *
وَقَوْلُهُ: ﴿وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلا﴾ أَيْ: يُفَضِّلُونَ الْكَفَّارَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِجَهْلِهِمْ، وَقِلَّةِ دِينِهِمْ، وَكَفْرِهِمْ بِكِتَابِ اللَّهِ الَّذِي بِأَيْدِيهِمْ.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْمَقْرِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: جَاءَ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ وَكَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ، فَقَالُوا لَهُمْ: أَنْتُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ وَأَهْلُ الْعِلْمِ، فَأَخْبِرُونَا عَنَّا وَعَنْ مُحَمَّدٍ، فَقَالُوا: مَا أَنْتُمْ وَمَا مُحَمَّدٌ. فَقَالُوا: نَحْنُ نَصِلُ الْأَرْحَامَ، وَنَنْحَرُ الْكَوْمَاءَ، وَنَسْقِي الْمَاءَ عَلَى اللَّبَنِ، وَنَفُكُّ الْعُنَاةَ، وَنَسْقِي الْحَجِيجَ -وَمُحَمَّدٌ صُنْبُورٌ، قَطَّعَ أَرْحَامَنَا، وَاتَّبَعَهُ سُرَّاقُ الْحَجِيجِ بَنُو(٢٥) غِفَارٍ، فَنَحْنُ خَيْرٌ أَمْ هُوَ؟ فَقَالُوا: أَنْتُمْ خَيْرٌ وَأَهْدَى سَبِيلًا. فَأَنْزَلَ اللَّهُ ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ [الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلا](٢٦) ﴾ .
وَقَدْ رُوِيَ هَذَا مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ مَكَّةَ قَالَتْ قُرَيْشٌ: أَلَا تَرَى هَذَا الصُّنْبُورَ الْمُنْبَتِرَ مِنْ قَوْمِهِ؟ يَزْعُمُ أَنَّهُ خَيْرٌ مِنَّا، وَنَحْنُ أَهْلُ الْحَجِيجِ، وَأَهْلُ السِّدَانَةِ، وَأَهْلُ السِّقَايَةِ! قَالَ: أَنْتُمْ خَيْرٌ. قَالَ فَنَزَلَتْ(٢٧) ﴿إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ﴾ [الْكَوْثَرِ:٣] وَنَزَلَ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ﴾ إِلَى ﴿نَصِيرًا﴾ .
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُحَمَّدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ أَوْ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ الَّذِينَ حَزَّبُوا الْأَحْزَابَ مِنْ قُرَيْشٍ وَغَطَفَانَ وَبَنِي قُرَيْظَةَ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ وَسَلَّامُ بْنُ أَبِي الْحُقَيْقِ أَبُو رَافِعٍ، وَالرَّبِيعُ بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ، وَأَبُو عَمَّارٍ، وَوَحْوَحُ(٢٨) بْنُ عَامِرٍ، وَهَوْذَةُ بْنُ قَيْسٍ. فَأَمَّا وَحْوَحُ(٢٩) وَأَبُو عَمَّارٍ وَهَوْذَةُ فَمِنْ بَنِي وَائِلٍ، وَكَانَ سَائِرُهُمْ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ، فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى قُرَيْشٍ قَالُوا هَؤُلَاءِ أَحْبَارُ يَهُودَ وَأَهْلُ الْعِلْمِ بِالْكُتُبِ الْأُوَلِ(٣٠) فَسَلُوهُمْ: أَدِينُكُمْ خَيْرٌ أَمْ دِينُ مُحَمَّدٍ؟ فَسَأَلُوهُمْ، فَقَالُوا: بَلْ دِينُكُمْ خَيْرٌ مِنْ دِينِهِ، وَأَنْتُمْ أَهْدَى مِنْهُ وَمِمَّنِ اتَّبَعَهُ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ [الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلا. أُولَئِك الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا](٣١) ﴾ إِلَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا﴾ .
وَهَذَا لَعْنٌ لَهُمْ، وَإِخْبَارٌ بِأَنَّهُمْ لَا نَاصِرَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ، لِأَنَّهُمْ إِنَّمَا ذَهَبُوا يَسْتَنْصِرُونَ بِالْمُشْرِكِينَ، وَإِنَّمَا قَالُوا لَهُمْ ذَلِكَ ليستميلوهم إلى نصرتهم، وقد أجابوهم، وجاؤوا مَعَهُمْ يَوْمَ الْأَحْزَابِ، حَتَّى حَفَرَ النَّبِيُّ ﷺ وَأَصْحَابُهُ حَوْلَ الْمَدِينَةِ الْخَنْدَقَ، فَكَفَى اللَّهُ شَرَّهُمْ ﴿وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا﴾
[الْأَحْزَابِ:٢٥] .
(١) في أ: "لا ذنوب لهم". (٢) زيادة من أ. (٣) زيادة من ر، أ، وفي هـ: "الآية". (٤) في أ: "عمرة". (٥) في أ: "فقال". (٦) زياد من أ. (٧) في أ: "عن". (٨) صحيح مسلم برقم (٣٠٠٢) (٩) صحيح البخاري برقم (٢٦٦٢) وصحيح مسلم برقم (٣٠٠٠) . (١٠) رواه حنبل بن إسحاق عن أحمد به كما في مسند عمر بن الخطاب رضي الله عنه للحافظ ابن كثير (٢/ ٥٧٤) . (١١) ذكره ابن كثير في مسند عمر بن الخطاب (٢/٥٧٤) وطلحة لم يدرك عمر فهو منقطع (١٢) المسند (٤/٩٣) . (١٣) سنن ابن ماجة برقم (٣٧٤٣) وقال البوصيري في الزوائد (٣/١٨١) : "هذا إسناد حسن، معبد مختلف فيه، وباقي رجال الإسناد ثقات". (١٤) في ر، أ: "إنك لذيت وذيت". (١٥) في أ: "وما". (١٦) في أ: "تعالى". (١٧) في أ: "تميزهم باتكالهم". (١٨) زيادة من ر، أ. (١٩) في د: "بصنيعهم". (٢٠) زياد من ر، أ. (٢١) في ر: "الكافر". (٢٢) في أ: "في حرف واحد". (٢٣) الصحاح (١/٢٤٥) (٢٤) المسند (٥/٦٠) وسنن أبي داود برقم (٣٩٠٧) وسنن النسائي الكبرى برقم (١١١٠٨) . (٢٥) في د: "من". (٢٦) زيادة من ر، أ. (٢٧) في أ: "فنزلت فيهم". (٢٨) في أ: "دحرج". (٢٩) في أ: "دحرج". (٣٠) في ر، أ: "الأولى". (٣١) زيادة من أ.(تفسير القرآن العظيم — ابن كثير (٧٧٤ هـ))
أنت تقرأ
لأننا غاليات2 🌸
Duchoweهذا الكتاب عبارة عن مجموعة كتابات قصيرة تعرفك على قيمتك عند ربك، على قيمة حجابك، صدقيني اقرئي كلماتي بصدق اقرئيها بقلبك قبل عينيك لن تندمي قسما بالله ستتغير حياتك من ضنك لراحة نفسية شاملة أنت غالية أحبك في الله و أتمنى من الله أن يجمعني معك تح...